على الرغم من أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، اتفقا في تموز/يوليو الماضي على الانتهاء من صياغة اتفاقٍ بشأن ملء وتشغيل سد النهضة خلال 4 أشهر عبر سلسلة من المفاوضات، إلا أن الاجتماع الوزاري الثلاثي حول أزمة السد الذي انعقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يومي 23 و 24 أيلول/سبتمبر الجاري، لم يُسفر عن تحقيق أي تقدم، وهو ما ينذر بنتائج وعواقب سلبية ما لم يتم التوصل لاحقا إلى صيغة توافقية، ويضع القاهرة أمام تحديات جمّة.

الجولة الثانية من مفاوضات “سد النهضة” والتي جاءت في إطار استكمال جولات التفاوض التي بدأت بالقاهرة في آب/أغسطس الماضي، عُقدت في غياب أطراف دولية، وفي ظل تحذيرات مصرية من استمرار إثيوبيا في التصرفات الأحادية المخالفة للقانون الدولي، المتعلقة بمواصلة بناء وملء السد من دون اتفاق بين الدول الثلاث، الأمر الذي سيُلقي بظلال غير إيجابية على العملية التفاوضية الراهنة، ويهدد بتقويضها.

من هنا تبرز التساؤلات حول أسباب تعثر مفاوضات “سد النهضة” بين مصر وإثيوبيا والسودان، وكذلك الخيارات المطروحة أمام القاهرة بشأن هذه الأزمة، خاصة بعد أن اعتبر وزير الخارجية المصري سامح شكري، أن إثيوبيا تتمادى بملء السد بشكل أحادي، بالإضافة إلى الحديث عن معاناة مصر من عجز مائي يعادل 50 بالمئة من احتياجاتها.

فشل مفاوضات “سد النهضة”

مساء يوم أمس الأحد، انتهى الاجتماع الوزاري الثلاثي بشأن “سد النهضة” في أديس أبابا، يومي السبت والأحد، بمشاركة وفود التفاوض من مصر والسودان وإثيوبيا، في سبيل التوصل لاتفاق ما بخصوص هذه الأزمة، التي تصاعدت حدّتها مؤخرا، لكن الاجتماع حال دون أي تقدم يُذكر.

وزير الري المصري خلال مشاركته في الجولة الثانية لمفاوضات “سد النهضة” بأديس أبابا (مجلس الوزراء المصري)

على إثر ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري المصري، إن الجولة التفاوضية المنتهية لم تُسفر عن تحقيق تقدم يُذكر، حيث شهدت توجها إثيوبيا للتراجع عن عدد من التوافقات التي سبق التوصل إليها بين الدول الثلاث في إطار العملية التفاوضية، مع الاستمرار في رفض الأخذ بأي من الحلول الوسط المطروحة.

كما أضاف في بيان صحفي قبل ساعات قليلة، أن أديس أبابا تتراجع عن الترتيبات الفنية المتفق عليها دوليا والتي من شأنها تلبية المصالح الإثيوبية اتصالا بـ”سد النهضة” دون الافتئات على حقوق ومصالح دولتي المصب، مشيرا إلى أن الوفد التفاوضي المصري يستمر في التفاوض بجدّية بناءً على محددات واضحة، تتمثل في الوصول لاتفاق ملزم قانونا على قواعد ملء وتشغيل السد، على النحو الذي يحفظ مصالح مصر الوطنية ويحمي أمنها المائي واستخداماتها المائية، ويحقق في الوقت ذاته مصالح الدول الثلاث بما في ذلك المصالح الإثيوبية المُعلنة.

المتحدث المصري نوّه إلى أنه بات من الضروري التحلي بالإرادة السياسية والجدّية اللازمين للتوصل، بلا إبطاء، إلى اتفاق قانوني ملزم على قواعد ملء وتشغيل “سد النهضة”، وذلك في الإطار الزمني المُتفق عليه بين الدول الثلاث، بناء على لقاء قيادتي مصر وإثيوبيا في 13 تموز/يوليو الماضي، مشددا على توافر العديد من الحلول الفنية والقانونية التي من شأنها التوصل للاتفاق المنشود.

أسباب فشل المفاوضات

وزير الخارجية المصري، وفق بيان رسمي صادر عن وزارة الموارد المائية والري المصرية، يوم السبت الفائت، يقول، إن إثيوبيا مستمرة في عملية ملء “سد النهضة” في غياب الاتفاق اللازم، وهو ما يُعتبر انتهاكا لاتفاق إعلان المبادئ الموقّع في 2015، بينما يقول رئيس المفاوضين الإثيوبيين في المحادثات بشأن السد، السفير سيلشي بيكيلي، إن بناء وملء السد يتوافقان مع إعلان المبادئ بين إثيوبيا ومصر والسودان.

عضو المجلس المصري للشؤون للخارجية الدكتور أيمن سلامة، يرى أن الموقف المصري المائي والتفاوضي الآن، بعد الملء الرابع لأكبر سد في القارة الإفريقية “سد النهضة”، عسيرٌ وليس سهلا.

كما وترفض إثيوبيا تماما إبرام اتفاق فني يترجم المبادئ العامة العشرة المنصوص عليها في اتفاق المبادئ لـ”سد النهضة” الذي تم التوقيع عليه في الخرطوم في آذار/مارس 2015، على اعتبار أن هذا الاتفاق سيكون اتفاقا تفصيليا تفسيريا ملزما لإثيوبيا ومصر والسودان، وفق ما أوضح عضو المجلس المصري للخارجية لموقع “الحل نت”.

عضو المجلس المصري للشؤون للخارجية أشار إلى أنه لا يوجد أرضية قانونية أو فنية مشتركة للاتفاق بين إثيوبيا، دولة منبع نهر النيل الأزرق، ومصر، دولة المصب.

عضو المجلس المصري للشؤون للخارجية الدكتور أيمن سلامة لموقع “الحل نت”

بالتالي فإن الاتفاق على القضايا الصعبة مثل أزمة السد أمرٌ صعبٌ للغاية، حيث تُعتبر هذه القضايا خلافية ومثيرة للجدل منذ أن بدأت إثيوبيا في بناء “سد النهضة” عام 2011، طبقا لتعبير سلامة.

في الاجتماعات الأخيرة، سواء في مصر أو أديس أبابا، لم يكن هناك حضور لأطراف دولية مثل “الاتحاد الأوروبي أو خبراء البنك الدولي أو خبراء الاتحاد الإفريقي”، رغم أنهم كانوا يحضرون في السنوات السابقة كمراقبين، حيث اشترطت إثيوبيا عليهم ألا يتحدثوا إلا إذا طلب منهم ذلك، وبذلك أصبحوا متفرجين دون إبداء رأي. لذلك، في نيسان/أبريل 2021، وفي اجتماع وزراء الري والخارجية في كينشاسا، اتفقت مصر والسودان على الوساطة مع بعض الأطراف الدولية حتى يكون لها دور فعّال في المفاوضات، لكن إثيوبيا رفضت مبدأ الوساطة بشكل كامل، وتوقفت المفاوضات منذ ذلك التاريخ، وفق أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، لموقع “الحل نت”.

بالتالي فإن المعرقل الرئيسي للتوصل إلى اتفاقية تحفظ حقوق المياه للدول الثلاثة، هي إثيوبيا التي لا تبدي حتى الآن أية جدّية أو مرونة في مفاوضات “سد النهضة”، على حد تعبيره.

هذا وكانت مصر قد أعلنت في وقت سابق أن جولة التفاوض الماضية بالقاهرة لم تشهد تغيرات ملموسة في مواقف الجانب الإثيوبي، لافتة إلى أنها ستستمر في مساعيها الحثيثة للتوصل في أقرب فرصة إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، بما يراعي المصالح والثوابت المصرية بالحفاظ على أمنها المائي.

منذ عام 2011 تتفاوض هذه الدول الثلاث للوصول إلى اتفاق بشأن ملء “سد النهضة” وتشغيله، إلا أن جولات طويلة من التفاوض بين مصر وإثيوبيا والسودان، لم تتوصل حتى الآن إلى أي اتفاق يُذكر.

خيارات مصر

يوم السبت الفائت، قال وزير الخارجية المصري، إن مصر تعاني عجزا شديدا في المياه يزيد عن 50 بالمئة من احتياجات مصر المائية، مما يفرض عليها إعادة استخدام المياه المحدودة المتاحة لعدة مرات، كاشفا في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن ندرة الموارد المائية، والعجز في نصيب الفرد من المياه في مصر، أدى إلى استيراد مياه افتراضية في صورة واردات غذائية بقيمة 15 مليار دولار سنويا، بحسب ما أورد موقع “ذات مصر”.

سد النهضة الإثيوبي- “رويترز”

من جنب آخر، تخشى مصر من تأثير السد الذي تبنيه أديس أبابا على النيل الأزرق، كونها تعتمد على نهر النيل في تأمين 97 بالمئة من احتياجاتها المائية. ودشّنت إثيوبيا رسميا في شباط/فبراير 2022، إنتاج الكهرباء من السد. وتم تعديل هدف إنتاجه من 6500 إلى 5000 ميغاوات، أي ضعف إنتاج إثيوبيا الحالي، ويُتوقع أن يبلغ كامل طاقته الإنتاجية عام 2024.

آبي أحمد، زعم في خطاب سابق أمام أعضاء “البرلمان الإثيوبي”، أن “رغبة إثيوبيا هي التنمية فقط، وتعمل على التأكد من مرور كمية مياه كافية إلى السودان ومصر بصورة لا تضر بإثيوبيا، وتعمل على الإيفاء باحتياجاتهما”.

غير أن العديد من الخبراء يرون أن تصريحات المسؤولين الإثيوبيين لا تختلف عن أي تصريحات سابقة، وأن هدفها التسكين والمراوغة، والمحاولة في التسويف وفرض سياسة الأمر الواقع، وسط الحرب المستمرة في السودان.

في سياق الخيارات المطروحة أمام مصر بشأن أزمة “سد النهضة”، يرى الأكاديمي أيمن سلامة، أن مصر لن تُجني أي ثمرة من الانسحاب من اتفاق إعلان المبادئ الموقّع بين الدول الثلاث عام 2015. وفي الوقت نفسه، أشار سلامة، إلى أنه لا توجد خيارات متاحة أمام مصر غير ما نصت عليه المادة العاشرة من إعلان المبادئ لاتفاق “سد النهضة” ذاته.

طبقا لسلامة، فإنه من الآليات المنصوص عليها للتوصل إلى اتفاق بشأن الموارد المائية للنيل الأزرق، المفاوضات والمشاورات والوساطات، إلا أن جميعها باءت بالفشل حتى الآن، خاصة في ظل غياب أطراف دولية فاعلة، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في المفاوضات الأخيرة بين مصر وإثيوبيا والسودان، ولا يُعرف ما ستؤول إليه الأمور في هذا الصدد وسط كل ذلك وغياب الاهتمام الدولي عن هذا الملف.

لكن لخيار لجوء القاهرة إلى رفع القضية لمجلس الأمن الدولي قد يجد نفعا، والضغط على الأطراف للمثول أمام قواعد القانون الدولي والحقوق المشروعة في الموارد المائية للدول الثلاثة، أي أن حلّ هذا الملف رهنُ تفعيل الوساطة الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية لضمان حصة السودان وحقوق مصر التاريخية في مياه النيل، وكذلك القضايا الإقليمية وأُطر الصراع الذي تُحتشد كافة مفاعيله داخليا وإقليميا ودوليا.

كذلك، أشار أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية، عباس شراقي، في حديثه لـ”الحل نت” إلى أن وقوع كارثة انهيار سدود مدينة درنة الليبية، وتضاعف المخاوف الدولية من تكرار مثل هذا النوع من الكوارث، يمكن أن يفيد في العودة إلى مجلس الأمن، ليس باعتبار “سد النهضة” قضية مائية، لكن باعتباره خطرا وجوديا على ملايين من السكان في السودان ومصر.

عباس شراقي نوّه إلى وجود السد الإثيوبي في منطقة نشطة زلزاليا، وتخزينه كميات مياه تصل إلى 3 آلاف ضعف المياه المخزنة وراء سدّي درنة، فضلا عن وجود العديد من الدراسات العلمية، التي تشير إلى مخالفته قواعد الهندسة الإنشائية، والتي تجعل منه خطرا يستوجب تدخلا دوليا.

أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، لموقع “الحل نت”

يبدو جليا أن انخراط إثيوبيا في عمليات التفاوض، بالتزامن مع إعلانها عن هذا الشهر، الانتهاء من الملء الرابع للسد، يدلل بمدى عدم جدّيتها في التوصل إلى صيغة توافقية حقيقة مع الجانبين المصري والسوداني، إذ إنها تحاول الالتفاف واتباع سياسة الوقت، بغية تحقيق مساعيها من الموارد المائية، ومُستبعدٌ أن تكون هناك مباحثات جدّية في الفترات القادمة، ما لم يولي المجتمع الدولي أي أهمية تجاه أزمة “سد النهضة” المستعصية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات