تركيا التي هددت قبل أيام بشنّ ضربات ضد المنشآت الحيوية والبُنى التحتية في شمال وشرق سوريا بحجة أن منفّذي تفجير أنقرة جاؤوا من شمال سوريا، ترجمت أقوالها إلى أفعال وقصفت بطائراتها ومدفعيتها ما يقارب 200 موقعا في شمال شرقي سوريا، منذ صباح الخميس الماضي وحتى صباح اليوم الثلاثاء.

أنقرة التي تواصل تصعيدها العسكري في مناطق شمال وشمال شرقي سوريا، يتمثل تصعيدها بهجمات جوية عبر الطائرات الحربية وأخرى عبر المسيّرات، تطال جميعها المنشآت الحيوية والمناطق الآهلة بالسكان والمواقع والنقاط العسكرية، متسببة بخسائر بشرية ومادية فادحة، بحسب عدة تقارير صحفية.

تركيا وحرب البُنى التحتية

في مقابل تصعيدها الجوي، حشدت القوات التركية، اليوم الثلاثاء، تعزيزات عسكرية جديدة إلى منطقة تل أبيض شمال الرقة، بالتزامن مع رفع فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من أنقرة بكل قوتها الفصائلية الجهوزية التامة عسكريا على خطوط التماس مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في سري كانييه/ رأس العين، وكري سبي/تل أبيض وعين عيسى.

تركيا تقصف المنشآت الحيوية في شمال وشرق سوريا- “وكالات”

صباح اليوم الثلاثاء، استهدفت القوات التركية وفصائل ما يُعرف بـ “الجيش الوطني السوري” المدعوم منها، قرية أم الخير غرب تل تمر في الحسكة، وفق وكالة “أنباء هاوار” المحلية. هذا وجدّدت القوات التركية وفصائلها السورية، منذ أيام، استهدافها للقرى الواقعة على خطوط التماس، الممتدة من بلدة أبو راسين وصولا إلى بلدة تل تمر شمال غربي الحسكة، بالقصف المدفعي من مناطق تمركزها فيما يُعرف بمنطقة “نبع السلام”.

هذا وبحسب وكالة “نورث برس” المحلية، نفذت تركيا سلسلة غارات جوية استهدفت منشآت الغاز والمياه والكهرباء والنفط في أكثر من 200 موقع في كل من ديرك/المالكية أقصى شرق سوريا، إلى قامشلو/القامشلي والحسكة وكوباني/عين العرب وريف حلب شمال سوريا.

الوكالة المحلية استطاعت توثيق معظم المواقع التي استهدفتها القوات التركية، حيث توزعت المواقع المستهدفة بين 26 موقعا للبُنى التحتية، و107 مواقع سكنية، و11 مركزا لـ”قوى الأمن الداخلي” (الأسايش) و 17 موقعا لقوات الحكومة السورية، و6 أراضٍ زراعية، و3 معامل صناعية، ومدرسة ومشفى.

طبقا لتوثيقات “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، فقد تسبب التصعيد الجوي التركي وتحديدا عقب تهديدات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، بارتقاء 45 شخص على الأقل، منهم 30 من “الأسايش” باستهداف من قِبل طائرة حربية تركية على قرية حمزة بك، في منطقة كوجرات، ريف الحسكة

إلى جانب ارتقاء مدني باستهداف طائرة حربية تركية لمحطة في تربه سبي/ القحطانية، وتسعة أشخاص في الحسكة، ستة منهم من قوى “الأسايش”، واستهداف اثنين في سيارة قرب منشأة عسكرية في المشيرفة، وسقوط مدني واحد في قرية تل حبش بعامودا، وخمسة أشخاص في كوباني/ عين العرب.

استهداف المناطق السكنية

المواقع التي استُهدفت من الجانب التركي تم عبر تنفيذ 237 ضربة تقريبا، منها 157 بالمدفعية والأسلحة الثقيلة، و24 ضربة بالطيران الحربي، و56 ضربة بالطائرات المسيّرة. وتوزعت حصيلة القصف على المدن التالية وأريافها، موقعَين في قامشلو/القامشلي، و32 في الحسكة، و37 في ريف حلب الشمالي، و13 في ديرك/ المالكية، و31 في عين عيسى، و19 في كوباني/ عين العرب، و7 في منبج، و4 في ريف الرقة الشمالي.

يؤكد “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، أن الضربات الجوية التركية استهدفت بعض مواقع عسكرية بالفعل لكنها أيضا طالت أكثر من 50 موقعا من البُنى التحتية في شمال وشمال شرق سوريا.

من جانبه، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم أمس الإثنين عن تدمير 194 هدفا في سوريا والعراق، ويؤكد “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، أن الضربات الجوية التركية استهدفت بعض مواقع عسكرية بالفعل لكنها أيضا طالت أكثر من 50 موقعا من البُنى التحتية في شمال وشمال شرق سوريا، بعضها تعرض للقصف أكثر من مرة من بينها 2 من المستشفيات، ومستوصف، وصوامع حبوب وسدّ هام في المنطقة، ومعامل نسيج ودهان ومحطات مياه وتوليد كهرباء، ومدرسة.

بالإضافة إلى تعرّض عشرات القرى المأهولة بالسكان في أرياف الحسكة للقصف الجوي، أي أن تذرّع تركيا بمحاربة “الإرهاب” كما تدّعي لا يبرر لها إطلاقا استهداف البُنى التحتية وممتلكات أبناء المنطقة في سوريا وقتل المدنيين أيضا، حيث أصيبت خمس نساء يعملن في جني القطن، يوم أمس الإثنين، بجروح متفاوتة إثر قصف للقوات التركية استهدف قرية بريف بلدة الدرباسية، شمالي الحسكة.

تركيا تستهدف المناطق السكنية وليس فقط النقاط العسكرية- “إنترنت”

ليل الأربعاء الفائت شنّت تركيا سلسلة هجمات عنيفة استهدفت حقول نفط في ريف القامشلي الشرقي، ومركزا لـ”الأسايش” في منطقة كوجرات بريف ديرك/المالكية، والتي أعلنت فقدان أعضاء لها وإصابة آخرين في قصف تركي دون ذكر تفاصيل أخرى.

حداد في شمال سوريا

في سياق متّصل، أعلنت “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا الحداد لمدة ثلاثة أيام بعد ارتقاء 29 عنصرا من قوات مكافحة المخدرات، التابعة لقوات “الأسايش” قضوا نحبهم في الهجوم التركي ليل الأحد الماضي على بلدة ديريك/ المالكية، في وقت هدّدت “قسد” بالرد على الهجمات التركية على المنشآت الحيوية والبُنى التحتية في مناطقها.

بحسب ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” اليوم الثلاثاء، فقد علّقت “الإدارة الذاتية” التي تدير 7 مدن وبلدات رئيسية موزعة على 4 محافظات شمال وشمال شرقي سوريا وهي حلب والرقة ودير الزور والحسكة، الدوام الرسمي في كافة المؤسسات والهيئات الإدارية التابعة لها ومكاتبها ودوائرها والمجمعات التربوية والتعليمية، استثنت الجهات الخدمية ومن بينها البلديات ومكاتب الطاقة وهيئات الاقتصاد والصحة والمحروقات، إلى جانب استثناء لجان الطوارئ في المجالس المحلية بهذه المناطق.

بينما تفاعل النشطاء الكُرد من أبناء المنطقة مع الحداد العام بنشر بروفايل موحد بلونه الأسود وشارة الحداد، وذكرت الإدارة في بيان نُشر على حسابها الرسمي بموقع “إكس” ليل أمس الإثنين، أن تركيا استهدفت في 8 من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بهجوم دموي عدة نقاط في ديريك/ المالكية ورميلان، ومن ضمنها أكاديمية مكافحة المخدرات التي تعمل على مدار الساعة لحماية المجتمع من تداعيات المخدرات، وأسفر الهجوم بحسب البيان “عن استشهاد 29 عضوا من قوات مكافحة المخدرات، وإصابة 28 آخرين بجروح، حيث أن إصابات عدد منهم خطرة.

الإدارة أعلنت في بيانها الحداد لمدة ثلاثة أيام، “تخليدا وإجلالا لأرواح شهدائنا وتنديدا بهذا العدوان الغاشم، نعلن عن حداد عام لمدة ثلاثة أيام على أرواح شهداء العدوان التركي، تعازينا الحارة لعوائل الشهداء وذويهم”.

تعليقا على استمرار الهجمات التركية على مناطق نفوذها ومواقف المجتمع الدولي، قال بدران “جيا كرد”، رئيس دائرة العلاقات الخارجية بالإدارة في حديثه للصحيفة ذاتها، إن “الهجمات التركية تأتي في ظل الصمت الدولي لما ترتكبها تركيا من مجازر، فهذا الصمت المستمر يدفعها نحو المزيد من الجرائم، وما يحصل تعبير واضح ودليل حقيقي جراء سياسة الصمت وغض البصر”، في إشارة إلى القصف الذي استهدف مقر قوات الأمن ” الأسايش”، وأسفر عن مقتل 29 مقاتلا من شعبة المخدرات.

كما وأضاف المسؤول في الإدارة الذاتية، “ساهم هذا الشعب في حماية العالم بأسره من تنظيم داعش الإرهابي ومخططاته الإجرامية، وبكل أسف يقف المجتمع الدولي اليوم موقف المتفرج أمام الهجوم التركي وهذا الشعب يتعرض للإبادة”، منتقدا صمت المجتمع الدولي إزاء ما يحدث للمنطقة.

من جانبه، شدد القائد العام لقوات “قسد” مظلوم عبدي، على أنهم لن يتهاونوا مع الاعتداءات التركية على أراضيها، وتوعّد بالرد عليها، ونشر تغريده على موقع “إكس”، قال فيها “ارتقى 29 شهيدا من قوات مكافحة المخدرات جراء استهداف الاحتلال التركي أكاديمية الأمن الداخلي في ديريك، هذه جريمة وحشية لا يمكن تجاهلها، كما تُعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان”.

عبدي، أردف،  أن قوات الأمن الداخلي مؤسسة مدنية تتلقى الدعم من التحالف الدولي لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وتوعّد قائلا “لن نتهاون في مواجهة اعتداءات وهجمات الاحتلال التركي على أراضينا وأهالينا، و سنمارس حقنا المشروع في الرّد عليها”.

في العموم، الحزب الكُردي “العمال الكُردستاني”، الذي تبنى هجوم أنقرة مؤخرا، يخوض صراعا ضد السلطات التركية منذ عام 1984. ويرى الخبراء أنه مع استمرار الجانب التركي في قصف المناطق الكُردية بشمالي سوريا والعراق، فإن الهجوم الأخير يؤشر إلى تفجر الصراع كردّ فعل على الضغوط التركية المتواصلة والعنيفة. وتنفذ أنقرة بانتظام هجمات بطائرات مسيّرة في سوريا في المناطق التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا، ولا تنفك في استثمار أي ظرف كان في سبيل شنّ هجمات عسكرية ضد سكان تلك المناطق من سوريا.

رجل يستعد لركوب دراجة نارية بالقرب من حريق مشتعل في منشأة نفطية في القحطانية/ تربه سبيه شمال شرق سوريا قرب الحدود التركية في 5 تشرين الأول/أكتوبر 2023 © دليل سليمان / أ ف ب

يعتبر الملف الكُردي ورقة سياسية وانتهازية، يستخدمها أردوغان لتحقيق مصالح وأغراض سياسية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالاستحقاقات الانتخابية، أو لابتزاز أطراف إقليمية ودولية. ولذلك فإن العنف التركي وخطاباته السياسية المليئة بالكراهية تجاه الأكراد، والتي تقلل من حقوق المواطنة الخاصة بهم، فضلا عن عسكرة الملف الكُردي وأمننته بدلا من الانفتاح السياسي عليه، سيضع جميع الأطراف على حافة المواجهة والصِدام، الذي سيحمل معه تداعيات سلبية جمّة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة