خلال السنوات القليلة الماضية عمدت الحكومة السورية على رفع أسعار المحروقات من حين لآخر، بحجة الأسعار العالمية للمادة، بينما لم ترفع بالتوازي قيمة الرواتب، الأمر الذي شكّل فجوة واسعة بين مستوى الأجور والواقع المعيشي الذي أثقل كاهل المواطنين في سوريا.

سعر البنزين “أوكتان 95” سجل تغيرا بنحو ثلاث عشرة مرة خلال الفترة الممتدة بين عامي 2020 والنصف الأول من العام الحالي 2023، بمعدل تضخم كبير تجاوز الألف بمئات المرات.

لا شك أن هذه القرارات تؤثر على الأسعار العامة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير، ولا يدفع ضريبة هذا التفاوت والعجز الحكومي إلا المواطن السوري الذي يعاني الأمرّين. ولهذا يُلاحظ ارتفاع مستوى الفقر في البلاد، بالإضافة إلى انخفاض القوة الشرائية لنسبة كبيرة من الناس.

ارتفاع سعر البنزين 13 مرة!

في العام 2020 ارتفع سعر المادة مرتين فقط من 575 ليرة سورية إلى 850 ليرة، بينما تغيّر سعره في العام 2021 أربع مرات ليستقر عند 2500 ليرة للتر، كما شهد العام 2022 تغيّرا في سعر المادة بنحو ثلاث مرات وهي 4000 -4500 – 5300 ليرة.

ليعاود الارتفاع في الشهر الأول من العام الحالي بنسبة بسيطة حيث سجّل سعر 5750 ليرة، دون تحقيق أي استقرار حيث ارتفع مجددا في شباط/فبراير وأيار/مايو، قبل صدور القرار الأخير في السادس من تموز/يوليو الحالي بالتسعيرة الجديدة للبنزين “أوكتان 95” وحدد سعر المبيع للمستهلك بـ 8600 ليرة، وفق تقرير لموقع “غلوبال نيوز” يوم أمس الإثنين.

هذا ورفعت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” سعر البنزين “أوكتان 92” بزيادة ألف ليرة سورية لليتر الواحد، لتكون بذلك الزيادة الرابعة خلال سبعة أشهر.

الوزارة حددت في قرارها، الذي دخل حيز التنفيذ يوم الخميس الماضي، سعر مبيع ليتر البنزين بـ 8600 ليرة سورية بدلا من 7600 ليرة. وبموجب نص القرار فإن السعر الجديد يتضمن رسم التجديد السنوي للمركبات العاملة على البنزين والمحدد بمبلغ 50 ليرة سورية لليتر الواحد.

طبقا للقرار الوزاري، يتوجب على أصحاب محطات الوقود المخصصة لبيع هذه المادة الإعلان عن الأسعار بشكل واضح ومقروء ضمن المحطات، تحت طائلة المسؤولية.

بسبب تراجع الليرة أمام الدولار

في السياق، قال عضو إدارة “غرفة تجارة دمشق” ياسر أكريم، إن زيادة سعر البنزين “أوكتان 95” هو نتيجة طبيعية لارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، وللسياسة الحكومية بتحرير سعر المشتقات النفطية.

أكريم أردف في حديثه، “ليست كل عملية تضخم هي انعكاس سلبي للاقتصاد، إذا كانت متوافقة مع زيادة الدخل، ولكن هنا نحن أمام حالة غير منطقية بسبب الفارق بين الدخل والصرف، وهنا بيت القصيد لأنه يضرّ بالمواطن والمجتمع”.

أما حول تأثير ارتفاع سعر البنزين على الأسعار في الأسواق السورية، أوضح أكريم أن التأثير سيكون تراكميا ويدخل في كل حسابات التكلفة السعرية للمنتج الذي تمرّ به هذه المادة، ابتداءً من أجور “التكاسي” التي لا تكفيها مخصصاتها وتستخدم البنزين الحر مرورا بالمولدات الكهربائية المستخدمة وصولا إلى شركات التوزيع وغيره.

أكريم طالب الجهات المعنية تحرير جميع الأسعار للوصول إلى الاقتصاد المتعافي، ولكن بالوقت نفسه مع حساب آثاره، ووضع معادلة صحيحة للتوازن بين الدخل والصرف، مشددا على أن زيادة الدخل لا تكون بزيادة الرواتب فقط، بل بوضع خطة اقتصادية تنهض بالمشاريع السابقة والمتعثرة، وتبني مشاريع جديدة وصحيحة يصل أثرها لزيادة دخل الجميع، وإعادة التوازن الاقتصادي.

بالتالي فإن هذه الارتفاعات في سعر مادة البنزين وغيرها من المحروقات لا يدفع ضريبته سوى المواطن الذي يعاني على عدة جبهات يوميا حتى يستطيع تأمين قوت يومه، نظرا لأن ارتفاع أسعار الفيول يؤثر بشكل مباشر وكبير على مفاصل الحياة الحياتية.

هذا وسبق أن أعلنت الوزارة ربط سعر البنزين “أوكتان 95” بسعر صرف الليرة السورية في السوق السوداء، وذلك من خلال منح شركات خاصة، ومنها شركة “بي إس” المملوكة لعائلة آل قاطرجي، صلاحية توزيع المشتقات النفطية، وتزامن قرار رفع سعر البنزين مع خفض المصرف المركزي لسعر صرف الليرة أمام الدولار للحوالات الشخصية ليبلغ 8600 ليرة للدولار الواحد.

في سياق موازٍ، اتهمت صحيفة “الوطن” المحلية يوم الأحد الفائت، اللاجئين السوريين بالتسبب بارتفاع أسعار الوقود في السوق السوداء في سوريا، حيث قالت إن “بورصة البنزين الحر في حماة، سجلت نشاطا محموما منذ منتصف الشهر الماضي حتى اليوم، ليصبح سعر الليتر بين 9500 – 12000 ليرة”.

بنزين على الطرقات-“إنترنت”

الصحيفة ادعت أن اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى مناطق الحكومة السورية، هم السبب وراء ارتفاع أسعار المحروقات، وبشكل خاص البنزين، لأنهم يطلبون كميات كبيرة ومن دون أن يسألوا عن سعر الليتر، واصفة اللاجئين السوريين بـ”المغتربين” الذين عادوا من السعودية ودول الخليج العربي لقضاء إجازة الصيف بين الأهل والأصدقاء، وقالت إنهم بحاجة للبنزين بأي طريقة كانت خلال إجازتهم التي تستمر لشهرٍ واحد.

الحكومة السورية كانت قد خصصت في الأسابيع الماضية، بطاقة مسبقة الدفع لشراء البنزين بالقطع الأجنبي، للمغتربين السوريين والأجانب، في محاولة جديدة لرفد خزينة “البنك المركزي السوري” وتغذية اقتصاده المُنهار بالعملة الصعبة.

ضرورة رفع الرواتب

في المقابل، قرار رفع سعر البنزين أثار غضب واستياء السوريين على منصات التواصل الاجتماعي، حيث علّق أحدهم “بترفعو كل شي الا الراتب.. شو السبب؟!” بينما قال آخرون “المواطن من وين بدو يعيش وراتبو كل يوم عم ينقص قيمته، إذا الرواتب ما ترتفع بس كل شي حواليه عم يغلى من وين بدو يعيش.. الحكومة ما بتفكر بالمواطن بالعكس بتفكر كل يوم كيف بدها تشلح الناس”.

من جانبهم، يعتبر معظم المسؤولين الأسعار في سوريا واقعية، ويتم تسعير الخدمات الحكومية بما يتماشى مع الأسعار العالمية. في الوقت نفسه، يعترفون بأن المعضلة تكمن في قيمة الرواتب والأجور، وليست في الأسعار، بحسب العديد من التقارير المحلية السابقة.

إذا كانت الحكومة السورية عاجزة عن تدبير أمور البلاد فعليها الاعتراف بذلك وإعطاء الدور لمَن هم أجدر بهذه المسؤولين، وإذا كانت الحكومة تعوّل على مدّخرات المواطنين والمصادر المالية الأخرى لدى المواطنين، سواء من الحوالات المالية الخارجية أو غيرها، فإن هذا يُعتبر أمرا خطير وسيحمل معه تداعيات سلبية جمّة على الوضع العام في البلاد.

حيث إن المواطنين لن يصمدوا لفترات طويلة حيال الوضع المعيشي الذي يتدهور يوما بعد يوم، دون قيام الحكومة بواجباتها تجاه الأهالي، سواء عبر رفع الرواتب بما يتماشى مع الواقع المعيشي أو ضبط سعر الصرف وتفلّت الأسعار شبه اليومي في الأسواق.

بالتالي إذا ما بقي الحال على وضعه، فإن المواطن إما سيفكّر بالهجرة خارج البلاد كما هو متداول بين أحاديث العامة، أو أن الموظفين سيستقيلون من وظائفهم والتوجه نحو أعمال أخرى وهو ما حصل مؤخرا حيث استقال قرابة الـ 900 موظف حكومي في محافظة اللاذقية.

بحسب ”المكتب المركزي للإحصاء”، ارتفع معدل التضخم بنسبة تقشعر لها الأبدان وصلت إلى 3825 بالمئة بين عامي 2011 و2021، تاركا وراءه سلسلة من القلق واليأس بين المواطنين.

هذه الزيادة التي لا يمكن تصورها، وهي تشير إلى أن الأسعار قد ارتفعت بشكل كبير 40 مرة، مما تركت الناس العاديين يصارعون قبضة الضغوط المالية الخانقة. وللتعمّق أكثر في هاوية الفوضى المالية، أصدرت “وزارة المالية السورية” مؤخرا، إعلانا ينذر بالخطر، مؤكدة أن التضخم قد خرج عن نطاق السيطرة، حيث ارتفع بنسبة 100 بالمئة في العام الماضي وحده، وهذا يعني أن الأسعار تضاعفت 161 مرة منذ عام 2011.

لذلك فإن ارتفاع أسعار المحروقات من حين لآخر من قبل الحكومة السورية يؤدي إلى زيادة التضخم في البلاد، بالإضافة إلى ارتفاع كبير في الأسعار، والذي يفاقم من كل بد الأوضاع المعيشية للمواطنين الذين طالما يطالبون بزيادة المرتبات بما يتماشى مع هذه الارتفاعات ومستوى المعيشة الخانق.

ارتفاع سعر البنزين في سوريا- “إنترنت”

في كل مرة تقوم الحكومة برفع قيمة الرواتب ولو بشكل طفيف، فإن الأسعار تنفلت في الأسواق، فضلا عن قيامها برفع أسعار المشتقات النفطية، مثل البنزين والغاز، وهذا ما تقوم به بالفعل حاليا، ترفع أسعار المحروقات من جهة ومن ثم الرواتب، أي أن الزيادة تتم على حساب المواطن وجيبه، وبالتالي فإن أي زيادة في الرواتب تكون أقل من 800 بالمئة، ستُبقي المواطن في مرمى الغلاء والفقر.

العديد من الخبراء والمواطنين، يلقون باللوم على الحكومة وسياساتها الخاطئة، التي أدت بالبلاد إلى أسوأ أزمة معيشية يعيشها السوريون اليوم. ولا يمكن حل الأزمة المعيشية إلا برفع مستوى الرواتب بما يتناسب مع الواقع المعيشي، فضلا عن إجراء سياسات وخطط اقتصادية تنموية تساعد اقتصاد البلاد المتهالك على عدة مستويات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات