إثيوبيا تعيش بأحداث لا تزال تُرعب وتُشد الأوتار الحساسة لدى القارة السمراء، حيث تصاعدت التوترات والمشكلات الداخلية التي أدت إلى تنامي المخاوف من انفجار الوحدة الوطنية، مع تهديد بتفكك إثيوبيا وتقسيمها إلى دول جديدة، تهدد استقرار المنطقة بأكملها.

في إطار هذه الظروف الحساسة، تتجه الأنظار نحو تمرد “فانو”، الذي يهدد وحدة البلاد ويشوش الخارطة السياسية والأمنية. فالشكل الذي يتخذه هذا التمرد يُشعل قلق الدول المجاورة، حيث يشهد النزاع تصاعدا مقلقا يهدد بامتداده إلى دول الجوار، ما قد يؤدي إلى تفشي الفوضى والاستقرار في هذه المنطقة الحساسة.

في هذا السياق الشديد الحساسية، تظهر التساؤلات حول دور “فاغنر” الروسية في معادلة إثيوبيا المعقدة. وهل يمكن للمؤسسة الروسية أن تلعب دورا رئيسيا في تقسيم إثيوبيا، وما الهدف المحتمل وراء دعم “فاغنر” لهذه الجبهة.

خطورة تمرد “فانو”

حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، تجد نفسها وسط مأزق لا تُحسد عليه، حيث يشكل الأمن الهشّ والمضطرب في إقليم أمهرة صبغة جديدة من التحديات الصعبة. إذ تزايدت خطورة الأوضاع إلى ذروتها بسبب سيطرة ميليشيا “فانو” الأمهرية على مناطق مهمة في الإقليم، بما في ذلك المدينة التاريخية لاليبيلا ومطارها.

هذا الوضع المتقلب أضاء شرارة صراع مسلح يتجلى في تبادل إطلاق نار بالأسلحة الثقيلة مع الجيش الفيدرالي، ما دفع حكومة آبي أحمد، إلى إعلان حالة الطوارئ لمنع تفاقم الأزمة.

الصدامات المحدودة التي اشتعلت منذ عدة أشهر بين الجيش وجماعة “فانو”، لم يمضِ عليها وقتل طويل حتى تحوّلت إلى نزاع مسلح بكل معانيه في الأيام الأخيرة. وظهر هذا الوضع مشابها مع تلك الفترة التي خاض فيها رئيس الوزراء الإثيوبي حربا ضد “جبهة تحرير تيغراي” بدعم من “فانو”، والتي استمرت من 2020 إلى 2022. 

في سياق الأحداث، يعتبر الإقليم الأمهري “أمهرة” القلب الاستراتيجي الذي يعتمد عليه رئيس الوزراء الإثيوبي في تأمين الاستقرار والسيطرة على الحكم. فهذا الإقليم، الذي يشكل عنصرا رئيسيا في توازن القوى الداخلي والسياسي، تأتي أهميته بعد استبعاد “جبهة تحرير تيغراي” من موقع السلطة الذي كانت تحتلها لسنوات طويلة ممتدة من 1991 حتى 2018. واليوم، يجدّ رئيس الوزراء نفسه مجددا في مواجهة تحدّيات قوية للحفاظ على سلامة واستدامة وحدة البلاد في ظل الأوضاع المعقدة.

لا تعتبر “فانو” نفسها قوة عادية في إقليم أمهرة، حيث لعبت دورا استثنائيا في دعم القوات الحكومية ضد تمرد “جبهة تحرير تيغراي”. إذ كانت “فانو” عمقا استراتيجيا لآبي أحمد في تعزيز سلطته وحكمه في البلاد. ومع ذلك، ارتفع تأثير “فانو” والميليشيات الأمهرية بشكل غير مسبوق، مما أثار قلق آبي أحمد. حيث يؤمن الأخير بأهمية الحكم المركزي والوحدة الوطنية في إثيوبيا، مما يجعله يعارض النمط الفيدرالي الذي تنقسم فيه البلاد إلى 11 ولاية تتسم بتنوعها العرقي والديني.

الجيش الإثيوبي أطلق عملية عسكرية جديدة بهدف استعادة المدن التي سيطرت عليها “فانو” والميليشيات الأمهرية. وتم تنفيذ هذه العملية بنجاح في بعض المناطق، مثل مدينة بورن في الشمال الشرقي لإقليم أمهرة، المجاورة لإقليم تيغراي. ومع ذلك، نجحت “فانو” في تقدّمها نحو مدينة لاليبيلا التاريخية، المعروفة بأهميتها الدينية لدى المسيحيين الشرقيين، واستولت على المدينة ومطارها. وهذا السيناريو يزيد من التعقيدات المستجدة ويثير تساؤلات عميقة حول القدرة على استعادة السيطرة والاستقرار في المنطقة.

دعم “فاغنر” السري

في أبريل/نيسان الماضي، أصدر رئيس الوزراء الإثيوبي توجيهاته بدمج الميليشيات المسلحة المتواجدة في مختلف الولايات في مؤسسات أمنية رسمية كالجيش والشرطة، وحتى في الحياة المدنية.

جماعة “فانو” طالبت بقوة وبصوت واضح ضد هذا القرار، واعتبرته توجيها مباشرا ضدها. ولم تكتفِ بمعارضته فحسب، بل شاركت أيضا في المظاهرات التي اندلعت في مدن الإقليم احتجاجا على هذه الخطوة. وتطورت الأمور في إقليم أمهرة إلى مستويات خطيرة بعد اغتيال زعيم حزب “الازدهار” الحزب الحاكم، جيرما يشيتيلا، في السابع والعشرين من أبريل/نيسان الفائت، ورغم هذه التطورات لم تتجاوب الحكومة بسرعة مع هذه التحديات.

التمرد الفعلي لجماعة “فانو”، التي لا تمتلك هياكل قيادية محددة، بدأ عندما رفض أفرادها تسليم أسلحتهم، لا سيما الأسلحة الثقيلة. بعد ذلك انتشرت عناصرها في بلدات ومدن مختلفة، حيث دخلوا في تصادمات محدودة مع قوات الأمن والجيش. لكن الأمور تعقّدت بشكل كبير بعد الهجوم المباغت الذي استهدف قافلة كبار قادة الناحية الشمالية الغربية، وهي منطقة تضم مدينة غوندار، وهي ثاني أكبر مدينة في الإقليم بعد بحر دار، حيث وقع هذا الهجوم في 26 تموز/يوليو الماضي، أثناء رحلتهم نحو منتجع سياحي.

بانضمام عدد من المليشيات الأمهرية لـ “فانو”، أعادت هذه الجماعة تشكيل استراتيجيتها العسكرية عبر التواصل مع ميليشيا “فاغنر” في جنوب إفريقيا وأخذ أسلحة منها، ثم انتقلت من استخدام التكتيكات التي تشمل نصب الكمائن وشنّ هجمات متفرقة إلى احتلال المدن وتوسيع نطاق تأثيرها.

ما ساهم في سرعة مساعدة “فاغنر” للجماعة الإثيوبية، هو امتداد الإقليم إلى حدود مع السودان، حيث تستغل الميليشيات الأمهرية هذه الحدود من أجل التوغل في منطقة الفشقة السودانية بهدف الاستفادة من أراضيها الخصبة لأغراض زراعية. هذا التحرك أثار عدة تصعيدات واشتباكات مع القوات السودانية.

امتداد الصراع إلى دول الجوار

تلك الأحداث ودخول “فاغنر” على خط الاشتباكات في إثيوبيا تجلب مشكلة لحكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، التي تجد نفسها في موقف لا يحسد عليه. فعلى مدى أشهر، اشتدت حدة التوترات وتصاعدت الصراعات الداخلية في مناطق متفرقة من البلاد، مهددة بأن تتسبب في انهيار الوحدة الوطنية واندلاع صراعات أكثر دموية.

الكاتب والباحث، محمد المختار، أوضح لـ”الحل نت”، أن تمرد “فانو” هو تحدي كبير لوحدة إثيوبيا واستقرارها، ويمكن أن يؤدي إلى انفصال إقليم أمهرة عن الدولة الفيدرالية، وتشجيع أيضا لحركات انفصالية أخرى في مناطق مثل تيغراي وأوروميا وسومالي. كما يمكن أنه يؤثر على الأوضاع الأمنية والإنسانية في دول الجوار مثل السودان وجنوب السودان وإريتريا وجيبوتي والصومال.

“فاغنر” الروسية بحسب المختار، متخصصة في العمل داخل مناطق النزاعات حول العالم، بدعم من الحكومة الروسية. وحاليا تدعم تمرد “فانو” بتقديم المستشارين والمدربين والأسلحة والذخائر للميليشيات الأمهرية. وهدف “فاغنر” هو زعزعة استقرار إثيوبيا، وتقويض نفوذ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المنطقة، وتعزيز مصالح روسيا الاستراتيجية والاقتصادية في إفريقيا.

حكومة آبي أحمد تتعامل مع تمرد “فانو” بإعلان حالة الطوارئ في إقليم أمهرة، وإرسال قوات إضافية لإعادة السيطرة على المناطق المحتلة من قبل الميليشيات. كما تحاول حكومة آبي أحمد التفاوض مع بعض قادة “فانو” لإقناعهم بالانضمام إلى الحكومة المحلية أو التخلي عن سلاحهم. وخيارات حكومة آبي أحمد وفق حديث المختار، محدودة في ظل تصاعد التوترات مع “جبهة تحرير تيغراي”، وضغط المجتمع الدولي لإنهاء الصراع، وانخفاض مستوى الثقة بين المجتمعات المختلفة في إثيوبيا.

سيطرة ميليشيا “فانو” على مدن مثل لاليبيلا وغوندار، تعني تصعيدا للصراع في إثيوبيا، وتهديدا للتراث الثقافي والديني لهذه المدن. كذلك، تعني هذه السيطرة تأثيرا سلبيا على السكان المدنيين، الذين يتعرضون لخطر القتل والاغتصاب والتهجير من قبل الميليشيات. 

بالإضافة إلى ذلك، تعني هذه السيطرة بالتعاون مع “فاغنر” تحدّيا للحكومة الفيدرالية، التي تفقد مصداقيتها وشرعيتها في عيون الشعب الإثيوبي والمجتمع الدولي. وهذه السيطرة قد تؤدي أيضا إلى تصعيد التوترات مع دول الجوار، خاصة إريتريا والسودان، التي تخشى من تدفق اللاجئين والمسلحين على حدودها.

تأثير الدعم الروسي من قبل “فاغنر” على تمرد “فانو” يمكن تقييمه بحسب المختار بأنه كبير وخطير، فهو يزيد من قدرات الميليشيات الأمهرية على مواجهة الجيش الفيدرالي، ويزعزع استقرار إثيوبيا والمنطقة. كما يمثل هذا الدعم تحديا للمصالح الغربية في إفريقيا، ويشكل خطرا على حقوق الإنسان والديمقراطية في إثيوبيا.

المخاطر والتحديات المحتملة في هذا السياق هي تصعيد الصراع إلى حرب أهلية شاملة في إثيوبيا، وانتشار العنف والإرهاب في دول الجوار، وتدهور العلاقات بين روسيا والغرب بسبب التنافس على النفوذ في إفريقيا مهّد الطريق لـ”فاغنر” المصنّفة منظمة إجرامية؛ لأن تمد أذرعها في معظم الدول الإفريقية مستغلة الانقسامات وظهور المليشيات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات