في جذوة صراع الطاقة العالمي، وإعادة رسم خارطة التحالفات حول العالم، يبدو أن اليابان تسعى جاهدة إلى توطيد علاقاتها بشكل أكثر متانة مع دول “مجلس التعاون الخليجي” الغنية بموارد الطاقة، حيث يرتقب اجتماع موسع بين وزير الخارجية الياباني يوشيماسا هاياشي، مع وزراء دول الخليج العربي، في زيارة قريبة يجريها إلى المملكة العربية السعودية.

ذلك يأتي بعد أقل من شهر ونصف من زيارة رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا للمنطقة، وبينما تحاول فيه بلاده التي تعتمد بشكل كبير على الطاقة المضطربة سوقها في الغرب؛ توجيه خطاها نحو الشرق، بخاصة الخليج العربي المستقر والثري بالنفط والغاز، حيث من المنتظر أن يشهد شهر أيلول/سبتمبر المقبل، اجتماعا لوزراء خارجية اليابان ودول “مجلس التعاون الخليجي” في العاصمة السعودية الرياض.

فبحسب وكالة “كيودو” اليابانية، التي نقلت عن مصادر دبلوماسية لم تكشف عنها، فإنه على بُعد نحو عشرة أيام أو بعد هذا الموعد بقليل، سيكون اللقاء الذي من المفترض أن يجمع وزير الخارجية الياباني مع وزراء دول الخليج، وذلك بينما تؤكد العاصمة اليابانية طوكيو، أنها تهدف إلى تعزيز العلاقات مع الدول المنتجة للنفط لضمان استقرار إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط.

أهداف التوجه الياباني نحو “مجلس التعاون الخليجي”

الحراك الياباني نحو الشرق الأوسط والخليج العربي، يأتي في الوقت الذي تسعى فيه الصين لأن تكون لاعبا رئيسيا في المنطقة، وفي ظل ما تتعرض له أسواق الطاقة عالميا نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا منذ شباط/فبراير العام الماضي، حيث يعيش الأمن الطاقي الياباني وغيره حالة من عدم الاستقرار، الأمر الذي يبدو قد شكّل حافزا كبيرا لطوكيو لتعزيز علاقاتها وحضورها مع دول “مجلس التعاون الخليجي”.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع رئيس الوزراء الياباني/ إنترنت + وكالات

الاجتماع بين وزير الخارجية الياباني -الذي يمكن أن يزور مصر والأردن أيضا- ونظرائه من دول الخليج، من المتوقع حسبما أفادت به وكالة “كيودو” أن يُناقش الاتفاقية والتعاون التقني في مصادر الطاقة من الجيل التالي، لافتا إلى أن البرنامج النووي الإيراني الذي يشكل تهديدا إقليميا ودوليا قد يكون أيضا على جدول الأعمال.

كل ذلك جاء بعد زيارة رئيس الوزراء كيشيدا، إلى السعودية والإمارات وقطر خلال تموز/يوليو الماضي، حيث تم استئناف المحادثات بين دول الخليج وطوكيو عن اتفاقية “التجارة الحرة”، بالإضافة إلى استعراض اليابان لتقنيات حديثة من شأنها تسهيل الوصول إلى مستوى “الانبعاثات الصفرية”، وهو الهدف الذي تعمل دول الخليج من أجل تحقيقه بأسرع وقت ممكن.

في السياق، تحاول اليابان التي تفتقد للموارد الطبيعية إلى تعزيز أمنها الطاقي، بخاصة وأنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على واردات النفط والغاز الطبيعي المسال، حيث تتزوّد بأكثر من 90 بالمئة من النفط الخام الوارد من الشرق الأوسط، في حين تُعد السعودية والإمارات من أكبر البلدان المصدّرة للنفط بالعالم، فيما تتربع قطر على عرش أكبر بلد يصدّر الغاز الطبيعي، حيث أن لليابان نصيبا وافرا منه.

لذا فالاجتماع المرتقب، طرح الكثير من التساؤلات حول مصير العلاقات الخليجية مع اليابان، فضلا عن ما يمكن أن توفره هذه العلاقة للجانبين، اللذان يحتاجان لبعضهما في الكثير من المجالات، بخاصة في ضوء ما يشهده العالم من متغيرات، تتطلب إعادة رسم أو تأكيد العلاقات للبلدان.

في هذا الإطار، يقول المختص بالشأن الاقتصادي الخليجي، ميثم الشخص، لموقع “الحل نت”، إن اليابان من الدول الهامة جدا لاقتصاديات مجلس التعاون الخليجي، وهناك تبادل تجاري كبير والميزان التجاري في نمو ما بين اليابان والدول الخليجية.

لذلك من غير المستبعد بحسب الشخص، أن تكون هناك مباحثات بشأن تزويد اليابان بالنفط ومشتقاته، مقابل بضائع ومنتجات يابانية لربما تستحق النقاش وأن تكون محل اهتمام كبير لتسهيل إجراءات معينة من قبل دول مجلس التعاون الخليجي.

تقارب خليجي ياباني في ضوء تنافس دولي

الشخص يضيف، أن مثل هذه اللقاءات ما بين مسؤولي كلا الجانبين هي لقاءات تأتي في ضوء المنافسة العالمية الاقتصادية واتساع رقعة هذه المنافسة، لا سيما في ظل تسارع ونمو الاقتصاد الصيني الذي يجعل من هذه الدول محلّ تنافس؛ كون أن اليابان من الدول الرائدة ومن الأسواق الهامة جدا سواء لدول الخليج بما يخص بيع النفط أو بالعكس من ناحية اليابان وبيع المنتجات اليابانية للدول الخليجية.

وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع وزير الخارجية الياباني يوشيماسا هاياشي/ إنترنت + وكالات

لذلك، فإن أهمية مثل هذه اللقاءات من الجانب الاقتصادي تكمن في تسهيل الإجراءات وزيادة الطلب بما يخص تسهيلات معينة وعقود معينة مع عدم استبعاد إمكانية أن تكون هناك قرارات هامة، وتصل إلى أن تكون نتاج هذه الاجتماعات عددا من الاتفاقيات الاقتصادية الهامة، يقول الشخص مختتما.

إلى ذلك، فإن الدولة الصناعية الشرق آسيوية مثل اليابان تسعى جاهدة إلى تأمين إمدادات الطاقة، بخاصة القادمة من دول الخليج -التي تجتمع بـ “مجلس التعاون الخليجي” الذي يمثل اتحادا من ست دول في المنطقة، وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت وعمان والبحرين-، وذلك لتجنب تكرار أزمة طاقة حادة عانتها قبل عام ونصف العام.

هذا وترتبط دول “مجلس التعاون الخليجي” بعلاقات متينة مع اليابان بعضها يرجع لأكثر من 60 عاما وأخرى وصلت لدرجة الشراكة الكاملة خاصة على الصعيد الاقتصادي والتجارة والاستثمارات المتبادلة، وتُعتبر اليابان ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وهي أيضا ثالث أكبر اقتصاد صناعي بعد الولايات المتحدة الأميركية والصين، إلا أنها تفتقر إلى الموارد الطبيعية اللازمة لتأمين استمرارية إنتاجها الصناعي والتكنولوجي.

لذلك تُعد اليابان أكبر مستورد في العالم للغاز الطبيعي المسال، وثالث أكبر مستورد للمنتجات النفطية والنفط الخام في العالم، وهو ما تجده لدى دول الخليج التي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على صادرات النفط والغاز والمنتجات النفطية الأخرى، لذلك كانت العلاقات بين الجانبين ذات أولوية مشتركة.

كما أن المكانة المتميزة التي يحتلها الاقتصاد الياباني في العلاقات الاقتصادية الدولية وكنتيجة مباشرة، للتمتع دول الخليج بمكانة دولية مرتفعة في سلاسل الإمداد العالمية للطاقة، مع امتلاكها أسواقا محلية مرتفعة الطاقة الاستيعابية للاستهلاك والاستثمار، كان من الطبيعي أن تنشأ العلاقات بين الجانبين.


في 16 يوليو 2023، أعلن مجلس التعاون الخليجي استئناف مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دوله السّت واليابان، مشيراً إلى أن الاتفاقية “ستمهّد الطريق لإطار اقتصادي شامل”، وأكد بيان “مجلس التعاون الخليجي” أن دول الخليج تتطلع إلى ترسيخ العلاقات التجارية والاستثمارية مع طوكيو.

العلاقات اليابانية الخليجية بالأرقام

بلغة الأرقام، وصل حجم الصادرات الخليجية إلى اليابان إلى أرقام قياسية، فارتفع من قرابة 55.8 مليار دولار في العام 2016 إلى 91.7 مليار دولار في العام 2018، قبل أن يعود للانخفاض مجدداً، في العام 2020، إلى نحو 54 مليار دولار بسبب تداعيات جائحة “كورونا” على الاقتصاد العالمي بشكل عام.

رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد/ إنترنت + وكالات

لكن يمكن القول إن إجمالي صادرات دول الخليج إلى اليابان في الوضع الطبيعي تزيد على 90 مليار دولار، أما واردات دول الخليج من اليابان، فقد بلغت في العام 2020، نحو 17.3 مليار دولار، متراجعة من 24.3 مليار دولار في العام 2018، وتتمثل الصادرات الخليجية إلى اليابان من النفط الخام، والغازات (الغاز المسال، والبروبان المسال، والبوتان المسال)، والنفط الخفيف، والألمنيوم، والكيماويات العضوية، وخردة النحاس، والمواد البلاستيكية، والأحجار الثمينة.

في المقابل، إن واردات اليابان إلى دول الخليج، فتتمثل في السيارات، والآلات، والحديد والصلب، والآلات الكهربائية، والمطاط المتمثلة بالإطارات في الغالب، والمنسوجات، والسلع البصرية، إضافة إلى المواد الغذائية، وبشكل مفصل، فإن حجم التبادل التجاري بين اليابان والمملكة العربية السعودية بلغ في العام 2020، 38.4 مليار دولار.

في حين كانت قيمة الصادرات السعودية إلى اليابان 32.9 مليار دولار، وقيمة الواردات السعودية من اليابان بقيمة 5.5 مليار دولار أما في الإمارات فقد بلغ حجم التبادل التجاري مع اليابان، العام الماضي، نحو 30.5 مليار دولار، بينما وقُدرت قيمة صادرات الإمارات إلى اليابان بـ 26 مليار دولار، في حين ارتفعت وارداتها من اليابان إلى 6.5 مليار دولار.

أما على صعيد دولة قطر فيبلغ حجم تبادلها التجاري مع اليابان نحو 77.3 مليار دولار في العام 2020، فيما بلغت قيمة الصادرات القطرية إلى اليابان نحو 51.5 مليار دولار، في حين وصلت قيمة الواردات القطرية من اليابان خلال 2020، إلى ما قيمته 25.8 مليار دولار، في حين تشير البيانات الرسمية الكويتية إلى أن إجمالي حجم التبادل التجاري مع اليابان بلغ في العام 2020، 3 مليارات دولار.

بينما تحتل الكويت المرتبة الثالثة بين الدول المصدرة للنفط إلى اليابان، حيث بلغت صادرات النفط الكويتية إليها، بين عامي 2019-2020، ما يقرب من 11.3 مليار دولار، وتكشف بيانات “المركز الوطني للإحصاء والمعلومات” العماني، أن حجم التبادل التجاري بين السلطنة واليابان يبلغ 3.6 مليارات دولار سنويا، أما في البحرين، فيبلغ حجم تبادلها التجاري مع اليابان نحو مليار دولار سنويا، حسب تصريحات سابقة لرئيس “جمعية الصداقة البحرينية اليابانية” ناصر العريض.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات