بينما تستمر المعارك في أرجاء السودان مخلّفة عشرات القتلى والجرحى، حيث لا يزال طرفي الصراع، لا سيما قوات “الدعم السريع” التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب بـ “حميدتي” المدعوم من قبل روسيا، والجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يرفضان وقف المعارك التي اندلعت منذ أبريل/نيسان الماضي؛ أجرى الأخير زيارة إلى العاصمة المصرية القاهرة، اعتُبرت في غاية الأهمية بالنسبة لمجريات الأوضاع السودانية.

فزيارة البرهان التي اختتمها أمس الثلاثاء، عائدا إلى مدينة بورتسودان، والتي استغرقت يوما واحدا، حظيت باهتمام كبير على مستوى الأطراف الإقليمية والدولية، إذ يجري الحديث عن أنها تأتي ضمن ترتيبات لتشكيل حكومة تصريف أعمال في السودان، يقودها البرهان، قبل أن يتوجه لزيارة الرياض، لبحث أزمة بلاده مع قادة السعودية.

ذلك علاوة عن بحث بعض المسائل المتعلقة بترتيب الأوضاع الداخلية للولايات غير المتأثرة بالحرب، حيث التقى قائد الجيش السوداني بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بعد يوم من إعلانه رفض دعوات لإجراء مفاوضات جديدة مع قوات “الدعم السريع” شبه العسكرية، المتهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

البرهان يعد بفترة انتقالية “حقيقية”

ما عزز الحديث عن أن زيارة البرهان إلى مصر، الهدف منها ترتيب الأوضاع لإعلان حكومة تصريف أعمال يمكن أن تجنّب البلاد الانزلاق في أتون حرب أهلية؛ حديث البرهان في أعقاب الزيارة عن أن الجيش السوداني حريص على وضع حدٍّ للحرب في بلاده، كما أنه ملتزم بإقامة فترة انتقالية حقيقية تفضي إلى انتخابات حرة ونزيهة، وذلك أثناء بحثه مع الرئيس المصري في منطقة العلمين الساحلية التطورات وجهود حل الأزمة.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان/ إنترنت + وكالات

إلى ذلك، ناقش الجانبان عرضا تقدّم به الرئيس المصري للتوسط في الصراع خلال اجتماع قصير، وهي مبادرة قال البرهان إنه يرحّب بها، حسبما قالت الرئاسة المصرية في بيان، مشيرا إلى أن اللقاء شهد استعراضا لتطورات الأوضاع في السودان، والتشاور بشأن الجهود الرامية لتسوية الأزمة.

فالرئيس المصري، أكد بحسب البيان، على موقف بلاده بالوقوف إلى جانب السودان، ودعم أمنه واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه، مشيرا إلى أن البرهان أشاد بالمساندة المصرية للحفاظ على سلامة واستقرار السودان، وذلك بينما يُرتقب أن يجري البرهان زيارة إلى السعودية، التي عقدت، جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة، اجتماعات مع طرفي الصراع أسفرت عن اتفاقات لوقف إطلاق النار لم تدم طويلا.

زيارة البرهان إلى القاهرة أحيت آمال عريضة بشأن وقف الحرب في السودان ووضع حدٍّ لانتهاكات قوات “الدعم السريع”، وهو ما يراهن عليه البرهان، بأن تلعب مصر دورا محوريا لحسم الصراع الذي أخذ منحنيات خطيرة، بوصفها حليفا تقليديا للخرطوم، بخاصة وأن للقاهرة تأثير كبير على السودان، ومجمل الأوضاع في القارة السمراء.

قائد الجيش السوداني، يبدو أنه يسعى لاستثمار ثقل القاهرة الإقليمي والدولي، من أجل إمكانية قيامها بتنسيق موقف قوي إقليمي لوقف ما يجري في السودان، وذلك علاوة عن ما يمكن أن تقدّمه لمؤسسات السودان الوطنية والسيادية، حيث يبدو أن هناك قناعة سودانية بأن ملف الأزمة السودانية ذات أولوية مصرية، وهو ما يمكن أن تعطيه الزيارة زخما ودافعا لتحرك بغية التوصل لحل شامل، الأمر الذي يمكن أن تستغلّه مصر باعتبار أن الساحة مهيأة حاليا خاصة بعد تدهور الأوضاع في السودان.

ضمن هذا السياق، يقول عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة “التيار سوداني”، إن الزيارة هي الأولى خارجيا للبرهان منذ بداية الحرب. وتعتبر مصر الدولة الأكثر تأثرا وتأثيرا بما يجري في السودان لارتباط الأمن القومي للبلدين.

تأثير مصر على السودان

ميرغني، يردف، أن البرهان يحتاج للاستقواء بالظهير المصري لكونها دولة ذات ثقل إقليمي ودولي وتستطيع فتح كثير من الأبواب المغلقة في وجه السودان، خاصة عند الدول التي لها اتصال مع أزمة السودان مثل الرباعية الدولية التي تتكون من أميركا وبريطانيا والسعودية والإمارات. 

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان يعد بفترة انتقالية حقيقية/ إنترنت + وكالات

إلى ذلك، وبحسب رئيس تحرير “التيار سوداني”، فإن البرهان وجد دعما قويا من مصر خلال هذه الزيارة ووعدا بالتدخل في مسار التسوية السلمية للحرب، إذ وعد السيسي بتقديم مصفوفة بمواقيت وإجراءات تخرج السودان من دائرة الحرب تدريجيا ومن المتوقع أن تحاول مصر إخراج هذه الرؤية عبر منبر دول جوار السودان.

ميرغني، يوضح، أن السودان تقترب من نقطة الحسن التفاوضي للحرب، ويتوقع أن يستعيد المسار التفاوضي زخمه بعملية هجينة بين منبر جدة ودول جوار السودان و”الإيغاد” للوصول إلى تسوية تنهي الحرب تماما.

من جهته، يعتبر مساعد مدير المخابرات الحربية المصرية الأسبق، اللواء أركان أحمد كامل، زيارة البرهان للقاهرة، بأنها تدعيما للدور المصري وسعيها لإحلال السلام في السودان، وذلك لتحركها السياسى لتقريب وجهات النظر بين الطرفين المتحاربين بالسودان، سواء “قوات الدعم” السريع وقيادة الجيش السوداني.

كذلك، بحسب كامل، للوقوف على نتائج “مؤتمر دول الجوار للسودان” الذي استضافته القاهرة في تموز/يوليو الماضي، والتأكيد على الدور المصري لدعم السودان اقتصاديا وسياسيا وما تمثله السودان لمصر كعمق استراتيجي وامتداد للأمن القومي المصري، مبيّنا أن للأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية بالسودان تأثيرٌ على الأمن القومي المصري وتقارب وجهة النظر المصرية والأميركية لحل الأزمة السودانية.

كامل، أشار في حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أن الزيارة تأتى بمطالب لدعم السودان اقتصاديا وأمنيا وزيادة جهودها من أجل وقف إطلاق النار، والبدء في محادثات بين أطراف الصراع مع المحافظة على وحدة وسيادة الحدود السودانية الحالية وتأمينها من أعمال التهريب للأسلحة والمقاتلين.

أيام حبلى بشأن السودان

في النهاية، ووفقا لكامل، فإنه خلال الأيام القليلة القادمة سيكون هناك تحرك مصري فاعل مع جميع الأطراف المؤثرة في الحالة السودانية داخليا من خلال القوى السياسية والثورية والأحزاب السياسية والدينية والشخصيات ذات الفكر الثقافي والوطني.

الحرب في السودان تتسبب بآلاف القتلى وملايين المشردين/ إنترنت + وكالات

ذلك بدعم من الولايات المتحدة الأميركية و”الأمم المتحدة” و”جامعة الدول العربية” و”الاتحاد الإفريقي”، وبناء على ذلك قد تشهد القاهرة خلال وقت قصير مؤتمرا موسّعا لحل الأزمة السودانية، يضم أطراف الصراع و”الأمم المتحدة” و”جامعة الدول العربية” و”الاتحاد الإفريقي” والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي.

يشار إلى أنه هذه هي المرة الأولى التي يغادر فيها البرهان السودان، منذ بدء الحرب التي حصدت أرواح نحو 5 آلاف شخص، وشرّد القتال أكثر من 4.6 ملايين شخص، وأحدثت دمارا وانتهاكات واسعة، وبعد أن كان قد أجرى زيارة إلى مدينة بورتسودان شرقي البلاد، بعدما لازم لمدة أربعة أشهر مقر قيادته في الخرطوم الذي تعرض لحصار وهجمات من قوات “الدعم السريع” برئاسة نائبه السابق محمد حمدان “حميدتي”.

الآمال التي أحيتها زيارة البرهان إلى القاهرة، تأتي بعد أن كانت وساطات سعودية أميركية قد أثمرت خلال الأشهر الماضية عن عدة اتفاقات لوقف إطلاق النار لكنها لم تصمد، وبعد أن قادت أيضا الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا “إيغاد” مبادرة إقليمية لم تثمر أيضا عن أي حل للصراع المستمر.

استمرار الصراع في السودان، يعصد من احتمالية تحول الحرب إلى أهلية، ما ينذر بتفكك البلاد، وهو ما ستكون له تداعياته الكبرى على المنطقة، وخصوصا على دول الجوار، ولا سيما مصر التي تبدي رغبة كبيرة وحرصا على وضع حد لهذه المعارك.

فأكثر الأمور التي تهدد مصر السودان والمنطقة بأكملها، أن يتحول السودان إلى بؤرة قتال وتدافع قبلي جديدة، ما يصبح الأمر خارجا عن السيطرة ويتحول السودان إلى منطلق ومركز للجماعات الإرهابية، ليهدد بصورة مباشرة الحالة السياسية والأمنية على الصعيدين الدولي والإقليمي، لذلك تعمل القاهرة لاستحضار كل تأثيرها لوضع حد لهذا المأزق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة