كما بات متعارفا عن سياسة النظام الإيراني، أنها لا تترك بقعة صراع في العالم إلا وتساهم فيها، على أقل تقدير كل ما يرتبط بأبعادها الاستراتيجية، مثل منطقة الشرق الأوسط، والآن في القارة الإفريقية، حيث يجري الحديث عن تقديم إيران دعما عسكريا لتغذية الحرب في السودان بين قوات الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” شبه العسكرية والمتّهمة بارتكاب جرائم إنسانية.

فعلى مدار سنوات طويلة قطعت إيران علاقاتها الدبلوماسية بالسودان، لكن ما إن اندلعت الحرب حتى أعادت طهران تفعيل دورها في السودان، بعد لقاء تاريخي جمع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مع نظيره السوداني علي الصادق، بعد سبع سنوات من قطع العلاقات بين البلدين.

في أعقاب هذا اللقاء الذي جمع في الربع الأول من شهر تموز/يوليو، وزيري خارجية البلدين للمرة الأولى بعد تجميد العلاقات بين الدولتين، سرعان ما ظهرت نتائج المحادثات التي أجراها الوزيران الإيراني والسوداني، على أرض الواقع، على هيئة دعم عسكري تقدمه طهران إلى الجيش السوداني، في مسعى من إيران لتأمين دور لها في البحر الأحمر.

خشية داخلية وخارجية من تدخل إيران في السودان

وزيرا خارجية البلدين كانا قد التقيا على هامش اجتماع “حركة عدم الانحياز” في باكو عاصمة أذربيجان، وبحثا معا سبل استئناف العلاقات الدبلوماسية “في أسرع وقت ممكن”، وتبديد سوء التفاهم بين البلدين وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية.

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مع نظيره السوداني علي الصادق/ إنترنت + وكالات

اللقاء خلُص إلى إعلان طهران والخرطوم عزمهما استعادة العلاقات الدبلوماسية، في أول تقارب بينهما منذ قطع العلاقات عام 2016، بيد أنه لم يتم الإعلان عن هذه العودة رسميا خشية تفسيرها عسكريا في خضم ما تشهده البلاد من حرب طاحنة تسببت بخسائر فادحة بين المدنيين والأملاك العامة والخاصة، فبعد اللقاء تصاعدت حدة المخاوف من قيام إيران بتقديم مساعدات عسكرية للجيش السوداني في الحرب المستمرة منذ منتصف نيسان/أبريل الماضي.

إذ أرسل لقاء وزيري خارجية إيران والسودان في باكو، وما تضمّنه من رغبة مشتركة في تقويم العلاقات بين البلدين، رسالة يؤشر مضمونها على عدم استبعاد قيام طهران بمساعدة الجيش، مستفيدة من حاجته للدعم في المعارك، وذلك مقابل الحصول على مزايا تخدم أجندات طهران في السودان وما يمثله من موقع استراتيجي. 

غير أن الخشية من عدم الإعلان الرسمي، لم تُخفِ حقيقة مساهمات إيران في الحرب السودانية، إذ كشفت مصادر سودانية أن إيران أرسلت شحنة أسلحة إلى شرق السودان خلال الأيام القليلة الماضية، أملا في تعزيز رغبتها بالتواجد داخل مناطق حيوية في البلاد، وجاء ذلك استنادا لوعد قالت صحيفة “العرب” نقلا عن مصادر على صلة بالموضوع، بأن قيادات في الحركة الإسلامية بالسودان وعدت طهران في حال تعاونها معها وتقديم دعمٍ عسكري للجيش السوداني، ستسهّل لها مدّ نفوذها في البحر الأحمر.

قيادات الحركة الإسلامية تبحث عن دعم عسكري للجيش السوداني -الذي يقوده الفريق أول عبد الفتاح البرهان- يساعده في الصمود بالمعارك الدائرة مع قوات “الدعم السريع” التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب بـ “حميدتي” والذي شغل نائب رئيس “مجلس السيادة الانتقالي” الذي يترأسه خصمه البرهان

المصادر أفادت بأن شحنات أسلحة دخلت من شرق السودان وتسلّمتها عناصر تابعة للجيش، في إشارة تُعيد إحياء التعاون العسكري بين طهران والخرطوم الذي راج خلال فترة سابقة قبل أن تُقطع العلاقات منذ ست سنوات، الأمر الذي يُعتبر بحسب مراقبين، أن الوصول إلى هذه النقطة سيؤدي إلى إفشال المبادرات الإقليمية الرامية إلى وقف الحرب، ويضرب عرض الحائط بالنداءات المستمرة الداعية إلى عدم تدخل أطراف خارجية في المعارك الدائرة بين الجيش و”الدعم السريع”، ما سيطيل أمد الاشتباكات والخسائر.

مخطط إيراني غير قابل للتطبيق في السودان

هذه التحركات الإيرانية في السودان، طرحت الكثير من التساؤلات حول ما وراء هذه المساعي الإيرانية، وفي هذا الصدد أوضح الخبير في الشأن الإيراني عمار تاسائي، أن إيران طالما تبحث عن موطئ قدم لها في جميع الدول المجاورة لها، بخاصة الدول العربية والإسلامية، لاسيما في الدول التي يغيب عنها وجود حكومة مقتدرة والتي تعاني من فقر مدقع.

قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان يسارا مع قائد قوات “الدعم السريع” الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” يمينا/ إنترنت + وكالات

المشروع الإيراني وفق ما تحدث به تاسائي لموقع “الحل نت”، يستند على نشر التشيّع وإغداق الفقراء في هذه المناطق مقابل تشيعهم، حيث عملت إيران على هذا المشروع في جميع الدول العربية وحتى في دول مثل كينيا وسيراليون، بيد أن مشروع التشيّع هذا هو ليس تشيّعٌ ديني بالمعنى وإنما تشيّع سياسي ونسخة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الغاية منه ما تروج له طهران بتصدير الثورة.

الغاية من دعم إيران للجيش السوداني، هي بغية تحوله أو جزء منه إلى أداة بيد طهران تستطيع من خلاله أن تضغط على حكومة السودان وحتى الدول المجاورة لها، من خلال سيطرتها على البحر الأحمر، بحسب الخبير في الشأن الإيراني، الذي أشار إلى أن استراتيجية إيران عند دخولها بلد معين تعتمد على إنشاء ميليشيا أو التأثير على جماعة من القوات سواء كانت نظامية أو غير نظامية.

تاسائي يعتقد، أن إيران تسعى من خلال دعم الجيش السوداني، أو قطعات أو جزء منه من أجل كسب ولائهم، لتتمكن فيما بعد من تحريكهم ضمن أجنداتها، لافتا إلى أن الوصول إلى البحر الأحمر يهدف للسيطرة على ما يمكن تسميته بالخاصرة العربية أو الممر المائي الذي يقع بين عدة دول عربية، مثل الأردن والسعودية ومصر وينتهي من الشمال بـ “قناة السويس” ومن ثم بـ “مضيق باب المندب”، حيث يتمتع هذا الممر بأهمية كبيرة خصوصا وأنه يقع قبالة السواحل السعودية.

بحسب الخبير في الشأن الإيراني، فإذا ما تمكنت إيران من بسط نفوذها هناك وبناء قاعدة كما في بعض الدول الإفريقية مثل ما هو موجود في إريتريا، وإذا ما استطاعت خلق ميليشيا في السودان، فإنها ستتمكن من تغير الكثير من مجريات وضع السودان وحوض البحر الأحمر، غير أن ذلك مستبعد حاليا لعدة أسباب.

تاسائي شرح تلك الأسباب بالقول، إن إيران تمتلك إمكانيات مادية وأيدلوجية وبشرية، لكن حاليا بسبب الحصار الذي تفرضه العقوبات الدولية والأميركية وما تشهده داخليا من ضغوطات، بات النظام الإيراني في وضع لا يسمح له الاستمرار في مشاريعه، وذلك بسبب ما يحتاجه من تكاليف مادية وبشرية، لاسيما وأنه في ضوء هذه التحديات أن مشاريع إيران السابقة في الدول حاليا مهددة، فكيفما إذا كان الأمر على مستوى مشروع جديد مثل السودان.

إيران وتاريخ التعاون العسكري مع السودان

هذا وتمثل العلاقة العضوية بين الجيش والحركة الإسلامية السودانية أحد المفاتيح الرئيسية التي تساعده على تطوير علاقاته مع دولة مثل إيران على أساس أيديولوجي، ويجني منها كل طرف مكاسب مختلفة تساعده على امتلاك أوراق قوة في تفاعلاته، سواء أكانت عسكرية أم سياسية، في حين دأبت إيران على القيام بتدخلات سافرة في عدة دول عربية شهدت صراعات ونزاعات مكّنتها من التواجد العسكري فيها وتسخيرها لتحقيق أهدافها الإقليمية.

إيران تدعم الجيش السوداني بالسلاح بغية ضمان وجودها على البحر الأحمر/ إنترنت + وكالات

الجدير بالذكر، إنه إذا كان رئيس “مجلس السيادة” وقائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، يبحث عن دعم خارجي لمساعدته في محنته فسيمثّل ذلك أزمة جديدة له عندما يأتي هذا الدعم من إيران المعروفة بأجنداتها الخفية، كما سيثير ريبة قوى إقليمية ودولية وربما يدفعها إلى التدخل ومنع تطوير أي شراكة سرّية بينهما، أو دعم قوات “الدعم السريع” في المقابل، ما يزيد الحرب اشتعالا.

الحديث عن محاولات التدخل الإيراني في الوضع السوداني ليس وليد اللحظة، فقبل قطع العلاقات بين البلدين راجت اتهامات من قِبل أطراف سياسية في الخرطوم انتقدت سعي طهران للتدخل في شؤون البلد الداخلية، وإنشاء مراكز دينية طائفية، حيث تم إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية عام 2014 بعد تزايد نشاطها لنشر المذهب الشيعي.

فيما تشير معلومات إلى أن “الحرس الثوري” الإيراني، لديه علاقات سابقة مع مسؤولين عسكريين سودانيين، بعضهم مازال في الخدمة، كما دعمت إيران قطاع إنتاج الأسلحة في السودان وكانت من أهم المورّدين في عهد الرئيس السابق عمر البشير، الأمر الذي أثار ريبة دوائر إقليمية إلى خطورة الدور الإيراني.

على هذا الأساس وجّهت -بحسب اتهامات سودانية- إسرائيل ضربة جوية لمجمع “اليرموك” للصناعات العسكرية بالخرطوم في أكتوبر 2012، الأمر الذي دفع سفينتين إيرانيتين حربيتين لمغادرة ميناء “بورتسودان”، قبل أن تعترض إسرائيل سفينة في البحر الأحمر في مارس 2014، قالت إنها كانت تحمل صواريخ “أم – 302” وغيرها من الأسلحة القادمة من إيران، كانت في طريقها إلى ميناء “بورتسودان” ومنه إلى قطاع غزة عبر حدود مصر الجنوبية وصحراء سيناء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات