غير واضح بعد، ما إذا ستجازف كوريا الشمالية في التعاون العسكري مع روسيا، أم لا، غير أن المؤكد أن انخراطها في هكذا أنشطة في الوقت الذي تحذّر فيه واشنطن من ذلك؛ يعني أن حزمة عقوبات ستكون بانتظار بيونغ يانغ، ما قد تفرض تكاليف عالية على مستوى العديد من المجالات، كما هو الحال في إيران، وحتى ذاتها روسيا التي لم تفلح بعد في إيجاد ما يخفف عنها شدة الحصار الاقتصادي والتكنولوجي، منذ أن قررت غزو أوكرانيا.

فروسيا تسعى إلى شراء ذخيرة من كوريا الشمالية لإعادة ملء مخازن الاحتياطيات التي استنزفتها حربها في أوكرانيا، بحسب تأكيدات مسؤولين أميركيين، وفي المقابل، يقول خبراء، من المرجح أن تسعى كوريا الشمالية للحصول على شحنات من الغذاء والطاقة وتقنيات الأسلحة المتطورة، على هذا الأساس من المحتمل أن يسافر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، إلى روسيا لعقد قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في رحلة من شأنها أن تؤكد تعميق التعاون.

لكن حتى الآن لم يمكن تحديد إلى أي مدى يمكن أن يصل هذا التعاون العسكري بين كيم وبوتين، لكن أي علامة في هذا الإطار، من شأنها إثارة قلق المنافسين مثل الولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية، إذ تسعى روسيا إلى سحق الهجوم المضاد الأوكراني وإطالة أمد الحرب، في حين توسّع كوريا الشمالية بوتيرة قياسية التجارب الصاروخية احتجاجا على مساعي الولايات المتحدة لتعزيز تحالفاتها العسكرية مع كوريا الجنوبية واليابان.

تداعيات تعاون روسيا وكوريا الشمالية

على أية حال، فإن ذلك سيؤدي لتداعيات من الصعب توقعها الآن، حيث قال مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، في تصريحات صحفية، الثلاثاء الماضي، “سيدفعون ثمنا مقابل هذا الأمر في المجتمع الدولي”، مشيرا إلى أن هذه الصفقات، ستؤدي إلى حصول روسيا على كميات كبيرة من الأسلحة، خصوصا ذخيرة للمدفعية، بالإضافة إلى مواد خام لصناعات الدفاع.

حديث سوليفان، جاء على وقع إعلان “البيت الأبيض”، الاثنين الماضي، أن كيم جونغ أون، ينوي التوجه إلى روسيا لكي يبحث مع بوتين مبيعات أسلحة، وذلك بينما ندد بالزيارة التي قام بها وزير الدفاع الروسي شويغو، الى كوريا الشمالية في نهاية تموز/يوليو الماضي، حيث حضر عرضا عسكريا الى جانب كيم جونغ أون “في محاولة لإقناع بيونغ يانغ ببيع ذخائر مدفعية لبلاده”.

بالمقابل، رفضت روسيا تأكيد المعلومات التي أوردتها واشنطن حول قمة قريبة بين الرئيس الروسي والزعيم الكوري الشمالي، لكنها تحدثت عن احتمال إجراء مناورات عسكرية مشتركة، إذ قال الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، “كلا، لا يمكننا تأكيد ذلك” ردا على سؤال حول ما إذا كان كيم سيلتقي بوتين قريبا. وأضاف “ليس لدينا ما نقوله حول هذه المسألة”.

منذ العام الماضي، يشكّ المسؤولون الأميركيون في أن كوريا الشمالية تزوّد روسيا بقذائف مدفعية وصواريخ وذخائر أخرى، ومن المحتمل أن يكون كثير منها نُسخا من ذخائر تعود إلى الحقبة السوفيتية، قبل أن تعود واشنطن لتؤكد، الأسبوع الماضي، أن كوريا الشمالية زوّدت روسيا صواريخ وقذائف في العام 2022 استخدمتها مجموعة مرتزقة “فاغنر” في أوكرانيا.

فروسيا بحاجة ماسة إلى إمدادات الحرب، حسبما أكده كيم تيوو، الرئيس السابق لـ “لمعهد الكوري الجنوبي للتوحيد الوطني” في سيول، متسائلا إنه كيف يمكن لوزير دفاع دولة قوية في حالة حرب أن يأتي إلى دولة صغيرة مثل كوريا الشمالية، لولا الحاجة، بحيث أن شويغو كان أول وزير دفاع روسي يزور كوريا الشمالية منذ تفكّك الاتحاد السوفيتي عام 1991.

عقوبات بانتظار كوريا الشمالية

تعليقا على ذلك، يقول الخبير في الشأن السياسي عبدالله الكناني، إن اختيار كوريا الشمالية دعم روسيا في الوقت الذي تخوض فيه الأخيرة معارك ضد أوكرانيا، يعني أنها تحذو على طريق إيران، أي أنها ستتعرض لعقوبات أميركية وأوروبية، فالقضية الأوكرانية ليست كباقي الملفات التي يمكن أن تخضع للنقاشات والمفاوضات، إذا لا يتهاون المجتمع الغربي بذلك. 

وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون/ إنترنت + وكالات

الكناني، أشار في حديث لموقع “الحل نت”، إلى أن الأزمة الأوكرانية والانخراط فيها، يمثل بالنسبة للغرب قرار صدام مباشر مع مصالحهم، لما في ذلك من من معاني، مثل قضية الصراع حول قطبية النظام الدولي الذي تسعى روسيا لإعادة رسمه، وهو ما يتعارض مع الموقف الغربي الرافض لأي تعرضات لميزان القوى العالمي، بالتالي أن تدخل كوريا الشمالية بصالح موسكو يعني مواجهة علنية لأميركا وحلفائها.

بالقابل، وفق الكناني، أن هذا التدخل الكوري الذي سينتج عنه الكثير من المواقف الغربية، سيكلف بيونغ يانغ ثمنا باهضا، حيث يمكن أن تؤدي العقوبات التي ستُفرض عليها إلى تعطّل النظام الاقتصادي والتكنولوجي وغيرها من القطاعات الحيوية التي تحتاجها كوريا الشمالية للبقاء ضمن السباق العالمي، كما أن ذلك يمكن أن يعيد رسم خارطة التوازن مع محيطها الإقليمي مثل كوريا الجنوبية التي تُعد واحدة من أبرز حلفاء الغرب في مواجهة نظيرتها الشمالية.

لذا، من الأفضل لكوريا الشمالية ترك دائرة الصراع في الوقت الحالي، والاقتداء بما تفعله الصين بالابتعاد عن كل ما يمكن أن يعطل نشاطاتها الحيوية التي تضعها ضمن الحسابات العالمية والدولية، ذلك لأنها تعي جيدا أن انخراطها بشكل غير محسوب في الوقت الحالي مع روسيا ضد أوكرانيا، يعني أنها ستتحمل تكاليف كبيرة، وهو ما يجب أن تعيه بيونغ يانغ.

إلى ذلك، قد لا تكون عملية شراء الأسلحة من كوريا الشمالية أمرا سهلا، حتى وإن كانت كوريا تمتلك مخازن ضخمة من الذخيرة، إذ إن هناك تشكيكات في إمكانية إرسال كميات كبيرة بسرعة إلى روسيا، لأن الرابط البري الضيق بين البلدين لا يمكنه التعامل إلا مع كمية محدودة من النقل السككي، كما يؤكد دو هيون تشا، المحلل في “معهد أسان للدراسات السياسية” في سيول.

كوريا الشمالية و”مجلس الأمن” الدولي

إن شراء الذخيرة من كوريا الشمالية بالنسبة لروسيا، يُعد انتهاكا لقرارات “الأمم المتحدة”، التي تدعمها روسيا، وتحظّر جميع أشكال تجارة الأسلحة مع الدولة المعزولة، قبل أن يتغير موقفها الآن، بعد أن أصبحت تواجه عقوبات دولية وقيودا على التصدير بسبب حربها في أوكرانيا، وتسعى للحصول على أسلحة من دول أخرى خاضعة للعقوبات مثل كوريا الشمالية وإيران.

واشنطن تؤكد أن مفاوضات شراء روسيا للسلاح من كوريا الشمالية وصلت مراحل متقدمة/ إنترنت + وكالات

في السياق، أن المعلومات الأميركية، بحسب الناطقة باسم “مجلس الأمن القومي” الأميركي أدريان واتسون -التي أشارت إلى أن واشنطن سبق وحذرت علنا من أن مفاوضات الأسلحة بين روسيا وكوريا الشمالية تتقدم بشكل حثيث- فإن كيم جونغ أون، يتوقع أن تتواصل هذه المحادثات لتشمل حوارا دبلوماسيا في روسيا على مستوى القادة، في حين ترى واشنطن أن مثل هذه الاتفاقات في مجال التسلح ستنتهك قرارات “مجلس الأمن” التي تفرض عقوبات على كوريا الشمالية.

ليس الولايات المتحدة الأميركية وحدها، بل أن بريطانيا، وكوريا الجنوبية، إلى جانب اليابان، قد أعلنت الأسبوع الماضي في “الأمم المتحدة” في بيان مشترك، أن أي اتفاق لزيادة التعاون الثنائي بين روسيا وكوريا الشمالية، سيُعد انتهاكا لقرارات “مجلس الأمن” الدولي التي تحظر عقد صفقات أسلحة مع بيونغ يانغ، وهي قرارات أيدتها موسكو نفسها.

بناء على ذلك، فإن كوريا الشمالية أمام تحدي سياسات، وهو أن تبقى في حيّزها ونطاقها الذي تشغله الآن، أو الانزلاق إلى مأزق العقوبات، الذي يعني حصارا اقتصاديا وسياسيا وتكنولوجيا لبيونغ يانغ، التي تخضع بالأساس لجملة عقوبات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة