تقارير حقوقية جديدة تكشف الأهداف الخفية لـ”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) حول تدخّلها على خط المواجهة ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بذريعة مناصرة العشائر العربية عقب التوترات الأمنية الأخيرة التي حدثت في دير الزور شرقي سوريا.

تقرير لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الحقوقية، جاء فيه، أن “هيئة تحرير الشام” المدعومة من تركيا دخلت خط المواجهة ضد “قسد” تحت مسمى “مقاتلو العشائر” وبحجة دعم القبائل العربية. بيد أن الهيئة استغلت أحداث دير الزور للتوسع في ريف حلب الشمالي لأول مرة، عقب استغلال النزاعات الداخلية السابقة بين فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من أنقرة والتمدد في منطقة عفرين، وزاد هذا التواجد بعد زلزال شباط/فبراير المدمّر في 2023.

استغلال أحداث دير الزور

العديد من المصادر الأمنية والعسكرية من داخل “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركياً، رجّحت أن هدف “هيئة تحرير الشام” من هذا التدخل في خط المواجهة ضد “قسد” وإرسال التعزيزات العسكرية إلى أرياف حلب، هو أن “الهيئة” تريد استغلال تحركات العشائر بغية التغلغل في ريف حلب وهو ما يسمح بتموضع قوة كبيرة لها يمكن استخدامها مستقلا ضد بعض فصائل أخرى لـ “الجيش الوطني”، والتي ما تزال تراها “الهيئة” حجرة عثرة أمام تمدّدها والاستفراد بسلطة المنطقة لوحدها كما فعلت في إدلب.

مقاتل من فصيل موالٍ لتركيا على الجبهة ضد “قوات سوريا الديمقراطية” قرب مدينة منبج يوم 6 أيلول/سبتمبر الحالي (أ.ف.ب)

تدعيما لهذه الفرضيات، كشف تقرير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الذي أرسلت نسخة منه إلى “الحل نت”، استغلال “الهيئة” الواضح للأحداث التي رافقت الاشتباكات في دير الزور بين “قسد” من جهة، ومسلحين من “مجلس دير الزور العسكري” و”مقاتلين عشائريين” من جهة أخرى.

التقرير يشير إلى أن “الهيئة” أرسلت مئات العناصر المقاتلة وعشرات الآليات العسكرية من المناطق التي تسيطر عليها في محافظة إدلب إلى الجبهة الغربية والشمالية لمدينة منبج، قادمين من منطقة عفرين عبر معبر الغزاوية الذي يفصل بين إدلب ومناطق “غصن الزيتون” التي استحوذت عليها تركيا و”الجيش الوطني السوري” خلال المعارك في 2018.

هذا التمدد تطوّر خلال الأيام التي تلت قدوم “الهيئة” إلى مناطق “درع الفرات” ووصل إلى حدّ تأمين تواجد دائم لعناصر من “الهيئة” في حاجز معبر الحمران الذي يربط مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” بمناطق “الجيش الوطني السوري”، وهو المعبر الوحيد الذي تمّر عبره المحروقات القادمة من شمال شرق سوريا. وجاء هذا التواجد الأخير بعد دخول مئات من العناصر الجديدة عبر عفرين مرة أخرى.

التقرير الحقوقي يبيّن أن قدوم عناصر “الهيئة” ترافق بتوافد مئات آخرين من “مقاتلي العشائر” إلى جبهات منبج، منهم مجموعات عشائرية مسلّحة، ومقاتلون ينتمون إلى فصائل المعارضة السورية، وينتمون بشكل أساسي إلى مقاتلي فصائل “حركة التحرير والبناء” التي تتألف من فصائل “تجمع أحرار الشرقية” بقيادة أبو حاتم شقرا، و”جيش الشرقية” بقيادة الرائد حسين حمادي، والفرقة 20″ بقيادة أبو بَرزان السلطاني.

مصادر خاصة تكشف خبايا الانخراط

في المقابل، قالت مصادر خاصة للمنظمة الحقوقية إن عناصر “هيئة تحرير الشام” القادمين من محافظة إدلب نسّقوا مع فصيلي “الحمزة” و”السلطان سليمان شاه”، وهو ما يفسّر استخدام “الهيئة” المناطق الخاضعة لسيطرة الفصيلين في عفرين للوصول إلى جبهة منبج، مع العلم أن كلا الفصيلين تمّ إدراجهما مؤخرا على قوائم العقوبات الأميركية من قبل “الخزانة الأميركية”، بسبب الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبوها في عفرين ضد سكانها الأصليين من الكُرد.

كما أن الهيئة أرسلت مقاتلي من “قوات النخبة” من كتلة “أبناء الشرقية”، مستغلة بذلك أحداث دير الزور للتمدد في ريف حلب الشمالي، طبقا لمصادر أخرى.

ثمانية مصادر جمعتها المنظمة الحقوقية في تقريرها المنشور حديثا، ومن بين هذه المصادر قيادات وإداريين في “الجيش الوطني السوري”، إضافة إلى سكان محليين وإعلاميين عاينوا توافدت عناصر الهيئة إلى المنطقة، وأيضا قامت بإرسال الباحث الميداني لديها للاطلاع من قرب على عملية انتشار وتمدد الهيئة الذي يبدو أنه حاول استخدام توافد مسلّحي العشائر للتمدد في المناطق التي لا تخضع لسيطرته تقليديا.

أحد القادة عملية انتشار عناصر من الهيئة في جبهة منبج والأحداث التي سبقت هذا بالانتشار وصف ذلك بالقول “لم يبدأ توافد عناصر الهيئة في تاريخ 6 أيلول/سبتمبر 2023 مثلما أشيع في وسائل الإعلام، فقد أرسل التنظيم وخلال الأيام الأولى لأحدث دير الزور أفرادا قاموا بعمليات رصد واستطلاع لجبهات منبج، وكانوا برفقة عناصر من فرقتي السلطان سليمان شاه والحمزة. ثم بدأ توافد مجموعات عسكرية صغيرة تصل إلى الجبهات الشمالية من منبج، والتي تقع جنوب مدينة جرابلس، في حين تمركزت مجموعات أخرى في محور قباسين في ريف مدينة الباب”.

خارطة تمّ رسمها من قبل “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تُظهر المناطق التي تمددت فيها “هيئة تحرير الشام” على محاور منبج

كما أن عناصر الهيئة استخدموا مقرات” فرقة الحمزة وحركة أحرار الشام الإسلامية” القطاع الشرقي أو ما يُعرف محليا باسم “أحرار عولان”، فضلا عن أنها استخدمت مقرات “الفرقة 50 التابعة للفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري”، لتمويه تحركاتهم العسكرية، وهو ما تم تأكيد أيضا من مصادر أخرى ذكرها وسائل الإعلام المحلية المعارضة، ومصادر عسكرية خاصة أكدت لموقع “الحل نت”.

ضوء أخضر من تركيا!

انخراط تركيا، الخفي والمعلن، في الأحداث التي اندلعت بدير الزور شرق سوريا سواء من خلال مسؤولين رسميين على رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أو من خلال وكلائهم وعناصرهم المحليين ممثلا في فصائل “الجيش الوطني السوري”، فضح خبيئة الدور الخارجي الذي كان يقود الصراع لحساباته البراغماتية ومصالحه السياسية، بينما يسعى لشحن الوضع المأزوم بأقصى درجات التوتر لإطالة أمد الأزمة، وذلك لجهة إرباك “قسد” وإرغامها على عمليات استنزافية.

تدخل الهيئة وبعض فصائل الأخرى في خط المواجهة ضد “قسد”، لا يمكن لها أن تتحرك هذه الفصائل التي ذهبت للقتال في ليبيا وقره باغ بتفويض من أردوغان إلا بتحريض مباشر من الأخير، والهدف هو استكمال الاستراتيجية التركية بإنهاك وإنهاء الوجود الكُردي الذي يمثل خطرا على أمنها القومي كما تزعم.

هذا الأمر أكده مصدر المنظمة الحقوقية حيث أردف في شهادته “عندما علم قادة الهيئة بعدم وجود رفض تركي لشنّ هجمات عسكرية في جبهات منبج، بدأوا بتحريك أرتال عسكرية ضخمة تحت غطاء مقاتلي العشائر، وصلت معظمها إلى الجبهات بتاريخ 5 أيلول/سبتمبر 2023. منها أحد الأرتال الكبيرة التي وصلت إلى محور قباسين، تلا ذلك وفي اليوم التالي قيام عناصر من الهيئة إلى جانب فرقتي الحمزة وفرقة السلطان سليمان شاه بشنّ هجوم مباغت على قرى في غرب منبج”.

قاطعت منظمة “سوريون” المعلومات التي أدلى بها المصدر مع مصادر التقرير الأخرى، وخلصت على أن أعداد المقاتلين الذين تم إرسالهم من قبل الهيئة تتراوح ما بين 700 إلى 1000 مقاتل، إضافة إلى حوالي 200 آلية عسكرية، مزودين بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، فيما أكد مصادر أخرى وجود القيادي أبو أحمد حدود/الأمني العام للهيئة والمدعو مظهر الويس/الشرعي وعضو مجلس الشورى في تلك الجبهات.

طبقا للمصادر فإن أهداف الهيئة من الفوضى التي حدثت عقب أحداث دير الزور هي محاولة إيهام الرأي العام بأنها تستجيب لدعوات العشائر من اجل الفزعة وقتل قوات من “قسد”، رغبة منها في تثبيت تواجدها العسكري في هذه الجبهات لأول مرة.

اللافت أن هذه المصادر لاحظت أن العتاد العسكري الذي كان بحوزة عناصر الهيئة هو عتاد جديد ومختوم، متسائلين عن كيفية حصولهم على هذه الأسلحة الجديدة في حين لا يستطيع سكان شمال غربي سوريا، وتحديدا مناطق إدلب الحصول على مساعدات إنسانية كافية.

تحالف المسلحين

قيادي عسكري آخر، شرح لمنظمة “سوريون” خلفية توافد عناصر من فصائل المعارضة إلى جبهة منبج، بعد إعلان النفير العام من قبل إبراهيم الهفل أحد قيادات عشيرة العكيدات العربية في دير الزور، وأردف قائلا “بعد إعلان النفير، تجاوب عدد كبير من عناصر أبناء المنطقة الشرقية وتوجهوا إلى المقرات العسكرية للفصائل الخاصة بهم، وهنا نتحدث بشكل أساسي عن المجموعات المنضوية تحت اسم حركة التحرير والبناء التي تضم أبرز الفصائل التي ينحدر معظم مقاتلوها من المنطقة الشرقية وهم أحرار الشرقية وجيش الشرقية والفرقة 20”.

ذات المصادر أفادت بعدم حصول القادة إلى ضوء أخضر تركي لشن عمل عسكري مباشر، بسبب التفاهمات مع روسيا حول تلك المناطق، إلا أنه بعد ذلك تغير موقف أنقرة، ويضيف التقرير الحقوقي “في الأيام التالية، تبدّل الموقف التركي قليلا، وأعطى الضوء الأخضر لشن هجمات برية على نقاط تتمركز فيها قسد ومجلس منبج العسكري، إضافة إلى تزويدهم بمعلومات وخرائط وصور تم التقاطها من خلال طائرات بدون طيار”.

خلال الفترات الماضية، شنت مجموعات عسكري مؤلفة من مقاتلين عشائريين وفصائل سورية معارضة ومقاتلين من “هيئة تحرير الشام” هجمات عسكرية عديدة على قرى وبلدات في محيط مدينة منبج، فعلى على المحور الشمالي  تركزت الاشتباكات في قرى عرب حسن الكبير والمحمودية وتلّة السيرياتيل إضافة إلى المحيسنلي، فيما تركزت الاشتباكات في الجبهة الغربية في قرى البوغاز والبوهيج وتل تورين باتجاه نقطة العريمة.

أثناء الهجمات ضد “قسد” في مناطق ريف حلب، نفذت الفصائل السورية المدعومة من تركيا مناورة تكتيكية عبر قطع الطريق الدولي “أم 4” في جنوب بلدة تل أبيض شمال سوريا، وقد وقعت أحداث عنف بينهما وقوات “قسد” في قرية الطويل غربي التابعة لريف الحسكة. ولم يخف ما يعرف بـ”الجيش الوطني” موقفه المعادي واصطفافه ضد “قسد” محرضا أبناء العشائر العربية بالانضمام لصفوفهم.

كما هي العادة كانت المسيّرات التركية تقوم بدورها العدائي في سماء شمال شرقي سوريا، بهدف بعث رسالة إلى كافة الأطراف بأن أنقرة على الخط تدعم طرف وتوفر حماية له. ومثلما تؤدي الطائرات المسيّرة أو الفصائل العسكرية دورها في القتل والتدمير، فإن أردوغان لم يتوانى عن التصعيد السياسي عبر خطاب تعبوي يحمل كراهية وتحريض على الأكراد، وقال أردوغان إن العشائر العربية هم أصحاب تلك المناطق الأصليين وأن “قسد” مجرد دخيل على المنطقة وبدعم دولي.

خارطة تم رسمها من قبل “سوريون” تُظهر المحاور العسكرية التي شهدت اقتتالاً بين “مسلّحي العشائر” من جهة و”قوات سوريا الديمقراطية” من جهة أخرى

أردوغان زعم أيضا أن “قسد” يساهم في استمرار إراقة الدماء بالمنطقة وزعزعة وحدة أراضي سوريا. مع الأخذ في الاعتبار أن القوات التركية والعناصر التابعة لها في شمال غربي سوريا وتحديدا بعفرين متورطة هي نفسها في أعمال عنف و”جرائم حرب” وتغيير ديمغرافي وفق تقارير أممية.

في العموم، تستفيد عدة جهات من تكرار مثل هذه الفوضى والتوترات الأمنية التي شهدتها شمال وشرق سوريا مؤخرا، مثل أنقرة التي تصنف المقاتلين الأكراد تنظيما “إرهابيا”، و”هيئة تحرير الشام” التي تسعى بشتى الوسائل للسيطرة على مناطق ريف حلب. وكذلك حكومة دمشق التي ترفض “الإدارة الذاتية” وتحمّل الأكراد تحالفهم مع واشنطن، ولا ننسى تنظيم “داعش” الإرهابي الذي يستغل كل الثغرات الأمنية بغية شن هجمات متفرقة على “قسد”، إضافة إلى استفادة كل من إيران وحتى روسيا من ذلك، فكل منهم لديه مصالح في ضرب النظام الحالي، ولكلٍّ أسبابه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة