خلال الزيارة الحالية للرئيس السوري بشار الأسد إلى الصين، أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ، محادثات معه وبمشاركة الوفود المرافقة للأسد. وتم خلال اللقاء الإعلان عن “شراكة استراتيجية” بين الطرفين، الأمر الذي شكك فيه العديد من الخبراء والمراقبين، نظرا لأن الصين تشتهر بوعودها الكاذبة وعدم الوفاء باتفاقياتها الاقتصادية. وهذا ما أكده تقرير لموقع أميركي، الذي قال إن زيارة الأسد للصين لا تتعدى كونها ضجيجا سياسيا، وأن هذه الشراكة لا تساوي أي قيمة أو التزام من جانب بكين.

في الواقع ثمة شكوك بشأن دعم الصين لسوريا اقتصاديا وفتح مجال لقروض أو خطط تنموية، ومن ثم، الوقوف عند حيز الدعم السياسي حيث إنه منذ انضمام دمشق للمبادرة الصينية، مطلع العام الماضي، لم نشهد تبادل اقتصادي جاد يحقق طفرة على أي مستوى.

الصين وسوريا “شراكة مهزوزة”

نحو ذلك، بدأ الأسد الذي يبحث عن أموال لإعادة إعمار بلاده، منذ الخميس الماضي، أول زيارة رسمية للصين منذ حوالى 20 عاما، على أمل الارتقاء في العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد، طبقا لبكين. وحضر الأسد رفقة زوجته أسماء، حفل افتتاح دورة الألعاب الآسيوية الـ 19 في هانغتشو، يوم السبت الفائت، وفق “سانا“.

اجتماع صيني سوري في الصين- “وكالات”

وسائل إعلام رسمية ذكرت أن شي والأسد، التقيا في المدينة الواقعة في شرق الصين، بعد ظهر الجمعة. وقال شي، وفق تقرير لشبكة “سي سي تي في” التلفزيونية الرسمية عن الاجتماع، “سنعلن بصورة مشتركة اليوم إقامة الشراكة الاستراتيجية بين الصين وسوريا، التي ستصبح محطة مهمة في تاريخ العلاقات الثنائية”.

شي، أردف أن العلاقات بين البلدين “صمدت أمام اختبار التغيرات الدولية” وأن “الصداقة بين البلدين تعززت بمرور الوقت”، وأن “الصين تدعم التسوية السياسية للقضية السورية وتحسين علاقاتها مع الدول العربية الأخرى”. وذكرت الشبكة أيضا، أن “بكين تدعم جهود سوريا في إعادة الإعمار وتعزيز بناء القدرات في مجال مكافحة الإرهاب”.

في تقرير لافت لموقع “المونيتور” الأميركي، أشار إلى أن زيارة الأسد إلى الصين، لا تتعدى كونها ضجيجا سياسيا، فيما لا تساوي “الشراكة الاستراتيجية” التي أُعلن عنها أي قيمة أو التزام من جانب بكين، مضيفا أنه حتى الآن، لم يتم الإعلان عن أي مشاريع بتمويل صيني، منذ انضمام دمشق إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، في كانون الثاني/يناير 2022، ما يشير إلى أن الصين لا ترى في سوريا مكانا آمنا للاستثمار فيه بعد، طبقا للتقرير.

التقرير الأميركي أضاف أيضا أن دمشق بعيدة كل البُعد عن أن تكون شريكا دبلوماسيا أو اقتصاديا مثاليا. ومع ذلك، فإن ما تفتقر إليه من الاستقرار وعوائد الاستثمار، تعوضه باليأس الناجم عن عزلتها الاقتصادية وحماسها لتوثيق العلاقات مع الصين.

كما أنه من دون الاستقرار السياسي، يصبح التعافي الاقتصادي المستدام والتنمية غير مرجّح. ومن المرجح أن تثبت الاضطرابات السياسية المستمرة الناجمة عن اعتماد دمشق على تجارة مخدر “الكبتاغون” والميليشيات الإيرانية، التي تنتهك ما يسمى باتفاقات المصالحة التي تحدّ بالفعل من حقوق المواطنين، فضلا عن الانقسام في سوريا بين القوى الخارجية، بالتالي فإن هذه “الشراكة الاستراتيجية” ليست أكثر من مجرد ترقية نظرية لعلاقات سوريا مع الصين.

هذا فضلا عن عدم وفاء بكين بوعودها، فمثلا على سبيل المثال لم تفِ بوعدها تجاه إيران، حين وعدت طهران باستثمار 400 مليار دولار لإنقاذها من العقوبات الغربية، إلا أنها لم تستثمر سوى القليل جدا من هذه الاستثمارات.

بحث الأسد عن التمويل والدعم

في المقابل، أشار التقرير إلى أنه مع 12 عاما من الصراع الكارثي الذي أدى إلى مقتل حوالي 250 ألف مدني، وإخفاء أكثر من 150 ألف آخرين، وتشريد 14 مليون شخص، والتّسبب في دمار بقيمة 400 مليار دولار وعزل سوريا عن الجهات الاقتصادية الغربية الفاعلة، فإن الأسد يسعى إلى العثور على مانحينَ ومستثمرينَ لبرنامج إعادة الإعمار، وخاصة التي لا تفرض شروطا سياسية.

التدخل العسكري الروسي في سوريا، والذي بدأ في أيلول/سبتمبر 2015، ساعد حكومة دمشق في استراتيجيتها للبقاء بأي ثمن. وفي المقابل، حصلت على عقود إعادة الإعمار المسبقة وحقوق التنقيب عن الطاقة واستخراجها وإنتاجها، بما يعادل الهيمنة الروسية على صناعة الهيدروكربونات السورية. ومنحت إيران، التي دعمت الأسد بالمثل سيطرة كبيرة على الصناعات السورية الرئيسية مثل الاتصالات.

مع ذلك، لا تمتلك روسيا ولا إيران الموارد الاقتصادية اللازمة لدفع فاتورة إعادة إعمار سوريا، والتي بدونها لا يمكن لموسكو وطهران أن تتوقّعا أي عوائد على استثماراتهما. ولطالما كانت روسيا وسوريا تتوددان إلى بكين للاستثمار في إعادة إعمار سوريا، نظرا لأن ذلك من شأنه أن يسهّل إعادة تأهيل واستقرار الصناعات التي تسيطر عليها موسكو الآن.

منذ انضمام دمشق إلى “مبادرة الحزام والطريق” الصينية في العام الماضي، لم تكن هناك مشاريع واضحة للبنية التحتية هناك حتى الآن. وعلى نحو مماثل، من المرجح أن يعكس الإعلان عن “الشراكة الاستراتيجية” انفتاح الصين على مساعدة سوريا في إعادة إعمارها، ولكن فقط إذا رأت أن استثماراتها آمنة وجديرة بالاهتمام، وهذا غير متوفر في سوريا.

قبل زيارة الأسد للصين، ووسائل الإعلام السورية المحلية تُحاول إظهار زيارة الأسد هذه كحدث استثنائي، وأنها بداية إنهاء عزلة دمشق دبلوماسيا ودوليا، وتقديم صورة للسوريين بأن هناك فرصة وشيكة لجذب استثمارات ستؤدي إلى تحسين الوضع الاقتصادي السوري المتهالك على كافة المستويات.

أحد موانئ الساحل السوري-“سبوتنيك”

لكن تحقيق هذا الأمر يبدو صعب، بل ومستحيل، حتى وإن حصل وعود واتفاقيات بين دمشق وبكين، على اعتبار أن مصداقية الأخيرة وتنفيذها الفعلي موضع شك، خاصة وأن بكين مشهورة بوعودها الكاذبة للضغط على الدول الغربية، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية العديدة التي تمرّ بها بكين، وتحديدا في قطاع العقارات وتباطؤ النمو الاقتصادي.

خبراء اقتصاد تحدثوا في وقتٍ سابق لموقع “الحل نت”، استبعدوا رغبة الصين بالاستحواذ على سوريا اقتصاديا، وذلك لعدة أسباب، الأول أن الصين لا ترغب بالتنافس مع شركائها إيران وروسيا، فهي تدرك أن كل من موسكو وطهران تعتقدان أن موارد الدولة السورية من حق الدول التي دعمت حكومة دمشق عسكريا، إضافة لكون الصين لم تبدِ حتى الآن اهتماما حقيقيا بالاقتصاد السوري، ففي عام 2017 وعدت باستثمار ملياري دولار في مناطق سيطرة دمشق ولم تفعل، فهي ترغب بالتريث لحين اتضاح مستقبل القضية السورية.

استغلال الأسد المهزوم

في إطار زيارة الأسد للصين، قال مراقبون، إن زيارة الأسد للصين يمكن قراءتها بشكل أكبر، وهو من منظور التحالف الصيني الروسي على المستوى الدولي والإقليمي وبالتالي ربما رغبت بكين بإرسال رسالة إلى واشنطن ودول أخرى، وهي أنها تقف إلى جانب روسيا في أوكرانيا ومع روسيا في سوريا، ولهذا السبب تأتي هذه الزيارة. لكن لا توجد علاقات ثنائية قوية بين الصين وسوريا، كما توجد علاقة بين حكومة دمشق وموسكو.

بينما يرى آخرون أنه بشكل عام وعلى الرغم من أهمية البُعد الاقتصادي للزيارة، لكن الشق السياسي يبدو أهم، فالصين تسعى للتقارب مع الأسد، علّها تستعمل هذا التقارب كأداة ضغط على الغرب، بالتزامن مع أزمة تايوان مع الصين، وفق تعبيرهم لموقع “الحل نت”.

ألفريد وو، الأستاذ المشارك في كلية “لي كوان يو” للسياسة العامة في سنغافورة “في ولايته الثالثة، رأى من جانبه إن الرئيس الصيني يسعى إلى تحدي الولايات المتحدة علنا، أن ذلك سيؤدي إلى زيادة تهميش العالم للصين، لكنه لا يهتم بهذا الأمر. يبدو أن الصين لديها دوافع أخرى لتكون أكثر حضورا في أزمة إقليمية كُبرى مثل سوريا، ووسط الصراع بين الصين والمحور الغربي، فإنه إذا ما تصاعدت شدته في الفترات المقبلة، فغير مستبعد أن تكون سوريا ساحة مواجهة أو ورقة ضغط بينهما.

الصين ثالث دولة غير عربية يزورها الأسد خلال سنوات النزاع المستمر في بلاده منذ العام 2011، بعد روسيا وإيران، أبرز حلفاء دمشق، واللتين تقدمان له دعما اقتصاديا وعسكريا غيّر ميزان الحرب لصالحه.

لقاء بشار الأسد مع رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني تشاو لي جي في بكين- “سانا”

كما استقبلت الصين الرئيس الفنزويلي الذي تواجه بلاده الغنية بالنفط أزمة اقتصادية خانقة. وأعلن “الكرملين” يوم الأربعاء الماضي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سيزور الصين أيضا في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، في وقت تواجه موسكو غضبا غربيا جرّاء غزوها لأوكرانيا.

من جانب آخر، يرى بعض الخبراء أن الصين دمجت دمشق في مبادرة “الحزام والطريق”، وذلك للاستفادة من احتياجات إعادة الإعمار الملحّة بسوريا، وذلك لتأسيس موطئ قدم لها في الشرق الأوسط.

بالتالي فإنه من غير المستبعد أن تقوم الصين بتقديم دعمٍ اقتصادي هامشي وشكلي في الوقت الحالي لدمشق التي هي في أمسّ الحاجة له، وهو ما سيترتب عليها ديون كبيرة لاحقا، وبالتالي قد يتم سداد هذا الدين بأصول من الدولة السورية. وهكذا ستقوم الصين بالاستحواذ على أهم المراكز الحيوية كالموانئ مثل ميناء اللاذقية الرئيسي الذي يُعتبر من أكبر الموانئ البحرية وميناء البيضا قرب رأس شمرا باللاذقية، بهدف تنفيذ أجندة مشروع “طريق الحرير” الصيني، كما حدث في سريلانكا عندما تخلّفت عن سداد الديون، حيث استولت بكين على الموانئ وأهم المنافذ الاستراتيجية هناك بقيمة مليارات الدولارات في ميناء هامبانتوتا جنوب سريلانكا، الذي يتوسط أكثر طرق الملاحة النشطة والمزدحمة بين الشرق والغرب.

بوابة الاقتصاد هي ذاتها التي تسعى من خلالها بكين للهيمنة على اقتصاد العديد من الدول ولا سيما النامية، وقد تكون مواجهتها مع الولايات المتحدة ضمن هذا المجال دافعا لبكين من أجل توسيع أطماعها وتمددها في منطقة الشرق الأوسط.

النتيجة الطبيعية المفترضة هي أن الضغط على سوريا التي ستثقل كاهلها أعباء اقتصادية، سينتج عنه نفوذ سياسي للصين فيها، والسيطرة على قراراتها، وفتح الباب على مصراعيه أمام تغوّل صيني. والحقيقة أن هذا السيناريو مقلق ويهدد سوريا ومصير الحل السياسي الذي ينتظره السوريون، أي أن الصين إضافة إلى سيطرتها الاقتصادية المتوقعة على مكامن مهمة من الاقتصاد السوري، فإن حضورها السياسي المفترض سيعقّد مهمة تحقيق الحل السياسي في ظل مناوأتها للولايات المتحدة الحاضرة ضمن الملف السوري والتي تُعتبر لاعبا رئيسيا فيه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات