من المعلوم أن التسعيرة التأشيرية سواء في سوريا أو في غيرها من البلدان، هي تسعيرة تُحدّد من قبل الحكومة أو سلطة تنظيمية لمنتج أو خدمة معينة بهدف حماية حقوق المستهلكين وضمان عدالة التسعير ومنع استغلال السلطة السوقية من قِبل الشركات، وعادةً ما تكون هذه التسعيرة أدنى من تكلفة الإنتاج أو تسعيرة سوق العرض والطلب.

هنا يبرز التساؤل؛ هل هذه التسعيرة مجرد خدعة في سوريا، لا سيما أن معادلة العرض والطلب هي مبدأ أساسي في اقتصاد السوق، حيث يتم تحديد الأسعار بناءً على التوازن بين العرض والطلب، لكن عندما تتدخل الحكومة وتفرض تسعيرة تأشيرية تختلف عن الأسعار الطبيعية في السوق، وهنا الحديث يأخذنا نحو إفساد هذه المعادلة، وكيف أصبحت التسعيرة التأشيرية داخل المؤسسات السورية ضحية لمعادلة العرض والطلب.

تسعيرة تتلاشى في معادلة العرض والطلب

معادلة العرض والطلب تمثل علاقة السعر بين المنتجات والخدمات والكميات المطلوبة منها في السوق، عندما يتزايد العرض وينخفض الطلب، ينخفض السعر، وعلى العكس عندما ينخفض العرض ويزيد الطلب، يزيد السعر.

في حالة التسعيرة التأشيرية، يتم تحديد السعر بواسطة الحكومة أو السلطة التنظيمية بشكل اصطناعي وغالبا ما يكون أقل من السعر الذي سيتم تحديده بناءً على مبدأ العرض والطلب، وبالتالي يمكن أن يؤدي تطبيق التسعيرة التأشيرية إلى تشويه عملية السوق وإلى تخلخل العلاقة بين العرض والطلب.

لكن في سوريا وعلى سبيل المثال فيما يتعلق بسعر الزيتون يبدو الاتجاه نحو تخزين زيتون المائدة أبعد ما يكون عن تفكير السوريين، فالمادة التي تجاوز سعر الكيلو منها عشرة آلاف ليرة سورية، باتت مرهقة لجيوبهم، كما غيرها من المواد، خاصة في حال بحث المواطن عن النوعية الممتازة التي تتطلب سعرا مرتفعا أكثر من غيرها من الأنواع.

على الرغم من ذلك، ليس لدى المواطن من حيلة إلا تخزين الزيتون واعتماده مؤونة للشتاء، فهو بحسب رأي الكثيرين أرخص من الألبان والأجبان وحتى أرخص من المكدوس الذي بات حلما غير قابل للتحقيق.

بحسب الأسعار في سوق الهال نجد أسعار زيتون المائدة تتراوح بين 10 و 12 ألف ليرة سورية، وذلك بحسب النوع وحجم الحبة ومكان الإنتاج، بينما لدى المزارعين أنفسهم فالحال مختلف حيث لا يعتمد المزارع على تسعيرة سوق الهال، وتكون عملية البيع أهلية بينه وبين محيطه وعلى حسب الاتفاق.

مزارعو الزيتون أكدوا أن الزراعة أصبحت مكلفة أكثر من السابق لجهة فلاحة الأرض ومتابعتها كما أن أجور القطف والنقل تقارب تسعيرة البيع، لكنها لا تتجاوزها وبالتالي فالأرباح ليست بالخيالية كما يظنّ الكثيرون بعد اطلاعهم على سعر الكيلو من الزيتون، خاصة أن أسعار المحروقات والأسمدة تزداد باستمرار، الأمر الذي يرفع سعر المادة طردا مع هذه الارتفاعات.

خطوة سرية لاستكمال طريق رفع الدعم

عدم العمل بالتسعيرة التأشيرية قد يكون خطوة استراتيجية تُستخدم كجزء من خطة أو استراتيجية أو طريقة للحكومة لاستكمال طريق رفع الدعم الحكومي عن المنتجات أو الخدمات. هذه الخطوة يمكن أن تكون سرية أو علنية وتعتمد على السياق الاقتصادي والسياسي في سوريا.

رجل الأعمال والخبير في الشؤون الاقتصادية السورية، منير الزعبي، أوضح لـ”الحل نت”، أنه عدم العمل بالتسعيرة التأشيرية هو إجراء يتّخذه البنك “المركزي” السوري لتحرير سعر الصرف والسماح للسوق بتحديده بناءً على العرض والطلب. 

هذا يعني أن الليرة السورية ستخضع للتقلبات والتذبذبات الناجمة عن الظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية المحلية والإقليمية والدولية، وهذا قد يؤدي إلى انخفاض قيمة الليرة وارتفاع التضخم والأسعار، مما يزيد من الضغط على المواطنين والمؤسسات.

الزعبي، أشار إلى أن عدم العمل بالتسعيرة التأشيرية قد يكون خطوة سرية لاستكمال طريق رفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية، مثل الوقود والخبز والمواد الغذائية والكهرباء والمياه والاتصالات، وهذا يعني أن الحكومة ستتخلى عن تحمّل جزء من تكلفة هذه السلع والخدمات، وستتركها للسوق لتحديد أسعارها بناءً على العرض والطلب، أي أن هناك زيادة في الأعباء المالية على المواطنين والمؤسسات، وتقليص القدرة الشرائية والمعيشية، وتفاقم الفقر والبطالة والهجرة.

الحكومة السورية تبرّر هذه الخطوات بأنها تهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد، وتحقيق الاستقرار النقدي والسّعري، وتحفيز الإنتاج والاستثمار والتنمية، وتصحيح الدعم وتوجيهه نحو الشرائح الأكثر احتياجًا، وتقول أنها تعمل على وضع آليات وبرامج لتخفيف الآثار السلبية لهذه الإجراءات على المواطنين والمؤسسات، مثل زيادة الرواتب والأجور والمعاشات والإعانات والتعويضات، وتوفير السلع والخدمات بأسعار مخفّضة عبر “البطاقة الذكية”، وتقديم القروض والتسهيلات والحوافز للمنتجين والمستثمرين.

مع ذلك، فإن هذه الخطوات تواجه انتقادات واعتراضات من قبل بعض الخبراء والمحللين والمواطنين، الذين يرون أنها تعكس فشل الحكومة في إدارة الأزمة الاقتصادية والمالية، وتنم عن عجزها عن توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمواطنين، وتشير إلى تخليها عن مسؤولياتها الاجتماعية والوطنية.

هل انتهى دور حماية المستهلك؟

موسم التنزيلات في سوريا تحوّل مؤخرا إلى سبب لتراشق الاتهامات بين الزبائن وأصحاب المتاجر، إذ إن أصحاب المتاجر تعرضوا مؤخرا لاتهامات بخداع الزبائن عبر حيلة “موسم التنزيلات”، إذ يرى البعض أن إعلان “موسم التنزيلات” في سوريا ما هو إلا خدعة لجلب المزيد من الزبائن إلى المتاجر.

موسم التنزيلات له العديد من الفترات خلال أشهر العام، وحاليا تشهد الأسواق موسم التنزيلات على الألبسة الصيفية، في وقت يؤكد فيه أصحاب المتاجر أن الغلاء المستمر لأسعار الألبسة والانخفاض المستمر لقيمة العملة المحلية، يجعل الزبائن لا يشعرون بقيمة هذه التنزيلات عند الإعلان عنها، وذلك بسبب الارتفاع المستمر في تكاليف الإنتاج.

بحسب الزعبي، فإنه لا يمكن القول بأن دور الحكومة السورية في حماية المستهلك قد انتهى، لكن يمكن القول بأنه يواجه تحديات وصعوبات كبيرة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تمر بها البلاد، فوفقا للقانون رقم 14 لعام 2015 حول التجارة الداخلية وحماية المستهلك، تتولى الحكومة السورية عبر وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك والمؤسسات التابعة لها مجموعة من المهام والاختصاصات.

الهدف منها تلبية احتياجات المستهلك من المنتجات والخدمات المختلفة، وضمان سلامته وصحته عند استعمال المنتج أو تلقي الخدمات، والحصول على المعلومات والإرشادات والإعلان الصريح عن كل ما يقدم إلى المستهلك من منتجات وخدمات، كما تتولى الحكومة السورية تنظيم الأسواق الداخلية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان اعتدال الأسعار ومنع الاحتكار وغيرها من الممارسات التجارية الضارة والمخلّة بالمنافسة.

رئيس دائرة الأسعار في مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدرعا، بسام الحافظ، أكد أن المديرية تقوم بتسيير دوريات إلى الأسواق للتأكد من مدى التزام أصحاب المحلات بالتخفيضات المعلنة ونسبتها، من خلال القيام بالتدقيق بالفواتير والمقارنة بين هذه الأسعار وبين تلك التي كان يتم البيع بموجبها قبل موسم العروض، لافتا في تصريحاته إلى أن موسم التخفيضات يستمر حتى منتصف شهر آذار/مارس القادم، أي مع نهاية الموسمَين الصيفي والشتوي.

نسبة كبيرة من السوريين لم يعد بمقدورهم شراء العديد من السلع الأساسية، خاصة تلك التي تعتبر غالية السعر بالنسبة لهم، مثل الفواكه والخضراوات، في حين امتنعت نسبة كبيرة من العائلات السورية عن شراء الفواكه بشكل عام، ولذلك يبدو أن العديد من العناصر الأساسية ستبقى بعيدة عن موائد السوريين طالما الواقع المعيشي في تدهور مستمر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات