يبدو أن العلاقات المتوترة بين الأردن وسوريا، تشهد تصعيدا في الآونة الأخيرة، بسبب مسألة تهريب المخدرات عبر الحدود الشمالية، حيث باتت الأزمة السورية تمثّل تحدّيا كبيرا للدول المجاورة، ومن بين هذه الدول، الأردن.

في تصريح رسمي جديد، أعلن وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، أمس الأحد، أن الأردن يفرض حصارا على سوريا، ويتعامل مع كل شاحنة قادمة منها على أنها تحمل مخدرات، إلى أن يثبُت عكس ذلك، مشيرا إلى أن معظم الحدود الأردنية مع سوريا لا تزال غير منضبطة من جهة واحدة، مما يتيح الفرصة لتسلّل المخدرات وتهريبها إلى الأراضي الأردنية. 

تطورات هذا الموضوع تثير العديد من التساؤلات، أبرزها يتمحور حول إذا ما كان هذا الإجراء هو خطوة سياسية من الأردن لحماية أمنه الوطني ومكافحة تدفق المخدرات، أم أنها تعكس تصاعد التوترات السياسية بين البلدين.

الأردن يفرض حصارا اقتصاديا على سوريا؟

منذ حوالي الشهر، توقف دخول معظم الشاحنات السورية إلى الأردن، في حين نفى رئيس اتحاد الزراعة، محمد كشتو، وجود أكثر من 2000 براد سوري محتجز عند معبر نصيب، وذلك نتيجة لقرار سعودي جديد ينص على فرض شروط صارمة على الشاحنات والحافلات الأجنبية التي تعبر حدود المملكة.

فيما يتعلق بتلك الشروط السعودية، كان يجب أن يكون عمر الشاحنات والحافلات التي تدخل المملكة أقل من 20 سنة من تاريخ صنعها، وهذا القرار دفع الأردن لاتخاذ إجراءات تنظيمية للمراقبة، ما أدى إلى منع دخول الشاحنات التي صُنعت في 2004 وما قبلها.

مع تطبيق هذه الشروط الجديدة، تم تسجيل تراجع في حجم صادرات سوريا إلى الخليج عبر معبر نصيب، وتزايدت الصعوبات في عمليات التصدير بسبب هذا القرار السعودي، حيث أفاد رئيس لجنة سوق الهال، موفق فياض، بأنه وأثناء القرار السعودي كان عدد البرادات لا يتجاوز 90 براداً عند معبر نصيب، لافتا إلى أن الشاحنات السورية في الوقت الراهن تبقى 5 أيام عند حدود نصيب وبعدها تنطلق عبر معبر جابر إلى الخليج، في حين أنها وعند بداية القرار السعودي كانت تبقى على معبر نصيب ما يقارب 17 يوم، ما تسبب بتلف عشرات آلاف الأطنان من الصادرات الزراعية السورية.

فياض، أوضح أنه بسبب القرار السعودي توقفت 2700 شاحنة أردنية عن العمل، وتعمل حاليا ما يقارب 300 شاحنة أردنية وأغلبها للبضائع الأردنية، وقبل هذا القرار، كانت سوريا تصدّر أكثر من 100 براد يوميا، معظمها متجهة إلى دول الخليج مثل السعودية والكويت والإمارات، ولكن الآن، يتم تصدير ما يقرب من 40 براد يوميا فقط.

قطع الطريق على مخدرات سوريا

وزير الداخلية مازن الفراية، كان له تفسيرٌ آخر حول قرار عدم دخول الشاحنات السورية إلى الأردن، حيث ربط ذلك بازدياد تدفق المخدرات إلى الأردن، نتيجة الأزمة السورية التي ألقت بظلالها على الحدود الشمالية.

الفراية، أكد أن 378 كيلومتر من الحدود الأردنية مع سوريا منضبطة من جهة واحدة فقط، مشيرا إلى أن الحديث مع الجانب السوري مستمر بخصوص التعاون والتنسيق في مجال مكافحة المخدرات، وأنهم يستجيبون بالقدر الممكن لهم، واصفا قدرة سوريا على السيطرة على حدودها في حدودها الدنيا.

خلال تصريحات للتلفزيون الأردني، أمس الأحد، شدد الفراية على أن موقف الأردن واضح في حماية أراضيه والمواطنين أولوية، والاحتفاظ بحق حماية الحدود بما يراه مناسبا بما يتناسب مع قواعد الاشتباك والقوانين الدولية.

لكن اللافت في تصريحات وزير الداخلية الأردني، هو اعتبار الأردن كل شاحنة قادمة من سوريا تدخل عبر معبر جابر تحمل مخدرات إلى أن يثبُت عكس ذلك، خصوصا بعد استخدام المهربين لوسائل متطورة في تهريب المخدرات، ومنها الطائرات المسيرة، وتخبئتها في المركبات بأساليب مختلفة، وفي أنواع معينة من الفواكه والخضروات.

علاوة على ذلك، فإن 80 بالمئة من المخدرات التي يتم ضبطها في الأردن معدّة للتصدير إلى الخارج، حيث لفت الفراية إلى أن لكثير من المخدرات التي ضُبطت على حدود المملكة مع سوريا والسعودية كانت ذاهبة باتجاه الخليج العربي، حيث تم ضبط 10 شاحنات محملة بمواد مخدرة تحمل لوحات لدول خليجية خلال العامين 2022 و2023، إضافة إلى مركبات تحمل نمرا سورية وأردنية، ذاهبة ترانزيت باتجاه دول الخليج العربي.

“إنذار للعالم”

بالنسبة للدول العربية لا يُفهم من دمشق صمتها حول عمليات التهريب، إذ يفسر بعضهم أن هذه العمليات هي مصدر الدعم لحكومة دمشق التي تعاني من ضائقة اقتصادية في ظل التزاماتها أمام إيران وروسيا وميليشياتهما داخل البلاد، وذلك بناءً على التقارير والتحقيقات التي أثبتت ذلك، فيما آخرون يرون أن سوريا باتت خارج سلطة الحكومة الحالية، ومن يتحكم فيها هم البارونات التي أنتجتها تحالفات دمشق مع طهران وموسكو وبيلاروسيا، وبعض الحركات العربية.

المشترك في مواقف هذه الدول شيء واحد هو المخدرات، حيث أعلنت الأردن إحصائية مفزعة عن عملياتها خلال عام 2023 بتسجيل 88 حالة طيران مسيّر على واجهات المناطق العسكرية المختلفة، و98 عملية تسلل مضبوطة، فيما أعلنت الإمارات، الاثنين الفائت، عن إحباط أكبر عملية تهريب مخدرات على مستوى العالم، بواقع 13 طنا من أقراص “الكبتاغون” المخدرة، موزعة في 5 حاويات، قيمتها السوقية تجاوزت 3 مليارات درهم.

من جهته الأردن، كشف أن هناك زيادة بقضايا المخدرات محليا خلال العام الحالي بنسبة 22 بالمئة ووصلت إلى 16 ألف قضية، وزادت قضايا ترويجها والاتجار بها بنسبة 34 بالمئة، فيما ارتفعت قضايا التعاطي بنسبة 16 بالمئة، وأكد أن الأجهزة الأمنية تمكنت من ضبط 24 ألف شخص في قضايا تتعلق بالمخدرات منذ بداية 2023.

تقييم وزير الداخلية جاء بعد أيام على تأكيدٍ من الملك عبدالله الثاني، بأن الأردن لن يتوانى عن فعل ما يلزم بهدف حماية حدوده، وقبل أيام تحدث الملك عبدالله الثاني خلال لقائه عددا من الشخصيات في منزل الوزير الأسبق ومدير عام الخدمات الطبية الملكية الأسبق اللواء المتقاعد الطبيب عبد اللطيف وريكات، عن أبرز التحديات على الحدود الشمالية، والتي أشار فيها إلى أن خطابه بالأمم المتحدة حول المسألة السورية وما يجري في المناطق الجنوبية كان بمثابة “إنذار للعالم”.

هذه التطورات بلا شك قد تؤثر سلبا على الوضع في سوريا وعلى الشعب السوري نفسه، إذا استمرت الخلافات والتوترات بين الأردن والحكومة السورية فيما يتعلق بالمخدرات خصوصا، وإذا لم يتم تحقيق أي تقدم في المسار السياسي أو الإنساني عموما، فهذا قد يزيد من العزلة والحصار على سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات