في خطوة تسعى من خلالها الحكومة العراقية لتعظيم موارد الدولة، والانتقال إلى حالة تنويع مصادر التمويل بدلا من الاعتماد على الثروة النفطية؛ أبدت حكومة السوداني اهتماماً لافتاً بشأن جذب المزيد من التمويلات الخارجية، والاستثمارات الأجنبية التي عدتها نقطة الاستناد الاستراتيجية لمعالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد العراقي.

على الرغم من امتلاك بغداد ثروة نفطية كبيرة، إلا أنها لم تستثمر في مشاريع استراتيجية بحيث يمكنها استدامة الاقتصاد العراقي، نتيجة لصرفها في مشروعات غير مجدية علاوة عن ما تسبب به الفساد وسوء الإدارة، يعمل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، على توفير بيئة مواتية للشركات الأجنبية بشكل عام، والأميركية بشكل خاص، وذلك بالدفع لاستكمال المشاريع التنموية المعطلة وإحداث أخرى.

السوداني طرح رؤيته هذه، خلال وجوده قبل أسبوعين، في نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة لـ”لأمم المتحدة” ولقائه مع مبعوث الرئيس الأميركي الخاص للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك لأجل التأكيد على سعيه لبناء علاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة، تستند إلى المصالح المتبادلة، والشراكة الاقتصادية البناءة، بغية جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وتطوير بناء شراكات اقتصادية مع العديد من القوى الإقليمية والدولية.

العراق يفتح أبوابه للاستثمارات

رئيس الحكومة العراقية أكد خلال لقائه مع مبعوث الرئيس الأميركي الخاص للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك، في 21 أيلول/سبتمبر الماضي، أن الساحة الاستثمارية في العراق مفتوحة لإسهام الشركات الأميركية في خطط الإصلاح وإعمار البُنى التحتية العراقية، وهو ما دفع بالمبعوث الأميركي، إلى تجديد التزام الإدارة الأميركية بـ “اتفاقية الإطار الإستراتيجي”، ودعم الإصلاحات التي تضطلع إليها الحكومة العراقية، في المجالات الاقتصادية و إعمار البُنى التحتية ومكافحة الفساد.

رؤية الحكومة العراقية، تنطلق بناء على أن معظم عائدات العراق من النفط تذهب لخدمة رواتب الموظفين والمتقاعدين وأفراد القوات المسلحة، وبضمنها الميليشيات، مما لا يبقي شيئا يكفي لتمويل البرامج التنموية أو المشاريع الاستراتيجية التي يعتزم العراق تنفيذها.

فالدلائل تشير إلى أن قسطا مهما من الإنفاق على هذه المجالات، يتسرب في قنوات فساد باتت متأصلة لقوائم موظفين وهميين طويلة، بالإضافة إلى متقاعدين ليس لهم وجود، فضلا عن جنود وعناصر ميليشيات لا أثر لهم، وذلك بينما لا يزيد معدل خدمة الموظف الفعلي عن 6 دقائق في اليوم بحسب دراسات.

لذلك، يشكل الأمر عاملا ضخما من عوامل الهدر، وأما المشاريع الحكومية المحدودة، فغالبا ما تقع ضحية لأعمال فساد منظم، وكل ذلك إلى جانب التحديات التي يواجها العراقي في تمويل أهداف التنمية المستدامة، بحسب ما أقر به السوداني، خلال مشاركته في أعمال قمة أهداف التنمية المستدامة، التي عقدت في نيويورك، حيث أوعز فشل الحكومة العراقية في توفير التمويلات إلى محاربة تنظيم “داعش” وإلى التغير المناخي.

بناء على ذلك، وفي ظل التبذير بالعوائد المالية بعيدا عن مشاريع الإنتاج الاستراتيجي؛ يدعو الوضع الاقتصادي في العراق الذي يعتمد اعتمادا كليا على تصدير النفط الخام، إلى إعادة النظر في ضرورة استقدام تمويلات خارجية، حيث تمثل أمرا ضروريا بالنسبة للعراق، نظرا إلى الإهمال الواضح في القطاعات الصناعية والزراعية والاقتصادية الأخرى، ومع الاعتماد الكلي على الاستيراد في كل الاحتياجات المحلية، كما يرى الباحث في الشأن الاقتصادي أحمد الربيعي.

العراق أمام غياب الخطط

الربيعي، وفي حديث لموقع “الحل نت”، قال إن، العراق يعاني من غياب خطط استراتيجي تتعلق بتنفيذ المشروعات، كما يعاني بشكل أساسي من سوء الإدارة والفساد، وهو أمرا جعل من قضية الاستعانة بمصادر التمويل الخارجي، والسماح للرأسمال الأجنبي بالاستثمار داخل العراق نقطة في غاية الأهمية، بخاصة في ظل المديونية الكبيرة ولمتطلبات إعادة الإعمار وتحقيق التنمية الاقتصادية – الاجتماعية.

رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني/ إنترنت + وكالات

بحسب الباحث في الشأن الاقتصادي، فإن خطوة استقدام التمويلات الخارجية من خلال زيادة الاستثمارات، يمثل إضافة طاقات إنتاجية جديدة إلى الأصول الإنتاجية الموجودة في العراق، وذلك من خلال إنشاء مشروعات جديدة أو التوسع في مشروعات قائمة مع عملية تجديد المشروعات التي انتهى عمرها الافتراضي، بالتالي إن كل ذلك سيعد المكسب الصافي لخزين رأس المال الحقيقي للبلد.

فأهمية التمويلات الخارجية، وفق الربيعي، تكمن في القيمة الاستثمارية، وأن فائدة الاستثمار هي ما يؤدي إلى زيادة الإنتاج والإنتاجية التي تؤدي بالتالي إلى زيادة الدخل القومي وتحسين مستوى معيشة المواطنين وارتفاع متوسط نصيب الفرد.

لذلك أن مثل هذه الخطوة التي تخطوها الحكومة العراقية، سيكون لها فوائد كبيرة، لكن ذلك بشرط أن تتم العمليات الاستثمارية بعيدا عن أيدي الطبقة الأوليغارشية وعن البيروقراطية التي أكلت الدولة، وعطلت ونهبت جميع المشاريع السابقة، سواء الداخلية أو الخارجية.

يضاف إلى ذلك، فإن ذلك سيساعد في توفير الخدمات وفرص العمل والمساهمة في التقليل من نسبة البطالة، وكل ذلك بالإضافة إلى ما سيساهم به الاستثمار أيضا في زيادة معدلات التكوين الرأسمالي للدولة وتوفير التخصصات المختلفة من الفنيين والإداريين والمهندسين والعمالة الماهرة، لما ستتيحه الشركات العالمية، ومن خلال ما يتضمنه قانون العمالية والاستثمار العراقي، بحسب الباحث في الشأن الاقتصادي العراقي.

تحركات عراقية تجاه تنويع المصادر

مؤخرا، حرص العراق على تعزيز الشراكة الاقتصادية مع عدد واسع من القوى الإقليمية والدولية خلال الآونة الأخيرة، وظهر ذلك في عهد رئيس الحكومة السابقة مصطفى الكاظمي، الذي عمل على إعادة فتح العراق أمام شركائه الإقليميين، وهو ما عاد السوداني ليؤكده خلال لقاء مع أعضاء “غرفة التجارة” الأميركية، في 22 أيلول/سبتمبر الجاري، على توفير بلاده بيئة أعمال مواتية للشركات الأجنبية بشكل عام، والأمريكية خاصة، بحكم ما تمتلكه من إمكانيات وقدرات يمكن أن تساعد في تنفيذ بعض هذه المشروعات خلال فترة وجيزة.

الاجتماع الوزراي برئاسة محمد شياع السوداني/ إنترنت + وكالات

إلى ذلك، عمل العراق خلال السنوات الأخيرة، على توسيع مشروعات التنمية المستدامة، وتجلى ذلك في تخصيص نحو 38 مليار دولار في موازنة العام الجاري، لمصلحة مشروعات بناء الطرق وقطاع الإسكان والمدارس والمستشفيات، فضلا عن تنفيذ العديد من المشروعات الخدمية.

علاوة على تأسيس صناديق خاصة لعمليات التنمية المطلوبة، سواء في عموم العراق أو في المناطق الأكثر فقرا، أو التي تضررت من الجرائم التي ارتكبها تنظيم “داعش” خلال فترة سيطرته على مساحة واسعة من الأراضي العراقية قبل أن يتعرض لضربات وهزائم متتالية في الأعوام الأخيرة.

بحسب مختصين، فإن الحرص على جذب التمويلات الخارجية يمثل خطوة مهمة لتعزيز مشروعات التنمية المستدامة، وعمليات إعادة الإعمار، بالإضافة إلى مواجهة المشكلات الاقتصادية، بيد أن ثمة تحديات محتملة يمكن أن تعيق تعزيز جذب التمويلات الخارجية، في الصدارة منها حدود الإنفاق على مشروعات البنية التحتية المتهالكة في العراق.

من بين تلك التحديات أيضا، هو استمرار ظاهرة الفساد داخل بعض المؤسسات على نحو كان له دور في السابق في عرقلة بعض المشروعات التنموية الكبيرة، لاسيما وأن العراق يُصنّف في مؤشر مدركات الفساد العالمي الذي تصدره “منظمة الشفافية الدولية”، ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم، حيث احتل المرتبة 157 في التقرير الصادر عن المنظمة عام 2022.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات