في ظل ما يعانيه السوريون من التقنين الجائر للكهرباء والذي يصل إلى 20 ساعة انقطاع مقابل ساعتين أو ثلاث ساعات كحدٍّ أقصى توصيل، تستثمر الحكومة السورية في الكهرباء من خلال مدّ المنشآت السياحية كالفنادق والمطاعم، ما يُعرف بـ”الخطوط الذهبية” المعفاة من التقنين، ولكن مقابل تكاليف باهظة.

لكن نتيجة لهذه الأسعار التي يصفها أصحاب الفنادق في العاصمة دمشق بـ”الاستغلال والاستثمار الحكومي”، يقدم أصحاب المنشآت لفنادقهم خدمات رديئة مقابل مبالغ مالية كبيرة.

بالتالي، فإن ضريبة كل ذلك تكون دائما من جيب المواطن، نظرا لأن النُّزلاء الذين يضّطرون للقدوم إلى الفندق بغرض قضاء حاجة في العاصمة، وغالبا ما يأتون من محافظات بعيدة مثل مناطق شمال شرقي سوريا أو حلب، يدفعون أجورا كبيرةً مقابل المبيت لليلة واحدة أو أكثر في الفندق.

شحّ الكهرباء وأسعار “كاوية”

يقول أحد النزلاء في أحد الفنادق الواقعة في ساحة المرجة بدمشق إنه يدفع كل ليلة حوالي 150 ألف ليرة سورية، ورغم هذا المبلغ إلا أن الفندق ليس بهذا المستوى من الخدمات. ويضيف لـ”الحل نت”: “على سبيل المثال، الفندق لا يوجد به كهرباء 24 ساعة، فكل 6 ساعات تنقطع ساعتين أو ثلاث، ولا يوجد في الفندق مولّد لتوليد الكهرباء. وعندما تتوفر الكهرباء الحكومية، لا يُسمح باستخدام المكيّف، والتدفئة المركزية معطلة. وأصحاب الفنادق يقولون، إن الكهرباء للإضاءة وتشغيل التلفزيون فقط وبغير ذلك لا يوفّي معهم”.

من إطلالة أحد الفنادق بساحة المرجة بدمشق- “صورة خاصة لـ الحل نت”

الشخص الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، سافر من مدينة القامشلي إلى دمشق لتلقّي العلاج وإجراء عملية قثطرة. وأضاف في حديثه الخاص: “لا تتوفر في الفندق مياه ساخنة في الحمامات كل يوم، حيث يتم تسخين المياه إلى درجة فاترة باستخدام الطاقة الشمسية، وعندما لا تكون هناك شمس، لا يوجد ماء ساخن، بالإضافة إلى تدهور نظافة الفندق بشكل عام، وكل هذا مقابل مبلغ كبير مقارنة برواتبنا ومداخيلنا، أي أنه يعتبر بمثابة مكان ينام فيه الشخص فقط”.

وأشار الشخص نفسه إلى أن الأسعار في كافة فنادق ساحة المرجة بدمشق متساوية. فمثلا الغرفة لشخص واحد في أرخص فندق يتراوح سعرها بين 150-170 ألف ليرة سورية وأحيانا أكثر حسب الطلب، وجميع تلك الفنادق خدماتها سيئة.

وثمّة أماكن أخرى تتقاضى أكثر من ذلك، مقابل الإفطار وتوفير الكهرباء على مدار 24 ساعة عبر المولدات الكهربائية، وطبعا كهرباء للإضاءة وشحن الهواتف والتلفزيونات فقط. وتتراوح أسعار هذه الفنادق بين 270-350 ألف ليرة سورية للشخص الواحد، وغرفة لشخصين تتراوح بين 320-425 ألف ليرة سورية، وغرفة لثلاثة أشخاص بين 400-450 ألف، وهذا للسوريين، طبقا للشخص الذي جمع معلوماتٍ عن تكاليف الفنادق في دمشق وزود موقع “الحل نت” بها.

أما الأسعار للأجانب (غير السوريين) فهي بالدولار أو ما يعادلها بالليرة السورية. الغرفة لشخص واحد 60 إلى 70 دولارا، ولشخصين 75-85 دولارا، ولثلاثة أشخاص يتراوح بين 90 و100 دولار. وهذه الأسعار لبعض الفنادق الواقعة في ساحة المرجة وجسر فيكتوريا ومنطقة الحجاز. أما الفنادق الأخرى الواقعة في الشام القديمة أو ساحة سبع بحرات وساحة المحافظة، فالأسعار أعلى بمرتين أو ثلاث مرات من تلك المذكورة أعلاه.

أسباب هذا الغلاء

حول هذه الأسعار وتردّي الخدمات، وخاصة شحّ الكهرباء، قال أحد العاملين في أحد الفنادق في ساحة المرجة بدمشق لموقع “الحل نت”، إن “وزارة الكهرباء السورية” تبيع الكهرباء بتكاليف مرتفعة للفنادق وحتى المطاعم، فعلى سبيل المثال، يبلغ سعر الكيلوواط الساعي حوالي 800 ليرة سورية ولا يتم تزويد الفندق بالكهرباء 24 ساعة يوميا.

ونتيجة لهذه التكاليف، قام صاحب الفندق بتقنين استهلاك الكهرباء في الفندق. وإلا فعليه رفع تكاليف الإقامة، وهو ما لا يتناسب مع الزبائن، لا سيما أن معظمهم سوريون قادمون من المحافظات البعيدة لغرض صحي، أو للحصول على أوراق حكومية، أو للسفر إلى لبنان، ونحو ذلك. ولا أحد يأتي للسياحة تحت أي ظرف من الظروف الحالية في سوريا، يضيف المصدر ذاته.

مصدر خاص لموقع “الحل نت”

طبقا لأحد المصادر المحلية الذين زاروا الفنادق في ساحة المرجة في وقت سابق، فإنه في حال وجود شخص مريض بين نزلاء الفندق يتم تشغيل المكيف له حتى لا يتعرض للبرد وتتدهور حالته الصحية أكثر، ولكن مقابل دفع زيادة للفندق أو أن يتّفق مع أحد موظفي الفندق لأن يشغّل له “التكييف” عبر القواطع الموجودة في غرفة تبديل الكهرباء، ولكن بمقابل إكرامية “بقشيش”، حوالي 20 ألف باليوم.

وبالعودة إلى الشخص الذي سافر إلى دمشق قبل يومين أضاف، أن تكاليف الإقامة ليوم واحد فقط في دمشق شاملة الإقامة في الفندق والطعام والشراب والمواصلات تصل إلى ما يقارب 400 ألف ليرة سورية، وهذا عدا عن تكاليف العلاج. ويقول إنه أجرى عملية “قثطرة” في أحد المستشفيات الخاصة، بتكلفة وصلت لحوالي 1.800.000 ليرة سورية، والفحوصات الطبية سعرها بـ “العلالي”، إذ تبلغ تكلفة بعض الفحوصات حوالي 350 ألف، وبعضها أغلى بكثير.

الكهرباء للأغنياء!

بحسب بعض المصادر المحلية، فإن هناك “خطوط ذهبية” مستثناةٌ بشكل كامل من التقنين الكهربائي، وتتوزع هذه الخطوط في المناطق الراقية مثل “أبورمانة – المالكي – مشروع دمر – كفرسوسة…”، وهذه الخطوط تُمنح للبيوت التي غالبا أصحابها من المتنفّذين والمسؤولين والأغنياء، ومقابل مبالغ مالية كبيرة يتم دفعها لوزارة الكهرباء أو تُدفع سرّا على شكل “رشاوى” لموظفين في الوزارة. وتكاليف هذه الخطوط تتراوح ما بين مليون إلى مليوني ليرة شهريا، وأحيانا أكثر وذلك حسب سعر الصرف، أي أن الحكومة تحاسب بالدولار وليس بالليرة السورية.

ساحة المحافظة بالعاصمة دمشق- “صورة خالة لـ الحل نت”

وبحسب التقارير الصحيفة المحلية السابقة، فإن فاتورة أحد الفنادق عبر خط “الخطوط الذهبية”، بلغت 900 مليون ليرة. وطرحت وزارة الكهرباء العام الفائت أسعار جديدة لـ”الخطوط الذهبية” للمنشآت السياحية بسعر 800 ليرة لكل كيلو واط ساعي، والخط التجاري تكلفة الكيلو واط الساعي يبلغ 400 ليرة سورية، وهو ما لا يتوافق مع قانون انخفاض السعر الذي يتبع حجم الاستهلاك سعر الجملة على اعتبار أن الفنادق تستهلك حجم أكبر.

وطالب عضو “مجلس الشعب السوري”، سهيل سلام خضر، في وقتٍ سابق، بإلغاء كافة الخطوط الخاصة المعفاة من التقنين، والإبقاء فقط على الخطوط العامة وذات الطابع الإنتاجي، متّهما وزارة الكهرباء بالفساد وتقديم خطوط معفاة من التقنين لبعض الجهات والشركات والأشخاص مقابل مبالغ مالية تُدفع بشكل غير قانوني.

مطلع العام الجاري صرّح وزير الكهرباء السوري، غسان الزامل، بتحسين واقع الكهرباء في سوريا، وأن سنة 2023 ستكون نهاية تقنين الكهرباء في البلاد. ومع ذلك، أظهر استطلاعٌ حديث للرأي العام السوري عبر إذاعة محلية مؤخرا، أن وضع الكهرباء أصبح أسوأ مما كان عليه العام الماضي.

وتتفاوت عدد ساعات العمل الكهربائي من مدينة إلى أخرى وأحيانا في نفس المنطقة، حيث لا تتجاوز ساعتين من العمل اليومي، وتُعد الكهرباء أبرز مظاهر معاناة السوريين نتيجة عملية التقنين الجائر التي تمارسها الحكومة، والتي يرى معظم السوريين أنها إجراء شكلي لإخفاء عجز الحكومة عن إعادة صيانة شبكات الكهرباء التي دُمّرت خلال السنوات الماضية، وسط استثمارها بالكهرباء على حساب القطاع الخاص.

حول وعود الحكومة بتحسين الواقع المعيشي في 2023، وماذا عن المحطات التي كان يجب أن تدخل الإنتاج نهاية 2022، مثل محطة حلب الحرارية، بالإضافة إلى محطة الرستن، وأين وصلت مشاريع الطاقة البديلة في عدرا والشيخ نجار والمنطقة الصناعية بحسياء، قال معاون وزير الكهرباء سنجار طعمة، عبر إذاعة “نينار إف إم” المحلية، إنه لا مخصصات متوفرة لدى الوزارة، وعند ارتفاع درجات الحرارة لا يمكن تزويد الكهرباء للمواطنين، ونظرا لعدم توفير الكمية الكافية من الغاز اللازم لتشغيل محطات التحويل، فإن واقع الكهرباء سيبقى على حاله، فضلا عن الادّعاء بتدمير جزء كبير من محطات توليد الطاقة وبأن أعمال الصيانة لم تنتهِ بعد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات