بعد قضية إقالة وزير الخارجية الصيني السابق تشين غانغ، والتي لم تحدث دويا فقط داخل الصين بل في كل أنحاء العالم، ظهرت أزمة جديدة داخل القوة المسؤولة عن ترسانتها الصاروخية والنووية وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استبعاد قادة هذه القوة من مناصبهم منذ عقود.

الرئيس الصيني شي جين بينغ، منذ إعادة انتخابه لرئاسة الصين، بات يهيمن على قيادة الحزب “الشيوعي” الصيني كما لم يسيطر عليه أي شخص آخر منذ زمن ماو. لكن توطيد شي الكامل للسلطة خلق أزمات متتالية داخل أركان السلطة الصينية، خصوصا في المراكز السياسية.

أثر الأزمة المفاجئة التي تشهدها القوة الصاروخية والنووية للجيش الصيني، يتعدى من كونه يعرض بكين لخطر صراعات السلطة عالية المستوى في المستقبل، وهو ما يثير تساؤلات حول التداعيات المتوقعة لإزالة جنرالات مخضرمين من القوة المسؤولة عن ترسانة الصين الصاروخية والنووية، وهل تعكس هذه التعيينات انقسامات داخل الجيش الصيني أو صراعات سياسية داخل البلاد، وما الأسباب وراء ذلك.

أمر غير معتاد للغاية

ذكرت وسائل الإعلام الحكومية الصينية، أن الجنرال لي يوشاو، رئيس وحدة القوة الصاروخية بجيش “التحرير الشعبي” الصيني، ونائبه الجنرال ليو غوانغبين، استبدلوا بضابط في البحرية وضابط في القوات الجوية؛ للتحقيق معهم في قضايا فساد وهي التهمة الشهيرة التي يختفي من ورائها أي مسؤول صيني بسبب معارضته للرئيس.

عين الرئيس شي، في الوسط، قائدا جديدا ونائبا لقائد قوة الصواريخ بجيش "التحرير الشعبي"، الجنرال وانغ هوبين، إلى اليسار، والجنرال شو شيشنغ - إنترنت
عين الرئيس شي، في الوسط، قائدا جديدا ونائبا لقائد قوة الصواريخ بجيش “التحرير الشعبي”، الجنرال وانغ هوبين، إلى اليسار، والجنرال شو شيشنغ – إنترنت

وفق ما بثته هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية “سي سي تي في”، فإن وانغ هوبين، نائب القائد السابق للبحرية، سيصبح القائد الجديد لقوة الصواريخ، بينما سينتقل شو شي شنغ من قيادة المسرح الجنوبي ليصبح المفوض السياسي لهذه القوة، حيث تمت ترقية كل من وانغ وشو من رتبة فريق إلى رتبة جنرال، في حفل أقيم الاثنين الفائت، رغم أنهما  لم يخدما في القوة من قبل.

ما حدث في الساعات الأخيرة، أنه في يوم الأحد، كشفت صحيفة “ساوث تشينا مورنينج بوست” الصينية، أن هيئة مكافحة الكسب غير المشروع التابعة للجنة العسكرية المركزية الصينية، تحقق مع جنرالات بتهم فساد، بعضهم من مطوّري الترسانة النووية والصاروخية.

قبل ذلك، خرج الرئيس الصيني، تشي جين بينغ، في خطاب تمهيدي ألقاه في قاعدة جوية في سيتشوان قبل الذكرى السنوية لتأسيس جيش “التحرير الشعبي”، يحث الجيش على تكثيف جهوده للتصدي للفساد. وذكر حرفيا أنه “بحاجة إلى دفع جهود الحزب الصارمة”.

في كتابه “حزب واحد”، وثق مراسل “وول ستريت جورنال”، تشون هان وونغ، صعود شي إلى السلطة، وتطهيره لمسؤولي الحزب لتهميش المنافسين، وإعادة تشكيله للحزب مع وجود نفسه في الوسط. وهو ما يفسر الإقالة المفاجئة للجنرال يوشاو الذي له صيت كبير داخل البلاد، وكان مقربا من الرئيس الصيني.

تدني الثقة السياسية

تعيين وانغ هوبين، نائب القائد السابق للبحرية، كقائد جديد للقوة الصاروخية، يثير تساؤلات حول خبراته وكفاءته في إدارة الجانب الحساس والحرج من الجيش الصيني. بالإضافة إلى ذلك، انتقال شو شي شنغ من قيادة المسرح الجنوبي إلى المفوض السياسي للقوة يثير تساؤلات حول تأثير تشعب العلاقات بين الجنرالات المتهمين بالفساد والعمليات العسكرية المهمة التي تشملها القوة.

الرئيس الصيني شي جين بينغ، منذ إعادة انتخابه لرئاسة الصين، بات يهيمن على قيادة الحزب "الشيوعي" الصيني - إنترنت
الرئيس الصيني شي جين بينغ، منذ إعادة انتخابه لرئاسة الصين، بات يهيمن على قيادة الحزب “الشيوعي” الصيني – إنترنت

في 24 تموز/يوليو الفائت، وفي حادثة غير مسبوقة، أُقيل تشين غانغ، وزير الخارجية الصيني، بشكل مفاجئ ودون تفسير رسمي من الحكومة الصينية. وبالرغم من كونه نجما صاعدا للحزب “الشيوعي” الصيني، وكان في قلب عملية دبلوماسية مهمة بين واشنطن وبكين قبل أسابيع قليلة، فإن هذا القرار أثار التكهنات حول الدوافع والتداعيات الكامنة وراء تلك الإقالة.

الخبير في العلاقات الدولية والسياسة الداخلية للصين دانيال سي، أوضح لـ”الحل نت”، أنه لم يظهر الجنرالان اللذان تمت إقالتهما علنا منذ شهور، وأيضا من غير المعتاد تسمية الضابط القائد والمفوض السياسي للوحدة في نفس الوقت، وهنا يشير جلب قادة من خارج الوحدة لإدارتها إلى مخاوف في “الشيوعي” الصيني بشأن كيفية إدارة المنظمة وما إذا كانت لديها ولاءات أو مصالح خاصة تؤثر على القرارات الإدارية.

بحسب سي، فإنه على الرغم من تأكيد شي سيطرته على الجيش خلال فترة وجوده في السلطة، إلا أنه ما يزال قلقا بشأن الولاء، إذ بدأت الأمور تطفو على السطح، وأن هناك تغيير كبير في القيادة كان بدايته إقالة وزير الخارجية الصيني، تشين غانغ.

الولاء للرجل الواحد في الحزب “الشيوعي” الصيني تعني أن الأشخاص المعينين في الهيئات القيادية العليا للحزب ليسوا بالضرورة الأكثر تأهيلا. لكن هذا لا يعني أنهم غير أكفاء. إذ تقدم أنصار شي حتى الآن تحت إشرافه ليس فقط بسبب ولائهم، ولكن لأنه يثق في حكمهم وقدرتهم على تحقيق النتائج التي يرغب فيها، بحسب سي.

شي والدبلوماسية المضطربة

إن نقل الجنرال وانغ هوبين من قيادة البحرية لتولي قيادة قوة الصواريخ رغم عدم خبرته الكافية، أثار ضجة محلية حول الأسباب والمنطق وراء هذا التعيين. وقد يعكس هذا القرار مسائل سياسية داخلية أو معايير ولائية وتعيينات تختلف عن المألوف، مما يشكل تحديا لأداء الجنرال وتفويضاته الجديدة. وقد يتطلب منه التكيف والاستعانة بخبراء ومستشارين ذوي الخبرة في هذا المجال لتعزيز قدراته القيادية أمام شي.

سعيا وراء الولاء المطلق الرئيس الصيني يطلق حملة في صفوف الجيش - إنترنت
سعيا وراء الولاء المطلق الرئيس الصيني يطلق حملة في صفوف الجيش – إنترنت

التداعيات المتوقعة لإزالة جنرالات مخضرمين من القوة المسؤولة عن ترسانة الصين الصاروخية والنووية قد تكون متعددة ومعقدة، بحسب سي. لا سيما أنه سيتسبب في تقويض ثقة الجنود والضباط في قيادتهم الجديدة، مما يمكن أن يؤثر على التنسيق والانسجام العسكري داخل القوة.

أزمة فساد الجنرالات والسياسيين المفتعلة طبقا لتوقعات سي، حتما سينتج عنها تراجع الانضباط والتفاوت في أداء المهام، مما يهدد سلامة القوة العسكرية وكفاءتها. وبالإضافة إلى ذلك، قد تساهم سياسية شي في زيادة التوترات الداخلية وانقسامات القوة، على عكس ما يتوقع من تصرفاته.

قد تعكس هذه التعيينات انقسامات داخل الجيش الصيني أو صراعات سياسية داخل البلاد. ومن المؤكد أن تكون هذه الإجراءات مرتبطة بتصفية حسابات داخلية أو أجندات سياسية تتجاوز القوة الصاروخية والنووية بحد ذاتها. والأسباب وراء هذه التعيينات تتعدى النواحي العسكرية وتكون ضمن أنشطة سياسية أو تعديلات للهيكل القيادي للجيش.

تحركات الرئيس الصيني ومن خلفه قادة الحزب “الشيوعي” في صقل ولائاتهم داخل المنظومة السياسية تفاقم المخاوف بشأن استقرار بكين وقدرتها على التعامل مع التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد. في حين أن أهمية هذه القضية، يمكن أن يكون لها تأثير كبير على المشهد السياسي الصيني والعالمي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات