يكتسب التقارب التركي مع السعودية زخما بعد أن أنهت أنقرة محاكمة المشتبه بهم المتهمين بقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، وأحالت القضية إلى المملكة في أبريل/نيسان الفائت، وتأتي هذه الخطوة ضمن سلسلة خطوات يعمل عليها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لتحسين العلاقات مع الرياض وعواصم إقليمية أخرى، حيث يهدف إلى تعزيز التجارة وجذب الاستثمار، بعد أن قفز التضخم التركي فوق 70 بالمئة، مما يهدد بإبعاد الدعم الشعبي عن الزعيم التركي وحزبه قبل الانتخابات المقرر إجراؤها العام المقبل.

تأتي العلاقات الأكثر دفئا أيضا، كجزء من إعادة ترتيب أوسع في الشرق الأوسط، وقبل زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى المملكة العربية السعودية الشهر المقبل، حيث سيجري محادثات مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حول الملفات التي تقلق الرياض في المنطقة، فما هي التطورات التي ستطرأ على الملف السوري. 

خطوة سعودية لشمال شرق سوريا

كانت العلاقات بين تركيا والسعودية متوترة بالفعل منذ عام 2017، بسبب دعم أنقرة لقطر خلال الحصار الذي فرضته الرياض والدول الخليجية آنذاك، وعقب حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل السفارة السعودية في تركيا، تجمدت العلاقات بين البلدية بشكل تام.

لكن مع تحسن العلاقات، أوقفت محكمة في إسطنبول المحاكمة الغيابية لـ 26 مشتبها سعوديا على صلة بوفاة خاشقجي، وتلاها زيارة للرئيس التركي إلى السعودية في أواخر الشهر ذاته، وهي الأولى له منذ الحادثة، حيث التقى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان قبل أن يسافر إلى مكة.

الإعلان عن زيارة بن سلمان لتركيا، يراها الصحفي السوري، عقيل حسين، أنها ستكون عاملا جديدا لتأجيل تنفيذ أنقرة تهديداتها بشن هجومها الجديد على شمال سوريا، بعد أن مثل اجتماع “أستانا” العامل الأول الذي ضغط بهذا الاتجاه.

وعن علاقة التطورات التي ستطرأ على الملف السوري خلال لقاء الطرفين، لا سيما بعد انسحاب روسيا من سوريا، وتغلغل إيران مكان القوات الروسية، أجاب حسين، في حديثه لـ”الحل نت”، “لا أعتقد أصلا أن هناك انسحابا روسيا من سوريا، وما يجري هو إعادة انتشار وعمليات تبديل قوات روتيني، لكن روسيا تعمل على تضخيم الأمر من أجل تخويف الجميع من التوغل الإيراني”.

وفي معرض إجابته، عن ما إذا كان ولي العهد السعودي سيطرح على الرئيس التركي الدخول في الحلف الذي سيتشكل بعد زيارة بايدن، قال حسين: “لا أدري إن كان لدى بن سليمان توجه بطرح موضوع الانضمام لهذا التحالف الذي يتم الحديث عنه، لكن لا يمكننا إلا أن نتوقع نقاش كل ملفات أزمات المنطقة التي تعتبر إيران لاعبا أساسيا فيها، وتقف خلف معظم المشكلات فيها، لكن العلاقات التركية الإيرانية الراسخة والمتينة تجعل من طرح هذا الأمر على تركيا مستبعدا”.

الملف السوري إلى الواجهة

لا تلوح في الأفق نهاية للحرب أو حل سياسي في سوريا، على الرغم من ضغط القوى العالمية الكبرى من أجل وقف إطلاق النار، ومن المحتمل أن تتفاقم أزمة اللاجئين في الأشهر القادمة بعد نية تركيا شن معارك في شمال سوريا، ومع وجود حالة من عدم اليقين باتفاق المجتمع الدولي على حل للحالة السورية، من المرجح أن يتولى حلفاء أميركا الإقليميون، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وتركيا، زمام الأمور بأنفسهم.

وبرأي المحلل السياسي، أحمد الزعبي، أن استمرار المساعدة العسكرية الروسية والإيرانية للرئيس السوري، بشار الأسد، والذي سمح لإيران بزيادة توغلها في سوريا، شكل امتعاض لدى حلفاء الولايات المتحدة، على غموض واشنطن بشأن أهدافها في سوريا، وأثار قلقهم.

وأوضح الزعبي، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الدول الإقليمية لسوريا ولا سيما العربية، تعرف خطورة المشكلة التي تتسبب بها دمشق بدعمها لطهران، إذ يرون أن سوريا تنزلق إلى نقطة اللاعودة، حيث تغيرت الحقائق على الأرض مع الانسحاب الجزئي للقوات الروسية.

ويشير الزعبي، إلى أن مصالحة السعودية مع تركيا سيكون لها على الأرجح تأثير كبير على الملف السوري، وستحدث تغييرا ديناميكيا على الأراضي السورية، ومع ذلك، قد توقع تغييرات طفيفة في علاقات المملكة العربية السعودية مع بعض اللاعبين السياسيين في القضية السورية.  

وتوقع الزعبي، أن تؤثر المصالحة التركية السعودية على بنية وقيادة “الائتلاف الوطني” المعارض، خصوصا بعد أن ارتبط انتخاب الشخصيات التي تولت مناصب قيادية فيه بتوازن القوى الإقليمي، واكتسبت السعودية نفوذا أكبر فيه بعد تولي سالم المسلط رئاسته، والمعروف بقربه من القيادة السعودية، وستؤدي عودة العلاقات التركية السعودية إلى نوع من التوافق على سياسة المعارضة السورية، حسب وصفه.

هل تنجح المصالحة التركية – السعودية؟

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال أمس الجمعة، إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، سيزور أنقرة الأسبوع المقبل، حيث وضعت تركيا والسعودية خلافا مريرا وراءهما، جعل البلدين خصمين خلال السنوات القليلة الماضية.

وستكون الزيارة، التي أعلنها أردوغان والمقرر إجراؤها في 22 حزيران/يونيو الجاري، أول زيارة لمحمد بن سلمان إلى تركيا منذ مقتل جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول عام 2018، ومن المرجح أن يوقع البلدان عدة اتفاقيات خلال الزيارة، حيث تتطلع تركيا إلى شركاء غير غربيين للحصول على الدعم المالي مع ارتفاع معدلات التضخم لديها.

منذ أواخر عام 2020، أبدت تركيا استعدادها لإقامة علاقات مع مختلف الدول، وتوطيد العلاقات مع الدول الأخرى بعد التوترات والخلافات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول العربية.

وأعرب الرئيس التركي عن انفتاح بلاده على تحسين علاقاتها في العام الحالي، وقال: “ليس لدينا أي مشاكل أو قضايا صعبة مع أوروبا والولايات المتحدة وروسيا والصين أو أي دولة في المنطقة”.

تنوي تركيا إعادة تطبيع بعض علاقاتها المتوترة، مثل علاقاتها مع السعودية ومصر والإمارات، وتهدف إلى إعادة تموضعها إقليميا وترتيب ملفها في السياسة الخارجية التي ساهمت في عزلها سابقا.  

ويرى الزعبي، أن قرارات تركيا بإعادة العلاقات مع بعض الدول تعود إلى الضغوط السياسية الأميركية على تركيا، حيث مرت تركيا بظروف اقتصادية صعبة، بعد أن تولى الرئيس الأميركي، جو بايدن، السلطة، وعلاوة على ذلك، فإن علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي متوترة بسبب ملف شرق المتوسط ​​والعلاقات المتوترة مع قبرص واليونان.

الباحث في الشؤون التركية والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، قال في تصريح لمواقع إعلامية، إنه بحسب المعطيات، فإن إعادة القنوات الدبلوماسية بين السعودية وتركيا ليس بالأمر السهل، وبالنظر إلى أن التوترات بينهما وصلت إلى أعلى مستوياتها بالنسبة للكثيرين، نتيجة التصريحات العلنية للدولتين، وهذا جعل فرصة التعامل مع القضية دبلوماسيا أكثر صعوبة.

ويعتقد عودة أوغلو، أن المنطقة تحاول حاليا التكيف مع المتغيرات الدولية، وعلى رأسها إدارة بايدن، التي تفرض على دول المنطقة تبني خطاب خارجي جديد يتناسب مع المرحلة.

الجدير ذكره، أن التحركات الخليجية نحو الملف السوري، شهدت خلال السنوات الثلاث الماضية تحولات مختلفة، ففي الوقت الذي أعادت فيه بعض الدول علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، لا تزال تصر دول أخرى على عدم إعادة العلاقات إلا وفق شروط محددة، أبرزها التوصل لحل سياسي للأزمة السورية، وقطع العلاقات السورية مع إيران أو الحد منها.

خلال هذه السنوات لم ينتج عن العلاقات المحدودة التي عادت مع حكومة دمشق أي آثار إيجابية على هذه الدول أو على حكومة دمشق، وعلى الرغم من ذلك تصر بعض الدول على ترقية علاقاتها مع دمشق كما فعلت البحرين مؤخرا بتعيين سفير فوق العادة لها في دمشق، رغم الرفض الدولي لإعادة تعويم سياسي أو اقتصادي لحكومة دمشق، قبل الوصول لانتقال سياسي حقيقي وكامل في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.