وثائق استخبارية تكشف لأول مرة عن قيادي غامض في تنظيم “داعش”، عرف بـ “أمير الكيماوي”، وكان من رجالات الأسلحة الكيماوية لنظام صدام حسين السابق في العراق، فمن هو وما الذي قدّمه للتنظيم وما علاقته بروسيا؟

كشفت وثائق استخباراتية في تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، عن دور قيادي غامض في تنظيم “داعش” يدعى صالح سبعاوي، سعى لصنع أكبر ترسانة كيماوية كان بالإمكان أن تملكها “جماعة إرهابية” على الإطلاق، وتتسبب في قتل عشرات أو مئات آلاف الأبرياء.
  
 في صيف 2014، عقد زعيم تنظيم “داعش” آنذاك، أبو بكر البغدادي، اجتماعا سريا مع صالح سبعاوي ويكنى “أبو مالك”، وهو خبير أسلحة كيماوية، كان في السابق ضابطا في الجيش العراقي خلال عهد نظام صدام حسين.

يعرف عن سبعاةي، أنه تلقى خبراته في روسيا في مجال صناعة الأسلحة الكيماوية، وبحسب الوثائق فإن البغدادي كان قد استدعى سبعاوي وكان عمره آنذاك 52 عاما، لمعرفة فيما إذا كان بإمكانه تزويد “داعش” بمعدات الموارد المناسب، لصنع أسلحة كيماوية، وأكد سبعاوي أنه بإمكانه فعل الكثير في هذا المجال.

وأوضحت وثائق استخباراتية في إقليم كردستان العراق، أن سبعاوي كان يسعى خلال 6 شهور إلى بناء أكبر ترسانة كيماوية، يمكن أن تملكها “جماعة إرهابية” على الإطلاق؛ بغية استخدامها داخل وخارج الأراضي العراقية.

مسؤولون أميركيون، علموا من خلال المراقبة الإلكترونية في عام 2014، أن سبعاوي كان يعمل على إنتاج أسلحة جديدة قوية باستخدام “توكسين البوتولينوم” و”الريسين” الفتاكين للغاية، مع متابعة خطط صنع الجمرة الخبيثة كأسلحة. 

تم اكتشاف “توكسين البوتولينوم”، وهو سم عصبي مشتق من البكتيريا نفسها التي تسبب التسمم الغذائي، كسلاح محتمل من قبل كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، بينما يعتبر “الريسين”، مادة سامة مستخرجة من حبوب الخروع، وقد استخدمها الاتحاد السوفيتي في بعض الاغتيالات السياسية.

سبعاوي بزمن صدام حسين

“نية سبعاوي كانت إنشاء مخزون كبير يتكون من أنواع متعددة من العوامل الكيماوية والبيولوجية، لاستخدامها في الحملات العسكرية وكذلك في الهجمات الإرهابية ضد المدن الكبرى في أوروبا”.

مسؤول أميركي “كبير” مطلع على عمليات تنظيم “داعش”، بيّن أن “داعش” كان يتطلع إلى استهداف أوروبا الغربية بشكل خاص.

الإشارة العلنية الوحيدة للحكومة الأميركية إلى سبعاوي، كانت قد جاءت في بيان موجز لـ “البنتاغون” عام 2015، أعلن فيه مقتل “مهندس أسلحة كيماوية” يُدعى “أبو مالك”، في غارة جوية.

في ذلك الوقت، كان قلة يعرفون عن مدى خطورة تجربة سبعاوي أو رؤيته لتزويد “داعش” بأسلحة مخيفة لزيادة حملة “الإرهاب” التي يشنها التنظيم في أوروبا.

يمكن القول، إن تنظيمات سابقة مثل “القاعدة” حازت على بعض الأسلحة الكيماوية، ولكنها لم تملك خبيرا بنفس إمكانيات سبعاوي، والذي عرف لاحقا بـ “أمير الأسلحة الكيماوية”.

الخبير في الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، جريجوري كوبلنتز قال حسب تقرير “واشنطن بوست”: “لو بقي أبو مالك على قيد الحياة، لكانت خبرته في العمل في برنامج صدام حسين، قد زادت من خطر الأسلحة الكيميائية بحوزة داعش”.

وتابع: “إنه لأمر مروع للغاية التفكير فيما كان يمكن أن يحدث إذا استخدم تنظيم داعش سلاحا كيماويا، بدلا من البنادق والقنابل، لشن إحدى هجماته في مدينة أوروبية كبرى”.

خلال الثمانينيات، في ذروة حكم صدام حسين للعراق، كان مركز تصنيع الأسلحة الكيماوية العراقية، عبارة عن مجمع صناعي ضخم يسمى “مؤسسة المثنى” العامة، على بعد حوالي 85 ميلا شمال غرب بغداد. 
 
وأشرف العلماء العراقيون، على إنتاج 4 أنواع على الأقل من الأسلحة الكيماوية، ومن بين عشرات العلماء الذين تم توظيفهم في “المثنى”، كان هناك صالح سبعاوي، والذي تولى وظيفة في المنشأة في عام 1989، وهو في سن الـ 28. 

وقد عمل سبعاوي في ذلك المجمع، حتى عام 1991 حيث هزم جيش صدام حسين في حرب الخليج الأولى عند احتلاله لدولة الكويت.

الالتحاق بـ “القاعدة” و”داعش”

في نهاية الحرب، كانت مصانع “المثنى” في ذورة طاقتها، حيث كانت قادرة على إنتاج 500 طن من غاز الخردل كل عام، إلى جانب كميات أقل من عوامل الأعصاب الفتاكة، مثل “التابون” و”السارين”، وكان سبعاوي وقتها متخصصا بشكل محدد في إنتاج غاز الخردل، بحسب الوثائق الاستخباراتية.

بعد الحرب، وجد سبعاوي أن مهاراته كسلاح لم تعد ضرورية. تم تفكيك مصانع الأسلحة الكيماوية في “المثنى” تحت إشراف “الأمم المتحدة”، وتم تدمير مئات الأطنان من الأسلحة التي ساعد في صنعها في المحارق أو إبطال مفعولها كيمياويا.

احتفظ السبعاوي بوظيفته العسكرية، وتمت ترقيته في نهاية المطاف إلى رتبة عميد، ولكن استياءه من تدمير برنامج الأسلحة الكيماوية العراقية استمر، فانضم إلى “القاعدة” بعد التدخل الأميركي في العراق في عام 2003، ولكنه اعتقل في العام 2005 وقضى 7 سنوات خلف القضبان، في مركز احتجاز عسكري أميركي، ثم في سجن عراقي يديره مدنيون.

تظهر السجلات أنه بعد وقت قصير من اجتماع سبعاوي مع أبو بكر البغدادي، حصل سبعاوي على مختبره الخاص في مدرسة فنية على أرض “جامعة الموصل”، وسمح له بتوظيف موظفين محترفين، من بينهم مهندسين مدربين في الخارج، لإنتاج الأسلحة بأنفسهم، وتزامن ذلك مع سيطرة تنظيم “داعش” على مصنع في “وادي إيكاب”، وهو حي صناعي مهجور في أقصى الضواحي الغربية للموصل.

وبحسب جيف برودور، وهو ضابط متقاعد متخصص في أبحاث الأسلحة الكيماوية والبيولوجية بالجيش الأميركي، فإن تنظيم “داعش” أنشىأ في صيف 2014 مجموعة واسعة من مئات المختبرات والمستودعات للمعدات والإمدادات، التي يمكن استخدامها لصنع أسلحة كيماوية من جميع الأنواع، من المتفجرات التقليدية إلى المركبات السامة. 
 
كذلك أكد محققو “الأمم المتحدة” لاحقا، أن “داعش” استخدم سجناء عراقيين كحقل تجارب لمعرفة مدى فاعلية ما لديهم من أسلحة كيماوية.

وقال لخبراء المطلعون على برنامج سبعاوي، إنه أنتج صيغة أبسط وأقل فعالية من غاز الخردل، ولكنها كانت كافية بما يكفي لاستخدامها في هجمات تنظيم “داعش”.

ووثق المحققون، 20 هجوما كيماويا من قبل “داعش” بين كانون الثاني/ يناير 2015 ونيسان/ أبريل 2017، واستخدم فيها  كميات من غاز الخردل أو الكلور، كانت توضع في قذائف الهاون والصواريخ، بالإضافة لاستخدامها في “هجمات انتحارية”.
 
وأسوأ حادثة وقعت في آذار/ مارس 2016 بالقرب من طوز خورماتو، وهي بلدة كردية جنوب كركوك، وأسفرت وقتها عن إصابة ما بين 600 و 1000 شخص.

نهاية سبعاوي

خلال خريف وشتاء 2014، خضع سبعاوي للمراقبة المستمرة من قبل وكالات المخابرات الأميركية ووحدات العمليات الخاصة، بمساعدة عناصر استخبارات كردية، وذلك وفقا لمسئولين أميركيين.

ولاحظ محللون وخبراء أميركيون، أن سبعاوي لم يتلق على ما يبدو تدريبا محددا على الجمرة الخبيثة أو السموم البيولوجية مثل “الريسين”، لذلك من المحتمل أنه كان سيحتاج لعدة أشهر من التجارب لإنتاج أسلحة قابلة للاستخدام، ولكن في عام 2014، مع سيطرة “داعش” على مدينة الموصل وجميع مواردها، كان لديه متسع من الوقت.

وقال مسؤولون أميركيون، إن ثمار بحث سبعاوي كان من المقرر تفويضها إلى وحدة خاصة أنشأها أبو بكر البغدادي، لتنفيذ “هجمات إرهابية” في الخارج. 

تلك الوحدة، التي يقودها بشكل أساسي “متطرفون فرنسيون وبلجيكيون”، حصلت على شهرة في عام 2015، بعد هجمات مروعة على مدن في أوروبا الغربية، ولا سيما بعد الهجمات التي استهدفت باريس في نفس العام، مما أسفر عن مقتل أكثر من 130 شخصا وإصابة حوالي 400 آخرين.

وفي وقت عمليات الاعتراض، كان “التحالف الدولي” الذي تقوده واشنطن، قد بدأ معركته لاستعادة الأراضي التي استولى عليها “داعش”، بما في ذلك الموصل التي حررت بالكامل في 2017.

لكن التهديد الكيماوي لا يمكن أن ينتظر، لذلك قرر مسؤولو “البنتاغون” التحرك بسرعة، للقضاء على سبعاوي قبل أن تتاح له الفرصة لبناء أسلحة أكبر وأفضل، حيث تمكن المسؤولون الأميركيون من مراقبة تنقلاته اليومية من مختبره في “جامعة الموصل” إلى منزله في حي سكني يسمى “الميثاق”، على بعد حوالي 6 أميال.

بعد ظهر أحد الأيام في أواخر كانون الثاني/ يناير 2015، كان سبعاوي يقود سيارته إلى منزله من العمل، وذلك قبل أن تطلق طائرة مسيرة  صاروخا أصاب السيارة وقتل كل ركابها.

وأعقبت ذلك ضربات أخرى استهدفت شبكة سبعاوي الصغيرة من المعامل ومراكز الإنتاج، وأثبتت تلك المختبرات أنها الهدف الأكثر تحديا بسبب موقعها في حرم جامعي مكتظ بالسكان.

وقال مسؤولون أنيركيون، إن المخططين العسكريين عمدوا إلى تخطيط الضربة الجوية في وقت متأخر من الليل، مستغلين وجود رياح مواتية لتقليل فرص تسرب أي مواد كيميائية إلى المناطق السكنية.

وبحلول أواخر عام 2016، تم تدمير جميع منشآت الأسلحة الكيمياوية المعروفة لتنظيم “داعش”، وقتل أو أسر معظم كبار مسؤولي التنظيم، بينما أنهى تحرير الموصل فعليا، المرحلة النشطة للبرنامج.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.