لا شك أن الصين وجدت لها مساحة في العراق، وبدا ذلك واضحا منذ حكومة عادل عبد المهدي السابقة، لكن التوسع الصيني بات كبيرا في الفترة الأخيرة، حتى أن بكين أمست تهيمن على مشاريع عديدة في أرض الرافدين.

في هذا السياق، سلّط تقرير صحفي لوكالة “فرانس برس”، على تزايد التوغل الصيني في العراق، فبالإضافة إلى عمل شركاتها في مجال النفط، تبني مدارس ومطارا في مشاريع يحتاج إليها العراق، لكنها تضعه في مواجهة خطر الوقوع بفخّ الديون مع بكين في وقت ليس بالبعيد.

مدير مشروع الشرق الأوسط وآسيا في “معهد الشرق الأوسط”، جون كالابريز، قال للوكالة الفرنسية، إن “العراق بحاجة ماسة إلى الاستثمار الأجنبي، لا سيما في مجال البنى التحتية الخاصة بالطاقة”.

هنا وجدت الصين الفرصة. فالجمهورية الشعبية بحاجة إلى تأمين حاجاتها من الطاقة وتنويع مصادرها، وأصبحت أوّل مستورد للنفط العراقي. وهي وحدها تستورد 44 بالمئة من صادرات النفط العراقية، حسب تصريح سابق لمستشار رئيس الوزراء العراقي، مظهر صالح.

في مجال الطاقة “الوضع نشط”، وفق قول السفير الصيني تسوي وي، ردا على سؤال لـ “فرانس برس” في مؤتمر صحفي، لكنه أضاف: “ما زلنا في مرحلة الدخول إلى العراق ونتعاون مع الجانب العراقي، وكذلك مع الشركات الأجنبية التي تعمل في العراق”.

طموح الصين

السفير الصيني أوضح، أنه من حيث عدد وقيمة المشاريع في مجال الطاقة، “لا يزال الجانب الصيني في مرحلة البداية في بغداد”.

جون كالابريز، يرى أنه وراء الأهداف التجارية الواضحة “يقبع أيضا طموح الصين إلى استعراض عملها وتلميع صورتها وترسيخ نفسها بعمق في بلد ومنطقة هيمن عليهما الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة” لوقت طويل.

لكن الغرب يرى في ذلك، أداة لتعزيز نفوذ الصين في الدول الفقيرة، منددا خصوصا بتسبب المشاريع الصينية في تراكم مديونية كبيرة على تلك البلدان، ناهيك عن أن الغرب يشتبه بوجود ممارسات فساد وانتهاكات لحقوق الإنسان من قبل بكين، وفق تقرير وكالة الصحافة الفرنسية.

وقال متحدّث باسم وزارة الخارجية الصينية لـ “فرانس برس”، إن الصين تشارك بشكل نشط في إعادة بناء الاقتصاد العراقي، وأن بغداد شريكة مهمة في مبادرة “الحزام والطريق”.

وفي إطار هذه المبادرة، “بقي العراق الشريك الثالث الأكثر أهمية للصين في قطاع الطاقة بين عامي 2013 و2022″، كما ذكر تقرير لصالح “مركز التنمية والتمويل الأخضر” في “جامعة فودان” بشنغهاي.

مطار و8 آلاف مدرسة

على سبيل المثال، في محافظة ميسان جنوبي العراق، يتمّ تطوير “حقل الحلفاية” النفطي مع ائتلاف شركات تقوده شركة “بتروتشاينا” الحكومية الصينية، إلى جانب مجموعتي “توتال” الفرنسية و”بتروناس” الماليزية، كما أوضح مدير شركة نفط ميسان في تصريح سابق لوكالة الأنباء العراقية “واع”.

أما التبادل التجاري بين البلدين، فهو مزدهر وبلغ في العام 2020، أكثر من 30 مليار دولار، كما نقلت وكالة الأنباء العراقية عن مسؤول في السفارة الصينية لدى بغداد.

ونظرا لأهمية إعمار البنى التحتية، يندرج العديد من المشاريع التي تقوم بها الصين في هذا المجال، في إطار الاتفاق الموقّع بين البلدين في 2019 تحت عنوان “الإعمار مقابل النفط”. ومن هذه المشاريع بناء ألف مدرسة وبناء مطار الناصرية في ذي قار.

في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار جنوبي العراق، تقوم شركة “باور تشاينا”، بالعمل على إحدى هذه المدارس. وهي واحدة من شركتين صينيتين تنفذان مشروعا يقضي ببناء 8 آلاف مدرسة في المجموع على 3 مراحل، وتجري المرحلة الأولى منه التي تشمل ألف مدرسة في 15 محافظة عراقية.

وفق “فرانس برس”، فإن المشاريع الصينية تموّل من بيع العراق 100 ألف برميل نفط يوميا إلى الصين، تودع إيراداتها في حساب يديره البنك المركزي العراقي في الصين. ولا يمكن أن تستخدم هذه العائدات إلّا في مشاريع تقوم بها شركات صينية حصرا في العراق.

تعليم اللغة الصينية

الشركات الصينية تعمل كذلك مع شركات مقاولة محلية عراقية “لتوفير الأيادي العاملة والمواد الأولية”، على حد قول المتحدّث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، حيدر مجيد لوكالة الصحافة الفرنسية.

في السياق، اعتبر الخبير الاقتصادي في معهد “ميدل إيست إيكونوميك سرفي” يسار المالكي، أن توفير فرص عمل لليد العاملة العراقية “أمر إيجابي” لكن “هناك شائعات أن غالبية الشركات العراقية متصلة سياسيا، وغير معروفة، لذلك توجد مخاوف من وجود فساد”.

وقال حيدر مجيد إن هناك خططا لإدراج “مشاريع طرق وجسور وسكك حديد وطاقة ونفط وصحة” أيضا في الاتفاقية الصينية العراقية، الخاصة بالنفط مقابل الإعمار.

لكن الخبير الاقتصادي يسار المالكي، حذر من أن “تستخدم السلطات العراقية الاتفاقية في مشاريع غير مجدية، وينتهي بها المطاف بكثير من الديون، كما هي حال الكثير من الدول الأفريقية”.

أخيرا، تجذب الصين أيضا عراقيين راغبين بتعلّم لغتها ضمن خطتها لتوسيع نفوذها في العراق، لذلك أسست “جمعية الصداقة العراقية الصينية”، معهدا لتعليم اللغة الصينية، هو الوحيد في العراق -باستثناء إقليم كردستان- قبل أقلّ من عام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.