مع استمرار الجمود السياسي في العراق، وعدم تمكن كل من القوى السياسية تشكل حكومة جديدة بعد 11 شهرا على انتهاء الانتخابات المكرة التي أجريت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، دعا رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، اليوم السبت، إلى تعديل مواد في الدستور “تسببت” بحالة الانسداد السياسي التي تعيشها البلاد.

زيدان قال في تصريحات تابعها موقع “الحل نت”، إن “الخروقات الدستورية أو الأفعال غير المقبولة اجتماعيا واخلاقيا لا يمكن للقاضي مساءلة مرتكبها سواء مؤسسات أو أفراد إلا بوجود نص صريح يعاقب عليها على وفق الشروط القانونية”.

كما أن “دعوى طلب حل مجلس النواب رغم أن القضاء يتفق مع المدعي في تلك الدعوى واقعيا بوجود خروقات دستورية مرتكبة من قبل مجلس النواب وشخص تلك الخروقات بشكل واضح، إلا أن القضاء الدستوري رد الدعوى بطلب حل مجلس النواب لأن جزاء هذا الخرق -حل المجلس- أوكلته المادة 64 من الدستور إلى مجلس النواب نفسه”، بحسب رئيس السلطة القضائية.

كما أوضح أن “البرلمان يحل بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه أما بناء على طلب من ثلث أعضائه أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية”، مؤكدا أن “اختصاصات المحكمة الاتحادية محددة دستوريا بموجب المادة 93 ولا يوجد بينها صلاحية حل مجلس النواب”.

زيدان أردف بالقول، إنه “توجب إعادة النظر بصياغة مواد الدستور المعرقلة لتشكيل السلطات الدستورية والتي سببت حالة الانسداد السياسي وما رافقها من أحداث مؤسفة بأن يتم النص على جزاء مخالفة أي نص دستوري بنفس النص بصياغة واضحة غير قابلة للاجتهاد أو التأويل”.

اقرأ/ي أيضا: المشهد السياسي العراقي.. هل يبادر الكرد والسنة للخروج من الأزمة؟

دعوات متكررة

دعوات رئيس السلطة القضائية في العراق، لم تكن للمرة الأولى، بل في شباط/فبراير الماضي، سبق ودعا فائق زيدان، إلى تعديل الدستور الذي أقر عام 2005، بعد نحو عامين على الإطاحة بنظام صدام حسين من قبل قوات التحالف الدولي، وإلغاء العمل بجميع القوانين التي كانت معمول بها، وحل المؤسسات، فيما أشار زيدان إلى المواد التي يجب تعديلها.

حينها قال زيدان خلال مقال نشره على موقع المجلس وتابعه موقع “الحل نت، إن “دستور سنة 2005 صيغ في ظروف تختلف في حينه عن الظروف الحالية ومعظم من اشترك في إخراجه بالشكل النافذ حاليا، هم في مقدمة الداعين إلى تعديله الآن لظروف ومستجدات الواقع السياسي الذي وصل إلى مرحلة خرق الدستور في أكثر من مناسبة بسبب النصوص الدستورية التي لم تعد مناسبة للمرحلة الحالية”.

وأكثر النصوص الدستورية التي تبرز الحاجة إلى تعديلها هي “المواد التي تسببت أحكامها في تعثر تشكيل السلطات ومنها تلك التي تشترط موافقة أغلبية ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب”، وفقا لزيدان.

وأشار إلى أن “هذا القيد الذي وضعه المشرع الدستوري انقضت بسببه المدة الدستورية البالغة ثلاثين يوما من تأريخ أول انعقاد لمجلس النواب في (9 /1 /2022) وهي المدة التي حددتها المادة (72/ثانيا/ب) من الدستور لاستمرار رئيس الجمهورية بممارسة مهامه إلى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد”.

“وأما الإشكالية الدستورية الأهم هي صياغة المادة (76) من الدستور التي نصت على أن يكلف رئيس الجمهورية مرشح (الكتلة النيابية الأكثر عددا) بتشكيل مجلس الوزراء. إن المقصود بالكتلة النيابية الأكثر عددا هي (القائمة أو الكتلة الفائزة في الانتخابات) على اعتبار أن هذا التفسير هو الأقرب إلى منطق التنافس الانتخابي”.

اقرأ/ي أيضا:  بعد قرار المحكمة الاتحادية.. ما الخيارات المتبقية لحل البرلمان العراقي؟

البرلمان أمام مسؤولية وطنية

رئيس مجلس القضاء العراقي، بين أن “مجلس النواب أمام مسؤولية تاريخية وواجب وطني يتمثل بضرورة العمل على تعديل المواد الدستورية المتقدم ذكرها سيما وأنها مواد ليست خلافية وإنما قابلة لإعادة الصياغة بشكل يضمن عدم دخول البلد في حالة خرق أو فراغ دستوري مستقبلا”.

وشدد على ضرورة تعديل “المادة (76) والنص على مبدأ واضح غير قابل للاجتهاد بأن يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة أو القائمة الفائزة في الانتخابات بتشكيل مجلس الوزراء في نفس جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بعد استكمال إجراءات انتخابه دستوريا، وهذا يحسم الجدل المستمر منذ سنة 2010 وإلى الآن فيما لو تمت صياغة النص بشكل دقيق وواضح في الدستور، وفقا لقوله.

وهذه ثاني دعوة تصدر عن رئيس أعلى السلطات القضائية في البلاد بشأن الحاجة لتعديل الدستور، والذي يعتبر أحد أبرز مطالب المتظاهرين والناشطين المدنيين في البلاد، على اعتبار أنه يتضمن مواد فضفاضة قابلة للتأويل ويرسخ الانقسام المذهبي والطائفي، كما أنه تسبب بشكل مباشر في الانسداد السياسي الذي تشهده البلاد.

يشار إلى أنه منذ 30 تموز/ يوليو الماضي، اشتدّت الأزمة السياسية العراقية، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

وعاد المشهد ليتطور في 29 آب/ أغسطس الماضي، بعد أن شهدت بغداد تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام آنصاره للمنطقة الخضراء، والقصر الجمهوري – الحكومي، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

سبب الصراع

الصراع جاء بعد أن هاجمت القوات الحكومة مع فصائل تابعة لـ “لحشد الشعبي” وموالية لـ “الإطار” أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل الاثنين، وحتى ظهر الثلاثاء، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

وسقط جراء العنف المسلح 37 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

تأتي الأزمة السياسية العراقية، نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

https://twitter.com/saifsalahalhety/status/1568628261869047809?s=21&t=NfnsOolaBJB9-YDhwCpDqg

اقرأ/ي أيضا: إيرانيون يهدمون جدار مدرسة بكربلاء لإقامة موكب عزاء

سبب الفشل

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

اقرأ/ي أيضا: تخبطات حول البرلمان العراقي.. بين الصدريين والمالكي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.