تساؤلات تبقى مستمرة وحائرة حول مستقبل جماعة “الإخوان المسلمين” في العالم العربي، بعد سلسلة حادة من المتغيرات والأحداث والعوامل التي عصفت بالجماعة، وفي ظل تبدل وتغير التحالفات بالمنطقة، والتي يأتي منها رغبة تركيا وحرصها على علاقات هادئة مع كلّا من السعودية والإمارات ومصر، وفي نفس الوقت إعادة العلاقات السعودية-القطرية إلى حالتها الطبيعة، كل هذه المؤثرات يمكن لها أن تؤثر إما بالإيجاب أو السلب على مستقبل جماعة “الإخوان” ومشروعها السياسي بالمنطقة.

تأسيس الحركة

لا يمكن تجاهل أنّ جماعة “الإخوان المسلمين” قد تأسست في مصر على يد حسن البنا عام 1928 وهي جماعة دعوية، وباعتبار أنّ الجماعة تنادي بالإسلام فمن خلال احتكاك الطلبة العرب والمسلمين في جامعات مصر، انتشرت الجماعة في الأقطار حيث حملت البُعد الدعوي، وقد ساند “الإخوان” ثورة الضباط الأحرار في مصر، عبر وعود أطلقها الضباط بأنّهم يريدون تغيير الفساد والتحرر من المستعمر، لكن كلامهم كان مجرد وعود لم تلبث أن تبخرت لما تمكن الضباط من السلطة، وبخاصة في عهد عبد الناصر حيث دخلت الجماعة في المِحن فانتعشت السجون، وتم إعدام العديد من رموز “الإخوان” وعلى رأسهم مفسر القرآن سيد قطب.

في هذا السياق يؤكدّ السفير والوزير الأردني الأسبق بسام العموش، خلال حديثه لـ”الحل نت”، بأنّ هذا التاريخ يعكس أنّ الجماعة لم تكن لها نشأة سياسية علمية مبنية على فهم العالم والعلاقات الدولية والظروف المحلية في المنطقة، ويشدد على أنّ هذا الأمر قادها إلى السجون والمعتقلات والمشانق.

اقرأ أيضا: انتخابات “الإخوان المسلمين” في سوريا.. صدام مشروعين أم مصالح؟

ما يقال في “إخوان مصر” يقال في إخوان الدول الأخرى، وإن كانت لكل دولة سياستها وأدواتها لكنها كلها لا ترتاح لوجود تنظيم إسلامي، وبخاصة الخطأ الكبير الاستراتيجي الذي وقع فيه “الإخوان” وهو إقامة تنظيم دولي دفع الدول بحسب العموش، إلى الحذر بل المواجهة معهم مع أنّ هذا التنظيم مجرد هيكل وليس كما فهمته الكثير من الدول، بأنّه يخطط على مستوى العالم.

وضع متزعزع

“الإخوان” عاشوا على التناقضات السياسية بين الدول وفق العموش، فعداوة عبد الناصر مع الملك فيصل آل سعود، جعلت دول الخليج تؤوي “الإخوان”، وتتيح لهم فرص العمل والإقامة، بل منحت بعضهم الجنسية سواء كانوا مصريين، أو عراقيين أو سوريين أو فلسطينيين.

كانت علاقة عبد الناصر السيئة مع الأردن، سببا في احتواء عمان لبعض الهاربين بأرواحهم من المصريين، وكذلك الحال في موقف بعث العراق وبعث سوريا، حيث يكشف العموش على أنّ الأردن استقبل أعدادا كبيرة من السوريين وبخاصة مع أزمة الثمانينات.

مع وصول “الإخوان” إلى الرئاسة في مصر والذي لم يتبع له آثارا إيجابية، بحسب العموش بل هي آثار سلبية زادت من تحرك الدول ضدهم، وبخاصة بعد زيارة الراحل محمد مرسي لإيران، عدوة كل الدول العربية، لهذا كان التحرك الخليجي وانشطار “الإخوان” في الأردن إلى جماعات.

حال “الإخوان” اليوم وبخاصة بعد وفاة القيادات الكبيرة المجربة، حال لا يسرهم فهم في حفرة الواقع ولا بصيص لمخرج، لأنّ “الإخوان” يعانون من أزمة الإبداع والمبادرة والتجديد لأنفسهم، وفق العموش.

“الإخوان لا يملكون سابقا ولا حاليا أطروحة سياسية يستطيعون التقدم بها إلى الأمام، وكل ما يفعلونه الشكوى من الواقع الذي هو أكبر منهم، وبخاصة أنّ مصالح الدول تتقاطع وكلها تجمع على ضرورة استبعاد الإخوان والتخلص منهم أو وضعهم في أضيق الزوايا، مع نشاط إعلامي وفكري تنظمه بعض الدول، ومن خلال رموز دينية ورعاية جماعات منافسة أو معادية لجماعة الإخوان” يقول العموش.

من هنا يرى العموش أنّه لا مستقبل لـ”الإخوان” إذا استمر بقاؤهم في دائرة الشكوى والمظلومية والأسر الذاتي التاريخي لأنفسهم، فهم في أمسّ الحاجة لقيادة تقدم مشروعا جديدا في العمل، يفصل بين الخطاب الدعوي والخطاب السياسي كي يكونوا في المسرح الإيجابي للأحداث.

مصالح الدول زمنية وليس تحالفات استراتيجية

هناك مصالح لدول معينة تلتقي في مرحلة زمنية محددة مع مصالح جماعات أو تنظيمات، لكن هذه المصالح لا يمكن أن تكون دائمة أو أنّها ترتقي إلى تحالف استراتيجي متين بين جماعة ما ودولة أو أخرى، سواء تركيا أو قطر أو السعودية أو حتى إيران والولايات المتحدة.

المحلل السياسي والباحث في “مركز العراق للدراسات الاستشرافية” رائد الحامد، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنّ كلا من قطر وتركيا دعمتا جماعة “الإخوان المسلمين” خلال فترة “الربيع العربي” وفي مرحلة ما بعد سقوطهم في مصر في 2013، بتبني الدولتان دعم المعارضة المصرية بطيفها الأوسع الذي يشمل هذه الجماعة، ويشمل تنظيمات وحركات أخرى، لكن تركيا أو قطر أو أي دولة غيرهما بحسب رؤية الحامد، تضع مصالحها في أعلى سلم أولوياتها، “وفي عالمنا الحاضر لا مكان للأيديولوجيات في استراتيجيات الدول”، وفق تعبيره.

قد يهمك: العلاقة بين تركيا و”الإخوان المسلمين”.. مسك العصا من المنتصف؟

قطر على سبيل المثال مستعدة للتضحية بمصالحها مع السعودية من أجل حفنة من قيادات “الإخوان المسلمين” يقيمون على أراضيها لدواع أمنية او إنسانية، بحسب الحامد، في مقابل توظيف هؤلاء لخدمات السياسيات في الدوحة أو في أنقرة.

يمكن لدولة أو أخرى أن تتخلى بحسب ما يذهب إليه الحامد، عن دعم جماعة أو تنظيم ما طالما أنّ مصالحها تتطلب ذلك، لكن بعض الجماعات ومنهم “الإخوان المسلمين”، يعتقدون أو يتوهمون أنّ الدول والحكومات بحاجة إليهم طويلا وبحاجة إلى قاعدتهم الجماهيرية، وهذا خطأ فادح وقعت به قيادات تلك الجماعات.

لا شك أنّ لـ “الإخوان المسلمين” قاعدة جماهيرية عريضة وتمتد تاريخيا إلى عقود، بحسب الحامد، لكن لابدّ من التأكيد على حقيقة انحسار التأييد لهذه الجماعة، خلال العقد الأخير على مستوى الجماهير التي لابد أنّها تأثرت بالحملة أو بالحرب الإعلامية على الجماعة، وكذلك على مستوى ما كانت تحظى به من رعاية من دول غربية مثل الولايات المتحدة أو بريطانيا، أو دول عربية وإسلامية مثل قطر وتركيا وإيران والسعودية أيضا في مراحل متقدمة من عقدي السبعينيات والثمانينيات، على حدّ تعبيره.

الحامد يعتقد أنّ تركيا لديها مصالح حقيقية مع مصر وكل منهما يمثل ثقلا في منظومة العالم الإسلامي، لكن بعيدا عن هذا، فلتركيا مصالح اقتصادية لا يُستهان بها، إضافة إلى ما يتعلق بحقول غاز شرق المتوسط وملفات سوريا وليبيا، وغير ذلك من ميادين تلعب مصر فيها دورا معينا، تجد تركيا نفسها في وضع يدعوها للتصالح مع مصر، فهنا تكمن مصلحتها الحقيقية، وهو ما أدركته القيادة التركية في العامين الأخيرين.

جماعة “الإخوان المسلمين” تراجعت بشكل واضح، وهناك انشقاقات وخلافات في المستويات القيادية العليا، وهناك أجنحة بدأت تتشكل قد تكون ثلاثة أجنحة تشهد خلافات في مراجعاتها الفكرية وتقويمها لعقد من الخسارات والتراجع، إضافة إلى ما يتعلق بالتنافس على قيادة الجماعة أو قيادة جناح من بين الأجنحة الثلاث التي يعتقد مراقبون، أنّ وفاة إبراهيم منير ستساهم في تضييق فجوة الخلافات بينها، وتطرح تساؤلا أخير بأن مستقبل الحركة إلى أين يتجه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.