قضية “إسقاط القروض عن المواطنين” باتت تتصدر المشهد الكويتي مجددا، مثيرة جدلا واسعا وغير محدود بين أغلبية أعضاء “مجلس الأمة” والحكومة من جهة، وبين المواطنين من جهة أخرى.

المشهد ترافق بمطالبات من مؤيدي قرار “إسقاط القروض”، بأن تنحى الحكومة ممثّلة في وزارة المالية، و”البنك المركزي”، إلى إسقاط قروض الأفراد عبر عدد من المقترحات البرلمانية.

فيما يبدو أن الأمور تمضي نحو تصعيد أكبر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، خصوصا بعد قرار “لجنة الشؤون المالية والاقتصادية” في اجتماعها الأحد الماضي، بإجماع أعضائها الحاضرين على عدم سحب أي تقرير مدرج على جدول أعمال “مجلس الأمة” إلا بقرار من المجلس، وفقا لموقع “الجزيرة نت”.

مقرر اللجنة، النائب صالح عاشور، أعلن في “المركز الإعلامي لمجلس الأمة” وفقا لـ”موقع المجلس”، أن “اللجنة ناقشت 7 تقارير مدرجة على جدول أعمال مجلس الأمة بشأن اقتراحات شراء مديونيات المواطنين، وزيادة معاشات المتقاعدين، و إسقاط فوائد القروض غير القانونية على المواطنين، وتحويل مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية إلى شركة مساهمة، وإنشاء شركة لتسويق المحاصيل الزراعية، وخفض نسبة استقطاع أقساط القرض الحسن من 15 بالمئة إلى 5 بالمئة، وتعديل قانون إنشاء غرفة التجارة والصناعة”.

اللجنة قررت عدم سحب أي تقرير مدرج على جدول الأعمال، ما لم يتم تقديم تعديلات جذرية وقانونية على الاقتراحات المعروضة على المجلس، وأن يتم السحب بموافقة المجلس، بحسب عاشور.

أزمة القروض

عملية “إسقاط القروض” إن كان قد تم اعتمادها، فسيكون لها آثار كبيرة على مسألة التضخم، كما أن هنالك مسائل أخرى ستعود إلى المشاكل وتتفاقم بشكل كبير، بحسب حديث الخبير الاقتصادي الكويتي ميثم الشخص، لـ”الحل نت”، كون هذا العلاج، علاج لنتيجة وليس للأسباب التي أدت إلى الاقتراض وزيادة نطاقه من قبل المواطنين.

عن هذه الأسباب يوضح الشخص، بأنها أسباب جوهرية تتعلق بالمسكن والصحة والتعليم، وهذه الملفات إذا لم يكن هناك اهتمام بها، ستبقى هي المسبب الرئيسي في ارتفاع نطاق الاقتراض، إضافة لأسباب متعددة أخرى كثيرة منها الثقافة الخاصة بالمجتمع، وعملية الاهتمام الفردي في المجتمع بقضايا ثانوية دون الأخذ بعين الاعتبار عملية الإدارة المالية السليمة، مع عدم وجود ثقافة أيضا في قضية الادخار وخلافه.

الشخص يرى بأن “إسقاط قروض المواطنين إذا كان علاج، فإن أثره كبير على مسألة التضخم وارتفاع أسعار السلع، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحكومة ستفتح ملف تقليص الدعومات، مثل قضايا الكهرباء والبنزين وغيره من الملفات الأخرى”.

قد يهمك: ما بين الدور والدبلوماسية.. الحكومة الكويتية للاستقالة في أحدث مواجهة مع البرلمان؟

في ذات السياق، سبق للجنة المالية في “مجلس الأمة” الكويتي، أن وافقت يوم 15 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي على شراء الدولة لمديونيات المواطنين المتعلقة بالقروض الاستهلاكية والشخصية، واستقطاع علاوة غلاء المعيشة بمبلغ 120 دينارا إلى حين انتهاء القرض، وأن يكون الانضمام للقانون اختياريا لمن يرغب في ذلك، إضافة للموافقة على استرداد الفوائد غير القانونية على قروض المواطنين التي تم البت فيها من خلال أحكام صادرة من القضاء الكويتي، ورفع الحد الأدنى للمعاشات التقاعدية وزيادتها للشرائح التي تتراوح رواتبها بين ألف إلى 1500 دينار.

هناك كثير من القروض ثبت عدم قانونية تقاضي فوائد عنها، وتم في هذا الشأن استرداد 125 مليونا من البنوك المحلية لصالح المواطنين، بحسب موقع “الجزيرة نت”.

الخروج من مأزق “إسقاط القروض”

الحلول المقترحة للخروج من مأزق “إسقاط القروض” وإغلاقه من الجانب الاقتصادي، يقول الشخص بأن “العلاج يكون في أكثر من خط، الخط الأول هو حصر المتضررين من القروض، وهي نسبة باعتقاده، ليست كبيرة وعلاج ملفهم ببدائل عن طريق الأقساط المرنة وغيرها من هذه القضايا” وفق تعبيره.

 بالنسبة لعلاج الأسباب الرئيسية، يوضح الشخص، تكون في الاهتمام بالبنى التحتية أي زيادة أعداد المساكن والاهتمام بالتعليم عن طريق منهج يحمل في طياته طريقة عملية للتّعلم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن طريقة التعليم في الكويت طريقة بدائية لا تستحق أن تكون في مثل هذه الدولة، على حد وصفه.

“الاهتمام بالصحة وزيادة الوعي الصحي في كثير من القضايا مع ضرورة أن تكون هناك تغطية تأمينية للوافدين، لأن الوافدين يستهلكون من ميزانية الصحة بشكل كبير مع ضرورة التركيز على أن الحق الإنساني هو حق مكتسب، لكن كثير من الدول تقتضي على المغترب أو الوافد أن يكون لديه تأمين يغطي الأمور الصحية ولا يشارك المواطن في هذه الدول بالعلاج المجاني”، وفق الشخص.

انقسام أعضاء “مجلس الأمة” في قضية “إسقاط القروض” بدوافع سياسية في الغالب، من وجهة نظر ميثم الشخص، وذلك لإعادة انتخابهم دون الأخذ بعين الاعتبار عن نتائج إسقاط هذه القروض، باعتبار أن المقترحات المطروحة بعضها ليست لها علاقة بإسقاط القروض، وإنما هي إسقاط فوائد هذه القروض وأن صح هذا فالأمر مختلف تماما وليس له علاقة بإسقاط القروض، يقول الشخص، “هي تكلفة لا شك بأنها سياسية يريد منها النائب التكسب الشعبي في مثل هذا الموضوع”، على حد تعبيره.

لذلك في الغالب هناك فئة بعيدة عن النطاق الإعلامي، وفق الشخص، لكن في عملية التصويت نجد أن تصويتهم يختلف بين موافق ورافض، إذ هناك اتفاق من السلطتين بمسألة الاهتمام في دعم الشعب، لكن الاختلاف يكون في قضية الدعم وطريقة تقديمه.

حجم المتعثرين

بيانات “البنك المركزي” التي قدمها إلى اللجنة المالية البرلمانية، أظهرت أن هناك 2.5 بالمئة من المقترضين المتعثرين، بعد أن وضع “المركزي” ضوابط جديدة وصارمة للاقتراض عقب تفاقم أزمة المتعثرين عام 2009، منها على سبيل المثال منع البنوك من اقتطاع أكثر من 40 بالمئة من الراتب.

على رغم ذلك وجد النواب ضرورة في إسقاط ديون المتعثرين عن سداد قروضهم، بذريعة أن “الحكومة رفعت رواتب كثير من القياديين وتسببت في تحميل المالية العامة كلف إضافية، كما أن أزمة كورونا خلقت نسبة من المتعثرين الذين رأوا أنهم يستحقون تغطيتهم حكوميا، على رغم أن الحكومة قدمت عددا من برامج المساعدات خلال الأزمة”، بحسب موقع “إندبندنت عربية”.

الحكومة تحاول أن تظهر أنه لا توجد مشكلة في هذا الملف، خصوصا أن عدد المقترضين المتعثرين قليل نسبيا ولا توجد أزمة في الفوائد، إذ كانت الفوائد خلال الأعوام الأخيرة منخفضة جدا في الكويت كما كانت في العالم.

“إسقاط القروض” والخلاف النيابي

“إسقاط القروض” أو شراء مديونيات المواطنين هي من أهم أسباب الخلاف النيابي الحكومي، والذي أدى في نهاية المطاف إلى إصرار الحكومة على ضرورة سحب هذا المشروع وغيره من التكاليف المالية، وسحب الاستجوابين الموجهين إلى نائب رئيس الوزراء وإلى وزير المالية، وعدم القبول بأي تنازل بهذا الاتجاه، بحسب حديث الأكاديمي والباحث السياسي عايد المناع، لـ”الحل نت”.

النواب يبدو أنهم أصروا على موقفهم بضرورة إيجاد مخرج لشراء مديونيات المواطنين، وفق المناع، هذه المديونيات تُقدر بـ 14 مليار ونصف دينار، ويُقدر عدد المستفيدين منها بـ 520 ألف مواطن.

اقرأ أيضا: انسحاب حكومي ينذر بأزمة سياسية في الكويت.. خلاف حول “إسقاط القروض“؟

هناك طرح كان يريد أن يصل إلى ما هو أدنى من ذلك، أي يكتفي بشراء الديون الاستهلاكية، والتي تُقدر بحوالي مليار و20 مليون دينار كويتي، وهذا كان حلّا، وفق المناع، ولكن الحكومة أصرت على أن ذلك كله يسبب تكلفة مالية كبيرة وقد يخل بميزانية الدولة.

 النواب لا يرون ذلك، ويعتقدون أن لدى الدولة أرصدة كبيرة وصناديق سيادية وتقدم دعم لعدد كبير من الدول، في حين أن مواطنيها هم الأحق بذلك، بحسب المناع، وما بين هذا الشد والجذب والإصرار، قدمت حكومة الشيخ أحمد النواف الصباح استقالتها، وتقوم الآن بتصريف العاجل من الأمور، وبالتالي لن يتمكن “مجلس الأمة” من عقد جلساته إلى أن تتشكل الحكومة الجديدة.

الحكومة الجديدة

الوضع الآن في الكويت يختلف عن وضع ما بعد الانتخابات، إذ ينبغي أن تتشكل الحكومة خلال أسبوعين من ظهور النتائج، ويعتقد المناع، أن بإمكان رئيس الوزراء أن يأخذ وقته ليشكل الحكومة، وهنا تأتي عملية السياسة، بأن يتم ربما تمديد ذلك إلى أن تُقبل الاستقالة، ثم يتم التكليف، وبعدها يبحث رئيس الوزراء عن وزراء.

لا يستبعد المناع، أن تستمر هذه العملية إلى مشارف 8 آذار/مارس 2023 وهو التاريخ الذي يفترض أن المحكمة الدستورية تعطي رأيها بالطعون الانتخابية، وهنا قد يكون من ضمن هذه الأحكام إبطال العملية الانتخابية، وكأن لم تكن وبالتالي نعود مجددا لإجراء انتخابات جديدة، وفق تعبيره.

 ما بين التوقيت الممتد بين آذار/مارس وآب/أغسطس 2023 ممكن أن تجري مفاوضات، وممكن أن يتم التوصل إلى حلول تكون بدايتها وقف قانون المعاشات الاستثنائية، والذي قد يكون مؤشرا إيجابيا لكن ليس كافيا، من وجهة نظر المناع.

 “لا شك أن العقدة الرئيسية هي شراء مديونيات المواطنين، والتي تقدر بـ 14 مليار ونصف وهذا مبلغ كبير جدا بالنسبة للدولة ما بين وقت الاستقالة ووقت تشكيل الحكومة، أو إبطال المجلس فترة للتفاوض ما بين الطرفين في سبيل الوصول إلى حل، وأن لم يصلا لا بد من اتخاذ خطوة قادمة، إما أن تأتي الحكومة إلى المجلس وتتعهد بتنفيذ ما طلب، أو أن يتم اللجوء إلى رفع كتاب عدم تعاون، وبالتالي حل مجلس الأمة وإجراء انتخابات جديدة”، وفقا للمناع.

مراقبون يرونَ بأن عملية “إسقاط القروض” ستترك آثارا سلبية على الاقتصاد الكويتي، وخاصة مع قيام الحكومة بإدراج مديونيات التجار أو منحها رواتب استثنائية لبعض القياديين، حيث سيؤثر كل ذلك على موازنة الدولة سلبا، بالتزامن مع الصراع السياسي المستمر بين الحكومة و”مجلس الأمة” الكويتي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.