في ظل جملة من الأزمات العالمية منها أزمة الطاقة والغذاء واقتراب الغزو الروسي لأوكرانيا من إكمال عامِه الأول، انطلق يوم الجمعة الماضي الدورة الـ 59 لـ”مؤتمر ميونخ” الدولي للأمن، وسط التركيز الكبير على الحرب الروسية الأوكرانية في مباحثات المؤتمر الذي شهد لقاءات بين قادة الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وفرنسا وغيرها فيما تم استبعاد كل من روسيا وإيران.

التجمع السنوي الرفيع المستوى الذي يركز على الدفاع والدبلوماسية أقام في بافاريا بجنوب ألمانيا، وبحث المخاوف الدفاعية الرئيسية، واستضاف ممثلين من 96 دولة مختلفة. بالإضافة إلى ملف الحرب في أوكرانيا، ركز المؤتمر في مناقشاته على التداعيات العالمية بعيدة المدى للحرب، على قضايا تتراوح من إمدادات الطاقة إلى أسعار المواد الغذائية.

من هنا يطرح هذا التقرير مجموعة من التساؤلات حول أبرز الملفات التي سيتم مناقشتها في المؤتمر، بجانب ملف الحرب في أوكرانيا، وكذلك فرص اتخاذ المؤتمر خطوات لإنهاء الحرب الأوكرانية وإحياء السلام، وأهمية المؤتمر ونتائجه هذا العام، وسط كل المتغيرات الدولية، وإذا ما ثمة رسمٌ لدور جديد بعد استبعاد كل من روسيا وإيران من المؤتمر.

أبرز الملفات

يوم الجمعة الفائت، بدأ في ألمانيا “مؤتمر ميونخ” للأمن بحضور عدد من زعماء العالم وكبار السياسيين والعسكريين من العديد من الدول، وشكّل المشهد الأمني الأوروبي في ضوء غزو روسيا لأوكرانيا محور محادثاته. كما تناول المؤتمر قضايا دولية كبيرة، لا سيما العلاقات بين الغرب والصين، إضافة إلى قضايا أخرى.

هذا وتجمع نسخة هذا العام من المؤتمر، أكثر من 450 من صناع القرار رفيعي المستوى وقادة الرأي البارزين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك رؤساء الدول والوزراء وقادة المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، وكذلك القادة من قطاع الأعمال والإعلام والبحوث والمجتمع المدني، وفق تقارير صحفية.

المؤتمر ركز على الجانب الأوروبي، تحت عنوان “الأمن الإقليمي”. كما يركز جدول أعمال “مؤتمر ميونخ” على الشراكة عبر الأطلسي. وغالبا ما ينظر إليه على أنه منصة مهمة لإظهار التضامن الغربي، لذلك يطلق عليه أيضا “اجتماع الأسرة عبر الأطلسي”.

من السمات الخاصة للمؤتمر لهذا العام أنه عقد مباشرة قبل الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا. فعندما اختتمت أعمال المؤتمر العام الماضي في شباط/فبراير 2022، لم تكن هناك طلقات نارية على الحدود الأوكرانية الروسية، ولم يعتقد معظم الأوروبيين أن الصراعات العسكرية ستعود إلى أوروبا. أمّا الآن، بالنسبة لهم، تغير العالم بشكل كبير خلال عام.

قد يهمك: العلاقات الإفريقية مع الصين وروسيا.. القصة غير المروية عن عدم الثقة

هذا وسيكون المستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إضافة إلى كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي ووزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في مقدمة المشاركين في المؤتمر السنوي الذي يركز على الدفاع والدبلوماسية.

المؤتمر انطلق بكلمة افتتاحية للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر الفيديو، وكذلك كلمتان من المستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

تعليقا على مناقشات المؤتمر، يعتقد المحلل السياسي الروسي دميتري بريجع، أن مناقشات “مؤتمر ميونخ” ركز بشكل كبير ومكثف على الحرب في أوكرانيا، وحتى الآن ثمة وجهات نظر مختلفة، إحداها تتحدث عن وقف إطلاق النار وإيجاد حلول سريعة للصراع الروسي الأوكراني، وهناك من يجد ضرورة التركيز على الدعم المستمر للجانب الأوكراني من قبل الغرب، حتى يتم استعادة الأراضي التي احتلتها القوات الروسية بعد 24 شباط/فبراير 2022.

المؤتمر حضره أيضا رئيس الوزراء البريطاني إلى جانب وزير الخارجية الصيني وانغ يي، فضلا عن الأمين العام لـ”حلف الشمال الأطلسي” (الناتو) ينس ستولتنبرغ، بالإضافة إلى وفد “الاتحاد الأوروبي” برئاسة رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين وجوزيب بوريل.

أيضا حضر من الشرق الأوسط في المؤتمر، رئيسي وزراء العراق محمد شياع السوداني، والرئيس اليمني رشاد العليمي، والعديد من وزراء الخارجية العرب.

مسارات الحرب الروسية الأوكرانية

المحلل السياسي، يضيف لموقع “الحل نت”، أن ما تم ناقشه في المؤتمر وفق اعتقاده كان بشكل أساسي حول كيفية تقديم الدعم لأوكرانيا ونوع الدعم الذي سيتم تقديمه، بالإضافة إلى مناقشة مستقبل الصراع الروسي الأوكراني، أي الاستراتيجيات التي يجب على الجانب الأوكراني اتباعها في مواجهة ما تردد في وسائل الإعلام مؤخرا من أن روسيا مستعدة لغزو أوكرانيا مرة أخرى في الربيع المقبل، وهذا الحديث يدور داخل روسيا أيضا.

لذلك، ثمة استعدادات غربية للعديد من الاحتمالات المتعلقة بهذا الشأن، وكل هذا تم بحثه في المؤتمر. واحتمالات هذه الاستعدادات وفق تقدير بريجع، هي إما أن تندلع حرب كبرى، أو أن يتم إيجاد حلول دبلوماسية للملف الأوكراني، والتي بموجبها يمكن إنهاء هذه الحرب المستمرة منذ ما يقرب من عام. وبالطبع هذا يعتمد على تغيير الموقف الأوكراني وقبول الشروط الروسية بشأن الأراضي الأوكرانية التي تحتلها روسيا، وخاصة شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس، على اعتبار أن موسكو متعنتة بشروطها.

هذا وكانت بعض الدول الغربية تفكر قبل نحو أكثر من شهر في دعم أوكرانيا بمقاتلات حربية، بعد أن ضمنت كييف التزوّد بدبابات أميركية وألمانية في وجه المحاولات الروسية لاحتلال المزيد من المناطق شرقي البلاد. وضاعفت كييف، التي تطلب الحصول على طائرات منذ شهور، نداءاتها خلال الشهر الماضي، قائلة إنها بحاجة إلى طائرات أميركية من طراز “إف-16” أو طائرات ألمانية أو سويدية لتحل محل أسطول القوات الجوية من الطائرات الحربية التي تعود إلى الحقبة السوفيتية “حتى تتمكن من طرد القوات الروسية من جميع أنحاء البلاد” وفق تعبير صحيفة “وول ستريت جورنال”.

المراقبون يرون أن الحرب في أوكرانيا تُدار في جغرافيا واحدة وهي الأراضي الأوكرانية، وأن تزويد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى، لاسيما هذه الطائرات المقاتلة قد تكون السبب بنشوب حرب كبيرة بين أطراف كثيرة. لكن الدول الغربية لا ترغب بتصعيد العمليات القتالية من خلال استخدام أوكرانيا لطائرات قادرة على ضرب العمق الروسي، فهذا سيؤجج القتال بشكل كبير إلى حدّ لا يمكن توقع نتائجه، لذلك يُلاحظ تباينات في المواقف الغربية بهذا الشأن. إلا أنه خلال مناقشات “مؤتمر ميونخ” غير مستبعد أن يعيد طرح هذا الملف مجددا، وخاصة إذا ما راحت موسكو لشن هجوم أكبر في الربيع المقبل، لا سيما بعد قرار برلين الأخير السماح بإرسال دبابات “ليوبارد” ألمانية الصنع إلى أوكرانيا، بعد أسابيع من التردد، الأمر الذي يرجح حصول كييف على المزيد من الأسلحة في المستقبل، وفق مراقبين.

الأمين العام لـ”الناتو” ينس ستولتنبرغ، قال هذا الأسبوع “إذا انتصر بوتين في أوكرانيا، فإن الرسالة التي ستكون موجهة إليه وإلى الأنظمة الاستبدادية الأخرى هي أن القوة ستتم مكافأتها”، مضيفا أن هذا “سيجعل العالم أكثر خطورة ويجعلنا جميعا أكثر عرضة للخطر”. وكان يتحدث قبل اجتماع لوزراء دفاع الحلف الذين تعهدوا بزيادة الإمدادات العسكرية إلى كييف، حتى بعد اعترافهم بأن مخزونات الذخيرة الخاصة بهم استنزفت بشدة بسبب الحرب.

قد يهمك: الأجسام الغامضة في سماء العالم.. هل تشعل حربا؟

المؤتمر ترأسه كريستوف هيوسجن، مستشار السياسة الخارجية السابق للمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، لأول مرة المؤتمر هذا العام. وفسّر قراره بعدم دعوة الوفد الروسي بالقول إنه لا يريد أن يعطي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحكومته منتدى من أجل بث دعايتهم. ومن وجهة نظره أن التهديد الذي يواجه أوروبا مباشرة هو السبب لمضاعفة الحوار.

من جانبه، قال المعارض الروسي ميخائيل خودوركوفسكي، إنه من غير المرجح التوصل إلى سلام في أوكرانيا طالما ظل الرئيس بوتين في السلطة. وتابع  خودوركوفسكي من ميونخ يوم الخميس الفائت قبل الافتتاح الرسمي للمؤتمر، “طالما بقي نظام بوتين في السلطة، فإن الحرب لن تنتهي”. وقال إن بوتين يحاول إقناع الناس بأن سبب الحرب غير مهم، لكن تلك  الهزيمة ستكون ضارة لهم ولعائلاتهم.

أهمية أمن “الاتحاد الأوروبي”

إن ما يميز هذا المؤتمر هذا العام هو عدم دعوة سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي والمخضرم في مؤتمر الأمن. فيما حضر قادة المعارضة الروسية غاري كاسباروف وخودوركوفسكي.

مع تلاشي الآمال في التوصل إلى اتفاق نووي إيراني واستمرار الاحتجاجات الشعبية في إيران، فإن المسؤولين الإيرانيين غير موجودين أيضا ولم تتم دعوة أي ممثلين رسميين. بدلا من ذلك، فقد حضر ممثلون عن المعارضة في المؤتمر، منهم رضا بهلوي، نجل آخر شاه لإيران.

هويسجن، برّر خطوته عدم دعوة إيران بأن “ليس هناك من يرغب في منح منتدى لنظام “ينتهك حقوق الإنسان الأساسية بشكل جذري، لكن بالطبع نريد أيضا أن نمنح أعضاء المعارضة الإيرانية مساحة”، موضحا أن المؤتمر الأمني لا يرى نفسه محايدا، بل إنها منظمة “تؤيد السياسة القائمة على القواعد في هذه الآلية الدولية”، مضيفا أنه من المبرر لذلك الخروج عن مبدأ دعوة جميع الدول، وذلك في الحالات القصوى مثل روسيا وإيران، وفق تحليل لـ”المركز الأوروبي” لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات.

في سياق متّصل، يبدو أن “مؤتمر ميونخ” للأمن لعام 2023 يستكشف المنافسة المتزايدة بين الرؤى المختلفة للنظام الدولي. كما أنه يحفز النقاش حول كيفية توسيع وتعزيز الائتلاف الذي يدافع عن رؤية النظام الليبرالي القائم على القواعد الرأسمالية. كما تركز نسخة العام على مختلف المجالات التي تدور فيها المنافسة على النظام الدولي المستقبلي والحالي، من حقوق الإنسان، وحوكمة البنى التحتية العالمية، والتنمية، وأمن الطاقة، والاستقرار النووي. كما يعتبر بعض الخبراء، إن الغزو الروسي لأوكرانيا ليست سوى الهجوم الأكثر تهورا في المنطقة.

بالعودة إلى بريجع، فيعتقد أن نتائج هذا المؤتمر يمكن أن يكون لها تركيز كبير على الملف الأوكراني، بالإضافة إلى مناقشة مواضيع مختلفة، من حيث المشاكل الاقتصادية العالمية وكيفية مواجهتها ومعالجتها، بجانب أزمة الطاقة في “الاتحاد الأوروبي”.

أما بالنسبة لعدم دعوة روسيا وإيران إلى المؤتمر، وفق تقدير بريجع، فإنه نتيجة لموقف هذين البلدين الذي لا يتوافق مع موقف المشاركين في هذا المؤتمر، خاصة وأن روسيا لم تغير موقفها تجاه أوكرانيا حتى الآن، بالإضافة إلى دعم طهران للجانب الروسي في غزوه لأوكرانيا، من المسيّرات وغيرها من الدعم اللوجستي العسكري. وهذا يعني بلا شك أن هذه الدول ستؤسس عدة أدوار في مواجهة التحركات العدائية لهذه الدول تجاه الدول المجاورة لها.

بالتالي، فإن الحرب في أوكرانيا تسببت في إعادة تركيز “مؤتمر ميونخ” على النظام الأمني في أوروبا، والذي يحتاج الآن إلى مراجعته بالكامل. وسوف يتطلب هذا كتابة قواعد جديدة وإصلاح المؤسسات، ولكن أيضا إعادة التفكير في أداة الدفاع الأوروبية بالكامل في ضوء التهديدات الجديدة أو التي لم يتم اكتشافها من قبل. يُعرف هذا في ألمانيا باسم “نقطة التحول”، أو التحول النموذجي التاريخي لسياسة الدفاع الألمانية في اتجاه عسكرة أكثر حزما.

على الرغم من التركيز على الحرب في أوكرانيا، إلا أن المشاركينَ في المؤتمر من كل بُدّ سيناقشون العديد من القضايا، وذلك بغية معالجة التوترات الإقليمية والدولية، خاصة وأنه من المتوقع حدوث اجتماع بين بلينكن وكبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي، وسط التوترات الأخيرة بينهما. بجانب حلحلة مسألة انضمام السويد وفنلندا إلى “الناتو”. كما يُذكر أن “مؤتمر ميونخ” عادة لا يخرج بمخرجات أو قرارات، بقدر ما يخرج بتنبيهات أو توصيات لحل مشكلات الأمن الدولي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.