منذ أكثر من عامين، تعيش الكويت صراعا مستمرا بين “مجلس الأمة” (البرلمان)، والحكومات التي شُكّلت خلال هذه الفترة، حيث يحتدم الخلاف بشأن قضايا عدة، ومنها؛ قانون الدَّين الخارجي حيث تتمسك الحكومة بإقراره ويرفضه “البرلمان”، وعلى هذا الوقع شهدت البلاد ثلاث حكومات لم تنجح في إخراجه من أزمته، لتتجدد الآمال في المرة الرابعة مع إصدار أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، الأحد الماضي، أمرا أميريا بإعادة تعيين الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح رئيسا لمجلس الوزراء.

الأمير كلّف رئيس الوزراء بترشيح أعضاء الحكومة، وعرض أسماء المرشحين على الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح ولي العهد بدولة الكويت، لإصدار مرسوم تعيينهم، وذلك بعد أن أعلنت الحكومة استقالتها في 23 كانون الثاني/يناير الماضي، بعد 4 أشهر من آخر تشكيل لها؛ جراء أزمة مع “مجلس الأمة”.

للمرة الثالثة يُعاد تكليف الشيخ أحمد نواف الصباح، بتشكيل الحكومة الكويتية، بعد أن استقال في أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، وذلك بعد أن كُلّف بتشكيل الحكومة في تشرين الأول/أكتوبر 2022، وهي المرة الثانية التي كانت قد كلّف بتشكيلها بعد أول حكومة كانت في تموز/يوليو من العام نفسه، خلفا للشيخ صباح الخالد الذي قدم استقالة حكومته، على خلفية الصراع مع “مجلس الأمة”.

أزمة الحكومات المتتالية

قرار الأمير نواف الأحمد الجابر الصباح، بتكليف الشيخ نواف جاء بعد مطالبة 39 نائبا في “مجلس الأمة” في شباط/فبراير الماضي، بسرعة تشكيل حكومة جديدة احتراما للدستور الذي ينص على تشكيلها في غضون أسبوعين من قبول استقالة الحكومة السابقة، وذلك عبر بيان صدر عن النواب.

إذ ما يزال تشكيل الحكومة هو المطلب العام الذي يرفعه النواب كلما استقالت، وهو الأمر الذي رد عليه أمير البلاد بإعادة تكليف نجله بتشكيلها. بيد أن ذلك يأتي بعد أزمة سياسية محتدمة أمر ولي العهد العام الماضي، على إثرها بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، في محاولة للتغلب على حالة الجمود التي خيمت على الحياة السياسية بسبب الصدام بين الحكومة و”مجلس الأمة”، لكن الانتخابات أسفرت عن غالبية من النواب المعارضين.

اقرأ/ي أيضا: تسميم الطالبات.. محاولة أخرى لمنع الفتيات من التعلم في إيران؟

هذا وشهدت الكويت انتخابات برلمانية في 29 أيلول/سبتمبر الماضي، عقب حل “مجلس الأمة” السابق في 2 آب/أغسطس الماضي، على خلفية الأزمات المتواصلة بين الحكومة والبرلمان، في حين أن “مجلس الأمة” يمتلك صلاحيات واسعة، أبرزها قدرته على استجواب رئيس الحكومة أو وزرائه، فضلا عن قدرته على التصويت لحجب الثقة عن الوزراء.

الانتخابات أسفرت عن فوز مريح للمعارضة مقابل تراجع التيار المؤيد للحكومة، ما يعني أن رئيس الوزراء الجديد سيكون أمام اختبار صعب وهو إما مواجهة المعارضة أو الخضوع لاشتراطاتها، فقد حصل الاسلاميون ممثلين بـ”الإخوان المسلمين” والسلفيين نحو عشرة مقاعد بينما نال المكون الشيعي عشرة مقاعد أيضا في سابقة لم تحدث قبلها، بينما حصدت المعارضة ثلاثين مقعدا من بين خمسين مقعدا، إجمالي عدد مقاعد “مجلس الأمة”.

خلال السنوات الماضية الأخيرة، مرت الكويت بفضائح فساد مدوية على غرار قضية “الصندوق الماليزي”، والمشتريات الدفاعية، وقضية ضيافة الداخلي، وقد طفت تلك القضايا في وقت تشهد فيه البلاد أزمات سياسية مركبة، وهو ما أدى إلى إسقاط حكومات وحل “مجلس الأمة” في أكثر من مناسبة. 

وجهة نظر سياسية

حول التكليف الجديد، قال المحلل السياسي الكويتي عايد المانع لموقع “الحل نت”، إن جلّ المشكلة في عدم استجابة الحكومة لمطالب النواب، وخاصة ما يتعلق بإسقاط القروض عن 550 ألفا من المواطنين، وزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين، واستجواب وزيري الدولة لشؤون مجلس الوزراء ووزير المالية.

المانع أضاف أيضا، أن “عدم تلبية المطالب الشعبية لن يمكّن الحكومة من الاستمرار، مشيرا إلى أن رهان الحكومة حاليا، قد يكون على صدور حكم أو أكثر من المحكمة الدستورية ينص على إبطال مجلس الأمة الحالي”.

اقرأ/ي أيضا: ثلثي موازنة العراق لجيش الموظفين.. ماذا لو اضطرب سوق النفط؟

كما بيّن، أنه إذا لم يتم حلّ المجلس فإن الصدام مع الحكومة الجديدة يكاد يكون محتما، وهنا ربما يرفع رئيس مجلس الوزراء كتاب عدم تعاون مع “مجلس الأمة”؛ ما قد يؤدي إلى حل المجلس والدعوة لانتخابات نيابية جديدة.

أما فيما يخص المتطلبات التي تنتظر الحكومة الجديدة، قال مقرر لجنة الشؤون المالية والاقتصادية البرلمانية النائب صالح عاشور، إن القوانين السبعة التي أنجزتها اللجنة، والمتضمنة شراء القروض، ستكون أول شيء تقابله الحكومة الجديدة؛ لأنها مدرجة على جدول الأعمال.

وسط ذلك، تبدأ الكويت مشاورات تشكيل الحكومة الـ41 في تاريخها ورابع حكومة يشكلها نجل أمير الكويت منذ تعيينه رئيسا للوزراء فى آب/أغسطس الماضي، كما أنها السابعة خلال ثلاث سنوات. وطبقا للمادة 56 من الدستور الكويتى، فإن رئيس الوزراء يملك صلاحية ترشيح وليس تعيين الوزراء، إذ إن الحكومة المستقيلة لا تملك صلاحية إصدار مرسوم بالحل حتى مع تكليف رئيس وزراء جديد.

يشار إلى أن الأمير وولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، كانا قد أجريا المشاورات التقليدية مع رؤساء “مجالس الأمة” ورؤساء الوزراء الحاليين والسابقين يومي 21 و22 شباط/فبراير الماضي، فيما يأتي تكليف رئيس الوزراء الذي يبدأ مشاوراته بترشيح أعضاء الوزارة الجديدة تنفيذا لنص المادة 56 من الدستور، التي؛ تنص على أنه يعين الأمير رئيس مجلس الوزراء بعد المشاورات التقليدية، ويعفيه من منصبه، كما يعين الوزراء ويعفيهم من مناصبهم بناء على ترشيح رئيس مجلس الوزراء. وفقا لصحيفة “الأنباء الكويتية”.

حكومة كويتية جديدة قريبة

في غضون ذلك، نقلت الصحيفة الكويتية عن مصادر مطلعة، قولها إن إعلان الحكومة سيكون خلال أيام حيث يتم خلال شهر آذار/مارس الجارى، بل من الوارد أيضا حضور الحكومة الجديدة الجلسة البرلمانية المقررة حسب اللائحة في 21 آذار/مارس، في حين أن المؤكد حضورها جلسة 4 نيسان/أبريل.

أثناء ذلك، لفتت مصادر أخرى إلى أن الأمر الأميري بإعادة تعيين سمو رئيس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، يجدد الأمل في عدم إبطال مجلس 2022، موضحة أن إبطال المجلس الحالي معناه عودة مجلس 2020، والذي يتطلب صدور مرسوم بحله والحكومة مستقيلة لا تملك إصدار مرسوم بحل أي مجلس أمة حتى مع تكليف رئيس وزراء جديد.

يذكر أن أحمد النواف الأحمد الصباح قد ولد في عام 1956، وحصل على شهادة بكالوريوس تجارة من “جامعة الكويت”، وتدرج في السلك العسكري حتى وصل إلى رتبة فريق أول، كما شغل منصب وكيل وزارة لشؤون الجنسية والجوازات في وزارة الداخلية، ثم منصب الوكيل المساعد لشؤون التعليم والتدريب بالوزارة.

بعد ذلك تقاعد من وزارة الداخلية وعُيّن محافظا عام 2014، وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2020، تولى منصب نائب رئيس الحرس الوطني بدرجة وزير، وفي آذار/مارس 2022، تم تعيينه نائبا لرئيس “مجلس الوزراء” ووزيرا للداخلية، وفي 24 تموز/يوليو 2022، صدر أمر أميري بتعيينه رئيسا لـ”مجلس الوزراء”، وفي الثاني من شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قدم أحمد نواف الأحمد كتاب استقالة الحكومة إلى ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح.

بالمحصلة، وبالنظر إلى ثقل المعارضين في “مجلس الأمة”، والدعم الذي يتمتع به الشيخ أحمد نواف الصباح، يبدو أن الكويت بانتظار مشهد ليس بالسهل أبدا، ولعله يعيد البلاد إلى مربع الأزمة الأول منذ اللحظات الأولى، ما لم يتم التوصل إلى تفاهمات بين الأطراف المتخاصمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.