وسط المتغيرات الدولية المتسارعة، والتحولات والتحديات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط مؤخرا، باتت مسألة الأمن والحفاظ عليه من الأهداف الأساسية التي تسعى دول “مجلس التعاون الخليجي” لتحقيقها، بل وتحظى بأولوية قصوى، إذ قامت مؤخرا بجهود كبيرة ولافتة، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي المشترك.

في إطار هذه الجهود برزت عدة دول خليجية ولا سيما السعودية والإمارات في رفع مستوى الشراكات الدفاعية الاستراتيجية مع العديد من الدول، وتعزيز قطاعها العسكري بشكل عام وخصوصا قواتها الدفاعية الجوية. وقد تجلى ذلك بوضوح في معرض الدفاع الدولي “أيدكس” 2023، حيث كان هناك حضور خليجي لافت هذا العام، واستنادا إلى حرص هذه الدول المتزايد على تعزيز ترسانتها الدفاعية الجوية وبناء شراكات متعددة ومختلفة لضمان أكبر قدر ممكن من تعزيز أمنها، فقد أنفقت الإمارات وحدها مليارات الدولارات لشراء الأسلحة من الشركات المحلية خلال المعرض نفسه.

كذلك وتأكيدا لهذه المساعي الخليجية، التقى الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي، قبل أيام، بالرئيس الكوري يون سوك يول، من أجل تعزيز التعاون في المجالات العسكرية والدفاعية بينهما، بالإضافة إلى أن دول الخليج باتت تتجه مؤخرا نحو التخطيط للعمل على فكرة توسيع وتنويع علاقاتها الاستراتيجية، من أجل توسيع مجال تصنيع الأسلحة محليا، ومن ثم السير نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي العسكري، ذلك لأن الصناعات العسكرية والدفاعية تُعدّ إحدى الركائز الأساسية للحفاظ على استقرار الدول أمنيا واقتصاديا.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول الاهتمام الخليجي المتزايد بمجال الدفاع والمعدات العسكرية في الوقت الحالي، وما إذا كان نطاق التعاون بين دول الخليج سيتّسع مع الدول المصنّعة للأسلحة العسكرية المتقدمة، بغية تحقيق الاكتفاء الذاتي العسكري. وما إذا كانت التغيرات الدولية، خاصة الحرب المحتدمة الجارية اليوم في أوكرانيا والتهديدات الأمنية الإيرانية المحتملة للمنطقة، بالإضافة إلى تعثر ملف طهران النووي حتى الآن، وراء تسارع دول الخليج في تعزيز دفاعاتها العسكرية.

شراكة دفاعية قوية واستراتيجية؟

يوم الثلاثاء الفائت، استقبل الرئيس الكوري وزير الدفاع السعودي، في المقرّ الرئاسي بالعاصمة الكورية سيول، واستعرض اللقاء العلاقات الثنائية والتعاون في المجالين العسكري والدفاعي بين البلدين الصديقين. ومن جانب آخر، التقى الأمير خالد بن سلمان، نظيره الكوري لي جونغ سوب، وبحث الجانبان تعزيز العلاقة المشتركة بين وزارتي الدفاع، وتمهيد الطريق لشراكة دفاعية قوية واستراتيجية.

وزير الدفاع السعودي قال عبر حسابه الرسمي على منصة “تويتر”، “التقيت وزير الدفاع الوطني الكوري لي جونغ سوب، واستعرضنا علاقات الصداقة التاريخية، والتعاون الوثيق الذي أرسته قيادتا البلدين، كما بحثنا تعزيز العلاقة المشتركة بين وزارتي الدفاع، وتمهيد الطريق لشراكة دفاعية قوية واستراتيجية”.

وكالة الأنباء السعودية” (واس)، ذكرت من جانبها أن الوزيرَين استعرضا خلال الاجتماع، علاقات الصداقة التاريخية بين البلدين، وبحث التعاون الثنائي في المجالين العسكري والدفاعي، إلى جانب استعراض مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة تجاهها، ومناقشة عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

الباحث والأكاديمي السياسي، عبد السلام القصاص، يرى أن اهتمام دول الخليج لتقوية مجالها العسكري وتحديدا دفاعاتها الجوية مهمّ وضروري، ويبدو أنه جاء نتيجة ما تفرضه الظروف الجيوسياسية التي تمر بها المنطقة ككل، ومنها التقلبات السياسية التي تجري على عدة ساحات إقليمية ودولية. ونتيجة للظروف والتحديات الخارجية غير المسبوقة، وتحديدا التهديدات الإيرانية التي تشكّل تهديدا استراتيجيا لمستقبل أمن هذه الدول، وبالتالي فهي تسعى إلى تأمين حدودها البرية والجوية والبحرية.

إذاً فكرة تخطيط استراتيجيات أمنية مع العديد من الدول وبناء شراكات دفاعية مع الدول الخارجية جاءت نتيجة لهذه الظروف، ومن ثم رغبة الخليج ببناء وتطوير قطاعها التسليحي، خاصة وأن الخليج دول غنية ولها القدرة على السير نحو هذه الخطوة، حسبما يوضح القصاص لموقع “الحل نت”.

قد يهمك: التعاون الأمني.. ورقة واشنطن الرابحة على الصين في الجغرافيا السياسية الخليجية؟

قبل الاجتماع، أُجريت للوزير السعودي مراسم استقبال رسمية، أطلقت خلالها المدفعية 19 طلقة ترحيبية، تعبّر عن أعلى درجات الحفاوة والترحيب. وحضر اللقاءين من الجانب السعودي، وفد رفيع المستوى، وأبرزهم رئيس هيئة الأركان العامة الفريق الأول الركن فياض بن حامد الرويلي، فيما حضره من الجانب الكوري أيضا وفد رفيع المستوى في الجانب العسكري، وأبرزهم نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق الركن بارك أونغ، ونائب الوزير لمكتب سياسة الدفاع الوطني هيو تايكيون.

إنفاق بالمليارات

في إطار تعزيز قطاعها العسكري، أنفقت الإمارات مليارات الدولارات لشراء الأسلحة من الشركات المحلية في معرض دفاعي في أبوظبي أواخر شباط/فبراير الماضي، في مسعى إضافي لتنويع واردات الأسلحة التي عادة ما تستوردها من دول غربية.

قبل إسدال الستار على الحدث، وقّعت الإمارات 44 صفقة بقيمة 5.7 مليار دولار، بما في ذلك 4.3 مليار دولار على الأقل مع شركات محلية، في إطار فعاليات معرض الدفاع الدولي “أيدكس”، ومعرض الدفاع البحري والأمن البحري “نافدكس”.

عملية الإنفاق هذه تُسلط الضوء على دعم الإمارات القوي للشركات المحلية بما في ذلك “إيدج”، الكونسورتيوم الذي تم إنشاؤه في عام 2019 بأبو ظبي، علما أنها كانت قد أنفقت 5.7 مليار دولار في 2021 لشراء الأسلحة محليا وذلك في النسخة السابقة من معرض الأسلحة الذي يُعقد كل عامين.

المراقبون يقولون إن الصفقات الأخيرة تشير إلى تركيز الإمارات المتزايد على البرامج المحلية بدلا من البرامج الأجنبية. وتعتبر الإمارات صناعة الدفاع أداة لتعزيز الاكتفاء الذاتي، ومن ثم تريد تقليل اعتمادها على شركاء الأمن الغربيين وتنويع اقتصادها بعيدا عن النفط.

في عام 2019، أصبحت “إيدج” أول شركة عربية تدخل قائمة معهد “ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” (سيبري)، لأكبر 25 شركة منتجة للأسلحة والخدمات العسكرية. وفي كانون الأول/ديسمبر 2021، أنفقت حوالي 18 مليار دولار على 80 طائرة مقاتلة من طراز “رافال” الفرنسية. كما ووقّعت “ايدج” صفقات مع شركاء أجانب خلال الأسابيع الماضية، بما في ذلك عقد بقيمة مليار دولار مع “أنغولا” لبناء أسطول من السفن الحربية بطول 71 مترا.

قد يهمك: 3 حكومات بظرف عام.. هل تنجح حكومة الكويت الرابعة في تجاوز التحديات؟

هذا وكانت السعودية قد أعلنت عن موازنة 2023 في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وتضمنت زيادة ملحوظة في حصة القطاع العسكري، حيث بلغ 295 مليار ريال قرابة 78.4 مليار دولار. ويشكّل هذا المبلغ نحو ربع المصروفات المخصصة للقطاعات في موازنة 2023 (23.3 بالمئة). وزاد الإنفاق المقدر للقطاع 5.8 بالمئة عند 259 مليار ريال، أي 68.86 مليار دولار في موازنة العام الجاري، مقارنة بتوقعات 2022 البالغة 245 مليار ريال أي نحو 65.14 مليار دولار.

تعزيز الشراكات القديمة

 القصاص، من جانبه يرى أن دول الخليج ولا سيما الإمارات والسعودية تسعى اليوم أكثر من أي وقت مضى لتعزيز قطاعها العسكري، والتوجه نحو الاكتفاء الذاتي العسكري. غير أن التوجهات الاستراتيجية الخليجية بالتعاون مع الجانب الأميركي، الطرف الأبرز في مجال التسليح والتطوير التكنولوجي العسكري، لا يزال ساريا ويتطور.

أيضا لا يمكن التغاضي عن الشراكات الخليجية مع الدول الأوروبية الأخرى مثل فرنسا والمملكة المتحدة في سبيل تعزيز سياساتها التسليحية مع هذه الدول، ودول الخليج تسعى اليوم إلى تنويع قطاع عتادها العسكري على كل المستويات البرية والبحرية والجوية، وهذا أمر لافت ومهم في سياق تعزيز الشراكات القديمة بين هذه الدول، وفق الأكاديمي السياسي.

تأكيدا على هذا الكلام، فإن السعودية تعمل على تطوير استراتيجية للدفاع، كما باقي القطاعات الأخرى التي أعلنت استراتيجياتها ضمن رؤية 2030، بالتعاون من جهات وشركات استشارية، وخاصة الأميركية، حيث اختاروا واشنطن للعمل كشريك معهم، وفق تصريحات سابقة للقائد الأعلى للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، الجنرال مايكل إريك كوريلا.

إريك كوريلا، كان قد أشار آنذاك إلى أن الاستراتيجية تتضمن مسارين؛ الأول للدفاع الوطني، والثاني يشمل الأمن الإقليمي، وأن خطة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للتحديث العسكري الشاملة قد بلغت مرحلة حاسمة وسترى النور مطلع العام الجديد. وهذا يشير إلى أنه خلال العام الحالي ستكون هناك عدة شراكات دفاعية استراتيجية بين دول الخليج والجانب الأميركي، على الرغم من التوترات التي اصطدم بها التعاون العسكري الأميركي السعودي خلال العام الماضي عقب قرار “أوبك بلاس” خفض إنتاج النفط، لكن يبدو أن الطرفين قد تجاوزا النقاط الخلافية هذه واستعادا التنسيق في المشاريع الاستراتيجية.

مؤخرا تم تداول الحديث عن نقل الولايات المتحدة دفاعاتها الجوية من المنطقة إلى أوكرانيا، وإذا ما كان أحد أسباب تسريع تعزيز دول الخليج دفاعاتها الجوية. يقول الخبراء العسكريون إن الولايات المتحدة لديها منظومات صاروخية متحركة وأخرى ثابتة، والمنظومات الثابتة هي تلك التي تبيعها للدول وتصبح الأخيرة بدورها مالكة لهذه المنظومات، كما هي الحال في السعودية والإمارات وقطر وكثير من الدول الأخرى، فلديها منظومات “باتريوت” وهي دفاع جوي صاروخي من نوع “أرض – جو”.

أما المنظومات المتحركة الأميركية فهي تحركها بحسب الوضع القائم على الأرض، وقد تضعها تارة في السعودية وأخرى في كوريا الجنوبية، بحسب ما تراه الولايات المتحدة، وهو ما تسميه بإعادة التموضع وفق المهددات التي تحدث، وبالتالي فعملية السحب الأميركي لبطاريات “باتريوت” من السعودية ليست بالأمر الجديد، فهناك تحريك لكثير من المنظومات العسكرية، ومن هذا المنطلق تسعى المملكة دائما إلى تأمين أجواءها والاعتماد على منظومات دائمة، وقد بدأت في مرحلة التصنيع العسكري وليس فقط الشراء، وفق “الإندبندنت”.

تدعيم دفاعاتها الجوية

في المقابل، تركز دول الخليج عامة اليوم بشكل أساسي على تعزيز نظام الدفاع الجوي لديها، في أعقاب العديد من التوترات الدولية، وخاصة الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة، وبالتالي لا شك في أن هذه التغييرات بالإضافة إلى خطر التوسع الإيراني في المنطقة، وعلى وجه الخصوص، استهدافات ميليشياتها للملاحة البحرية بالطائرات المسيّرة وغيرها بالمنطقة، وتفلتها في العديد من الدول مثل اليمن ولبنان وسوريا، دعت دول الخليج للتحرك نحو تعزيز ترساناتها العسكرية ومنها الجوية، بحسب تقدير القصاص.

دول الخليج ونظرا للتهديد الإيراني المحتمل في المنطقة، ولا سيما تلك المسيّرات، فقد باتت تولي تأمين وشراء المضادات الجوية اهتماما كبيرا وذلك بغية التصدي لهذه التهديدات. ولا يخفى على أحد اليوم أن العالم بأسره ذاهب لمزيد من التوتر، وبحسب عدد من التحليلات العسكرية حيث ستتعرض منطقة الشرق الأوسط لأزمات، والخطر مرشّح للازدياد في غضون 10 سنوات، بحسب ما تجمع عليه تلك التحليلات.

خلال معرض “أيدكس” 2023، قال محمد بن جبر السويدي، الرئيس التنفيذي لشركة “الإمارات لتكنولوجيا الدفاع” (إي دي تي)، “مع استمرار الإمارات لتكنولوجيا الدفاع في خدمة عملائها بحلول مبتكرة وجديدة وفريدة من نوعها ومصممة خصيصا، قمنا باستكشاف شركة “ستيدكوبتر” الشركة الإسرائيلية المصنّعة للطائرات بدون طيار ذات الأجنحة الدوارة، جملة من الحلول التي تتلاءم مع الحلول الأخرى المصنّعة في المنطقة”.

السويدي أردف أن “الشركة الإماراتية” وجدت أن أنظمة “ستيدكوبتر”، تلبي أعلى معايير “احتياجات عملائنا” وكانت فخورة بإطلاقها في الإمارات العربية المتحدة. ونظرا للتحديات الحدودية البحرية والبرية فإن “ستيدكوبتر”، هي تقنية مهمة في الخليج، لذلك عززت الإمارات من هذه الشراكة خلال المؤتمر مع الشركة الإسرائيلية.

في العموم، ثمة قدر كبير من الاهتمام والتركيز على بناء شراكات دفاعية استراتيجية بين دول الخليج والدول الأخرى من أجل تأمين أمنها المستقبلي، وقد ساهم ذلك في قيادة هذه الدول للعديد من المؤشرات الأمنية، ليس فقط على المستوى الإقليمي، ولكن أيضا على المستوى العالمي. ومع ذلك، فإن التحديات القائمة والمحتملة، خاصة الإيرانية أو تلك التي قد تسببها الحرب الروسية الأوكرانية، تستدعي مزيدا من التركيز من دول الخليج على كيفية تأمين أمنها، خاصة أنه ليس من السهل التعامل معها ومواجهتها بجهود فردية أو محلية، بل يتطلب مستوى أعلى من التعاون والشراكة ولا سيما مع الدول المصدرة للأسلحة المتطورة والنوعية، مثل أميركا وبريطانيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.