خط النقل الدولي بين الشمال والجنوب.. ممر لالتفاف روسيا وإيران على العقوبات الدولية؟

روسيا تحاول الالتفاف على العقوبات الدولية التي فرضت عليها من قبل الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي من خلال تفعيل وتعزيز خطوط التجارة الدولية مع الدول التي لم تفرض عليها عقوبات مثل الصين، والهند، وباكستان، والعديد من دول أسيا وأفريقيا. انطلاقاً من ذلك تسعى موسكو لتهيئة الطرق والمواصلات الدولية، وطرحت في الفترة الأخيرة تفعيل خط “الشمال والجنوب للنقل الدولي” (آي إن إس تي سي)، للاعتماد عليه في الفترة القادمة لتنشيط تجارتها الخارجية مع الهند. 

الخط عبارة عن ممر يربط بين روسيا والهند مروراً بإيران من خلال شبكة من الخطوط البرية والبحرية وسكك حديدية وموانئ تمتد من ميناء أستراخان الروسي على سواحل بحر قزوين إلى ميناء أنزالي الإيراني، ومن ثم طريق دولي يربط ميناء أنزالي بميناء بندر عباس والذي تنطلق منه مرة أخرى السفن إلى الهند، ومن المقرر أن ترتبط بالخط الرئيسي للممر خطوط فرعية تخترق وسط آسيا وشرق أوروبا قبل وصوله إلى مدينة سان بطرسبرغ غربي روسيا، ومنها إلى الأسواق الأوروبية برا وبحرا، ويبلغ طول الممر 7200 كيلو متر. 

أهمية ممر الشمال والجنوب

الهدف الأساسي من تفعيل روسيا لممر “شمال جنوب” هو الوصول إلى الأسواق الهندية حيث تشهد نمواً اقتصادياً متصاعداً  في كافة المجالات، وقد توقع “المنتدى الاقتصادي العالمي” أن اقتصاد الهند سينمو بنسبة 7.5 بالمئة سنويًا خلال العقد الحالي.

 بمعنى ستكون الهند سوق مهمة على صعيد التجارة الدولية، ويرجع ذلك إلى الزيادة الكبيرة في عدد سكانها الذي وصل إلى 1.3 مليار نسمة. حيث اكتسب ممر “آي إن إس تي سي” أهمية كبيرة مع طفرة في التجارة بين روسيا والهند بعد توجيه الأخيرة  لحصة كبيرة من إنتاجها النفطي للهند، حيث ارتفعت الواردات فقط في شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو من عام 2022 بنسبة بلغت 272 بالمئة عن عام 2021، بقيمة تزيد عن 5 مليارات دولار أميركي. 

أيضا يوفر الممر الذي يمتد ويتشعب على عدة دول آسيوية فرصة كبيرة لروسيا لتنشيط حركة تجارتها الخارجية غير النفطية والتي تضررت بشكل كبير بفعل العقوبات الدولية. 

الهند أيضاً تحاول استغلال الممر؛ لأنه يتجاوز باكستان ويسمح لها بالوصول إلى أسواق آسيا الوسطى وروسيا ودول شرق أوروبا بتكلفة أقل وبفترة زمنية أقصر من الطريق القديم، وفي دراسة أجراها “اتحاد جمعيات وكلاء الشحن” في الهند “إف إف إف أي آي” تبين أن ممر شمال جنوب أرخص بنسبة 30 بالمئة وأقصر بنسبة 40 بالمئة من المسار التقليدي الحالي، وتوضح الخريطة الفرق بين الطريق الجديد والقديم. 

الأهمية السياسية 

من المتوقع أن يساهم الممر في مضاعفة صادرات كل من روسيا والهند وإيران، ويتوقع علي رضا بيمان رئيس منظمة “ترويج التجارة الإيرانية” أن الممر سيمكن إيران من توسيع صادراتها في وقت انخفضت فيه حظوظ العودة للاتفاق النووي، حيث كانت تتأمل طهران في فتح خطوط التبادل التجاري والاستثمار مع دول الاتحاد الأوروبي. 

من ناحية أخرى ستكون إيران عقدة مواصلات هامة للتجارة بين روسيا ودول آسيا مما يكسبها أهمية جيواستراتيجية فضلا عن الأهمية الاقتصادية، وسيشكل الممر منفذا للالتفاف على العقوبات الدولية. 

في المقابل روسيا وإيران تخضعان لعزلة دولية بعد فرض الدول الغربية مجموعة شاملة من العقوبات، والتي تتضمن بشكل أساسي اقتصاد الدولتين إضافة لعقوبات تشمل شخصيات ومؤسسات حكومية وبنوك وشركات. وتفعيل ممر شمال جنوب لن يعزز فقط العلاقات الاقتصادية بين دول العبور بل يتجاوز ذلك إلى تعزيز العلاقات السياسية.

فالهدف من تفعيل الممر من قبل الروس هو تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الهند واستمالتها لتأسيس شراكات وعلاقات استراتيجية معها، ومن المعروف أن الهند تمارس نوعاً من توازن العلاقات مع روسيا والولايات المتحدة الأميركية، فهي بحاجة للأخيرة لمواجهة الصين، وبحاجة لروسيا التي تربطها معها علاقات عسكرية واقتصادية.

عقبات أمام مستقبل ممر “شمال جنوب”

من المتوقع أن تتردد الهند بالاستثمار في البنية التحتية لشبكة طرق الممر في إيران خوفاً من تطبيق الولايات المتحدة الأميركية العقوبات على الشركات المشاركة في مشاريع مشتركة مع الشركات الإيرانية. ومن ناحية جاهزية شبكة الطرق هناك صعوبات تواجه تشغيل الممر وعلى رأسها عدم اكتمال بناء أجزاء من خطوط سكك الحديد في إيران والتي تتضمن عبور الجزء الأكبر من الشحن البري. 

من الناحية القانونية تختلف أنظمة الجمارك بين دول العبور، وأسعار رسوم الموانئ التي تفرضها الدول، وغياب الاتفاقيات الإطارية القانونية ذات الصلة بشأن النقل البري الدولي. 

بالنتيجة ما تزال البنية التحتية الرئيسية لممر شمال جنوب غير مكتملة، وقد تحتاج لرصد مليارات الدولارات للاستثمار في شبكة المواصلات لدول العبور، في وقت تعاني فيه كل من إيران وروسيا من صعوبات اقتصادية تجعلهم غير قادرين على التمويل.

إلا أن هذه الصعوبات لا تفقد من أهمية الممر الاقتصادية في المستقبل، فروسيا ستجد أسواق بديلة عن سوق دول الاتحاد الأوروبي، وإيران  ستكون محور عبور رئيسي على ممر الشمال والجنوب مما سيكسبها أهمية جيواستراتيجية ويمكنها من الحصول على توسيع التجارة وتحقيق الترابط بين منطقة أوراسيا وجنوب آسيا، فيما ستحقق الهند رغبتها في توسيع صادراتها إلى دول البلقان وروسيا وشرق أوروبا. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.