اقترب شهر رمضان واقترب معه الموسم الدرامي المعتاد، مع الإعلان عن عشرات المسلسلات السورية والعربية التي ستملئ شاشات التلفزة إلى جانب مئات الإعلانات القادرة على إطالة أمد الحلقة الواحدة من عشرين إلى 45 دقيقة تقريباً، دون أي رحمة بالمشاهد القادر على تأجيل المشاهدة في موعدها وانتظارها على مواقع القرصنة.

في الفترة الحالية تتوالى إعلانات المسلسلات السورية، حتى اللحظة هناك ما يقارب الـ16 مسلسلاً سورياً تقريباً تتنوع ما بين مسلسلات البيئة الشامية التي باتت كما “الحواضر”، أي الألبان والأجبان والبيض التي عادة ما يفطر ويتعشى بها السوريون وتسمى حواضر لأنها حاضرة دائماً في منازلهم.

بالإضافة إلى مسلسلات بوليسية وأخرى اجتماعية، يضاف إليهم مسلسل سياسي من العيار الثقيل “ابتسم أيها الجنرال” وآخر قد يمثل سير الأبطال الشعبيين وهو مسلسل “ذئب العاصي”.

رسائل سياسية وسجالات متوقعة

جميع نجوم الدراما السورية يحضرون تقريباً لهذا الموسم، أيمن زيدان في “زقاق الجن”، ومكسيم في “ابتسم أيها الجنرال”، وتيم حسن في “عاصي الزند” هو نفسه ذئب العاصي، فيما يلعب جمال سليمان دور البطولة في مسلسل مصري، وقصي خولي في دراما مشتركة.

يبدو أن المشاهد السوري والعربي سيكون أمام جرعة سياسية عالية في الموسم الرمضاني المقبل تحمل رسائل مختلفة من الدول لدول أخرى وهي عادة سبق واستخدمتها الحكومة السورية طويلاً منذ تسعينات القرن الماضي وصولاً إلى “باب الحارة” بأجزائه الأخيرة، فهناك مسلسل “بعد السقوط” بطولة عربية مشتركة لطارق لطفي وباسم ياخور الذي تدور قصته عن مدينة الموصل العراقية وسقوطها بيد تنظيم “داعش”، ما يجعل العمل تربةً خصبة للرسائل المراد إيصالها، الأمر نفسه ينطبق على مسلسل تيم حسن “ذئب العاصي” والذي تدور قصته حول شخص يسعى للثأر في زمن الدولة العثمانية.

أما المسلسل الأكثر حملاً للرسائل السياسية المباشرة وغير المباشرة هو “ابتسم أيها الجنرال” الذي تدور أحداثه في قصر رئاسي لدولة عربية، وتبدو الشخصية شبيهة للغاية بالرئيس السوري بشار الأسد.

من المتوقع أن يعيش المشاهدون سجالاً سياسياً بعد مشاهدة المسلسلات الثلاثة، بل إن هذا السجال بدأ بالفعل بين معارضين وموالين للأسد على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي منذ نشر الإعلان الترويجي الأول للعمل، علماً أنه سيكون المسلسل الأول المُنتج من قبل جهة محسوبة على المعارضة السورية، وهي شركة “ميتافورا” للإنتاج الفني التابعة لمجموعة “فضاءات القطرية” المالكة لـ “تلفزيون العربي” وصحيفة “العربي الجديد” وكذلك “تلفزيون سوريا”.

وكذلك سيعرض بشكل حصري على “تلفزيون سوريا” المعارض بالإضافة إلى قناة “العربي2″، أيضا فإن معظم الممثلين المشاركين في بطولة العمل لهم مواقف سياسية وإنسانية صريحة من الاحتجاجات السورية، وكذلك الأمر بالنسبة لمؤلف العمل سامر رضوان.

إلى جانب هذه المسلسلات يحضر علم الاجتماع ضمن مسلسل “دوار شمالي” والذي بحسب التسريبات الصحفية يتحدث عن صعود الإسلام الاجتماعي- السياسي في المجتمع السوري خلال تسعينات القرن الماضي، علماً أنها ليست المرة الأولى التي تطرق الدراما السورية هذا الباب، إذ شهد موسم رمضان 2019 إنتاج مسلسل “عندما تشيخ الذئاب”، وتحدث بشكل عميق عن الحركات السياسية السورية في الثمانينيات والتسعينات وصولاً إلى مرحلة ما بعد عام 2000.

وإن صدقت التسريبات، والتوقعات حول حديث عن حركة القبيسيات ودورهن في المجتمع السوري يظهر هذا الأمر بشكل واضح من الملصق الدعائي أو البوستر الخاص بالعمل، فإنه سيلعب دوراً كبيراً في الحديث عن العديد من المحرمات السياسية- الاجتماعية في المجتمع السوري وإن كانت تحت سقف رقابة الحكومة السورية الأمنية.

كما المسلسلات المذكورة في الأعلى، فإن المسلسل في حال عرض ضمن رمضان المقبل سيفتح باباً واسعاً من السجالات بين التيارات الإسلامية والليبرالية السورية، وهو جدل مطلوب بكل الأحوال، وكذلك قد يفتح حال نجاحه باباً أوسع لإنتاج أعمال مشابهة.

دراما البيئة الشامية والتجديد المطلوب

من جهة أخرى، يبدو أن الدراما السورية أمام مرحلة تجديد فيما يخص البيئة الشامية، ومن الملاحظ أن هناك تيمات جديدة تتبناها هذه المسلسلات بعيداً عن “عنتريات العكيد” وصراخه وإهاناته المتكررة لنساء عائلته، قد لا تخرج المسلسلات التي ستعرض في رمضان المقبل بشكل كامل من هذه العباءة، ولكن تبني قصص بوليسية وأخرى اجتماعية قد ينقل هذه المسلسلات إلى مكان آخر غير معتاد في حال حصدها لمشاهدات عالية.

التجديد مطلوب في هذه النوعية من الأعمال للخروج من التكرار والملل والمشاهد المعتادة والحوارات التي لا تخرج من إطار “اللّت والعجن”، خاصةً أن هذه الفترة من تاريخ سوريا تحمل الكثير مما يمكن الحديث عنه، أبرزها التحولات الاجتماعية التي طرأت على البلاد منذ دخول “الترامواي” إلى البلاد في عام 1907، ثم تولي الملك فيصل للحكم في عام 1920 لشهور قليلة وصولاً إلى الانتداب الفرنسي ونيل الاستقلال.

هذه المواضيع تشمل الحركات النسائية والصراع السياسي والاجتماعي بين المحافظين ورجال الدين من جهة والشباب التقدميين من جهة أخرى وصعود القومية العربية والصراع على سوريا بين العراق ومصر وغيرها من الأمور، ليس بالضرورة أن تكون المواضيع المطروحة في هذه المسلسلات سياسية بالمطلق، ولكن يمكن استغلالها للوصول إلى قصص أجمل وأكثر جاذبية وتطرق أبواباً جديدة في التاريخ السوري المغيّب عمداً.

التحذير الأخير 

كتّاب السيناريوهات والذين لهم باع طويل في الكتابة عموماً والدراما السورية تحديداً وهم أبطال قلمها، ينظرون بحسرة نوعية النصوص المنتجة في الدراما السورية تحديداً ومشاكل هذه النصوص وعلى رأسها “الحشو” الذي لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال وغرضه الوحيد إطالة أمد الحلقات حتى تصل إلى 30 حلقة لتناسب العرض الرمضاني، ما يؤثر وبشكل واضح ومباشر على جودة العمل ككل.

خلال الأعوام الماضية انتشرت منصات العرض الإلكترونية في العالم العربي، وبدأت بإنتاج أعمالها الخاصة التي تعرض على مدار العام، وخلقت منافساً شرساً للدراما الرمضانية بل وتفوقت عليها لاعتبارات كثيرة أيضاً، هذا المنافس القادم قد ينهي مواسم رمضان ويحولها باتجاه آخر، حينها قد يجد الكتاب وجهات الإنتاج أنفسهم في منازلهم لعدم قدرتهم على استيعاب شروط الإنتاج الجديدة.

لذا ومن هذا المنطلق قد تكون المواسم القليلة المقبلة هي الأخيرة للدراما الرمضانية إن لم ينجح المنتجون بالوصول إلى صيغة تحترم المشاهد وتحقق الربح في آن معاً، والخلاص من مشكلات من البديهي أن تنتهي مع تراكم السنوات وأبرزها ممثلون لأدوار ليس على بأهل لها، ومخرجون ينحصر عملهم بتنفيذ رغبات المنتج، وحشو و”لتّ وعجن” لا يسمن ولا يغني من جوع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.