منذ نشأة حركة “حزب الله” في لبنان قدمت نفسها في بادئ الأمر على أنها حركة مقاومة ثورية ضد إسرائيل، ولحماية المذهب الشيعي الذي كان في وضع متردي على الساحة السياسية اللبنانية، ونأت الحركة بنفسها عن السلطة. الحزب حظي بتأييد مختلف شرائح المجتمع اللبناني، ولا سيما بين المسلمين الشيعة، بعد تصدره كحركة مقاومة من خلال تقديم الخدمات الإجتماعية ودوره المتصور كمدافع عن سيادة لبنان، وشملت الأهداف السياسية لـ “حزب الله” تأمين دور أكبر للمسلمين الشيعة داخل النظام السياسي اللبناني ومقاومة ما يعتبره تدخلاً أجنبياً في الشؤون اللبنانية.

مع ذلك، أثار تورطها في الحرب السورية ودعمها للمتمردين “الحوثيين” في اليمن تساؤلات حول طموحاتها الإقليمية الأوسع واستعدادها للانخراط في الصراع الطائفي، وكشفت هذه التدخلات في سوريا واليمن، والدور السلبي الذي لعبه الحزب في لبنان بعد ذلك عن الوجه الآخر للحزب وعن هويته وسياساته الحقيقية.

كما أن الخط التصاعدي بمسيرة الحزب في محاولة إقامة كيان مستقل، يتشابه مع تنظيم “داعش”، كون للجماعتين أيديولوجيات وتكتيكات وأهداف متشابهة إلى حد كبير. بينما سعت “داعش” إلى إقامة خلافة وفرض تفسيرها المتطرف للإسلام، أعرب “حزب الله” عن رغبته في إنشاء كيان مماثل. علاوة على ذلك، شارك الحزب في النظام السياسي اللبناني وتم الاعتراف به كلاعب سياسي. وانتقل من حركة مقاومة ثورية لصناعة الدولة.

هوية الحزب ما بين النشأة والوضع الراهن

“حزب الله” تأسس عام 1982 وتزعمها عالم دين شيعي صبحي الطفيلي كأول أمين عام للحزب، وبعد ذلك أصبح عباس الموسوي أمينها العام واغتيل العام 1992 على يد الإسرائيليين بحسب الحزب، ليتولى مباشرة منذ ذلك التاريخ وإلى الآن “حسن نصر الله” الحزب ويصبح الأمين العام.

بدايةً أعطى الحزب نفسه “عنوان مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وأوحى للبنانيين أنه زاهد في السلطة ومكتسباتها، وألّا طموح سياسي له في أي موقع من مواقعها”، بحسب الباحث اللبناني، حسان القطب، مدير “المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات”.

وفي حديثه لـ “الحل نت”، أضاف قطب أن حضور الحزب تطور على الساحة الشيعية اللبنانية، ومع نمو قدراته المالية والبشرية بدأ بالانخراط في العمل السياسي أكثر فأكثر “ومع اغتيال الرئيس الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان عام 2005 اندفع حزب الله برعاية إيرانية وبتعاون كامل مع النظام السوري ليغطي الفراغ السياسي والأمني الناجم عن مغادرة الوصاية السورية المباشرة للأراضي اللبنانية”.

الدبلوماسي الأردني، بسام العموش، سفير الأردن السابق في إيران، يرى أن “حزب الله لم يكن بشيء عام 1980، بل كان حزب الكتائب هو الذي يسيطر على الساحة اللبنانية. أخذت إيران حسن نصر الله إلى قم وقاموا ببرمجته وفق معنى العمائم وعاد بالمهمة التي حملوها له وهي السيطرة على لبنان”، وأضاف العموش في حديثه لـ”الحل نت”، أن حسن نصر الله “لا يخفي أنه يتلقى الأوامر من إيران حيث أكد في خطاب له أن مرجعيته خامنئي وليس أية جهة أخرى”.

العموش أشار إلى أن “احتلال إيران للبنان واضح، بل لا يقف عند حدود لبنان حيث صرح محمد صادق الحسيني المقرب من الحرس الثوري بأننا نسيطر على أربع عواصم عربية. وهم مصرون على دخول مزيد من الأقطار العربية ومنها الأردن؛ حيث يقاتلهم الجيش الأردني كل يوم ومن سنوات على الحدود الأردنية السورية”.

القطب يؤكد على ذلك أن الدور الاساسي لـ “حزب الله في لبنان اليوم هو إبقاء الإمساك على السلطة ومفاصلها لحماية المشروع الإيراني في المنطقة، إذ من خلال هيمنته على المؤسسات الدستورية والأمنية والقضائية يستطيع تغطية أدائه وممارساته وتجاوزاته وتدخلاته في دول المنطقة كما في فرض شروطه على قوى الداخل التي تبدو مستسلمة له، وهذا ما أكده أحد المراجع الإيرانية حين قال إن حدود إيران ليس مع البصرة، بل في الناقورة على حدود فلسطين”.

حسن أبو هنية، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، في حديثه إلى “الحل نت”، نوه أن ظهور “حزب الله” اللبناني جاء “بعد الثورة الإيرانية، ونتذكر الإرهاصات في لبنان وكان الوضع الشيعي يتسم بالواقع البائس ومهمش في داخل لبنان، وكان هناك محاولات من موسى الصدر ومحسن الحكيم وفيما بعد محمد حسين فضل الله، ولكن الظهور الحقيقي كان بعد الثورة الإيرانية وتحديداً في بداية الثمانينيات أصبح هناك هيكل الحزب مع عباس الموسوي وبعد اغتياله عام 1992 تولى الحزب حسن نصر الله، والحزب مرتبط بإيران ويتبنى أيديولوجية اللإثنى عشرية ومرتبط بولاية الفقيه ويتلقى دعم كبير من إيران بمئات الملايين من الدولارات، وكان بدايته لحماية المكون الشيعي وإنشاء كيان له في داخل هذا النظام الطائفي المعقد في لبنان، ولاحقاً مع الثورة الإيرانية أصبح له طموحات أكبر في التمدد والانتشار”.

هل تخلى حزب الله عن المقاومة؟

كان السعي الحقيقي لـ”حزب الله” إلى السلطة في العام 2008 عندما هيمن الحزب على العاصمة اللبنانية بيروت، ومع توقيع اتفاق الدوحة في ذلك العام، يقول حسان القطب “أصبح حزب الله يفرض شروطه عند كل استحقاق دستوري وانتخابي أو تشكيل حكومة، وحتى على أداء الحكومة، وكذلك رسم للسلطة سياستها الخارجية، والتي أوصلت لبنان إلى حال القطيعة والعزلة، والإنهيار الذي وصلنا إليه اليوم”.

أما دور الحزب كحركة مقاومة بالنسبة لقطب هو “عنوان ويافطة وغطاء تخفي الأهداف الحقيقية وتدغدغ المشاعر العربية والإسلامية لأن فلسطين هي قضية الأمة؛ ولكن الأداء الإيراني وأداء حزب الله تحت سقف المشروع الإيراني شيء، ومفهوم المقاومة ودورها شيء آخر”.

لن يتخلى “حزب الله” عن تسمية ميليشياته بالمقاومة للضرورة ولن يقبل بأن يكون حاكماً رسمياً للبنان، كما يرى قطب، بل “يريد إدارة الوطن والكيان من خلف الستار وأن يبقي سلاحه وميليشياته لحماية مشروعه ومشروع إيران تحت عنوان وشعار المقاومة”.

بدوره يعلل الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، سعي “حزب الله” من حركة مقاومة إلى السلطة هو تحول “نوعاً ما في رؤاه ولم يعد فقط حركة مقاومة، وله مؤسسات مجتمع مدني، وأصبح لديه رغبة في الاشتراك بالنظام السياسي: أولاً لتجنب موضوع الإرهاب كما نعرف أن الحزب مدرج على لوائح الإرهاب الأميركية والأوروبية، ووجود الحزب في الحكومة يعطيه شرعية أكبر وتصبح مهمة مواجهة حزب الله أكثر تعقيداً لأنه صار شريك لا غنى عنه كونه يمتلك قوية عسكرية كبيرة الأقوى في لبنان ودخوله في العمل السياسي يعطيه هذا الغطاء سواءً في لبنان أو دولياً”.

منذ التسعينيات بعد اتفاق الطائف، بدء الحزب يدخل في الانتخابات وينسج علاقات داخل لبنان وأصبح الحزب يمتلك جهاز عسكري وجهاز سياسي، ولكن بالنهاية هو مرتبط بأيديولوجية الثورة الإيرانية.

من وجهة نظر الدبلوماسي بسام العموش، فإن المقاومة هي “الشماعة التي تتكئ عليها إيران وحزب الله”، واستدل العموش بذلك على أن “الطائرات الإيرانية كانت تنقل السلاح عبر مطار دمشق ومن ثم إلى البقاع ووصل عدد صواريخ حزب الله إلى ثمانية عشر ألف صاروخ بدعوى المقاومة، والحقيقة ليست كذلك بل صارت المقاومة والممانعة أهزوجة ولازمة في الإعلام، والحقيقة إنها تجارة والدليل أن مقاومة حسن نصر الله كانت خرساء يوم أحرق الصهاينة غزة بالفسفور، لكنه حرك قواته بأوامر إيران ليدخل الأرض السورية ويقتل السوريين”.

هل تورط حزب الله في صراعات سوريا واليمن؟

مع بدء الصراع الدموي في سوريا واليمن، توجه “حزب الله” بكل قوته العسكرية وكوادره وسلاحه للدفاع عن الحكومة السورية وعن “الحوثيين” في اليمن، ووصف المراقبون هذا التدخل بأنه لأسباب طائفية بحتة، وانصياعاً لأوامر إيران، وبرأي حسن أبو هنية، أن الحزب لم يتورط في سوريا ولبنان واليمن إنما “هو جزء من أيديولوجية الحزب فهو يدرك إذا لم يشارك في سوريا واليمن سوف ينتهي نفوذه وقد يحاصر في معاقله، لأن إيران تحاول الاستثمار في سوريا والعراق واليمن ولبنان لإقامة مشروعه الشيعي الممتد من طهران إلى بغداد إلى دمشق وصولاً إلى بيروت هذا هو مشروعه”.

“حزب الله” منخرط في هذا المشروع برغم بأنه مقاوم وشارك في حرب التعسينيات وحرب تموز/يوليو 2006 لأن خلاف إيران والحزب مع إسرائيل وأميركا ليست خلافات أيديولوجية إنما خلافات جيوسياسية، فالحزب لم يتخلَ عن المقاومة إنما هذه المقاومة ليست أيديولوجية بالمطلق، إنما هي محصور برغماتياً وسياسياً.

إضافة على ذلك يقول أبو هنية، إن “انخراط حزب الله في الصراعات في سوريا ولبنان وفي كل المناطق هو نتاج اعتماد إيران على هذه المليشيات مثل اعتماد إيران على الحرس الثوري والجناح الخارجي فيلق القدس، أصبحت إيران تعتمد على حزب الله كقوة في أي حرب بالوكالة لإيران”.

“حزب الله” استثمر بنفس الوقت بحسب أبو هنية، “هذه العلاقة مع إيران وحصل على تمويل كبير وغطاء وتدريب، وبالتالي تورطه يأتي من خلال رؤية بأنه هناك استهداف للحزب ولابد من انخراط في هذا الصراع لتجنب تجريد الحزب من سلاحه، كما ينص قرار مجلس الأمن 1595 بتجريد حزب الله من سلاحه وهذا القرار يتفق مع رغبة إسرائيلية أميركية وحلفائهم بنزع سلاح الحزب”.

الحزب لا يستطيع أن يعارض إيران في توجهاتها الاستراتيجية، قد يكون هناك عمل لا مركزي في بعض الاجتهادات الداخلية لكن في القضايات الاستراتيجية الكبرى لا يستطيع “حزب الله” أن يخرج من نطاق إيران أو المرشد الأعلى الخامنئي، ولا يستطيع أخذ خطوات مستقلة عن إيران، وهو ما جعل الحزب ينخرط في سوريا الذي كان متردداً في بداية الاحتجاجات السورية بالمشاركة، لكن سرعان ما استجاب لنداءات “الحرس الثوري” والخامنئي وانخرط في هذا النزاع.

كما أن المشروع الإيراني في المنطقة يقوم على “استنهاض الأقليات الشيعية في الدول العربية والإسلامية، والعمل على جعلها تدور في فلك المرجعية الإيرانية دينياً وسياسياً وبقدر ما يتطور حضور ودور وأداء هذه الأقليات بقدر ما تستطيع إيران من خلالها التدخل في شؤون هذه الدول والهيمنة على قراراتها السياسية”، كما قال العموش. مضيفاً أن مشروع مقاومة “إسرائيل كان غطاءً مناسباً لإخفاء المشروع الديني المذهبي، واستخدام مصطلح محور المقاومة هو بديل موضوعي عن استعمال مفردات دينية ومذهبية تؤكد الإنتماء للمذهب وليس للوطن أو القضية”.

أوجه التشابه بين تجربة “داعش” و”حزب الله”

منذ بروز دور تنظيم “داعش” على الساحة في كل من العراق وسوريا، أعلن التتظيم عن دولة “الخلافة الإسلامية” وحاول فرض أفكاره المتطرفة من خلال مؤسسات ودوواين أقامها في مناطقه، بل أنه وفي مرحلة ما قام بصك عملته الخاصة، ومر ذلك من خلال مراحل عدة، قدم فيها التنظيم نفسه كمدافع عن الإسلام، وحركة جهادية لمناصرة أهل السنة وصولاً إلى الإعلان عن دولته، وهو ما يتشابه مع خط وبروز حزب الله بداية الثمانينات كما أسلفنا في بادئ الأمر، مع اختلاف الرؤى والعقيدة بين التنظيمين، إلا أن أوجه التشابه كان حاضرا بشكل ملفت.

المشروع الديني مهما كانت تسميته يقوم على العداء للآخر ولا يملك القدرة على التعايش مع الآخرين، وهذا وجه التشابه بين “حزب الله” و”داعش”. ويرى حسان القطب، أن أي طرف “يعتبر نفسه صاحب الحق المطلق وكل من عاداه وسواه هم على الباطل، لذلك فإن حزب الله عندما انخرط في الحروب الإقليمية أعطى نفسه مبررات دينية واستند إلى فتاوى دينية واستنهض جمهوره وبيئته وشبابه تحت شعارات دينية، لذلك فإن هذا المشروع الذي يقوم حزب الله على تنفيذه لا يختلف عن مشروع أي فصيل ديني آخر مهما كانت تسميته لأن ينطلق من قواعد وثوابت تقوم على المفاصلة بين الحق والباطل، فمن هو معه يمثل الحق، ومن هو ضده يمثل الباطل، وهنا دخلنا في فكر التكفيري”.

في المقابل، فإن “داعش” و”حزب الله” اتفقا في المبدأ من جماعة جهادية متشددة تسعى إلى إقامة خلافة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه. عُرفا بالتشدد وقطع الرؤوس والصلب والإعدامات الجماعية، وكانا مسؤولين عن العديد من الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء العالم. كما أنهما انخرطا في نزاع مسلح وعنف، على الرغم من أن أيديولوجياتهما وأهدافهما الأساسية مختلفة اختلافًا جوهريًا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات