فيما بدا أنه تحرك احتياطي تجاه إيران في أعقاب التوترات الأخيرة، أرسلت الولايات المتحدة الأميركية، غواصة قادرة على حمل ما يصل إلى 154 صاروخا من طراز “توماهوك” إلى الشرق الأوسط دعما لـ”الأسطول الخامس” الذي يتخذ من البحرين مقرا له، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة حول توقيت إرسال الغواصة النووية إلى الخليج والسبب الرئيسي من وراء ذلك.

المتحدث باسم “الأسطول الخامس” المتمركز في البحرين، تيموثي هوكينز، يقول في تصريح له إن الغواصة التي تعمل بالطاقة النووية مرت عبر قناة السويس الجمعة الفائتة، وإن نشرها يهدف للمساعدة في ضمان الأمن والاستقرار البحري في المنطقة.

بدوره يقوم “الأسطول الخامس” الأميركي، بدوريات في “مضيق هرمز”، وهو المصب الضيق للخليج العربي الذي تمر عبره 20 بالمئة من إجمالي شحنات النفط، حيث تشمل المنطقة “مضيق باب المندب” قبالة اليمن، والبحر الأحمر، الممتد حتى قناة السويس، ويمكن لصواريخ “توماهوك” التي تطلق من السفن أو الغواصات أن تصيب أهدافا تصل إلى 2500 كيلومتر “1500 ميل”.

هذه الصواريخ اُشتهرت باستخدامها خلال العمليات التي قادتها الولايات المتحدة في العراق عام 2003 وردا على هجوم بالأسلحة الكيماوية السورية في عام 2018 وفق وكالة “أسوشيتد برس”.

ردع إيران

صحيفة “نيويورك تايمز”، قد ذكرت في وقت سابق، من يوم الأحد الفائت، نقلا عن معلومات استخباراتية أميركية وإسرائيلية، أن إيران تخطط لمهاجمة سفن تجارية تعود ملكيتها لإسرائيل، انتقاما لمقتل إيرانيين من جراء القصف الإسرائيلي في سوريا.

غواصة نووية أمريكية / (U.S. Navy photo )
غواصة نووية أمريكية / (U.S. Navy photo )

الصحيفة ذكرت أن الجيش الأميركي وأجهزة مخابرات إسرائيلية قالت إن سلاح الجو التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني يعدون لهجوم بطائرة بدون طيار لضرب سفينة تجارية بملكية إسرائيلية تبحر في مياه الخليج وبحر العرب، وأن وصول غواصة “فلوريدا” كان يهدف لردع إيران والحفاظ على استقرار أحد أكثر مسارات الملاحة البحرية ازدحاما، حيث يتم نقل منتجات تجارية ونفطية بملايين الدولارات يوميا.

اقرأ أيضا: لماذا يجب انضمام إسرائيل إلى البحرية العربية في البحر الأحمر؟

في الثاني من نيسان/ أبريل الجاري، توعد “الحرس الثوري” الإيراني، بالرد على إسرائيل إثر مقتل أحد ضباطه في سوريا، في قصف إسرائيلي على دمشق، الجمعة 31 آذار/ مارس الماضي، وأعلن “الحرس”، في بيان له، مقتل النقيب مقداد مهقاني متأثرا بجراحه، هو الضابط الثاني في “الحرس الثوري” وتوعد بأن “طهران سترد من دون شك على هذا الفعل”، وفق ما جاء في البيان.

مناوشات إيرانية إسرائيلية

وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” نقلت بأنه فجر الأحد الماضي، حدثت انفجارات في محيط العاصمة دمشق، نتيجة قصف إسرائيلي، حيث استهدفت تل أبيب بعدد من الصواريخ من اتجاه الجولان بعض النقاط في المنطقة الجنوبية.

القصف الإسرائيلي استهدف المنطقة الجنوبية من سوريا، وجاء ردا على القصف الذي نفذته منظمة “لواء القدس” التابعة للقيادي خالد حجازي من مخيم الراشدية، وهو قيادي يأخذ أوامره مباشرة من “حزب الله”، حيث رمى عناصر من هذه المنظمة من تل جموع بالقرب من نوى في ريف درعا جنوب سوريا، 3 صواريخ في اتجاه المستوطنات الإسرائيلية في الجولان ما دفع إسرائيل على الرد.

جريدة “القدس العربي”

الخبير العسكري والاستراتيجي فايز الأسمر، أوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن ما تقوم به إيران مؤخرا من استفزاز لإسرائيل من خلال عملية الاستهداف الأخيرة لهضبة الجولان والتي تبناها “لواء القدس”، ” بأنه يندرج تحت محاولة طهران كشف جدية الرد الإسرائيلي على هذا القصف، لتعمل على تطوير الرد المناسب عليه، حيث تحاول إيران من وراء هذا التصعيد إثبات قدرتها على الردع إلا أنها فشلت في ذلك، والدليل وفق الأسمر، هو المقارنة بين آثار القصف الناجم عن صواريخها التي أطلقتها باتجاه إسرائيل، مع الخسائر الكبيرة التي تتكبدها نتيجة الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة لمواقعها في سوريا.

بموازاة ذلك، يرجع الأسمر كثافة التصعيد الإسرائيلي بأن تل أبيب تحاول من خلال ذلك التأكيد على قدرتها الكبيرة في حماية أمنها على الرغم من الأحداث السياسية الداخلية الأخيرة التي تعيشها، وعلى قدرة الردع الكبيرة لديها أيضا ضد الميليشيات الإيرانية، ومنع أي تمدد إيراني جديد، وأنها ستفشل المشروع الإيراني في المنطقة بدعم من حليفتها أميركا.

تصاعد التوترات

بالرجوع إلى زيادة التوترات بين إسرائيل وإيران مؤخرا، حذر “الأسطول الأميركي الخامس”، مؤسسة الدفاع الإسرائيلية من تهديد وشيك من طهران ضد السفن الإسرائيلية، وقال إن “الحرس الثوري في وضع يسمح له بالهجوم، وفقا لمسؤولين استخباراتيين غربيين”، كما حذر “الأسطول الخامس”، شركات الشحن الإسرائيلية، الخميس الفائت، من هجمات إيرانية محتملة، حسبما أفاد موظف كبير في شركة شحن إسرائيلية طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مخول بالتحدث علانية، وفق ما نقله موقع قناة “الحرة” الأميركية.

 السفن الإسرائيلية نُصحت بإغلاق أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها والإبحار في أقرب مكان ممكن من ساحل عُمان وبعيدا عن الساحل الإيراني والإبلاغ بشكل روتيني عن مكان وجودهم وأي نشاط مشبوه. من جهته يقول تيموثي هوكينز بأن “الأحداث الأخيرة في المنطقة بما في ذلك الضربات في سوريا والتهديدات العلنية التي وجهتها إيران ضد السفن التجارية، دفعتنا إلى تذكير البحارة الإقليميين باليقظة”.

خلال الأسابيع الماضية، تصاعدت التوترات في الشرق الأوسط على جبهات متعددة، بما في ذلك الضربات والضربات المضادة في سوريا، وإطلاق صواريخ من غزة ولبنان تجاه إسرائيل.

صحيفة “وول ستريت جورنال”، نقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم: إن “لديهم معلومات استخبارية تفيد بأن إيران كانت تهدف إلى تنفيذ المزيد من الهجمات في جميع أنحاء المنطقة على المدى القريب، وغالبا لا يتم الإعلان عن تحركات الغواصات إلا إذا أراد البنتاغون إرسال رسالة”، وفقا لما ذكرته الصحيفة الأميركية ذاتها.

في الأسبوع الماضي، قال الجيش الأميركي إنه يسرع إرسال سرب طائرات من طراز “أي-10” إلى المنطقة ردا على سلسلة من الهجمات على القوات الأميركية في سوريا أسفرت عن مقتل متعاقد أميركي وإصابة عشرات آخرين، حيث إن المتعاقد قُتل في هجوم بطائرة مسيرة انتحارية أطلقها متشددون مدعومون من إيران في سوريا.

الرئيس الأميركي جو بايدن كان قد حذر إيران قبل أسبوعين من أن الولايات المتحدة سترد بقوة لحماية الأميركيين في المنطقة، وقال “البيت الأبيض” إن هذه الحوادث لن تؤدي إلى سحب القوات الأميركية المنتشرة في سوريا منذ نحو 8 سنوات ضمن التحالف الدولي، لمحاربة تنظيم “داعش” الإرهابي الذي تقوده واشنطن.

قراءة في المشهد

 إن قراءة كشف الولايات المتحدة لموقع أحد غواصاتها، يجب أن ينظر له بالتزامن مع تمديد تمركز حاملة الطائرات “يو إس إس جورج بوش” في البحر الأبيض المتوسط، بحسب حديث الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط عبد الملك عامر لـ”الحل نت”، حيث غالبا ما تستعرض الولايات المتحدة قوتها العسكرية في فترات التوتر.

إلا أن حجم الاستعراض الحالي يُشير إلى أنه لدى واشنطن معلومات عن تهديد جدي سواء من قبل إيران أو أحد الجماعات المسلحة التي تدعمها، سواء ضد المصالح الأميركية أو الإسرائيلية، حيث تشهد الدولتين توترات غير مسبوقة مع إيران، إثر عمليات قصف مُتبادلة بين الجماعات المُسلحة المدعومة إيرانيا والقوات الأميركية في سوريا، وبعد مقتل ضابطين من “الحرس الثوري” الإيراني في قصف يُعتقد أنه إسرائيلي.

ما يدعم ذلك التحليل، بحسب عامر هو انضمام الغواصة لدعم عمليات “الأسطول الخامس” المكلف في حماية أمن الخليج العربي والبحر الأحمر وبحر العرب، وضمان حرية الملاحة عبر مضيقي هرمز وباب المندب، بالتزامن مع نصيحة “الأسطول الخامس” لشركات الشحن الإسرائيلية بإلغاء سفنهم تنشيط أجهزة الإرسال والاستقبال لديها وعدم الاقتراب من السواحل الإيرانية، والاتصال الذي جرى بين وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ونظيره الإسرائيلي يوآف غالانت يوم السبت الماضي.

قد يهمك: النزاع على الجزر الإماراتية الإيرانية يعود إلى الواجهة؟

بالتالي يبدو أن الرسالة التي تسعى واشنطن إرسالها، بأنها تحتفظ بقوة رد ضاربة لمواجهة أي تصعيد عسكري سواء من قبل إيران أو إحدى جماعاتها، حيث توفر الغواصة إلى جانب حاملة الطائرات قوة نارية من البحر، قادرة على استهداف الأصول الإيرانية في أي بقعة من الشرق الأوسط، وفي الوقت ذاته تُضيق مساحة الرد الإيراني على الهجوم الأميركي نظرا لانطلاقه من البحر وليس من قواعد عسكرية أميركية تستضيفها دول في المنطقة، ما يرفع من الحرج والكُلف على طهران من الرد عبر استهداف دولة مجاورة كما حدث إبان مقتل قائد “لواء القدس” قاسم سليماني.

أجواء من التوتر تخيم على المنطقة بسبب حالة اللايقين التي تسود العلاقات الأميركية الإيرانية، وعدم قدرة الطرفين على التوصل لصيغة لإحياء الاتفاق النووي المجمد منذ 2018، إلا أن مراقبون للوضع يرون بأنه من الصعب الآن الجزم بأي سيناريو في هذه المرحلة وخاصة أن الأمور تبدو فيها أقرب إلى التهدئة وخاصة بعد الاتفاق السعودي-الإيراني الأخير، واقتراب حرب اليمن من نهايتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات