يبدو أن إيران تسعى مجددا لإنعاش مفاوضات إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، مع ستّ دول، بينها الولايات المتحدة الأميركية، وذلك من خلال ملف تبادل السجناء -الذين تحتجزهم طهران بتهم تخلو من الأدلة- مع واشنطن، حيث فتحت الباب أمام إمكانية إجراء تبادلٍ للسجناء قريبا.

الأمر الذي فُسّر على أنه محاولة لإبداء حسن النية الإيرانية في التعاون مع أميركا، أملا في تحقيق اختراق بملف المفاوضات التي أوقفتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في أيلول/سبتمبر الماضي، بعد استئنافها بشكل غير مباشر لمدة أشهر، لعدم وجود نيّة حقيقية من قبل إيران في التوصل لاتفاق من خلال تقديم مطالب غير منطقية لا يمكن للولايات المتحدة الأميركية قبولها.

التكهنات التي أثارتها إيران من خلال قضية تبادل السجناء، أثارتها تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي، الأحد الماضي، عن أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق مع الغرب حول أنشطة بلاده النووية، في حال ظلت البنية التحتية النووية للبلاد من دون مساس، في وقت ترفض فيه الولايات المتحدة الأميركية استئناف المفاوضات دون تقديم إيران التزامات جدّية.

ما علاقة خامنئي بتبادل السجناء؟

فالحديث عن ملف السجناء، جاء في تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أصدرها أمس الإثنين، في مؤتمر صحافي أسبوعي، قائلا، إنه بالنسبة لمسألة تبادل السجناء مع الولايات المتحدة(…) المفاوضات جارية عبر وسطاء(…)، في حال أظهر الطرف الآخر نفس الجدية وحسن النية فيمكن لذلك أن يحدث في المستقبل القريب، بحسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية “فرانس برس”.

كنعاني أضاف في رد على سؤال حول تقارير إعلامية تتحدث عن تقدّم في المفاوضات بين طهران وواشنطن، أن المحادثات الجارية في مسقط “ليست سرية”، معبرا عن ترحيب بلاده بالجهود التي وصفها بالجميلة لسلطنة عُمان وكبار مسؤوليها، حيث طرحت قبل أسابيع عدة لتفعيل المفاوضات الرامية إلى إلغاء الحظر عن إيران، إذ تم تبادل الرسائل مع الجانب الآخر، مشيرا إلى أن، تبادل الرسائل مستمر.

لكن تصريحات كنعان التي يُفترض أنها تعبّر عن رغبة بلاده في تحقيق تقارب بملف السجناء، تضمنت إشارات حول اتهامات تورط بلاده في الغزو الروسي لأوكرانيا، من خلال تقديم معدات لروسيا لبناء مصنع للطائرات المسيرة، والتي كانت أحد أسباب توقف مفاوضات الاتفاق النووي إلى جانب قضايا أخرى، بأنهم ينفون أية اتهامات في شأن تصدير أسلحة إلى روسيا لاستخدامها في الحرب ضد أوكرانيا.

تعليقا على ذلك، أوضح المختص بالشأن الإيراني مسعود البوفتيلة، أنه بالرغم من محاولات إيران النأي بموضوع استئناف المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي، عن ملف تبادل السجناء، إلا أن جميع المؤشرات تؤكد وجود صلة بين الأمرين في إطار التمهيد لاستئناف المفاوضات، حيث تقدم من خلال قضية تبادل السجناء عربون حسن نية.

حيث باتت إيران، بحسب البوفتيلة الذي تحدث لموقع “الحل نت”، بحاجة ماسة لاستئناف المفاوضات والمباحثات للتخلص من العقوبات الأميركية، التي باتت تشكل حجر عثرة أمام التطور الاقتصادي وبالتالي التأثير على الحياة المعيشية والتي قد تؤدي الى احتجاجات في هذا الإطار، وهو ما لا يرغب به النظام الإيراني.

مساع إيران لإنعاش مفاوضات الاتفاق النووي

من جهته الباحث في الشأن الإيراني، وجدان عبد الرحمن، قال إن من دون أدنى شك أن التصريحات الإيرانية، بخصوص تبادل السجناء هي لتهيئة الأجواء والأرضية لاتفاقية مؤقتة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وهو ما حدث سابقا في عام 2015، قبل التوصل لاتفاق ما بين إيران والدول الست، حيث شهد تبادل سجناء قبل التوصل لاتفاق، مشيرا إلى أن، طهران حاليا تسعى أيضا لتوقيع اتفاق مؤقت مع واشنطن، يكون تبادل السجناء فيه بداية.

المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني/ إنترنت + وكالات

أما حول تطرق التصريحات الإيرانية إلى قضية الغزو الأوكراني، عبد الرحمن وفي حديث لموقع “الحل نت”، أشار إلى أن الايرانيين يريدون من خلال تطرقهم لذلك، وضع اللوم على أميركا، بأن انخراطهم في الدعم الروسي هو نتيجة للتجاهل الأميركي وعدم الاستجابة لمطالبهم، ما دفعهم لتقديم المساعدة للروس في غزوهم لأوكرانيا، بالتالي أن الحديث عن هذه القضية الآن هي رسالة مفادها؛ أنه في حال رغبت أميركا بانسحاب إيران من الحرب على أوكرانيا، فيجب إعطائها امتيازات تنعش اقتصادهم.

الرغبة الإيرانية في التوصل لاتفاق مع أميركا في الوقت الحالي، وفق عبد الرحمن، يأتي في إطار محاولات التخلص من الضغوط الاقتصادية التي تسببت بها العقوبات، إذ إن التغيير في السياسات الإيرانية وكل ما لحقها من تغير في المواقف، هو نتيجة للضغط الاقتصادي والتضخم والاضطرابات التي عاشتها البلاد خلال الأشهر الماضية، كما يأتي في سياق محاولة استثمار عودة العلاقات مع بعض الدول العربية، لتنتفع من هذه العودة، فمع عودة العلاقات واستمرار العقوبات لن يستفيد النظام الإيراني من ذلك، لذلك هو يسعى للانتفاع من المرحلة الحالية من خلال بيع النفط والإفراج عن الأموال المحجوزة.

عبد الرحمن، لفت إلى أن كل ما تفعله إيران حاليا هو تراجع تكتيكي في الملف النووي، بشرط الحفاظ على المكتسبات المتحققة، وهو ما أشار إليه خامنئي ضمنيا في تصريحاته، ذلك لأنها أي إيران متيقنة من أن فرص إعادة إحياء الاتفاق النووي باتت منعدمة، وأن الولايات المتحدة الأميركية جادة في موقفها من عدم عودة الاتفاق، لذلك هي تحاول التوصل لاتفاق مؤقت يخرجها من ضائقتها.

تقارير كانت قد تحدثت عن مفاوضات سرية قد جرت بين المبعوث الأميركي للشأن الإيراني، روبرت مالي، والسفير الإيراني لدى “الأمم المتحدة” سعيد إيرواني في نيويورك، حيث أوردت صحيفة “فاينانشال تايمز” في الثالث من الشهر الجاري، عن مصدر مقرب من الإدارة الأميركية قوله، إن مفاوضات جرت بين مالي وإيرواني، تركزت حول إمكانية تبادل السجناء.

مفاوضات تبادل الأسرى

أيضا كشف موقع “أكسيوس” الأميركي، الجمعة الماضي، عن مفاوضات سرية غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة خلال الشهر الماضي في سلطنة عمان، وأضاف أن مسؤولين عمانيين نقلوا الرسائل بين الوفدين الإيراني والأميركي المستقرين في غرف منفصلة، مشيرا إلى أن كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني، زار عمان خلال الشهر الماضي، تزامنا مع وجود منسق الشرق الأوسط في البيت الأبيض بريت ماكغورك في مسقط.

مساع إيرانية لإنعاش مفاوضات الاتفاق النووي/ إنترنت + وكالات

أما على صعد الملف النووي، فقد نفى “البيت الأبيض” في أحدث موقف له الخميس الماضي، حول الاتفاق النووي، تقريرا صحافيا ذكر أن الولايات المتحدة وإيران تقتربان من اتفاق مؤقت تقلص طهران بموجبه برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات عنها.

المتحدث باسم “مجلس الأمن القومي” بالبيت الأبيض، قال التقرير غير صحيح ومضلل، وذلك في إشارة إلى مقال بموقع “ميدل إيست آي” البريطاني الإلكتروني، مشيرا إلى أن أي تقارير عن اتفاق مؤقت كاذبة.

التقرير نقل عن مصدرَين لم يذكرهما، قولهما إن إيران والولايات المتحدة تقتربان من اتفاق مؤقت للحد من أنشطة تخصيب اليورانيوم الإيرانية مقابل إلغاء بعض العقوبات، كما نقل التقرير عن المصدرين قولهما إن الجانبين توصلا إلى اتفاق حول إبرام اتفاق مؤقت لنقله إلى رؤسائهما.

التقرير أكد على أن إيران ستلتزم بوقف تخصيب اليورانيوم حتى درجة نقاء 60 بالمئة، أو أكثر وستواصل التعاون مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” التابعة لـ “لأمم المتحدة” مقابل السماح لها بتصدير ما يصل إلى مليون برميل من النفط يوميا والحصول على دخلها وأموال أخرى مجمدة في الخارج.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات