بينما يشهد العالم حراكا لإعادة رسم خارطة التحالفات الدولية، بدأ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أمس الأربعاء، زيارة إلى فرنسا، وصِفت بالمهمة في سياق تصاعد الدور السعودي الدولي والإقليمي لما يمكن أن يعكسه على مستقبل علاقات البلدين، حيث سيلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

ولي العهد السعودي، سيترأس وفد المملكة المشارك في قمة “من أجل ميثاق مالي عالمي جديد”، التي ستُعقد في 22 و23 حزيران/يونيو الجاري، فيما سيشارك الأمير محمد بن سلمان في “حفل استقبال المملكة الرسمي لترشح الرياض لاستضافة إكسبو 2030″، حيث سيقام الحفل في 19 حزيران/يونيو الجاري، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية.

زيارة بن سلمان إلى فرنسا، تأتي للمرة الثانية بعد أخر زيارة له لفرنسا خلال تموز/يوليو العام الماضي، التقى خلالها ماكرون ضمن إطار ارتفاع أسعار الطاقة على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.

السعودية وفرنسا إلى أين؟

إلا أن زيارة بن سلمان إلى العاصمة الفرنسية تندرج، وفق تحليل “مونت كارلو الدولية”، على ما يبدو في إطار تقلبات وتغييرات الموازين الاقتصادية الدولية والتوجهات الجديدة للولايات المتحدة في مبادلاتها التجارية.

ماكرون يستقبل بن سلمان في باريس/ إنترنت + وكالات

التحليل أشار إلى أن الزيارة يمكن أن تعود بعلاقات فرنسا بالخليج إلى ما كانت عليه قبل حرب الخليج، إذ يبدو أن العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج وفرنسا قد تعود إلى سابق عهدها، أي أنها ليست علاقات تجارية فقط إنما أيضا استثمارية، حيث يمكن توقع نشاطات جديدة لشركات فرنسية في المملكة والإمارات في مجالات عدة.

التكهنات أنتجتها زيارات وزير الصناعة السعودي بندر الخريف إلى قطاع المواصلات والطاقة “آلستوم” والقطاع الغذائي”لكتاليس”، وتحديدا الألبان، وتصنيع قطع السيارات “فاليو”، وربما أهمها “إيرليكيد” التي ستلعب دورا أساسيا في الهيدروجين الأخضر، وأخيرا حتى “شنايدر الكتريك “الشركة المهمة في الطاقة الكهربائية.

بيد أن هذه الزيارات أتت، على إثر المؤتمر الاقتصادي الخليجي الفرنسي الأول الذي عُقد في باريس، وضم مئات من رجال الأعمال، حيث أكد فيه وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، على أهمية الشراكة مع دول الخليج في مجالات الطاقة النظيفة وزيادة الاستثمارات المتبادلة.

الحديث عن أهمية زيارة ولي العهد السعودي وانعكاساتها على مستقبل العلاقات السعودية الفرنسية، الفرنسية الخليج، يأتي بينما غابت فرنسا عن المنطقة العربية، منذ ما بعد 2003، باستثناء مصر وقطر، إذ توجهت أكثر الاستثمارات الخليجية والشراكات من الخليج إلى الشركات الأميركية، ومُنحت أكثر العقود في مجالي النفط والغاز أيضا للشركات الأميركية.

بموازاة ذلك، وأثناء ما تشهده العلاقات الخليجية الأميركية فترة مزدهرة، يبدو أن هناك تحولا في المجرى الأساسي للأمور، حيث أخذت المنطقة بُعدا استراتيجيا بالنسبة لفرنسا التي باتت تسعى إلى لعب دور محور محوري فيها، وذلك من خلال إعادة تشبيك العلاقات مع المنطقة، لاسيما في ضوء رغبة دول المنطقة في تعزيز مجالات الاستثمار كافة.

دور سعودي ريادي منتظر

تعليقا على ذلك، يقول رئيس “مجلس إدارة جمعية إعلاميون” السعودية، سعود الغربي، زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى فرنسا، وترأسه وفد المملكة المشارك في قمة “من أجل ميثاق مالي عالمي جديد” المقرر عقدها في باريس، يعكس مكانة السعودية كدولة قائدة ومؤثرة في القرار الدولي.

فرنسا تحتظن قمة “من أجل ميثاق مالي عالمي جديد”/ إنترنت + وكالات

يُضاف إلى ذلك، ما تمثله شخصية الأمير بن سلمان من أهمية كبرى لنجاح مثل هذه القمم الدولية التي تتناول موضوعات عالمية مؤثرة، مثل تداعيات أزمات المناخ والطاقة والاقتصاد وما يترتب عليهم، خصوصا في البلدان الأكثر ضعفا، كما يتم طرح الحلول المالية لهذه الأزمات للنقاش، بحسب الغربي.

رئيس “مجلس إدارة جمعية إعلاميون” السعودية، لفت إلى أن القمة التي سيحضرها الوفد السعودي برئاسة ولي العهد بن سلمان، ستشهد 50 حدثا جانبيا، و6 موائد مستديرة، وأكثر من 300 ممثل لدول ومنظمات دولية والمجتمع المدني، والتي يشارك فيها أكثر من 120 منظمة غير حكومية وائتلاف المنظمات غير الحكومية، وأكثر من 40 منظمة دولية، وأكثر من 100 رئيس دولة وحكومة.

فضلا عن ما يزيد 70 من شركاء القطاع الخاص والعاملين في مجال الجمعيات الخيرية، لذلك وفقا للغربي، سيكون هناك فرص كبيرة للعديد من المنظمات والقيادات الدولية، لبناء جسور مع المملكة التي سيكون لها حضورا قويا في مثل هذه القمة، والاستفادة من الزخم التنموي الذي تعمل عليه، والاستفادة من تجاربها التي أصبح العالم يشهد لها من خلال ما تحققه في المؤشرات العالمية في كل القطاعات.

الغربي لفت إلى أن دور الأمير محمد بن سلمان السياسي لا يقتصر على المملكة فقط، بل له أثر في البعدين العربي والإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط، وعلاقات المملكة السياسية والاستراتيجية والاقتصادية مع الكثير من الدول الكبرى، الأمر الذي سينعكس على القمة ومستقبل الحلول ومواجهة الأزمات العالمية المستقبلية، بل حتى الماضية وما بقي لها من أثر ما زالت تكبّد الدول النامية والفقيرة تبعيات اقتصادية باقية ومؤثرة.

فيما أشار رئيس “مجلس إدارة جمعية إعلاميون” السعودية، إلى أن، نجاح القمة سيساعد في تحقيق أهدافها الأربعة الرئيسية، المتمثلة في مساعد البلدان التي تعاني من ارتفاع المديونيات على هيكلة ديونها، وتعزيز تنمية القطاع الخاص في البلدان منخفضة الدخل، وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية الخضراء لانتقال الطاقة في البلدان الناشئة والنامية، وحشد التمويل للبلدان المعرّضة لتغير المناخ، مراهنا على دور بن سلمان في هذه الملفات الكبيرة، بخاصة في ظل بدء ولي العهد السعودي عمليا في اطلاق مبادرات عالمية لمواجهتها، مثل مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وغيرها.

العلاقات السعودية الفرنسية

هذا وتأتي الزيارة، امتدادا للعلاقات الثنائية بين السعودية وفرنسا، وسط تطور ونمو ملحوظ في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والدفاعية، حيث تتوافق وجهات نظر البلدين الصديقين ورؤاهما حيال الكثير من القضايا المشتركة.

محمد بن سلمان يزور فرنسا/ إنترنت + وكالات

العلاقة بين فرنسا والسعودية بدأت منذ 1926، عندما أرسلت باريس قنصلا مكلفا بالأعمال الفرنسية لدى السعودية، ثم أنشأت بعثة دبلوماسية في جدة عام 1932، فتعتبر فرنسا السعودية حليفا وثيقا يلعب دورا رئيسيا في الحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي واستقرار المنطقة، فتعمل على التشاور مع السعودية في شأن القضايا والأزمات الراهنة وسبل معالجتها.

كما تتعاون السعودية مع فرنسا في جهود محاربة الإرهاب بجميع أشكاله وصوره ودوافعه، ويعكس ذلك مساهمة المملكة بتقديم 100 مليون دولار في إطار “تحالف الساحل” للتصدي للإرهاب، فيما تتوافق وجهات نظر الجانبين السعودي والفرنسي حول العديد من القضايا، ومنها أهمية تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية في لبنان، كمطلب دولي لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار للبنان بعيدا عن التدخلات الخارجية، وأهمية بذل الجهود لدعم الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وضرورة العمل المشترك، وتعزيز التواصل والتشاور حيال التحديات التي تشهدها المنطقة.

على هذا الأساس، فإن الزيارة يُنظر على أنّها مكملة لزيارته في عام 2018؛ لتوطيد العلاقات ودفعها قدما إلى الأمام، بما يتواءم مع البرامج المشتركة والمشروعات التنموية وفق رؤية المملكة 2030، حيث وقّع الجانبان حينها 19 بروتوكول اتفاق بين شركات فرنسية وسعودية، بقيمة إجمالية تزيد على 18 مليار دولار، شملت قطاعات صناعية مثل البتروكيماويات ومعالجة المياه، إضافة إلى السياحة والثقافة والصحة والزراعة.

وسط ذلك، فقد زاد عدد الشركات الفرنسية المستثمرة في المملكة من 259 شركة في العام 2019 إلى 336 شركة في العام 2022، وعمل البلدان على تعزيز العلاقات الاستثمارية الثنائية وبناء شراكات طويلة الأمد بين القطاع الخاص في السعودية وفرنسا وتوسعة نطاقها، عبر توقيع مذكرة تفاهم بين برنامج “ريادة الشركات الوطنية” في وزارة الاستثمار السعودية وبرنامج “بزنس فرانس”

في حين بلغ حجم التبادل التجاري بين المملكة وفرنسا في العام 2021 ما قيمته 7.155 مليارات دولار، حيث جاءت المملكة في المرتبة 32 في قائمة الدول التي تستورد منها فرنسا بقيمة 3.915 مليارات دولار، كما احتلت المملكة المرتبة 53 في قائمة الدول المستقبلة للصادرات الفرنسية بقيمة 3.240 مليارات دولار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات