ضمن جهود الإمارات العربية في تعزيز علاقاتها مع دول العالم في إطار تدعيم المواقف الإقليمية والدولية، بغية تمتين أواصر السلام وتكريس الاستقرار في المنطقة والعالم، عقد الاجتماع الـ 15 للجنة الحوار الاستراتيجي الإماراتي الفرنسي بباريس، وذلك في سياق انعكاس للرؤى المشتركة بين البلدين، التي تبدو أبوظبي حريصة على تعزيزها مع القوى العالمية الكبرى والمؤثرة في العالم.

الإمارات كانت قد أقرت إلى جانب فرنسا، في عام 2020، خلال الحوار الاستراتيجي السنوي خريطة الطريق للعقد القادم 2020-2030، من خلال تحديد الطموحات والمبادرات المشتركة، لا سيما في القطاعات الرئيسية للتعاون الثنائي، مثل الاقتصاد والتجارة والاستثمار، والنفط والغاز والطاقة النووية والمتجددة، والتعليم والثقافة والصحة والفضاء والأمن.

استمرارا إلى ذلك، عقد اجتماع الخامس عشر برئاسة كل من خلدون خليفة المبارك رئيس جهاز الشؤون التنفيذية الإماراتي، وآن ماري ديسكوتيس، الأمينة العامة للوزارة الفرنسية لأوروبا والشؤون الخارجية، الاثنين الماضي، وجسد الاجتماع متانة العلاقات الثنائية واستعداد البلدين لمواصلة تعزيز التعاون في جميع المجالات.

مضامين الحوار الاسترايجي بي فرنسا والإمارات

فيما ضمّ الاجتماع عن الجانب الإماراتي أحمد بن علي محمد الصايغ وزير دولة، وزكي أنور نسيبة المستشار الثقافي لرئيس دولة الإمارات، وسارة عوض عيسى المسلم وزيرة دولة للتعليم المبكّر، كما ضم الوفد سفراء البلدين وعددا من رؤساء الدوائر والمديرين العامين للمؤسسات الرئيسية التي تمثل القطاعات الحيوية من البلدين.

خلال ذلك، أكد الجانبان الفرنسي والإماراتي على التعاون المستمر بينهما وإلى أهمية مواصلة تنفيذ الشراكات الاستثمارية الاستراتيجية الموقّعة بين البلدين في كانون الأول/ديسمبر 2021، في حين رحّب الطرفان بالتعاون المتنامي بين شركة الاتحاد للقطارات والشركات الفرنسية المماثلة، كما أشادا بنجاح الاجتماع الافتتاحي لـ “مجلس الأعمال الإماراتي الفرنسي” الذي انعقد برئاسة مشتركة بين الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، الرئيس المعيّن لمؤتمر الأطراف “COP28″، وباتريك بويانيه رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة “توتال” للطاقات.

هذا وشدد الاجتماع على أن يواصل الجانبان العمل في قطاع الطاقة وفقا لاتفاقية “الشراكة الاستراتيجية الشاملة للطاقة”، التي تهدف إلى توسيع آفاق التعاون الثنائي في قطاع الطاقة على أساس مبادئ المساواة والمنفعة المتبادلة للقطاعين العام والخاص في البلدين، فيما ناقش الطرفان شراكة لتمويل التحول في قطاع الطاقة، على أن يتم الإعلان عنها خلال مؤتمر الأطراف “COP28”.

وسط ذلك، يشرح خبير العلاقات الدولية عمر عبد الستار، دلالة هذا التعاون الاستراتيجي، ومؤشراته على المستوى الثنائي أو الإقليمي أو الدولي، بالقول إن الحديث عن الإمارات وفرنسا؛ يعني الحديث عن دولتين مهمتين في الأمن الإقليمي والأمن الدولي، فبالتالي أن لهذا التعاون بين الدولتين أبعاد استراتيجية تصبّ في صالح المنطقة والعالم والدولتين.

عبد الستار وفي حديث لموقع “الحل نت”، أشار إلى أن فرنسا تمثل دولة مركزية على مستوى العالم، وبخاصة في القارة الأوروبية وضمن “حلف شمال الأطلسي”(الناتو)، لذلك أن التعاون الإماراتي مع دولة بهذا الحجم يضمن مكاسب كبيرة، ويجسّد علاقات عميقة جدا.

أبعاد إقليمية ودولية

خبير العلاقات الدولية أوضح ذلك، قائلا إن القارة الأوروبية بدورها الحالي في الصراع الدولي وعلى المستوى الأمني، تمثل أحد جناحي الأطلسي، ولها دور كبير ومحوري في الصراع بين الغرب ومحور الشرق الذي تقوده روسيا، ولفرنسا منفردة في هذا الجانب أهمية بالغة، بالتالي هذا يعني أن للإمارات دولة حليفة بهذا الحجم.

الإمارات وفرنسا إلى شراكة استراتيجية/ إنترنت + وكالات

على هذا الأساس، فإن العلاقات بين البلدين عميقة جدا، بحسب عبد الستار، وتمتد إلى أبعد من العلاقات الثنائية، حيث تحمل هذه العلاقة بين البلدين أبعادا إقليمية ودولية، بما تمثله من ارتباط بين “الاتحاد الأوروبي” و”مجلس التعاون الخليجي”، مشيرا إلى أن الأخير يمثل نموذجا مشابها لـ “الاتحاد الأوروبي”، كما يعمل المجلس على استنساخ التجربة الأوروبية في المنطقة، وهنا تمثل الإمارات دولة رئيسية في هذا الجانب من حيث علاقاتها بفرنسا.

عبد الستار أوضح أن النظام الدولي يتكون من شرق أدنى وأوسط وأقصى، وبالنظر إلى هذه المعادلة وموقع الإمارات وفرنسا فيها وعلاقاتهما المتينة، فإن هناك روابط جيوسياسية تربط الجانبان، لافتا إلى أن، العلاقة بين البلدين متميزة بتنوعها ورسوخها وطموحاتها التي تعود إلى جذور عميقة وتتركز في الجانب الاقتصادي بشكل غير مسبوق إلى جانب وجود تحالف عسكري متجذر.

إلى ذلك، شدّد الطرفان على ضرورة إصلاح المؤسسات المالية الدولية وحشد المزيد من الموارد للتحول المناخي في البلدان النامية وتحسينها ومناقشة مسألة عدم المساواة، حيث ستكون قمة الميثاق المالي العالمي الجديد التي ستُعقد في باريس يومي 22 و23 حزيران/يونيو، علامة بارزة في هذا الشأن.

كما بحث الجانبان إمكانية توسيع نطاق التعاون في مجالات أخرى شملت العلوم والتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والأمن الغذائي، والمجال النووي، وحقوق الملكية الفكرية، ومكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، والأمن السيبراني، والتكنولوجيا المالية.

في حين ناقش كلا من الدولتين عددا من القضايا الدولية والإقليمية، وأعربا عن إلتزامهما المستمر بدعم السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة، مؤكدين أهمية الحوار ومدّ الجسور لتحقيق الأمن والسلام الإقليمي من خلال منصات مختلفة من بينها “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة”.

عمق العلاقات بين فرنسا والإمارات

العلاقات ما بين البلدين تعود إلى ما قبل قيام اتحاد دولة الإمارات، إذ إن بعض الشركات الفرنسية النفطية مثل “توتال” كانت تمارس أعمالها في التنقيب عن النفط في الإمارات، وحينما قام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971 بدأت العلاقات الثنائية بين الدولتين، حيث أرسى الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان، لبِنات قوية لعلاقات صداقة متينة بين البلدين.

صورة أرشيفية من لقاء محمد بن زايد وماكرون/ إنترنت + وكالات

فيما بعد تعززت هذه العلاقات بعد الزيارة الأولى للشيخ زايد لفرنسا في العام 1975، وبادرت فرنسا بتعيين أول سفير لها لدى دولة الإمارات بول كارتون بتاريخ 19 نيسان/أبريل 1972، وكان في الوقت نفسه سفيرا لدى الكويت، كما عيّنت دولة الإمارات في الفترة نفسها، مهدي التاجر، كأول سفير لها لدى فرنسا، والذي كان في الوقت نفسه سفيرا لدى المملكة المتحدة.

يشار إلى أن، الجالية الفرنسية في دولة الإمارات تُعد أكبر جالية فرنسية في دول الخليج العربي، حيث تضم أكثر من 25 ألف فرنسي مسجلين في سجل الفرنسيين المقيمين في الخارج، ويوجد 60 ألف طالب يدرسون اللغة الفرنسية في الدولة، يشكلون 12 بالمئة من مجموع طلبة المدارس، حيث تم تشييد 6 مدارس فرنسية في دولة الإمارات، يدرس فيها ما يزيد على 10 آلاف طالب.

كما تعد فرنسا البلد المصنف في المرتبة الرابعة لاستقبال الطلبة الإماراتيين الدارسين فيها، فضلا عن ذلك تضم الإمارات التي تحتوي على 600 شركة فرنسية، على العديد من المنظمات المجتمعية والمدارس والمطاعم والأكاديميات الفرنسية في جميع أنحاء الدولة، إذ يمكن لمواطني دولة الإمارات دخول فرنسا بدون تأشيرة، ويسمح لهم بالبقاء فيها لمدة تصل إلى 3 أشهر.

وفقا لهذا المشهد التاريخي والجيوسياسي، فإن الحوار الاستراتيجي الذي يخوضه الطرفان منذ العام 2008، ما هو إلا مواصلة لالتزامهما تجاه توسيع وتطوير التعاون بينهما، وفتح آفاق جديدة للتعاون في جميع المجالات، لتعزيز دورهما في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة وخارجها، وذلك استنادا لما يمتاز به البلدان من مزايا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة