بعد أكثر من خمسة أعوام من حالة الجمود التي أصابت العلاقات بين السعودية وبريطانيا على إثر حادثة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، يبدو أن مرحلة جديدة وفي غاية الأهمية تنتظر الجانبين، حيث يستعد الطرفان للقاء يُتوقع أن يناقش الكثير من الملفات التي سيكون لها أثرٌ على منطقة الشرق الأوسط، علاوة عن قضايا تتعلق بسوق الطاقة في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا.

رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، تحدث مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، هاتفيا، أمس الخميس، واتفقا على الاجتماع في أقرب فرصة، وفق ما أعلن داونينغ ستريت بعد تقارير إعلامية أفادت بأن الأمير السعودي تلقّى دعوة لزيارة بريطانيا.

إذ سيجري ولي العهد سيجري أول زيارة له إلى المملكة المتحدة منذ عام 2018، حسبما أوردت صحيفة “ذي تايمز”، قائلة إن الزيارة تأتي للمرة الأولى بعد حادثة خاشقجي كاتب عامود الرأي في صحيفة “واشنطن بوست”، والذي اتُّهم بن سلمان في إصدار أمر اغتياله، بيد أن ولي العهد قد نفى أي تورط له في هذه الجريمة.

تطورات بريطانية سعودية في ضوء متغيرات دولية

هذه التطورات بين السعودية وبريطانية تأتي في أعقاب لقاء جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، برئيس الحكومة البريطاني سوناك في تشرين الثاني/نوفمبر على هامش قمة مجموعة العشرين في بالي لمناقشة تقلب أسواق الطاقة، وكذلك لما تبعها من محادثات حول الحرب في أوكرانيا، كانت السعودية قد استضافتها بجدة الأيام الماضية، حيث شارك فيها سوناك هاتفيا وأعرب لـ بن سلمان عن رغبته في تعميق العلاقات بين البلدين.

على هذا الأساس، يتطلع رئيس الوزراء البريطاني وولي العهد السعودي للقاء شخصيا في أقرب فرصة، أملا في تعميق العلاقات الطويلة الأمد بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية، في حين أن الزيارة ستجري خلال الأشهر المقبلة، لكن مكتب سوناك لم يؤكد هذه المعلومة، حسبما ذكرت صحيفة “ذي تايمز”.

إلى ذلك، يسعى بن سلمان إلى تحسين صورة بلاده التي تتعرض لكثير من الانتقادات بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، لا سيما في ما يتعلق بعقوبة الإعدام، لذلك يعمل ولي العهد على تحسين موقف بلاده في ظل أجندة شاملة للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي أُطلق عليها اسم “رؤية 2030″، حيث تشمل جهود المملكة الاستثمار المكثف في الرياضة، وهو ما أدى إلى أن يكون “صندوق الثروة السيادي” السعودي يملك حصة أغلبية في فريق الدوري الإنكليزي الممتاز، نيوكاسل يونايتد.

بالتالي قال مكتب سوناك، إن المسؤولَين ناقشا سبل تطوير العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين، وكذلك العلاقات الدفاعية والأمنية، مع تأكيد المملكة المتحدة التزامها الأمن السعودي المحلي والإقليمي، والنقطة الأخيرة كانت إشارة في غاية الأهمية وهي ما طرحت العديد من التساؤلات حول ما إذا كان ذلك سيمثل مرحلة دعم أكبر لدور السعودية في منطقة الشرق الأوسط والعديد من الملفات التي تشغلها.

حول ذلك، علق خبير العلاقات الدولية عمر عبد الستار، قائلا إن ولي العهد السعودي وبالتالي المملكة العربية السعودية التي يقودها الآن، تعمل على أن يكون لها دورٌ في المعادلة الدولية، لاسيما في الوقت الحالي الذي يشهد مرحلة إعادة تموضع وتغير واسعة النطاق، حيث تقود دول العالم مرحلة جديدة من التحالفات، والسعودية تريد أن يكون لها شأنٌ كبير في ذلك.

الغرب وأهمية التعاون مع السعودية

في المقابل، يرى الغرب أن للسعودية مكانة جيوسياسية واقتصادية كبيرة في قلب العالم، وأن الثقة الزائدة في المرحلة السابقة مع الإهمال في بعض الملفات التي منها توفير الحماية أدت إلى أن تكون السعودية اليوم بعيدة عن الغرب بعض الشيء، لذلك يتطلب ذلك إعادة بناء الشراكات وبرهنتها على الميدان.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك/ إنترنت + وكالات

لذا أن الزيارة المرتقبة لـ بن سلمان والمبنية على رغبة بريطانية، تأتي في هذا الإطار، الذي سيؤكد على الدور الغربي في حماية الأمن السعودي وإعادة ترميم ما هدمته المرحلة الماضية بين السعودية كدولة تُعتبر لاعب رئيسي في سوق الطاقة، وبين الغرب الذي يسعى حاليا لضمان استقرار أسعار الطاقة في ظل محاولات روسيا الضغط عليه في هذا الجانب.

بالتالي سنشهد مرحلة جديدة من العلاقات بين السعودية والعالم الغربي، كما سنرى دورا أكثر فاعلية مدعومٌ بموقف دولي في منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما تبحث عنه السعودية لإنهاء ملفات حساسة مثل ملف الحرب اليمنية، والنفوذ الإيراني، مقابل تعاون مختلف عن ما نشهده في الوقت الحالي من حالة شبه تنافر بين مواقف الرياض والغرب، حيث سعت السعودية كثيرا لعكس صورة عدم الرضا عن بعض السياسات الغربية تجاهها.

يأتي ذلك، بينما كانت المملكة المتحدة علّقت منح تراخيص تصدير أسلحة للسعودية بين حزيران/يونيو 2019 وتموز/يوليو 2020، خصوصا للأسلحة التي قد تُستخدم في النزاع في اليمن، وذلك أثناء ما أظهرت مذكرة إحاطة برلمانية أفادت في كانون الأول/يناير الماضي بأن 51 بالمئة من صادرات الدفاع البريطانية تذهب إلى الشرق الأوسط. 

لكن في عام 2021، منحت لندن 275 ترخيصا لتصدير سلع استراتيجية للمملكة العربية السعودية، بقيمة إجمالية قدرها 267 مليون جنيه إسترليني، وقال، داونينغ ستريت، في بيانه إن سوناك، رحب بالتقدم المحرز بشأن النزاع في اليمن، والمملكة المتحدة تواصل دعم الجهود المبذولة لتمديد وقف إطلاق النار وتخفيف الأزمة الإنسانية” في البلد العربي الفقير.

سياق في علاقات السعودية وبريطانيا

خلال الأشهر الماضية، أشار وزراء بريطانيون إلى رغبتهم في توطيد العلاقات مع السعودية. وافتتحت السعودية مكتبا، في لندن، لصندوقها الاستثماري الذي يبلغ تريليون جنيه إسترليني بهدف تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط، كما أنفقت المملكة العربية السعودية مليارات الجنيهات عبر “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي، بعضها ذهب على صفقات رياضية دولية، بما في ذلك الاستحواذ على نادي الدوري الإنجليزي الممتاز نيوكاسل يونايتد، والتفاوض على حصة مسيطرة في لعبة الغولف الاحترافية. 

من زيارة سابقة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى بريطانيا ولقائه رئيس الحكومة السابق بوريس جونسون/ إنترنت + وكالات

يشار إلى أنه، في وقت سابق من هذا العام، أجرى وزير الأعمال البريطاني السابق غرانت شابس محادثات مع السعودية، حيث ناقشت سبل التعاون بشكل أكبر في قطاعات مثل الفضاء والتكنولوجيا والمعادن المهمة، كما تسعى الحكومة البريطانية أيضا، للحصول على دعم سعودي لإبرام اتفاق تجاري مبكّر مع “مجلس التعاون” الخليجي، الذي تلعب المملكة دورا رئيسيا فيه.

وسط ذلك، فإن لقاء بن سلمان بسوناك، يأتي بعد أن التقى العام الماضي، رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون مع ولي العهد في الرياض، وكان ذلك اللقاء في إطار محادثات مع قادة دول الخليج بشأن إنهاء الاعتماد البريطاني على النفط والغاز الروسيين، لكن كما يبدو أن ذلك اللقاء لم يحقق اختراقا بين البلدين، حيث رفض ولي العهد السعودي دعوة لحضور جنازة الملكة في أيلول/سبتمبر الماضي، وأرسل عضوا آخر من العائلة المالكة السعودية بالنيابة عنه.

هذا وكانت آخر زيارة لولي العهد السعودي إلى المملكة المتحدة في آذار/مارس عام 2018، عندما كانت تيريزا ماي رئيسة للوزراء، وقبل ستة أشهر من مقتل الصحفي خاشقجي، وخلال تلك الزيارة، تناول ولي العهد الغداء مع الملكة، كما تناول العشاء مع أمير ويلز ودوق كامبريدج آنذاك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات