في ظل تجاوز الغزو الروسي لأوكرانيا العام والنصف، وتصاعد معدلات الضحايا إلى مستويات مفزعة، وبينما تتكتم موسكو على الأعداد الحقيقة لضحاياها التي سبق وأكدت أوكرانيا على أنها وصلت إلى ربع مليون جريح وقتيل، يجري الحديث عن توجه روسيا لدعوة مواطنين من الدول المجاورة لها لدعم قواتها في أوكرانيا، الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات، بما فيها علاقة ذلك بالانتخابات الرئاسية الروسية التي يستعد لها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

إذ تناشد روسيا متطوعين من دول مجاورة” لدعم قواتها في أوكرانيا، بعد خسائر فادحة تكبدها الطرفان” في ساحة المعركة، بحسب تقييم حديث كشفت عنه وزارة الدفاع البريطانية، وقالت إن روسيا، تناشد مواطني دول مجاورة بإعلانات تجنيد أفرادٍ للقتال في أوكرانيا، بما في ذلك كازاخستان وأرمينيا، منذ أواخر حزيران/يونيو الماضي.

روسيا تحاول كما يبدو، استقطاب هؤلاء الراغبين بالانخراط في المعارك الطاحنة في أوكرانيا، من خلال تقديم مكافآت مالية مجزية، حيث تجتذب روسيا ذوي الأصول الروسية في منطقة كوستاناي شمالي كازاخستان، وفي أرمينيا، الدولتين اللتين كانتا تابعتين للاتحاد السوفييتي السابق، وحتى انهياره مطلع التسعينيات، إذ تقدم أكثر من 5 آلاف دولار كدفعات أولية ورواتب شهرية تبدأ من نحو ألفي دولار، حسب وزارة الدفاع البريطانية التي تقدم تقييماتها للحرب بشكل دوري.

المقاتلون الأجانب ثمنا لشراء صمت الروس

مخطط موسكو لاستقطاب المقاتلين من غير الروس، تضمّن وعدا بمنح الجنسية الروسية بأسرع وقت، فمنذ أيار/مايو الماضي على الأقل، تواصلت روسيا مع المهاجرين من آسيا الوسطى للقتال في أوكرانيا، وذلك إلى جانب احتمالية استثمار موسكو للمهاجرين من آسيا الوسطى لديها، فهناك ما لا يقل عن 6 ملايين مهاجر، من المرجّح أن “الكرملين” يعتبرهم مجندين محتملين.

اللافت أن لجوء روسيا لمواطني دول الجوار، يأتي بعد أن أعلن “الكرملين” في منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، تعبئة جزئية لنحو 300 ألف جندي احتياطي، وبدل أن يتوجه مع حاجته لمزيد من المقاتلين، لإطلاق تعبئة جديدة، إلا أنه لم يطلق حملة أخرى منذ ذلك الحين، ويبدو قد توجه للاعتماد على المقاتلين من الدول الجوار، في مسعىً أثار التكهنات حول دوافعه.

فروسيا تسعى للحفاظ على مسافة بين مواطنيها والحرب الدائرة في أوكرانيا، وهو ما يرجّح عدم لجوئها إلى إعلان تعبئة جديدة، فمن شأن إصدار أمر تعبئةٍ جديدة أن يثير تذمّرا في أوساط الروس، في وقت تأمل موسكو على الأرجح في تجنّب ذلك والتعبئة التي لا تحظى بشعبية، قبل الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل.

لكن من دون موجة جديدة كبيرة من التعبئة الإلزامية، من غير المرجح أن تجد موسكو ما يكفي من القوات الجديدة لتزويد الجيش بالموارد، على الرغم من أن استغلال الرعايا الأجانب يسمح لـ “الكرملين” بالحصول على جنود إضافيين للأعمال العسكرية، في مواجهة تزايد الخسائر البشرية، فالجانبان قد تكبّدا منذ اندلاع الحرب في شباط/فبراير 2022 خسائر فادحة.

تعليقا على ذلك، يقول خبير السياسات العامة عقيل عباس، من الواضح جدا أن الحرب قد طالت واستمرت إلى أبعد مما يتوقعه الروس، حيث كانوا يتصورون أنه يمكنهم حسم المعركة في غضون أسابيع وأيام، وعندما طال أمدُ الحرب، كانوا يعتقدون أن ذلك سيؤدي لاستنزاف الأوكرانيين، غير أن الدعم الذي تلقته كييف من الجانب الغربي، واستعدادها العالي مع الاستعداد السكاني، أدى لإحباط معظم المخططات الروسية.

ضمان الأجواء الانتخابية 

لذلك، بحسب عباس الذي تحدّث لموقع “الحل نت”، أن روسيا فقدت إمكانية التنبؤ بسير الحرب، وإلى أين تذهب أحداثها، بالتالي أصبحت الحكومة الروسية تخشى من ارتفاع الخسائر بين صفوف المواطنين الروس أكثر مما هي عليه، وأن هذه الخشية تصاعدت لأعلى مستوياتها على اعتبار أن منع وصول أثار الحرب إلى الداخل الروسي وبين الروس، يمثّل واحدا من إنجازات نادرة بالنسبة لموسكو فيما يتعلق بالغزو لأوكرانيا.

روسيا تناشد مواطني دولي الجوار للقتال في أوكرانيا/ إنترنت + وكالات

على الرغم من أنه حتى تأثير هذا المنجز النادر بدأ يتراجع تدريجيا، بعد انخفاض قيمة الروبل الروسي، إثر العقوبات الغربية، بحسب خبير السياسات العامة، الذي لفت إلى أن القلق في الداخل الروسي بدأ يتفاقم من إمكانية الدعوة إلى التجنيد العام، وهو ما يعني استقدام المزيد من المواطنين الروس وزجّهم في المعارك، ما سينعكس بشعور سيء لدى المجتمع الروسي من هذه الحرب.

في ضوء ذلك، أوضح عباس، أن ذلك ليس من مصلحة النظام الروسي، وأن الحل الأمثل هو التوجه نحو مواطني دول الجوار القريبة في آسيا الوسطى والتي تتمتع موسكو بنفوذ فيها لاستخدامهم في المعارك، مشيرا إلى أن خيارات روسيا بذلك تقع غالبا على الدول التي تعاني من أوضاع اقتصادية غير مستقرة، والهدف من ذلك إبعاد آثار الحرب عن المواطنين الروس حتى لا يشعروا بها، وهو ما دفع ببوتين ليعتمد على استخدام الشيشانيين بكثرة.

بالمجمل، أن ذلك يمثّل واحدا من المأزق التي تعاني منها روسيا بسبب الحرب، وهو العمل على ألا يشعر المواطن الروسي بسوء جرّاء هذه المعارك، مما قد ينعكس سلبا على النظام الروسي، لافتا إلى أن لجوء بوتين إلى مثل هذه الأساليب لاستدامة الحرب بعيدا عن الروس، له علاقة بالانتخابات الرئاسية التي يستعد لها، بيّن عباس.

بوتين، وفق خبير السياسات العامة، لا يريد لهذه الحرب أن تكون مادة انتخابية في روسيا، على اعتبار أنه حتى الآن هناك ما يمكن تسميته اجماع روسي وطني على دعم هذه الحرب، بالتالي أن زيادة الخسائر بين المواطنين الروس، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية، سيؤدي إلى انهيار هذا الإجماع، وتتحوّل الحرب إلى مادة انتخابية قد تتسبب بحرجٍ لبوتين، خصوصا بعد قضية تمرد مجموعة مرتزقة “فاغنر”، الذي أظهر بأن قبضة بوتين ليست مُحكمةً كفاية على السلطة كما يتصور البعض.

مواطنو دول الجوار بدلا عن السجناء

وسط ذلك، لا تعرض موسكو إجمالي الخسائر البشرية في صفوفها، التي من المرجح أن تكون كبيرة في كلا الجانبين الروسي والأوكراني، إلا أنه وبحسب أرقام محدّثة نُشرت، قالت هيئة الأركان العامة للجيش الأوكراني، إن روسيا فقدت أكثر من 250 ألف مقاتل منذ بداية الحرب، في إحصاء يصعب التحقق من دقته.

الرئيس الروسي يتجنب التعبئة العسكرية لضمان الأجواء الانتخابية/ إنترنت + وكالات

سبق ذلك، اعتمدت روسيا في معاركها على السجناء الذين تم تجنيدهم مقابل إعفائهم من الأحكام المتخذة بحقّهم، بحسب تقرير لـ “نيويورك تايمز”، الذي أشار إلى أن السجناء المجنّدون بالجيش الروسي، يتعرضون لانتهاكات مستمرة، ويتم إجبارهم على القتال بالخطوط الأمامية دون التسليح المناسب، ولا يتم دفع رواتبهم بانتظام.

في شباط/فبراير 2021، بدأت وزارة الدفاع الروسية في تسجيل آلاف السجناء من سجون البلاد في وحدات خاصة تسمى “ستورم زت” بعد توليها مهام اضطلعت بها مجموعة مرتزقة “فاغنر”.

خلال العام الأول من غزو أوكرانيا، وخلال ذلك، جنّدت “فاغنر” آلاف السجناء ليقاتلوا في أوكرانيا في مقابل العفو عنهم، وتدّعي المجموعة الروسية شبه العسكرية أن 49 ألف سجين قاتلوا في صفوفها بأوكرانيا، وأن 20 بالمئة منهم قد ماتوا.

وسط ذلك، ومع حلول شباط/فبراير الماضي، فقدت “فاغنر” إمكانية الوصول إلى السجون أثناء صراع على السلطة مع القيادة العسكرية الروسية العليا، مما سمح لوزارة الدفاع بتجنيد المُدانين، الأمر الذي يبدو دافعا رئيسيا للتوجه إلى استقطاب مقاتلين من دول الجوار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة