بعد مطالبات استمرت طيلة الربيع الماضي، من قبل أوكرانيا لحلفائها لتزويدها بطائرات “إف 16″، أعلنت كلّا من هولندا والدنمارك الأحد الماضي، أنهما ستقدّمان هذه الطائرات الحربية إلى كييف، في إعلان طال انتظاره، وطرح العديد من التساؤلات حول ما يمكن أن تلعبه هذه الطائرات من دور حاسم في المعارك الدائرة منذ شباط/فبراير 2022.

ذلك جاء بينما شنّت أوكرانيا مؤخرا هجوما مضادا ضد القوات الروسية دون غطاء جوي، واضعة قواتها تحت رحمة الطيران والمدفعية الروسية مما كلّفها كثيرا من الخسائر، قبل أن يعلن الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، على قناته في موقع “تلغرام” إن أوكرانيا ستحصل على 42 طائرة “إف 16″، وذلك بالتزامن مع زيارته الأحد لأمستردام.

فمع وصول زيلينسكي لأمستردام، أكدت كلّ من هولندا والدنمارك عزمهما تسليم أوكرانيا مقاتلات “إف 16” من طراز “Fighting Falcon”، ذلك بعد أن ينتهي البلدان من تدريب الطيارينَ الأوكرانيين على استخدامها، بحلول مطلع عام 2024، بيد أن كلا البلدين، وفي بيان مشترك للإعلان عن عمليات التسليم، لم يحدّدا عدد الطائرات التي ستسلّم لأوكرانيا.

طائرات تعوض النقص الأوكراني

إلحاقا بذلك، قال زيلنسكي في تغريدة له على موقع “إكس” (تويتر سابقا)، الأحد الماضي، إن طياري بلاده ومهندسيها الجويين قد بدؤوا بالفعل تدريبهم في الدنمارك، وأن الدنمارك ستزود أوكرانيا بـ 19 طائرة من طراز “إف 16″، هذا قبل أن يشيد بقرار كوبنهاغن ويشكر حكومتها عليه.

هذا وكان الطيارون الأوكرانيون قد بدؤوا منذ شهور يخوضون تدريبا على استخدام المقاتلات الأميركية، في وقت أعلنت بلدان جديدة عزمها على المشاركة في تدريب أولئك الطيارين، حيث أعلن زيلينسكي، أن اليونان قررت المشاركة أيضا بتدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة تلك المقاتلات، بعد تعهّد أمستردام وكوبنهاغن، بتزويد كييف بهذه المقاتلات الأميركية.

إعلان تسلّم أوكرانيا طائرات “إف 16″، جاء بعد أن كان تحالف أوروبي من 11 دولة يضغط طيلة الفترة الماضية على الولايات المتحدة، من أجل الحصول على الضوء الأخضر لبدء تدريب الطيارينَ الأوكرانيين على استخدام هذه الطائرات، قبل أن تعلن موافقتها أيار/مايو الماضي، إعطاء الضوء الأخضر لتسليم طائرات “إف 16” التي طالبت بها كييف بإلحاح.

يعتقد مراقبون ومختصون بالسياسات الدفاعية، أن مقاتلات الـ “إف 16” ستغيّر قواعد اللعبة بالنسبة لكييف، للدفاع عن مدنهم من الهجمات الجوية الروسية، لكنهم حذروا أن استخدام أوكرانيا لها يعني إطالة أمد هذه الحرب.

منذ الربيع الماضي، لم تدّخر كييف جهدا في المطالبة بتسليمها مقاتلات “إف 16” وفي شهر أيار/مايو الماضي، وفي أثناء إجرائه جولة أوروبية قادته إلى كل من باريس وروما وبرلين ولندن، دعا الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي حلفاءه الغربيين إلى تشكيل “تحالف مقاتلات جوية”.

في ذلك الوقت أيضا، كان مستشار وزير الدفاع الأوكراني يوري ساك، قد كشف عن أن أوكرانيا تريد ما بين 40 و50 طائرة مقاتلة من طراز “إف 16″الأميركية، وأضاف ساك، أن تجديد زيلينسكي هذا المطلب خلال زيارته، كان سعيا منه لإدراج الملف على رأس جدول أعمال قمة مجموعة السبع التي أقيمت في هيروشيما اليابانية.

تغيرات مجريات الغزو الروسي لأوكرانيا

تعليقا على ذلك وما يمكن أن يحدثه تسلّم أوكرانيا طائرات “إف 16”  على مستوى مجريات الحرب، يقول الخبير بالشؤون الأوكرانية وأوروبا الشرقية محمد فرج الله، بالطبع يمكن اعتبار دخول طائرات “إف  16 ” للحرب على خط الجبهة، وضمن السلاح الاوكراني عامل حاسمٍ في أن تحسم أوكرانيا المعارك الجوية، مبيّنا أن من أهمية دخول “إف 16” على خط المعارك، هي أن أوكرانيا في بداية الغزو كانت مستباحة برّيا وبحريا وجويا.

الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي/ إنترنت + وكالات

لكن خلال عام ونصف استطاعت كييف ببراعة سياسية وبالابتكار لدى جيشها الذي اعتمدت عليه عندما لم يكن هناك  لدى الحلفاء الشجاعة الكافية والقرار لتزويدها بكل ما هو ممكن، أن تحسم المعارك برا وأن تستعيد أراضيها وأن توقف روسيا في خطوط الجبهة الموجودة حاليا، بحيث لم يتمكن الجيش الروسي منذ عام التقدم ولو خطوة واحدة برّا باتجاه الاراضي الأوكرانية وباستثناء الأراضي المحتلة.

أما بحريا، أشار فرج الله، استطاعت أوكرانيا أن تبتكر ما هو جديد وهي الطائرات المسيّرة التي استطاعت أن تنزع من الأسطول الروسي الهيمنة في البحر الأسود، بحيث أصبح هذا الأسطول محاصرا في موانئه، وكلما خرج باتجاه الأراضي الإقليمية الأوكرانية يصبح تحت مرمى نيران البحرية الأوكرانية، لذلك لم يتبقى سوى المجال الجوي الذي اعتمدت روسيا عليه كثيرا ولا تزال متفوقة  فيه، إذ تعمل على قصف البُنى التحتية الأوكرانية وتدمير المدن واستهداف قوافل الإمدادات، مستخدمة بقصف ذلك القاذفات الاستراتيجية “تو 22” وغيرها القادرة على الاستهداف من مناطق آمنة من العمق الروسي.

مع ذلك عملت كييف بالدفاع على أراضيها بالقدرات الممكنة، ومن ثم من خلال منظومات الدفاع الجوية السوفيتية القديمة، قبل أن تحصل على عدد ليس بالكبير من منظومات “باتريوت” الأميركية و”أير ستيل” الألمانية، وهذا بدأ إلى حد كبير يُفقد استراتيجية روسيا المتمثلة بالأرض المحروقة تأثيرها، حيث أصبحت أوكرانيا قادرة بنسبة 70-80 بالمئة على حماية أجوائها وفق هذه الاستراتيجية، بحسب الخبير بالشؤون الأوكرانية وأوروبا الشرقية.

لذا، لفت فرج الله، أن خط الجبهة بقي يسير ببطء من حيث التقدم الأوكراني، وذلك لعدم توفر الحماية والدعم الجوي، ما يعني أن القوات الأوكرانية على الخطوط الأمامية مكشوفة لطيران العدو، وبالتالي لمعالجة ذلك ولإتمام حماية الأجواء الأوكرانية بات يجب أن يكون هناك سلاح جو فعّال، واليوم مقاتلات “إف 16” بميزاتها المعروفة وتقنياتها وإليكترونياتها وتفوّقها كثيرا على نظيراتها الروسية سواء طائرات “ميغ” أو”سوخوي”، ستخلق تناغما كبيرا بينها وبين منظومات الحماية الجوية “باتريوت”، لحماية سماء أوكرانيا سواء من سلاح الجو الروسي أو من القصف عن بُعد.

بالتالي أن تسلّم أوكرانيا مقاتلات “إف 16″، سيخلق معادلة جديدة وهي حرمان روسيا التفوق في السماء، وستحصل أوكرانيا على المبادرة الكاملة في الذهاب جنوبا نحو شبه جزيرة القرم التي احتلتها روسيا عام 2014، وشرقا نحو الأقاليم الأخرى التي احتلتها مؤخرا، وهنا ستتحول روسيا ليس فقط لخط الدفاع وإنما إلى مربع الاستنزاف، لذلك دخول طائرات “إف 16” الذي تنتظره أوكرانيا بفارغ الصبر ، سيغير معادلة الحرب الى شيء كبير جدا، وسيخسر بوتين بفعلها آخر أوراقه بعد أن كان يعوّل على إطالة أمد الحرب أملا في أن يسأم الشعب الأوكراني من استنزاف قدرات جيشه، لذا إن هذه الطائرات ستُفشل هذا المخطط وستُعطي لأوكرانيا تفوقا كبيرا جويا وبريا.

تكاليف روسيا في حربها ضد أوكرانيا

هذا ويتكون الأسطول الجوي الأوكراني بالأساس من المقاتلة الموروثة عن الحقبة السوفياتية، وهو ما جعل الدعم العسكري الغربي لها في هذا المجال، يتركز في الأشهر الأولى على تسليم كييف مقاتلات سوفياتية، نظرا إلى استطاعة الطيارينَ الأوكرانيين استخدامها دون الحاجة إلى تدريب.

طائرة “إف 16″/ إنترنت + وكالات

يشار إلى أن الحرب تسببت، بحسب أحدث إحصائية لبعثة “الأمم المتحدة” لمراقبة حقوق الإنسان في أوكرانيا، بمقتل أكثر من 9 آلاف مدني بينهم 500 طفل، منذ بدء الحرب الروسية في 24 شباط/فبراير 2022، مع أن مسؤولين أمميين صرّحوا في السابق أن العدد قد يكون فعليا أكبر بكثير.

إلى ذلك، كان “مجلس الأمن” القومي الأميركي قد أشار مطلع أيار/مايو، إلى أن روسيا خسرت 100 ألف جندي وأن 20 ألفا منهم سقطوا منذ كانون الأول/ديسمبر 2022، في حين بعد عام من الحرب بالتمام والكمال، قالت أرقام قدمتها النرويج، إن حصيلة الخسائر في صفوف الجيش الروسي بلغت 180 ألف قتيل وجريح، ونحو 100 ألف جندي أوكراني قتيل.

علاوة على ذلك، تشير التقارير إلى أن روسيا خسرت منذ بداية الحرب العسكرية في أوكرانيا، 4 آلاف دبابة إلى جانب7 آلاف مدرعة قتالية و 2500 بطارية مدفعية، وعشرات الطائرات العمودية والهيلوكبتر المقاتلة وناقلات الجنود.

وفقا لذلك، فإن إعلان تسليم أوكرانيا طائرات “إف 16” المتطورة قياسا بسلاح الجو الروسي، يبدو أنه سينتقل بالمعارك إلى مراحل لم يسبق وأن وصلتها، ولعلها تمثل نقطة فارقة في مسار الحرب بالنسبة لما يمكن أن يتعرّض له الجيش الروسي من خسائر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة