مرحلة جديدة يعيشها العالم، وكما هو واضح؛ فإن الهند بشكل جلي تمثل لاعبا أساسيا فيه، فبينما تعمل الصين على فرض نفوذها في العديد من المحاور، يبرز دور الهند كضدّ نوعي من حيث الموقع الجغرافي والكتلة البشرية التي فاق عدد سكانها سكان الصين، حيث تنخرط نيودلهي في عدة مشاريع استراتيجية من شأنها تحجيم دور بكين المتنامي، وضمن تلك الجهود تعمل الأولى مؤخرا على تعزيز تواجدها بشكل أساسي في المحيط الهندي، بما يمنع الصين الانفراد فيه.

إذ في الوقت الذي تشارك الهند في مشاريع مثل “الممر الاقتصادي” الذي أُعلن عن إطلاقه مؤخرا خلال “قمة العشرين” خلال الأيام القليلة الماضية، في خطوة مثّلت قطعا للطريق أمام الصين التي تحاول الانفراد بنفوذها بأكثر من 150 دولة من خلال مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها بكين قبل 10 أعوام؛ تسعى نيودلهي لتعزيز حضورها العسكري البحري، وسط توقعات بأن تواصل الصين توغلها وأنشطتها البحرية في المحيط الهندي.

الهند تنطلق من فكرة حاجتها للطرق البحرية، فطالما كانت وفرة الإنتاج الزراعي وباقي الموارد الهندية تعني أن التجارة البحرية هي نشاط أساسي تكميلي، حيث تعتمد التجارة الدولية الهندية في معظمها على النقل البحري بأكثر من 90 بالمئة، وأكثر من 70 بالمئة من حيث القيمة التي تمرّ عبر البحر، وهو ما يظهر الأهمية المطلقة لمسألة ضمان الوصول إلى أعالي البحار، وأن التجارة والمعاملات الاقتصادية الهندية الآن مرتبطة بشكل وثيق بتأمين الطرق البحرية.

لذلك، عملت نيودلهي في الوقت الذي تحاول فيه بكين فرض نفوذها على المحيط الهندي، على مضاعفة قوتها البحرية، وهو ما ظهر جلّيا بما حققته البحرية الهندية من تقدم ملحوظ في بنائها لأسطول بحري قوي، حيث نشرت عددا معتبرا من طائرات المراقبة البحرية، إلا أنه بالرغم من ذلك، ترى الهند أن هنالك بعض النقائص التي تواصل التأثير على قدراتها، حيث أنها تفتقر إلى العديد من المعدات، بما يدفعها لأن تكون معالجة هذه الثغرات هدف أساسي.

الهند تضاعف قوتها البحرية بسبب تهديدات صينية

بناء على ذلك، قدمت الهند 490 مليون روبية، لشراء نظام مضاد للطائرات بدون طيار لزيادة قدرتها الدفاعية البحرية باسم مواجهة التهديدات القادمة من الصين وباكستان، كما طلبت البحرية الهندية النظام البحري المضاد للطائرات بدون طيار ” إن أي دي سي”، الذي أنشأته منظمة البحث والتطوير الدفاعي، ليتم وضعه حاليا على متن سفنها الحربية السطحية.

الأسطول الهندي/ إنترنت + وكالات

النظام البحري المضاد للطائرات بدون طيار، يُعد أول نظام مضاد للطائرات بدون طيار تدمجها القوات المسلحة الهندية بمفردها، حيث يوفر دفاعا مضادا فعالا وشاملا لتهديد الطائرات بدون طيار المتزايد للمحطات البحرية الحيوية، حيث يمكن لهذا النظام التعرف على الطائرات الصغيرة بدون طيار والتشويش عليها، واستخدام آلية قتل تعتمد على الليزر لتدمير الأهداف، وذلك بالإضافة إلى ميزات مع كل من قدرات القتل الصعب والقتل الناعم.

وسط ذلك، أثارت هذه الرغبة الهندية في تطوير القدرات العسكرية البحرية، التساؤل حول الضرورة التي تراها نيودلهي في الوقت الحالي، وفي هذا السياق، يقول خبير العلاقات الدولية عمر عبدالستار، إنه عند الحديث عن الصراع الهندي الصيني البحري، فإننا نتحدث عن منطقة أشبه بصراع السعودية وإيران في مضيق هرمز بمنطقة الشرق الأوسط، وتأثير ذلك عالميا.

خبير العلاقات الدولية وفي حديث لموقع “الحل نت”، أضاف، أنه كما لا تستطيع طهران إغلاق مضيق هرمز، فإن الصين أيضا لا يمكنها إغلاق مضيق ملقا، فالوضع متشابه، مثلما ثلث صادرات الطاقة العالمية تمرّ من مضيق هرمز، فإن مضيق ملقا أيضا يُعتبر ممرا لثلث الطاقة العالمية، لذلك فإن أوجه التشابه متطابقة.

عبدالستار تابع، أنه في مضيق ملقا هناك العديد من الدول التي تقف بوجه الصين، فالهند والصين يمثلان توازنا دوليا، لذلك تعمل نيودلهي على خلق توازن مع بكين بحيث لا تتمكن الصين من تحقيق أي تقدم جيوسياسي على حساب الهند، لذلك ليس بمقدور الصين تجاوز الهند في هذه المعادلة، والأمر لا يتعلق بامتلاك القدرات، بل يرتبط بأن ذلك لا يمكن تحقيقه؛ لأنه يخلّ بالتوازن العالمي، لذا نجد مساعي هندية للحفاظ على هذا التوازن في البحر.

الصين والهند وصراع التوازن الدولي 

خبير العلاقات الدولية يبيّن، أن تحقيق الصين لأي تقدم في هذه القضية على حساب الهند، يعني أن النظام الدولي سيشهد تغييرا في المعادلة، ومن أجل ذلك تعمل الولايات المتحدة الأميركية على أن تكون الهند عضوا في “مجلس الأمن” الدولي؛ لأن واشنطن لا تسمح بمساس النظام الدولي وطبيعته الحالية. 

الهند تعزز قواتها البحرية تحسبا لتهديدات صينية/ إنترنت + وكالات

إلى ذلك، يوضح عبدالستار، أن مشكلة بكين في البحر لا تتعلق بمشكلة إقليمية مع الهند، بل أنها ترتبط بالنظام الدولي، والولايات المتحدة الأميركية التي تقود هذا النظام الدولي، لذلك فإن تحجيم دور الصين أمرٌ لا بدّ منه بالنسبة للغرب الذي يقود النظام الدولي، بحسب تعبيره.

اختيار تحجيم الصين من خلال الهند، يأتي من أن الأخيرة دولة غير منحازة، فعلى الرغم من أنها تمثل خضما للصين، إلا أنها لم تعلن عن أي تحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، وفي ذات الوقت لم تنحاز لطرف في الحرب الروسية على أوكرانيا، كما يقول عبدالستار.

بحسب خبير العلاقات الدولية، فإنه في المرحلة القادمة قد تكون واحدة من أهم النقاط هو إعلان نيودلهي التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، وقد يلعب الخلاف بين الهند وباكستان دورا في أن تقرر نيودلهي التحالف مع واشنطن، على اعتبار أن باكستان تمتلك علاقات مع الصين تفوق أي دولة في العالم.

أخيرا، فإن التوازن البحري يعني أنه توازن في النظام الدولي، والحفاظ على هذا التوازن أمرٌ تدركه الهند والصين ذاتها، فمثلما استمر الحديث طوال 4 عقود عن احتمالية حرب بين إيران والسعودية، وانتهى في الاخير بمصالحة البلدين، في نهاية المطاف ستتصالح نيودلهي وبكين أيضا، وذلك لأنهما وفقا لعبدالستار، يعلمان جيدا قيمة الحفاظ على هذا التوازن المرتبط بالنظام الدولي، غير أن هذا الصلح سيرتبط بمستوى التوازن بين الدولتين.

ما يعزز وجهة نظر خبير العلاقات الدولية، أنه في الوقت الذي تخترق الصين المحيط الهندي بشكل مطرد، فقد غيرت الهند بشكل عميق الطريقة التي تنظر بها إلى الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، فبينما اعتادت نيودلهي، العضو البارز في حركة عدم الانحياز خلال الحرب الباردة، على دعوة جميع القوى الخارجية لإزالة قواعدها العسكرية ووجودها من المنطقة.

الهند تعزز علاقاتها الاستراتيجية

نيودلهي باتت تشعر هذه الأيام بالارتياح لأن الولايات المتحدة تحافظ على قاعدتها الاستراتيجية في دييغو غارسيا، وهي جزيرة بريطانية تقع على بعد 1100 ميل جنوب غرب الهند، كما تعمل على تكثيف تعاونها العسكري والدبلوماسي مع واشنطن وفرنسا وأستراليا واليابان، وجميع الدول التي تشارك نيودلهي مخاوفها بشأن محاولات الصين ترسيخ نفسها كقوة مهيمنة في آسيا.

الهند والصين يتسابقان لتعزيز حضورهما في المحيط الهندي/ إنترنت + وكالات

على وقع الارتياح الذي تشعر به الهند خلال السنوات الأخيرة من تعميق علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، وقّعت نيودلهي عام 2016، اتفاقية لوجستية مع واشنطن سهّلت على أساطيل البلدين زيارة الموانئ الخاصة بالبلدين، وإجراء تدريبات مشتركة.

فمنذ ذلك الحين، قامت نيودلهي بإبرام اتفاقيات مماثلة مع فرنسا وكوريا الجنوبية وأستراليا، وفي وقت سابق من عام 2020، أبرمت صفقة مع اليابان، ذلك كله في الوقت الذي تعمل فيه البحرية الهندية على إنشاء مركز معلومات بالقرب من نيودلهي، يعمل به ممثلو الدول الشريكة، ويتم تزويده بمعلومات من أنظمة رادار للمراقبة الساحلية، أنشأتها الهند في السنوات الأخيرة في جزر المالديف وسريلانكا وميانمار وبنغلاديش وموريشيوس وسيشيل.

يشار إلى أن البحرية الهندية تشغل حاملة طائرات وتقوم ببناء أخرى، بالإضافة إلى امتلاك ما يقرب من 30 سفينة حربية كبيرة، وأسطولا من الغواصات الاستراتيجية والتكتيكية، في حين تمتلك البحرية الصينية حوالي 90 سفينة حربية كبيرة، بما في ذلك حاملتا طائرات، وتقوم ببناء سفن جديدة وأكثر تقدما، بمعدل أسرع بكثير.

وفقا لذلك، فإن نيودلهي تعمل ضمن جهود دولية ومن خلال عدة مشاريع استراتيجية وجيوسياسية على حصر بكين في نطاق محدود، وذلك بما لا يهدد مستقبل النظام العالمي، أو يفرض مخاطر على محيطها الإقليمي، لاسيما على دول مثل الهند التي تسعى لأن تكون لاعبا أساسيا في المعادلة الدولية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات