منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس” في قطاع غزة، بدأت الجاليات اليهودية والمسلمة في أوروبا، الخروج في مسيرات مناهضة للحرب وأخرى مؤيدة، مما أدى إلى ارتفاع مطّرد في حوادث معاداة السامية والإسلاموفوبيا في العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من البلدان.

وقد نبّهت العديد من الدول ومن بينهم إيطاليا من تداعيات الحرب في غزة على استقرار المنطقة، وكذلك الدفع نحو عداء جديد بين العالمَين الغربي والإسلامي، وقد حذّر وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروزيتّو، من تحوّل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى عِداء جديد بين الغرب والإسلام، داعيا إلى التفريق بين “حماس” التي وصفها بـ “الإرهابية”، وبين حقوق الشعب الفلسطيني.

تصاعد حوادث معاداة السامية والإسلاموفوبيا

نحو ذلك، أعلنت الشرطة الأميركية عن أرقام مرعبة بشأن ارتفاع نسبة جرائم الكراهية ضد اليهود والعرب والمسلمين في مدينتي نيويورك ولوس أنجلوس منذ بدء الحرب بين إسرائيل و”حماس”. وتظهر بيانات أكبر مدينتين في الولايات المتحدة أن الصراع في الشرق الأوسط يتزامن مع تصاعد أعمال العنف ضد الأميركيين اليهود والأميركيين العرب والمسلمين.

كما وارتفع عدد الجرائم المرتبطة بما يعرف بـ”معاداة السامية في مدينة نيويورك، من 16 بالمئة في أيلول/سبتمبر إلى 69 بالمئة في تشرين الأول/ أكتوبر، بزيادة أكثر من 330 بالمئة، وفقا لمراجعة بيانات شرطة نيويورك التي أجراها مركز “دراسة الكراهية والتطرف” في جامعة ولاية كاليفورنيا، سان فرانسيسكو.

متظاهرون خلال مسيرة مناهضة للإسلاموفوبيا – “أرشيفية رويترز”

وفي لوس أنجلوس، بلغ عدد جرائم الكراهية ضد العرب والمسلمين، في الفترة من 6 إلى 26 تشرين الأول/ أكتوبر، ثمانية، مقارنة بواحدة خلال نفس الفترة من العام الماضي، وفق ما نقلته قناة “الحرة” الأميركية، اليوم الخميس.

وقال المركز، إن عدد جرائم الكراهية المعادية للسامية ارتفع بنسبة 175 بالمئة خلال نفس الفترة. ومن جانب آخر، شملت حوادث معاداة السامية و”الإسلاموفوبيا” في واشنطن الاعتداءات العنيفة والمضايقات عبر الإنترنت. وأفاد “مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية” أنه تلقى 774 شكوى بشأن حوادث مدفوعة بـ “الإسلاموفوبيا” والتحيز ضد الفلسطينيين والعرب في الفترة التي تلت الحرب في غزة، وأوضح أن هذا هو أعلى معدل منذ عام 2015.

وبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام، يعادل الرقم ثلاثة أضعاف متوسط ​​عدد الشكاوى لعام 2022 تقريبا مقارنة مع الفترة نفسها. كما أشار المجلس إلى تعرّض فلسطيني يبلغ من العمر 18 عاما للاعتداء في بروكلين إلى جانب تهديدات بالقتل تلقاها مسجد، ومقتل طفل مسلم له من العمر 6 سنوات طعنا في إلينوي، وقالت السلطات الأميركية إن الجاني استهدفه لأنه أميركي من أصل فلسطيني.

بينما أشارت “رابطة مكافحة التشهير” أن بياناتها الأولية أظهرت ارتفاعا بنسبة 388 بالمئة في حوادث معاداة السامية في الولايات المتحدة في الفترة من 7 حتى 23 تشرين الأول/ أكتوبر مقارنة بالعام السابق. وأبلغت عن 312 حادثة من بينها المضايقات والتخريب والاعتداء. وأضافت أن نحو 190 منها مرتبطة بشكل مباشر بالحرب بين إسرائيل و”حماس”.

وقالت رابطة مكافحة التشهير إن الشكاوى تضمّنت رسائل عنيفة خاصة على منصة “تلغرام”، ومسيرات وجدت فيها الرابطة دعما صريحا أو ضمنيا قويا لـ”حماس و/أو العنف ضد اليهود في إسرائيل”.

في عدة دول أوروبية

تزايد حوادث “الإسلاموفوبيا” ومعاداة السامية لم يكن في واشنطن فحسب، بل شمل عدة دول أوروبية أيضا. وعلى سبيل المثال، في فرنسا أعلن وزير العدل الفرنسي إريك دوبون موريتي، مؤخرا، وفق “مونت كارلو الدولية” أنه تم اعتقال أكثر من 400 شخص بتهمة “معاداة للسامية” منذ هجوم “حماس” على إسرائيل.

جاءت تصريحات موريتي بعد يوم من مظاهرة حاشدة في باريس، شارك فيها آلاف الأشخاص دعما للشعب الفلسطيني، رغم صدور قرار حظر أمني أيّده القضاء. ومنعت قوة كبيرة من الشرطة موكب المتظاهرين من السير من ساحة شاتليه في وسط العاصمة الفرنسية.

كما وأعلنت شرطة لندن أن جرائم الكراهية المعادية للسامية وللإسلام تصاعدت في ظلّ الحرب الدائرة بين إسرائيل و”حماس”. وأشارت إلى تسجيل 218 هجوما معاديا للسامية في العاصمة البريطانية بين 1 و18 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، مقارنة بـ 15 هجوما من هذا النوع في الفترة نفسها من العام الماضي.

عدد جرائم رهاب الإسلام ارتفع من 42 إلى 101 في الفترة نفسها. وعززت الشرطة البريطانية دورياتها في مختلف أنحاء العاصمة وفي المدارس الدينية ودور العبادة بعد هجوم “حماس”.

شرطة لندن

بينما شهدت ألمانيا مجموعة حوادث معادية للسامية بعد هجمات “حماس” في غزة. وفي حين تظاهر آلاف الأشخاص في برلين مؤخرا، دعما لإسرائيل، تعهّد المستشار الألماني أولاف شولتز وضع حدّ لحوادث معاداة السامية التي تتزايد في البلاد منذ اندلاع الحرب في القطاع.

وعزّزت ألمانيا حماية المؤسسات اليهودية في كل أنحاء البلاد، معتبرة أن من مسؤوليتها حماية الحياة اليهودية منذ “الهولوكوست”. وقبل أحداث غزة الأخيرة، كانت ألمانيا قد أفادت في شهر أيار/مايو بأنها سجّلت العام الماضي عددا قياسيا في الجرائم ذات الدوافع السياسية، بما فيها زيادة بنسبة 29 بالمئة تقريبا في الجرائم المعادية للسامية بلغ عددها 3027 جريمة.

الأرقام أعلى بكثير

في الإطار ذاته، قال سجل “الإسلاموفوبيا” الأسترالي، إن ثمة زيادة بمقدار عشرة أضعاف في حوادث الكراهية منذ اندلاع العنف في غزة. وقالت المديرة التنفيذية شارارا أتاي لـ SBS News”” إن السجل تلقى تقارير من نساء مسلمات قلقات، شعرن بشكل خاص بالخطر لأن الحجاب كان علامة واضحة على معتقدهنّ الديني.

وتابعت أتاي، “أعتقد أن الوضع في الخارج في الوقت الحالي له تأثير مدمر على الجالية المسلمة هنا في أستراليا. لقد شهدنا ارتفاعا مذهلا في الإسلاموفوبيا منذ بدء التصعيدات الأخيرة”، مضيفة إنهم تلقّوا 51 تقريرا في غضون أسبوعين، ولكنها تقول إن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك حيث لا يتم الإبلاغ عن جرائم الكراهية في العادة.

قلق أميركي من تصاعد معاداة السامية على خلفية أحداث الشرق الأوسط- “رويترز”

هذا وقد قامت وزيرة الخارجية بيني وونغ، بدعوة القادة السياسيين والمجتمعيين في أستراليا إلى التّحلي بضبط النفس، مع تصاعد التوترات بين إسرائيل و”حماس”. وقالت السناتور وونغ، في جلسة استماع حول تقديرات الميزانية يوم الإثنين “لقد رأينا بعض الخطابات المقلقة في الأسابيع الأخيرة، وإننا نشهد مأساة إنسانية، وأودّ أن أوضح أن الطريقة التي نتعامل بها جميعا كقادة سياسيين مع هذه القضايا لها تأثير على وحدة بلدنا”.

اللافت، أنه وعلى الرغم من أن ما يُعرف بظاهرة “الإسلاموفوبيا”، وهي الخوف من الإسلام أو من المسلمين، تُعدّ ظاهرة قديمة بحسب الباحثين، إلا أنها تنامت بشكل كبير بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 التي تبنتها جماعات إرهابية.

وتنوّه دراسات إلى أن عدد جرائم الكراهية المرتبطة بـ “الإسلاموفوبيا” يتزايد بشكل متكرر في أعقاب الأحداث الخارجة عن سيطرة معظم المسلمين، بما في ذلك الهجمات الإرهابية والذكرى السنوية لتلك الهجمات، موضّحة أن هذه الأحداث كيف يمكن لكراهية الإسلام أن تنسب المسؤولية لجميع المسلمين عن تصرفات قلة متطرفة، أو تتغذى على الخطاب التحريضي.

يُذكر أن الأمم المتحدة اعتمدت في قرار رسمي، يوم 15 آذار/مارس يوما دوليا لمكافحة “الإسلاموفوبيا”، رغم أن بعض الخبراء لا يفضّلون استخدام هذا المصطلح كتعبير عن جرائم الكراهية ضد المسلمين. ويرى خبراء أن الأفضل استخدام مصطلح “الكراهية ضد المسلمين”، كي لا يؤدي مصطلح “الإسلاموفوبيا” إلى إدانة جميع أشكال الانتقادات الموجّهة للإسلام، وبالتالي يمكن أن يؤدي إلى خنق حرية التعبير.

لكن الرأي الآخر، يحاجج بأن القانون الدولي لحقوق الإنسان يحمي الأفراد، وليس الأديان. وقد تؤثر كراهية الإسلام أيضا على غير المسلمين، بناء على التصورات الجنسية أو الخلفية العرقية أو الإثنية. وبالتالي فإن المصطلح الأمثل هو “الإسلاموفوبيا”.

من جهة أخرى، ظهر مصطلح معاداة السامية فقط في القرن التاسع عشر، ولكن كراهية ومعاداة اليهود تعود إلى العصور القديمة ولها أسباب متنوعة.

معاداة السامية تعني التحيز أو الكراهية لليهود، وتعد “الهولوكوست”، وهي الاضطهاد والقتل الذي تعرض له اليهود الأوروبيون على يد ألمانيا النازية والمتعاونين معها في الفترة من عام 1933 إلى عام 1945، المثال الأكثر تطرّفا في التاريخ لمعاداة السامية.

ويقول مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر راي، إن معاداة السامية وصلت إلى مستويات تاريخية في الولايات المتحدة، مشيرا خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ، الثلاثاء، أن ما يحدث يرجع جزئيا إلى أن “المجتمع اليهودي مستهدف من قبل الإرهابيين من مختلف الأطياف، بما في ذلك المتطرفين العنيفين المحليين والمنظمات الإرهابية الأجنبية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات