يبدو أنها حالة خلاف جديدة تطفو إلى السطح في العملية السياسية العراقية، من شأنها إطالة حالة الانسداد السياسي الحاصلة في العراق، طرفاها المالكي والعبادي، فما القصة؟

تبدأ القصة منذ طرح اسم نوري المالكي لرئاسة الحكومة العراقية من قبل كتلته التي يتزعمها “ائتلاف دولة القانون”، أمس الاثنين، إذ سرعان ما رد زعيم “ائتلاف النصر”، حيدر العبادي بتغريدة ترفض ترشيح المالكي بشكل مبطن.

العبادي والمالكي بإيجاز

المالكي والعبادي، هما رؤساء أول 3 حكومات في عراق ما بعد 2003، إذ ترأس المالكي الحكومة الأولى والثانية منذ 2006 وحتى 2014، فيما ترأس العبادي الحكومة الثالثة بين 2014 و2018.

الطرفان قياديان في “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، والذي يضم القوى الشيعية الخاسرة في الانتخابات المبكرة الأخيرة، التي جرت في 10 تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، وأسفرت عن فوز مقتدى الصدر، قبل انسحابه لاحقا.

بعد طرح اسم المالكي لرئاسة الحكومة من قبل “دولة القانون”، أمس الاثنين، غرّد العبادي بقوله، إن ‏الانقسام السياسي، والتحديات السياسية والاقتصادية والسيادية، توجب: معادلة حكم وسطية تنزع فتيل الأزمات، ومحل قبول رحب.

تلك التحديات توجب أيضا، حكومة وطنية قادرة وكفوءة لمرحلة محددة، لإصلاح الاقتصاد وتقديم الخدمات وتوفير فرص العمل، حسب العبادي الذي كان سابقا أحد قيادات “حزب الدعوة” الذي يقوده المالكي حاليا.

العبادي أكد في ختام تغريدته على “تويتر”، أنه بخلاف ما تم طرحه أعلاه، فهو ليس مع الحكومة ولن يكون جزءا منها؛ لأنها ستعقد الأزمة وتقود العراق إلى المجهول.

“لإبعاد الشارع عن التوتر”

تغريدة العبادي، فُسّرت بأنها “فيتو” من العبادي على شخص المالكي، وأنه لن يشارك في الحكومة المقبلة إن تم إسناد مهمة تشكيلها لزعيم “ائتلاف دولة القانون”، فما سبب ذلك؟

تقول المهتمة بالشأن السياسي العراقي، بان الصميدعي، إن العبادي شخص حالم ويطمح لمنصب رئاسة الحكومة مجددا، لكنه لا يمانع إسنادها لغيره، إن تم الاتفاق على شخصية وسطية مثله؛ لأنه يرى نفسه وسطيا دائما.

وتضيف الصميدعي لـ “الحل نت”، أن تغريدة العبادي موجهة بشكل واضح صوب المالكي، خصوصا عند قوله بوجوب أن تكون الحكومة وسطية وتنزع فتيل الأزمات ومحل قبول وترحيب.

وتردف، أن تلك الصفات لا يتمتع بها المالكي، خاصة وأنه على خلاف قديم مع غريمه مقتدى الصدر الذي انسحب من العملية السياسية، وبالتالي فإن ترشيح المالكي سيستفز الصدر ويوتر الشارع بشكل كبير.

الصميدعي تقول، إن المالكي مستعد لحرق الجنوب العراقي كله فقط من أجل التفرد بالسلطة في حال وصوله لكرسي رئاسة الحكومة مجددا وخروج الصدر باحتجاجات ضده، ولا يهمه الحفاظ على السلم الأهلي.

لماذا الرفض؟

بخصوص سبب رفض العبادي لترشيح المالكي، تبين الصميدعي، أن العبادي يدرك حجم العواقب التي ستحصل في البلاد إن وصل المالكي لرئاسة الحكومة، لذلك قال إن لم تتحقق النقاط التي طرحها، فإن العراق سيذهب للمجهول.

وتشير إلى، أن العبادي لا يريد استفزاز الصدر من قبل خصومه، لإبعاد الشارع عن الاحتجاجات التي ستتسبّب بإراقة الدماء وقد تتطور إلى حرب أهلية شيعية – شيعية، بين الصدر والمالكي وأتباعه من قوى إيران.

وتلفت الصميدعي، إلى أن العبادي يمتلك علاقة وطيدة بالصدر، وبالتالي لا يريد آن يخسره عبر موافقته على ترشيح المالكي لرئاسة الحكومة، خصوصا وأن بعض التسريبات تقول إن الصدر نصح العبادي بعدم الاشتراك بالحكومة المقبلة.

وتختتم، لذلك طرح العبادي رؤيته تلك بناء على المعطيات التي قد تحدث، ولإبعاد فتيل حرب لا مناص منها في حال الإصرار على ترشيح المالكي لرئاسة الحكومة العراقية، وكذلك لكسب دعم الصدر في المرحلة المقبلة؛ لأنه يعلم أن الصدر هو المتحكم بالمشهد العراقي حتى مع انسحابه من العملية السياسية.

حسب كثير من المراقبين، بات الانسداد السياسي مزمنا في العراق، فلم تحل عقدته بعد، رغم انسحاب “التيار الصدري” من العملية السياسية وتركه الساحة لـ “الإطار التنسيقي”، لتشكيل حكومة جديدة.

تفاؤل غير مكتمل

في 12 حزيران/ يونيو الماضي، استبشرت قوى “الإطار” الموالية لإيران الخير بانسحاب مقتدى الصدر من المشهد السياسي، وأكدت أن مسألة تشكيل الحكومة الجديدة ستكون سهلة بعد انسحاب زعيم “الكتلة الصدرية”، لكن شيئا من ذلك لم يحدث بعد.

وكان “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، فاز أولا في الانتخابات المبكرة الأخيرة، التي جرت في 10 تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، بحصوله على 73 مقعدا، ثم انسحب من البرلمان العراقي، الشهر المنصرم.

بعد الفوز في الانتخابات المبكرة، شكّل الصدر تحالفا ثلاثيا مع “الحزب الديمقراطي” الكردستاني بزعامة رئيس إقليم كردستان سابقا، مسعود بارزاني، و”السيادة” بقيادة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي.

“التحالف الثلاثي” سُمّي بتحالف “إنقاذ وطن”، وبلغ عدد أعضائه قرابة 180 نائبا، وكان يسعى الصدر لتشكيل حكومة أغلبية، لكنه لم ينجح في ذلك بسبب “الإطار التنسيقي”.

إخفاق “إنقاذ وطن”

قوى “الإطار التنسيقي” الموالية لإيران والخاسرة في الانتخابات، لم تتقبل فكرة تشكيل حكومة أغلبية، وأصرّت على تشكيل حكومة توافقية يشترك “الإطار” فيها.

وعاش العراق في انسداد سياسي، نتيجة عدم امتلاك الصدر الأغلبية المطلقة التي تؤهله لتشكيل الحكومة، وعدم قبول “الإطار” بالذهاب إلى المعارضة، ورغم انسحاب الصدر فإن الانسداد لم ينته بعد.

يذكر أن البرلمان العراقي فشل في عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي تمهد لتشكيل الحكومة المقبلة 3 مرات متتالية، بسبب عدم حضور الأغلبية المطلقة من النواب لجلسة انتخاب الرئيس العراقي، التي يفرضها الدستور لعقد الجلسة.

إذ فشل تحالف “إنقاذ وطن” الذي يمتلك الأغلبية البرلمانية بـ 180 مقعدا من تحقيق الأغلبية المطلقة وهي حضور 220 نائبا من مجموع 329 نائبا.

ذلك الفشل، سببه سياسة الترغيب التي مارسها “الإطار” الذي يمتلك 83 مقعدا فقط، مع النواب المستقلين وغيرهم من أجل الوصول لنحو 110 نواب وبالتالي تشكيل الثلث المعطل، الذي لا يسمح بحصول الأغلبية المطلقة، وهو ما حدث بالفعل.

ويسعى “الإطار التنسيقي”، إلى تشكيل حكومة توافقية، بعد استقالة “التيار الصدري” من البرلمان بتوجيه مباشر من زعيم التيار، مقتدى الصدر، الذي وصف مؤخرا قوى “الإطار” بأنها “أذرع إيران” لأول مرة في تاريخه السياسي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.