من خلال مهاجمة المنشآت التي تسيطر عليها روسيا داخل أوكرانيا والعمل “خلف خطوط العدو”، اعتمدت القوات الأوكرانية “تكتيكا جديدا” لمكافحة الغزو الروسي، حيث يشير المحللون إلى أنها نجحت في منع تقدم القوات الروسية وإلحاق خسائر متزايدة بها.

خلال اليومين السابقين، شهدت عدة مناطق تسيطر عليها روسيا، داخل أوكرانيا وفي عمق الأراضي الروسية، انفجارات استهدفت مواقع استراتيجية لقوات موسكو، وخصوصا في شبه جزيرة القرم.

الأسطول الروسي في مرمى النيران

بعد عدة انفجارات استهدفت القواعد الروسية خلال الأيام السابقة، قال مسؤول روسي، أمس الجمعة، إن الدفاعات الجوية الروسية تم تفعليها فوق مدينة إيفباتوريا في القسم الغربي من شبه جزيرة القرم.

ووفقا لشبكة “سكاي نيوز” البريطانية، اعترف أوليغ كريوتشكوف، مستشار رئيس شبه جزيرة القرم، بأن روسيا أسقطت طائرات بدون طيار حلقت فوق القواعد الروسية.

وجاء الإعلان الروسي عن تفعيل منظومات الدفاع الجوي في القرم، بعدما قال مسؤول غربي، أمس الجمعة، إن انفجارات وقعت هذا الشهر في قاعدة “ساكي” الجوية بالقرم، أدت إلى خروج أكثر من نصف الطائرات الحربية التابعة للأسطول الروسي في البحر الأسود من الخدمة.

وعلى الرغم من أن أوكرانيا قد حددت في السابق خططا لاستعادة جميع أراضيها، إلا أن الهجوم المضاد كان غير متوقعا إلى حد ما لدى موسكو، حيث لم تأخذ الأخيرة تهديدات وزير الخارجية الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف، في 17 آب/أغسطس الجاري، على محمل الجد.

وكان ريزنيكوف، قد أوضح أن الخطط تتضمن مهاجمة أهداف عسكرية في عمق الأراضي التي تحتلها روسيا، وخاصة شبه جزيرة القرم، لإضعاف قدرة القوات الروسية على السيطرة على الخطوط الأمامية.

تكتيك جديد

صحيفة “التايمز” البريطانية، خلال الأسبوع الماضي، ذكرت أن دوي انفجارات سمع بالقرب من قاعدة في بلبيك على الساحل الجنوبي الغربي لشبه جزيرة القرم قرب سيفاستوبول، موطن أسطول البحر الاسود الروسي.

من جهتها، صرحت كييف، أن جسرا استخدمته روسيا لإطعام مئات الجنود المتمركزين على الضفة الغربية لنهر دنيبرو، كان من بين أهداف الهجمات وراء الخطوط الروسية في منطقة خيرسون الجنوبية.

كما أقرت السلطات الروسية في لوغانسك، أن الجيش الأوكراني استهدف المدينة باستخدام أنظمة مدفعية عالية الدقة من طراز “هيمارس” الأميركية.

كما قالت وكالة “تاس” الروسية، إنه تم إخلاء قريتين في روسيا بعد انفجارات في مخزن للأسلحة في منطقة بيلغورود، القريبة من الحدود الأوكرانية، مساء الخميس الفائت، وفق إعلان لحاكم المدينة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي السياق ذاته، بيّنت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن أوكرانيا تبنت مؤخرا خطة تريد من خلالها مهاجمة خطوط إمداد القوات الروسية لجعلها تنسحب من منطقة خيرسون، التي تم الاستيلاء عليها، وتشمل هذه الاستراتيجية مهاجمة مستودعات الذخيرة، والمطارات، والجسور الروسية في شبة جزيررة القرم.

وتحليلا لهذه الاستراتيجية، قال الأستاذ المشارك للتاريخ الدولي في مدرسة “فليتشر”، بجامعة “تافتس”، كريستوفر ميلر، إن الضربات قد تمثل “استراتيجية متعمدة لتعطيل الخدمات اللوجستية، وخطوط الإمداد الروسية”، وكذلك إعادة الحرب إلى “جدول الأعمال السياسي المحلي الروسي”.

ضعف عسكري لموسكو

في التطورات الجديدة للغزو الروسي لأوكرانيا، والذي دخل في شهره السابع، باتت شبه جزيرة القرم، التي تسيطر عليها روسيا ساحة لاستراتيجية جديدة في الحرب الأوكرانية، بحسب تقرير لوكالة “أسوشيتد برس”، بعد أن كانت قاعدة محصنة، ما يشير إلى نقاط ضعف لدى القوات الروسية يستغلها الأوكرانيون، لاستهدافهم من خلف الخطوط.

وبحسب الوكالة الإعلامية، فقد تم تدمير تسع مقاتلات حربية روسية في قاعدة جوية في شبه جزيرة القرم، الأسبوع الماضي، إضافة إلى انفجار مستودع للذخيرة، الثلاثاء الماضي، في موقع بالقرب من بلدة دزهانكوي، ما أدى إلى إجلاء نحو 3000 شخص، وبعد ذلك ألمح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى وقوف قوات أوكرانية وراء العمليات عند حديثه عن “الهجمات خلف خطوط العدو”، بعد التفجيرات الأخيرة.

وبحسب تقارير صحفية اطّلع عليها “الحل نت”، فمن المرجّح أن تفتح الهجمات في شبه جزيرة القرم جبهة جديدة، قد تمثل تصعيدا كبيرا في الحرب، ويمكن أن تزيد من استنزاف موارد روسيا.

الباحث في الشأن الروسي، سامر إلياس، أوضح خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أبرز نقاط الضعف لدى الروس، حيث يرى أن طول خط المواجهات بين الجيشين الروسي والأوكراني، من خاركيف إلى خيرسون وميكلايف بطول 1200 كم، يجعل خطوط الإمداد والقضايا اللوجستية، ونقل الأسلحة والغذاء والوقود للقوات الروسية المتقدمة أمرا بالغ الصعوبة، وما زاد من تفاقم المشكلة، هو استهداف أوكرانيا للجسور على نهر النيبر، في منطقة خيرسون، ما يعني انقطاعا في الإمدادات القادمة من دونتيسك، ولوغانسك باتجاه المناطق الجنوبية في أوكرانيا، أي جبهتي خيرسون وميكلايف.

ولذلك اضطر الروس، لاتباع أسلوب جديد، وهو تشكيل خطوط إمداد جديدة في شبه جزيرة القرم، وتكثيف وجودهم فيها عسكريا ولوجستيا، وهي تحاذي منطقة خيرسون، من جهتين وهما شرق وغرب دنيبر، وتحاول روسيا نقل المعدات من هذه المناطق.

وبحسب إلياس، فإن الخطوة الروسية في شبه جزيرة القرم، جعلت الأهداف بالنسبة للجانب الأوكراني أكثر سهولة، إضافة للدعم الغربي باستهداف خطوط الإمداد في شبه الجزيرة.

ومن الواضح لدى المحللين، أن روسيا سقطت في وحل المستنقع الأوكراني، حيث جاءت توقعات إدارة بوتين خاطئة في إمكانية تحقيق أهدافها خلال فترة وجيزة، لكن المقاومة الأوكرانية، والتكتيكات الجديدة التي تتبعها زادت في الخسائر الروسية بشكل غير متوقع، وهذا ما أدى لوضع الروس في موقف لا يستطيعون معه التقدم في الحرب، أو إيقافها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.