مبادرات ومشاريع مشتركة متواصلة تعكس قوة الشراكة الاستراتيجية التي تربط الإمارات وأميركا. حيث أن الشراكة الاستراتيجية بدأت مع تأسيس دولة الإمارات قبل نصف قرن، وتطورت وازدادت قوة وعمقا بمرور السنين، وتجني الدولتان والمنطقة والعالم ثمارها الآن من خلال التعاون بينهما في ملفات عديدة.

آخر ما تم الاتفاق عليه بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، هو اتفاق استراتيجي لاستثمار 100 مليار دولار في تنفيذ مشاريع طاقة نظيفة بطاقة إنتاجية 100 غيغاواط، وفقا لما ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية “وام”.

كما وشهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، توقيع هذه الشراكة الاستراتيجية التي وقعت اليوم الثلاثاء، بين الإمارات وأميركا. وقع الشراكة الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة المبعوث الخاص للتغير المناخي لدولة الإمارات وآموس هوكستاين المنسق الرئاسي الأميركي الخاص على هامش معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول “أديبك 2022″، المنصة العالمية التي تجمع قادة قطاع الطاقة العالمي ورواده لمناقشة أمن الطاقة وضمان توفير إمدادات كافية ومستدامة منها بتكاليف مناسبة.

ما الأهداف؟

في إطار أهداف هذه الشراكة الاستراتيجية التي تستمد أسسها من العلاقة الوثيقة بين البلدين على مدى خمسة عقود، تهدف إلى تعزيز أمن الطاقة ونشر تطبيقات التكنولوجيا النظيفة ودعم العمل المناخي، بما ينسجم مع أهدافهما للوصول إلى الحياد المناخي بحلول 2050، كما وتهدف هذه الشراكة إلى توسيع الاستثمار في المبادرات العملية والتقنيات الواعدة من خلال التركيز على أربع ركائز أساسية تشمل، “الابتكار في مجال الطاقة النظيفة والتمويل ونشر الحلول والتقنيات وتعزيز سلاسل الإمداد”.

في حين تتمثل بقية الركائز في إدارة انبعاثات الكربون والميثان، وتقنيات الطاقة النووية المتقدمة مثل المفاعلات النمطية الصغيرة وخفض انبعاثات القطاعات الصناعية وقطاع النقل. كما تهدف الشراكة إلى خلق فرص لإطلاق استثمارات مشتركة ومجدية اقتصاديا في الدول الناشئة والنامية من خلال التركيز على دفع مسيرة العمل المناخي العالمي.

بموجب الاتفاقية سيعمل الجانبان على دعم مشروعات الطاقة المستدامة ذات الجدوى الاقتصادية والبيئية في الدول النامية، وذلك من خلال توفير الخبرة الفنية والمساعدة في إدارة المشروعات وتوفير التمويل.

إلى جانب أن الإمارات والولايات المتحدة سيعملان في إطار الركائز الأربع الأساسية لهذه الشراكة على التالي، تطوير مشروعات الطاقة النظيفة في الإمارات والولايات المتحدة والدول الأخرى وتمويلها ونشرها، والاستثمار في تعزيز مرونة وموثوقية سلاسل الإمداد وتحفيز الاستثمار في التعدين الأخضر لإنتاج ومعالجة المعادن والمواد الأخرى اللازمة لتمكين الانتقال في قطاع الطاقة.

أما الأمر الثاني فهو لتسريع وتيرة الاستثمار في حلول خفض الانبعاثات في مجال الوقود التقليدي، والتوسع في تطوير تقنيات التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه، وتحقيق التقدم في قياس وإدارة انبعاثات غاز الميثان، بما يشمل تعزيز أثر البرامج المحلية الهادفة إلى خفض انبعاثات الميثان.

بالإضافة إلى الارتقاء بمنظومة الأمن والسلامة في مجال الطاقة النووية بما يشمل أمن سلاسل الإمداد المرتبطة بها وتشجيع الاستفادة من الطاقة النووية بكونها مصدرا مستداما للطاقة النظيفة ومحركا أساسيا في تقليل الانبعاثات الكربونية، طبقا لـ”وام”.

كذلك، هذه الشراكة تهدف إلى تشجيع الاستثمار والتعاون لتحقيق نتائج ملموسة في خفض الانبعاثات الكربونية في جميع القطاعات الصناعية بحلول 2030، وتوسيع نطاق استخدام الوقود النظيف في قطاعات النقل لمسافات طويلة، مثل قطاع الطيران وقطاع الشحن البحري، وتحفيز التحوّل إلى الطاقة الكهربائية، ورفع كفاءة استهلاك الطاقة بكونها مُحركّات أساسية لخفض الانبعاثات. كما سيشكل فريق من الخبراء في إطار هذه الشراكة للاجتماع كل ثلاثة أشهر بهدف اقتراح المشروعات ذات الأولوية لدعم تطويرها وتنفيذها ضمن الركائز الأساسية لهذه الشراكة وتقييم التقدم المُحرز في تنفيذ المشروعات ذات الأولوية.

الجدير ذكره أن الإمارات تمتلك ثلاثةً من أكبر مشروعات الطاقة الشمسية وأقلها تكلفة في العالم. ويعد برنامجها النووي السلمي دليلا عمليا على استراتيجيتها لتنويع مزيج الطاقة، حيث يشمل هذا البرنامج محطات براكة للطاقة النووية، التي تم تشغيل ثلاث منها حتى الآن وستسهم عند تشغيلها بالكامل في توفير ما يصل إلى 25 بالمئة من احتياجات دولة الإمارات من الكهرباء دون انبعاثات كربونية.

قد يهمك: مصير العلاقات الدولية مع حكومة العراق الجديدة

“واشنطن الشريك الأول”

زار الشيخ محمد بن زايد سانت بطرسبرغ، والتقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مؤخرا، يوم الثلاثاء الفائت، وتم الإشادة بقرار مجموعة “أوبك بلس”، أثناء اللقاء، وأنه يهدف لضمان الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية لجعل مستهلكي موارد الطاقة وأولئك الذين يتعاملون مع الإنتاج والإمدادات يشعرون بالهدوء والاستقرار والثقة، وللمساعدة في تحقيق التوازن بين العرض والطلب.

ضمن هذا السياق، رأى الأكاديمي الإماراتي والأستاذ في كلية الدفاع الوطني في دولة الإمارات، البدر الشاطري، أن “هناك قراءة تقول إن قرار أوبك بلس، بخفض الإنتاج هو نوع من التحيز تجاه موسكو. كما وهناك نظرية مؤامرة تشير إلى أن بعض العواصم الخليجية تسعى لتقويض فرص فوز الحزب الديمقراطي بزعامة جو بايدن، في الانتخابات النصفية الأميركية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. ومع ذلك، لا يوجد دليل يدعم كل هذه الادعاءات على الرغم من أن توقيت خفض الإنتاج قد يفيد روسيا. لكن دول الخليج تستفيد أيضا من التخفيض من حيث زيادة دخلها من النفط والغاز”.

الشاطري، أردف في حديثه السابق لـ”الحل نت”، أن دول الخليج ما زالت تعتبر الولايات المتحدة الأميركية الشريك الأول خاصة في مجال الأمن والتسليح. على الرغم مما يُرى اليوم من إدانة ووعيد من واشنطن، لكن العلاقة ستبقى مهمّة لكلا الجانبين.

الشاطري استدرك ذلك بالقول، “يتضح موقف دول الخليج من خلال تصويتها في الأمم المتحدة أنها إلى جانب الشرعية الدولية التي تدعمها الدول العربية وعلى رأسها الولايات المتحدة”.

وفق تقرير سابق لموقع “الرؤية”، فإن واشنطن تنظر للإمارات على أنها النموذج الذي ينبغي القياس عليه والاقتداء به في تحقيق التنمية بمفهومها الشامل والمستدام، رغم أنها في منطقة لم تشهد يوما الاستقرار الكامل، وأن “ألسنة اللهب” ما زالت تشتعل هنا وهناك.

قد يهمك: بعد انتهاء ولايتها.. ما مصير قرارات حكومة مصطفى الكاظمي العراقية؟

شراكة “متينة”

الدولتان تعملان على أجندة مشتركة تهدف في الدرجة الأولى إلى دعم العلاقات الثنائية بين البلدين بما يرقى للطموحات والتوقعات التي ينتظرها كل طرف من الآخر، وهو ما يدفع إلى مزيد من توسيع مجالات التعاون التي تكتسب كل يوم مساحات جديدة. وشكَّل إطلاق الحوار الاستراتيجي بين البلدين في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 نقلة نوعية ودليلا جديدا على الجهود المشتركة لتعزيز أواصر التعاون بين البلدين، خاصة أن الحوار الاستراتيجي يشمل قضايا تمثل قمة الأولويات للبلدين، تبدأ من التنسيق السياسي والتعاون الدفاعي، إلى التبادل الاقتصادي والثقافي، وحل القضايا الإقليمية، وتعزيز التسامح ومكافحة التطرف.

بحسب التقارير، فهناك مجالات عدة للتعاون في مسيرة العلاقات الإماراتية الأميركية ألا وهو التنسيق الدفاعي بين البلدين، بهدف ردع التهديدات العسكرية من خلال التخطيط والتدريب المشترك، وهو أمر غاية في الأهمية لدولة الإمارات، حيث يساعد تعميق وتوسيع علاقاتها الدفاعية والاستخباراتية مع الولايات المتحدة على مواصلة دولة الإمارات تطوير قدراتها الأمنية، وأيضا “استمرار مواصلة واشنطن لعب دور نشط في الجهود الأمنية الإقليمية”، وفق بيان سابق صادر عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية، وهو ما يؤكد أن الحوار الاستراتيجي بين الإمارات والولايات المتحدة سوف يدفع إلى مزيد من التعاون في مجال إنفاذ القانون وأمن الحدود ومكافحة النشاط الإرهابي، من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدولتين الصديقتين.

إن العلاقات الاقتصادية والمكاسب المتبادلة بين البلدين تعكس حجم الثقة والخصوصية التي تميز العلاقات الإماراتية الأمريكية، بهدف دعم الازدهار المتبادل عن طريق التجارة والاستثمارات المفتوحة في القطاعات الحيوية مثل الطيران والذكاء الاصطناعي، واستخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية، والمشاركة الأمريكية المتميزة في “إكسبو دبي 2020”.

كما أن توقيع الإمارات والولايات المتحدة الأميركية على اتفاقية “123” في منتصف كانون الثاني/ يناير 2009 كان بادرة مرحلة جديدة من تعزيز العلاقات بين البلدين، حيث فتحت هذه الاتفاقية، التي تنسب للمادة 123 من الدستور الأميركي، لتعاون ثنائي في مجال الطاقة النووية السلمية، وتعزيز المعايير الدولية لحظر انتشار الأسلحة النووية ومستويات السلامة والأمن، وفق ما أفادت به وكالة “وام”، في وقت سابق.

هذا وزادت التجارة البينية بأكثر من 40 بالمئة لتصل إلى 24.5 مليار دولار في 2018، وفق تصريح لمسؤولين في قطاع الاستثمار التابع لشركة مبادلة للاستثمار، والذين أكدوا على أن “مبادلة” تستثمر نحو 100 مليار دولار في الولايات المتحدة، كما تستقبل الإمارات 51 بالمئة من الاستثمارات الأميركية في المنطقة العربية، وفق بيانات “إف دي آي ماركتس”، ووصلت الاستثمارات الأميركية في الإمارات حتى تشرين الأول/أكتوبر 2019 إلى نحو 28 مليار دولار، واستمرت الإمارات على مدار 12 عاما كسوق التصدير الأول للولايات المتحدة في المنطقة، وتوجد 1500 علامة تجارية أميركية في الإمارات، وتوفر الاستثمارات الإماراتية نحو 112 ألف وظيفة للولايات المتحدة، وتنتشر في 50 ولاية أميركية، وفق تصريحات لمسؤولين إماراتيين في وقت سابق.

قد يهمك: ليبيا أمام معركة فاصلة.. ما علاقة أنقرة؟

” مشروعات الخمسين”

دولة الإمارات تعتبر من الدول في المراكز الأولى في قوائم مثل أكبر مستثمر عربي بالسوق الأميركية، وأكبر سوق، كما جاءت للعام الـ12 على التوالي في المرتبة الأولى على مستوى المنطقة في قائمة أكبر الأسواق المستقبلة لصادرات الولايات المتحدة.

ضمن هذا الإطار شدد الدكتور أحمد بن عبدالله حميد بالهول الفلاسي، وزير دولة لريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة بدولة الإمارات، في وقت سابق على قوة العلاقات الاقتصادية الإماراتية الأميركية، والتي تعكسها حجم الاستثمارات المتبادلة، حيث تستحوذ الاستثمارات الإماراتية على الحصة الأكبر من إجمالي الاستثمارات العربية بالأسواق الأميركية، برصيد تراكمي يصل إلى مليارات الدولارات.

الفلاسي، أفاد وفق ما نقل عنه موقع “العين” الإخباري، بأن بلاده تحتل المرتبة الأولى عربيا والـ20 عالميا ضمن أهم البلدان المستثمرة في أميركا، وتبلغ استثمارات الشركات الإماراتية بالولايات المتحدة في أنشطة البحث والتطوير المرتبطة بالابتكار والتكنولوجيا نحو 1.7 مليار دولار، فيما ساهمت الاستثمارات الإماراتية في الولايات المتحدة في دعم الصادرات الأميركية بقيمة 1.3 مليار دولار، وفي المقابل يبلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشر الواردة إلى دولة الإمارات من الولايات المتحدة الأميركية بنهاية العام الماضي نحو 19.4 مليار دولار.

كلام الفلاسي، جاء خلال قمة الابتكار والاستثمار الأميركية الإماراتية، مطلع العام الجاري، والتي تنظمها غرفة التجارة الأميركية، وتهدف إلى استكشاف المزيد من فرص التعاون خلال المرحلة المقبلة لتوسيع وتطوير التبادلات التجارية وزيادة حجم الاستثمارات المشتركة، حيث تعقد القمة افتراضياً بمشاركة عدد كبير من شركات القطاع الخاص من البلدين.

من جانبه، أكد ستيف لوتس نائب رئيس غرفة التجارة الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، آنذاك نجاح بيئة الأعمال بدولة الإمارات في تعزيز جاذبيتها للشركات المبتكرة وأصحاب المشاريع الريادية، من خلال الخطط الطموحة التي تنتهجها لخلق نموذج تنموي مستدام للشركات الناشئة، مشيرا إلى أن هذه البيئة والخطط الرائدة تدعم فرص نمو الشراكة بين الشركات في البلدين والتوسع في أسواق منطقة الشرق الأوسط بالتركيز على المعرفة والابتكار.

هذا وحقق التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين قفزات نمو كبيرة خلال السنوات الماضية، مرتفعا من 5.22 مليار دولار في عام 2005 إلى 17.83 مليار دولار في عام 2020، فيما جاءت دولة الإمارات للعام الـ12 على التوالي في المرتبة الأولى على مستوى المنطقة والـ19 عالميا في قائمة أكبر الأسواق المستقبلة لصادرات الولايات المتحدة في عام 2020، حيث بلغت قيمة الصادرات الأميركية إلى دولة الإمارات في العام الماضي 14.75 مليار دولار. وهذا ما يعطي مؤشرا بنمو حجم التبادل التجاري بين البلدين مع نهاية العام الجاري.

منتصف شهر تموز/ يوليو الفائت دعا الرئيس الأميركي جو بايدن، نظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لإجراء بزيارة رسمية للولايات المتحدة قبل نهاية العام الجاري، وجاء حديث بايدن عقب لقاء جمعه بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان على هامش اجتماع مع قادة عرب في جدة، مشيرا إن “تحديات اليوم تزيد من أهمية التواصل بيننا. أريد أن أدعوك رسميا للمجيء إلى الولايات المتحدة (…) قبل انتهاء هذه السنة”. من جانبه، وخلال اللقاء، قال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لبايدن “أعمل على مد الجسور وبناء علاقة قوية بين بلدينا”.

يبدو أن الأزمات الدولية والعديد من القضايا المعقدة والشائكة انعكست وأدت إلى تمتين أواصر العلاقات الإماراتية الأميركية، إضافة إلى طرح مقاربات جديدة لتعميق وتطوير الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن وأبوظبي، وهو ما يحدث حاليا، وهو ما يُسهم في تأمين وتوسيع المصالح المشتركة بين البلدين وتطوير القدرات الدفاعية لدولة الإمارات وقدرتها على مواجهة التحديات والتهديدات بكفاءة عالية، وبما يحفظ المصالح العليا لدولة الإمارات، ومن ثم يبدو أنه سينقل الشراكة الجيو-أمنية مع واشنطن إلى عهد جديد يتوافق مع المتغيرات المتسارعة على الصعيدين الإقليمي والدولي.

قد يهمك: التغيرات المناخية القادمة من أنقرة.. خطر يتهدد سوريا والعراق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة