مع رغبة الجزائر بالانضمام لمنظمة “بريكس”، عدة تساؤلات تثار حول إذا ما كانت تستوفي شروط الانضمام، أو قادرة على تحقيقها في غضون نهاية العام المقبل، خاصة بعد تأكيد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بأن “انضمام بلاده للمنظمة يتطلب تحقيق جملة من الشروط”.

المطالب والشروط التي ذكرها الرئيس الجزائري، تتضمن مواصلة الجهود في مجال الاستثمار، والتنمية الاقتصادية والبشرية، وأيضا الانتقال إلى مستويات أعلى في التصدير، ورفع الناتج الداخلي الخام ما فوق 200 مليار دولار، إضافة إلى موافقة جميع دول “البريكس” على انضمام الجزائر.

منظمة “بريكس”

“بريكس” تكتل سياسي واقتصادي عالمي، يضم كلا من روسيا والبرازيل، والصين والهند وجنوب إفريقيا، ويعتبره مراقبون بمثابة منظمة موازية لمجموعة السبع التي تقودها أميركا.

تكتل “بريكس” يمثل 41 بالمئة من سكان العالم، و40 بالمئة من مساحته و24 بالمئة من الاقتصاد العالمي و16 بالمئة من التجارة العالمية، وتحاول دول “بريكس” زيادة نصيبها من التجارة العالمية، عبر ضم دول لها ثقلها التجاري والاقتصادي والبشري وأيضا من حيث المساحة.

الجزائر تمتلك بعض المقومات التي تمثل إضافة لـ”بريكس”، فهي تعد أكبر بلد عربي وإفريقي من حيث المساحة، وكذلك أكبر مصدر للغاز الطبيعي في القارة السمراء، ورابع أكبر اقتصاد بها، وديونها الخارجية شبه معدومة، ما يمنحها استقلالية أكبر بصناعة القرار.

قد يهمك: الجزائر ترفض قرار أوروبا بشأن سقف أسعار الغاز.. نفوذ جديد لموسكو؟

مجموعة “بريكس” هي مجموعة جيوسياسية في حد ذاتها، وبالتالي انضمام الجزائر لها، مرتبط أساسا بالقدرات الجيوسياسية التي تمتلكها الجزائر، وهذا أهم ما يؤهلها أن تكون عضوا في المجموعة، بحسب حديث الباحث المختص في الشؤون الاستراتيجية رشيد علوش، لـ”الحل نت”.

علوش يشير هنا إلى موقع الجزائر في الخارطة الجغرافية، والإمكانيات الاقتصادية التي تمتلكها الجزائر أيضا من الموارد الطبيعية، والمواد الأرضية النادرة من المعادن.

انضمام الجزائر إلى مجموعة “بريكس”، وفق علوش، سيقدم قيمة إضافية بالنسبة للمجموعة، و”ننظر إلى المجموعة ككتلة جيوسياسية، وليست كتكتل اقتصادي إقليمي فقط، لأن الأمر له خلفيات، بدء من رغبة المجموعة أن تكون قطبا في إعادة تشكيل النظام العالمي أو تعديل النظام الدولي”، وهذا هو الأصل في مجموعة “بريكس”، حتى أن هناك من يقارن بين المجموعة مستقبلا وبين مجموعة الدول السبع الكبار، بحسب علوش.

موافقة دول التكتل

أحد شروط انضمام الجزائر إلى التكتل، هو ضرورة موافقة الدول الخمس، وإن كانت كل من الصين وروسيا أعلنتا موافقتهما على انضمام الجزائر عبر سفيريهما بالجزائر، فإن الرئيس “تبون” أكد موافقة جنوب إفريقيا أيضا.

جنوب إفريقيا تعد حليفا تقليديا للجزائر في الاتحاد الإفريقي، وكانت الجزائر استضافت على أراضيها الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا في 1962، عندما كان يخوض كفاحه ضد التمييز العنصري في بلاده، واستمر هذا التحالف التاريخي إلى اليوم.

حول البرازيل، فإن عودة الرئيس اليساري لولا دا سيلفا، إلى السلطة يخدم مساعي الجزائر للانضمام إلى التكتل، خاصة وأنه تربطه بها علاقات طيبة منذ زيارته لها في 2006، خلال ولايته الرئاسية الأولى، بحسب موقع “إرم الاقتصادية”.

الرئيس الجزائري أشار إلى هذا الأمر خلال لقائه مع الصحافة المحلية، مؤكدا أن “البرازيل مع الانتخابات الجديدة التي فاز بها لولا دا سيلفا”، ويعتقد أنهم “موافقون”، وفق تعبيره.

لكنه لم يوضح موقف الهند لا سلبا ولا إيجابا، ما يعني على الأقل أن المفاوضات ما زالت متواصلة معها، لإقناعها بالموافقة، إلا أن تبون أكد مشاركته في قمة “بريكس” المقبلة نهاية 2023، بعدما سبق له وأن شارك في قمة “بكين”، التي جرت عبر الفيديو في 23 حزيران/يونيو 2022.

مضاعفة الصادرات

من المتوقع أن تصل صادرات الجزائر إلى 56.5 مليار دولار مع نهاية 2022، منها 49.5 مليار دولار صادرات النفط والغاز، ونحو 7 مليارات دولار صادرات خارج قطاع المحروقات، بحسب السياسة العامة للحكومة.

رغم أن هذه الأرقام تمثل قفزة في الصادرات مقارنة بعام 2021، زيادة بنحو 17 مليار دولار، مدفوعة بارتفاع أسعار النفط والغاز وزيادة الكمية المصدر من الغاز ومن السلع خارج المحروقات، إلا أنها تمثل أقل من نصف صادرات جنوب إفريقيا التي بلغت في 2021 أكثر من 121 مليار دولار، بحسب وكالة “الأناضول” التركية.

اقرأ أيضا: بين الاتهامات والدعوات للصلح.. ما هي فرص إنهاء الخلافات بين المغرب والجزائر؟

هذا ما يفسر تأكيد الرئيس الجزائري على زيادة حجم الصادرات كأحد الشروط الضرورية للانضمام إلى “بريكس”، حيث دعا تبون في هذا الصدد، إلى مضاعفة إنتاج الغاز لبلوغ صادرات بـ 100 مليار متر مكعب سنويا في 2023، بينما وضعت الحكومة هدفا للوصول إلى 10 مليارات دولار صادرات خارج المحروقات في نفس العام، و15 مليار دولار في العام الذي يليه.

الجزائر تنتج نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي بمعدل سنوي، صدّرت منه رقما قياسيا في 2022، بلغ 56 مليار متر مكعب، بينما استهلكت نحو 50 مليار متر مكعب، وتعيد ضخ نحو 30 مليار متر مكعب في الآبار للحفاظ على نشاطها.

الوصول إلى الهدف

الجزائر كثفت من استثماراتها في قطاع المحروقات وخصصت لها نحو 40 مليار دولار، للوصول إلى هدفها، حيث حققت اكتشافات هامة في 2022، من النفط والغاز، ودخلت في شراكات مع شركات متعددة الجنسيات على غرار “إيني” الإيطالية و”توتال” الفرنسية و”أوكسدونتال” الأميركية، لاستغلال حقول الغاز وزيادة الإنتاج.

لمضاعفة إنتاجها من الطاقات المتجددة على غرار الطاقة الشمسية، والهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، بالشراكة مع عدة دول على غرار ألمانيا وإيطاليا، تسارع الجزائر الخطى بذلك، من أجل توفير كميات أكبر من الغاز للتصدير، وأيضا تصدير الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء إلى أوروبا مستقبلا.

كما تسعى الجزائر لتصدير الكهرباء إلى أوروبا بالنظر إلى امتلاكها فائضا كبيرا منها قابلا للتصدير، إذ تنتج 25 ألف ميغاواط، بينما لا تستهلك في أوقات الذروة بالصيف سوى 17 ألف ميغاواط، ويتقلص هذا الرقم إلى 11 ألف ميغاواط في الشتاء.

الحكومة الجزائرية تراهن على رفع الصادرات خارج المحروقات إلى 10 مليارات دولار في 2023، و15 مليار دولار في الأعوام المقبلة، بعدما نجحت نسبيا في رهان 5 و7 مليارات دولار في 2021 و2022 على التوالي.

الجزائر تعد أكبر مُصدر للغاز على مستوى القارة الإفريقية، وهذا الأمر مهم جدا مستقبلا في سوق الطاقة، وحتى بالنسبة للاحتياطات النفطية والغازية، بحسب علوش، ويضيف أيضا بأنه لا يوجد عقبات يمكن سردها تقف أمام الجزائر أن تكون العضو السادس في مجموعة “بريكس”، وفق تعبيره.

زيادة الناتج الداخلي الخام

تواضع الناتج الداخلي الخام الذي بلغ 163 مليار دولار في 2021، وفق بيانات “البنك الدولي”، يعد إحدى العقبات أمام انضمام الجزائر إلى منظمة “بريكس”.

بينما يبلغ الناتج الداخلي الخام لجنوب إفريقيا والذي يعتبر أصغر اقتصاد في “بريكس” 419 مليار دولار، أي مرتين ونصف ضعف الاقتصاد الجزائري، وفقا لما ذكرته وكالة “الأناضول”.

لذلك وضع الرئيس تبون، تجاوز 200 مليار دولار ناتجا داخليا خاما، هدفا لدخول “بريكس”، وهو هدف ليس مستحيلا ولا صعبا، ولكنه مرتبط بمدى ارتفاع أسعار النفط والغاز بالدرجة الأولى.

إذ إن الناتج الداخلي الخام للجزائر ما بين 2011 و2014، تجاوز سقف 200 مليار دولار، وبلغ 213.8 مليار دولار في 2014، نتيجة لارتفاع أسعار النفط لتتجاوز سقف 100 دولار للبرميل، وزيادة إنتاج النفط الجزائري ليبلغ 1.5 مليون برميل يوميا.

إنتاج الجزائر حاليا من النفط في حدود مليون برميل يوميا، بالنظر إلى حصتها المحددة من “أوبك+”، والأسعار من المتوقع أن تراوح بين 70 و100 دولار للبرميل في 2023، وفق بعض التقديرات.

لذلك تراهن الجزائر على إمكانياتها الكبيرة من الغاز الطبيعي لمضاعفة الإنتاج الذي يكثر عليه الطلب أوروبيا، لرفع ناتجها الداخلي الخام بزيادة تتجاوز 37 مليار دولار في عام واحد، فالناتج الداخلي الخام، يعني بأبسط تعريفاته قيمة مجموع السلع والخدمات داخل الدولة.

الجزائر قادرة على تطوير مداخيلها من الخدمات خاصة السياحة وتحويلات العمال من الخارج، من خلال تسهيل إجراءات الحصول على التأشيرة للأجانب، وفتح فروع بنكية في البلدان التي تتواجد بها جالية جزائرية كثيفة، وما تسعى إليه الجزائر بانضمامها لمنظمة “بريكس”، يراه مراقبون قفزة وتطور كبير في الاقتصاد الجزائري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.