ما حدث في مؤتمر “ميونيخ للأمن” الأخير، إنجاز مضاف لإنجازات المعارضة الإيرانية بمختلف أطيافها، من خلال الاستعاضة عن دعوة كبير الدبلوماسية الإيرانية بدعوة ثلاث شخصيات معارضة للجمهورية “الإسلامية”. ما يوحي بتآكل شرعية النظام الحاكم في طهران على المستوى الدولي، بعد تآكل شرعيته الداخلية.

دعوة اعتبرها الأمير رضا بهلوي، حسب “بي بي سي” فارسية، علامة قوية على أنه بعد 43 عاما ولأول مرة في العالم، سمع صوت البديل، ويتحدث إلى المعارضة بدلا من التحدث إلى ممثلي طهران. مضيفا، “لقد وجد العالم أنه من أجل إيجاد حل، يجب أن يكونوا مع أولئك الذين ينحازون إليهم، وليس أولئك الذين عارضوهم دائما”.

بدورها، اعتبرت النائبة الألمانية في البرلمان الأوربي، هانا نيومان، إن وجود النشطاء الثلاثة الأمير رضا بهلوي ومسيح علي نجاد وازانين بونيادي الذين يمثلون إيران، يعكس “المسافة التي تتزايد بوضوح بين المجتمع الدولي والنظام الذي يمسك بالسلطة حاليا”. مضيفةً، حسب “راديو فردا”، “لأول مرة، من المهم ألا يمثل إيران في مؤتمر ميونيخ للأمن وزير خارجيتها، بل شخصيات سياسية أخرى لديها رؤية مختلفة لمستقبل إيران”.

على الضفة الأخرى، يؤيدها الأكاديمي والناشط الإصلاحي، صادق زيبا كلام، هذا الرأي، في تغريدة له على “تويتر”، حيث اعتبر زيبا كلام أن ما يسمى بالسياسة الخارجية للنظام “الثورية”، كان لها دورا مهما ورئيسيا في انتصار المعارضة، إضافة لخمسة أشهر من الاحتجاجات داخل وخارج البلاد، والتي حققت نجاحا كبيرا، تكلل بدعوة ثلاثة من زعماء المعارضة إلى مؤتمر ميونيخ. 

ميثاق المعارضة الإيرانية

في نقطة تحول بتشكيل قيادة موحدة في الخارج لتمثيل الحركة الديمقراطية في إيران، عقدت ثماني شخصيات إيرانية معارضة اجتماعا في جامعة “جورج تاون” بداية شباط/فبراير الماضي بعنوان: “مستقبل الحركة الديمقراطية في إيران”.

الأمير المنفي رضا بهلوي، وشيرين عبادي الحائزة على جائزة “نوبل”، والدكتور حامد إسماعيليون رئيس رابطة عائلات الطائرة الأوكرانية التي أسقطها “الحرس الثوري” الإيراني في عام 2020، والصحفية الناشطة في مجال حقوق المرأة مسيح علي نجاد، والممثلات والناشطات نازانين بونيادي وغولشيفته فراهاني، والقائد السابق للمنتخب الوطني الإيراني لكرة القدم علي كريمي، والأمين العام لحزب “كومالا” الكردي الإيراني عبد الله مهتدي، حسب إيران الدولية.

خلال اللقاء، اتفق المجتمعون على إصدار ميثاق لإيران المستقبل في وقت لاحق. حيث وقع ستة منهم حتى الآن على الميثاق. الذي تضمنت الفقرة الأولى منه على ضرورة “تحديد نوع الحكومة من خلال استفتاء وإقامة نظام ديمقراطي علماني يقوم على مبدأ فصل الدين عن الدولة”. مؤكدا، على الحكم الديمقراطي، والعدالة، والسلام، والاستدامة البيئية، والشفافية الاقتصادية و”التكامل الإقليمي وحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، في إشارة إلى “قبول وضع اللغات الأصلية وفقا للقوانين والاتفاقيات الدولية”. 

الفقرة الثانية من الميثاق تعلقت بـ “الحفاظ على وحدة أراضي إيران من خلال احتضان تنوعها اللغوي والعرقي والديني والثقافي”. ومن بين التفاصيل التي تضمنها الميثاق، “حل الحرس الثوري الإسلامي”.

نظام “الملالي” على فراش الموت

على هامش مؤتمر “ميونيخ”، عقد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون لقاء وديا قصيرا مع الناشطة علي نجاد. أشاد خلاله بتشكيل جبهة موحدة من الشخصيات الإيرانية الثمانية، واعدا بالاجتماع معها لاحقا، حسب إيران الدولية.

خلال الأشهر الأخيرة، دعا ولي العهد الإيراني السابق رضا بهلوي إلى تشكيل جبهة منسّقة ضد النظام الإيراني. قائلا، في خطاب متلفز، إن الحركة الاحتجاجية بحاجة إلى استهلال مرحلة جديدة، حسب “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”. مشيرا، إلى ضرورة أن يقود الحركة شخص يمكنه أن يدّعي أمام المسؤولين الأجانب تمثيل الشعب الإيراني.

الناطق الرسمي لـ”التيار الوطني العربي الديمقراطي في الأحواز”، عبد الرحمن الحيدري، لم ينفِ الأهمية لهذا الحضور، وفي ذات الوقت لم يعطه الزيادة من الأهمية. حيث جاء حضور ابن الشاه المعزول، مع مسيح علي نجاد ونازلين بونيادي، على هامش جلسات المؤتمر، ولم تكن هناك دعوة لحضور الجلسات الرسمية للمؤتمر، بل كان الاجتماعات بهم على هامش المؤتمر، ومنها جلسة بحضور نائب في “الكونغرس” الأميركي بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس “الشيوخ” الأميركي، مع نائبة ألمانية في البرلمان الأوربي، هانا نيومان.

حيدري يضيف في حديثه “للحل نت”، ترجع دعوة رضا بهلوي إلى عوامل مختلفة. أهمها، اللوبي الإيراني للملكيين بما لديهم من قدرة مادية كبيرة، تمكنهم من إقامة علاقات مع جهات مختلفة. لذلك أعتقد أنهم حصلوا على هذا الدعوة من خلال الدعم المادي الموجود لديهم، والعلاقات الموجودة لديهم مع بعض الشخصيات السياسية. ومع أهمية ذلك، لكن هذا لا يعني أن تيار الملكيين متفوقين على باقي تيارات المعارضة الإيرانية، الفارسية وغير الفارسية، لاسيما الأخيرة، في ظل الحراك الموجود داخل الجغرافيا السياسية الإيرانية، وفي ظل الثورة التي نعلم حدثت بعد اغتيال الشابة الكردية في طهران، فهذه الثورة ثورة الشعب الكردي، التحقت بها بقية الشعوب الموجودة في الجغرافية السياسية الإيرانية، لاسيما الشعوب غير الفارسية.

في رده على سؤال مراسل “بي بي سي” حول ما إذا كان بإمكانه توحيد المعارضة في الداخل والخارج، قال الأمير رضا، إن الحوار الرئيسي بالطبع هو في أيدي جميع المقاتلين داخل البلاد، من الناشطين المدنيين إلى السجناء السياسيين، وحتى الميثاق الذي يتم العمل عليه، ونحن فقط نعزز الميثاق ونكتسب المزيد من الدعم له، وبالتالي فإن الأساس قائم وهناك تعاون.

أغلب هذه الدعوات لا تأتي وفق التاريخ النضالي أو القاعدة الشعبية للأشخاص، حسب صلاح أبو شريف، أمين عام “الجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية”، بل تأتي وفق عمل لوبيات وشركات ووساطات تقوم بها. مع التركيز على أن الراعي الرسمي لمؤتمر “ميونيخ” لم تكن الدولة الألمانية، بل منظمة غير مختصة وغير حكومية أساسا.

مضيفا، خلال حديثه “للحل نت”، هناك آخرون يحضرون ويلتقون بالبرلمانات الغربية، ويتم الإعلان عنها، ولكن بسبب عدم وجود تغطية إعلامية، لا يتم التعريف عنها بشكل مناسب. وقد كان لقاء عن “جبهة الشعوب غير الفارسية” في البرلمان الأوربي بحضور أكثر من ثلاثين برلماني وست وزراء وممثلون عن الخارجية ورئيس وزراء كندا، في 17 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لشرح مجريات الثورة ومطالب الشعوب غير الفارسية، لكن لم يجد هذا اللقاء طريقا للإعلام، رغم نشر تقرير مفصل عن الاجتماع وعن خارطة الطريق، التي سلمت لمكتب رئيس الوزراء. وهذه اللقاءات، مع البرلمانيين الغربيين، لا تقتصر على طرف من أطراف المعارضة الإيرانية.

في خطابه أمام مجلس “الشيوخ” الإيطالي، حسب “إيران الدولية”، قال حامد إسماعيليون إن “على أميركا والدول الأوروبية تجنب الإغراء الزائف للتفاوض مع نظام على فراش الموت ولا شرعية له بين أبناء شعبه. على الغرب الامتناع عن التفاوض مع النظام الإيراني الذي بات على فراش الموت”. وتساءل: “النظام الذي يقتل شعبه بدم بارد ولا يلتزم بأي قواعد في العلاقات الدولية، كيف يلتزم باتفاق نووي؟”.

التعاون مطلوب من كل الفرقاء

من المدهش، حسب صحيفة “شرق” الإيرانية، استخدام مصطلح الشعب الإيراني بدلا عن الأمة الإيرانية في ميثاقين صادرين عن المعارضة الإيرانية، ميثاق الملكيين، وميثاق “المجلس الوطني” للمعارضة الإيرانية، أو النقاط العشر التي طرحتها الرئيسة مريم رجوي. كما لو أن الأمة الإيرانية غير شرعية أو متشككة فيها حسب هذه الحركات، أو ضغط الجماعات اليسارية أو العرقيين هو السبب في ذلك، هو السبب في استخدام لفظ الشعب وليس الأمة الإيرانية. وتتساءل الصحيفة، هل إيران متعددة الجنسيات من وجهة نظر هذه التيارات، كما يقول اليسار الشركات متعددة الجنسيات.

فيما يخص المعارضة الإيرانية، هناك تيارات مختلفة. التيار الوطني، والتيار الملكي، والتيار اليساري، مع أحزاب مختلفة في التيارات الإيرانية المعارضة، حسب حيدري. جميع هذه الأحزاب لديها أفكار تختلف عن الآخر في بعض الأشياء، لكن جميعهم يتفقون على موضوع واحد وحدة الأراضي الإيرانية. ونقطة الضعف الأساسية لهذه التيارات عدم احتوائهم للشعوب غير الفارسية. بالإضافة لعدم تمكنهم من صياغة خطاب موحد، حيث يقوم كل طرف بجر اللحاف إلى جانبه. الملكيون يريدون إيران ملكية، يحكمها ابن الشاه الأمير رضا. فيما تتبنى سائر التنظيمات النظام الجمهوري. قائلين، عام 1979 تم الإطاحة بالنظام الملكي، فما الضرورة لعودته الآن، وتكرار نفس الأخطاء.

الأمير رضا بهلوي، “شخصية كانت ستعيش مع المصاعب لولا أموال والده، ولو كان في طهران، لما كان يعرف حتى لو نشر صوره على تطبيق “انستغرام”، وفقا لصحيفة “اعتماد”. معتبرة أن لقاء المسؤولين الغربيين مع هذه الشخصيات تصب في مجرى إذلال إيران.

“الحزب الديمقراطي” في الولايات المتحدة يؤيد الملكيين، في المقابل، يؤيد “الحزب الجمهوري” المعارضة الجمهورية الإيرانية، حسب أبو شريف. وهذا ما يجعل كل حزب منهم يلتقي بمن يؤمن به. وفي أوروبا، تدعم فرنسا منظمة “مجاهدي خلق”، أما بريطانيا قريبة من الملكيين، وهو ما يجعلهم يقفون إلى جانب حلفاؤهم في المرحلة الراهنة. معتقدا، أنه في لحظة معينة سيجتمع الجميع حول محور إسقاط النظام الإيراني، وهو ما يتفق عليه كافة المعارضين لهذا النظام، بما فيهم أبناء الشعوب غير الفارسية سواء التحرريين أو الفيدراليين.

لا يطالب الأمير بهلوي بأي سلطة لنفسه، إن تفويضه المقترح حملة قام بها الملكيون في كانون الثاني/يناير الفائت لتوقيع عريضة تفويض الأمير بزعامة الحركة الإيرانية هو مجرد قناة للانتقال بالجمهورية “الإسلامية” إلى حكم علماني ديمقراطي، واعدا بتشكيل جمعية تأسيسية بعد انتصار الثورة، حسب معهد “واشنطن”. ويشير المعهد إلى أن النجاح في إسقاط الجمهورية “الإسلامية” يتطلب التعاون بين كافة أفرقاء الطيف السياسي الإيراني الذين يسعون إلى تغيير الدولة بشكلٍ جذري، بمن فيهم أولئك الذين أشادوا ذات مرة بالخميني كإمام إشارة إلى زعيم “الحركة الخضراء”، والموضوع تحت الإقامة الجبرية، مير حسين موسوي، الذي أطلق بيانا، في الشهر الماضي، دعا فيه لتشكيل جمعية تأسيسية تصوغ دستور جديد لإيران يقره الشعب باستفتاء حر، من أجل إنقاذ إيران، لا من أجل تعزيز الشرعية للنظام.

وحقيقة إن كل يوم تفشل فيه أطياف المعارضة السياسية، في التعاون وتنسيق الجهود فيما بينها في مسعى إسقاط النظام الإيراني، هو منح المزيد من العمر لهذا النظام. هذا إذا لم نقل إنها تخيب آمال شعبها، كما خيب “التيار الإصلاحي” عام 2009 أمل هذا الشعب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.