تهديد رئيس مجموعة “فاغنر” الروسية، المصنفة على قوائم المنظمات الإجرامية دوليا، يفغيني بريغوجين بسحب جزء من مسلحي الشركة من جبهة باخموت شرقي أوكرانيا، في حال عدم تسليم الجيش الروسي الذخيرة اللازمة لها، يعد بأنه التطور الأبرز والمهدد لمعركة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين في أوكرانيا.

بريغوجين، قال في مقابلة مع المدون العسكري الروسي سيميون بيغوف، نشرت يوم السبت الفائت، “لدينا في كل يوم أكوام من آلاف الجثث التي نضعها في توابيت ونرسلها إلى الوطن”. مضيفا أن الخسائر أكثر بخمس مرات من اللازم نظرا لنقص ذخيرة المدفعية.

هذا التصريح العلني، سلط الضوء حول مدى خطورة حصول “تمرد عسكري” من قبل شركة “فاغنر” ضد حكومة بوتين، والمغزى من تهديد بريغوجين بسحب قواته من باخموت، وما إذا كان تهديد انسحاب مجموعة “فاغنر” سيؤثر على الصراع الدائر في أوكرانيا.

تمرد عسكري محتمل ضد بوتين

زعيم مجموعة “فاغنر” ذكر أنه كتب إلى وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو ليطلب منه إمدادات بأسرع وقت ممكن. مؤكدا أنه “إذا لم يتم تعويض عجز الذخيرة، فنحن مضطرون حتى لا نركض مثل الجرذان الجبانة بعد ذلك إلى الانسحاب أو الموت”.

يفغيني بريغوجين قائد مجموعة "فاغنر" - (أ.ب)
يفغيني بريغوجين قائد مجموعة “فاغنر” – (أ.ب)

القائد الروسي السابق إيغور جيركين، الذي كان شخصية رئيسية في ضم شبه جزيرة القرم ونزاع شرق أوكرانيا عام 2014، حذر من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يواجه تمردا عسكريا بقيادة “فاغنر”.

الدعوة إلى انسحاب وحدات “فاغنر” من جبهات القتال دون موافقة القيادة العليا بحسب تقدير جيركين، هي تمرد عسكري، ولا يمكن اعتباره غير ذلك. خصوصا أن القتال للسيطرة على باخموت شرقي أوكرانيا منذ شهور. ووصل القتلى والجرحى إلى معدلات مرتفعة على الجانبين. وتسيطر القوات الروسية على معظم المدينة فيما يسيطر المدافعون الأوكرانيون على منطقة صغيرة فقط غربي المدينة.

بريغوجين أوضح أن “فاغنر” طلبت 4 آلاف ذخيرة، رغم أن الاشتباكات تتطلب 80 ألفا يوميا، مؤكدا أن الجيش الأوكراني يرسل باستمرار تعزيزات إلى جبهة باخموت، في حين تم قطع الذخيرة عن مسلحيه.

مجموعة “فاغنر” التي اكتسبت سمعة سيئة بسبب عملياتها السرية في سوريا وأوكرانيا والقارة الإفريقية، لعبت دورا رئيسيا في مساعدة القوات الروسية في محاولتها للسيطرة على باخموت في أوكرانيا. ومع ذلك، انتقد بريغوجين في كثير من الأحيان وزارة الدفاع الروسية علانية لعدم تزويد مقاتليه بالمزيد من الذخيرة والدعم، لكن هذه المرة تعد الأقوى والتي تشي بتمرد عسكري محتمل على “الكرملين”.

الصراع بين وزارة الدفاع الروسية ومجموعة “فاغنر” المسلحة اشتد مؤخرا، حيث شن بريغوجين هجوما واسعا ضد شخصيات بارزة في الجيش الروسي، بمن في ذلك وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان العامة الروسية فاليري غيراسيموف. وقد اشتكى بريغوجين منذ أكثر من شهر، من تلقيه دعما غير كاف من “الكرملين” من أجل المعارك الشاقة للسيطرة على المدينة الشرقية.

تمرد في طور التكوين

شركة “فاغنر” التي يطلق عليها غالبا جيش بوتين السري، تعمل في شرق أوكرانيا منذ عام 2014. وتشتهر الشركة بتكتيكاتها العدوانية وقد اتهمت بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. على الرغم من أن “الكرملين” لم يعترف رسميا أبدا بوجود “فاغنر”، إلا أن التقارير الاستخباراتية أكدت أن بوتين يمارس الإنكار للسماح لـ”فاغنر” بممارسة سلطة أكبر.

جنود من مجموعة "فاغنر" الروسية في باخموت - إنترنت
جنود من مجموعة “فاغنر” الروسية في باخموت – إنترنت

وفقا لحديث المحلل السياسي الروسي، فاتسلاف ماتوزوف، لـ”الحل نت”، فإنه ليس من الواضح مدى خطورة تهديد تمرد عسكري أو ثورة عسكرية من قبل “فاغنر” ضد حكومة بوتين داخل روسيا، خصوصا أن التقارير متضاربة حول مدى علاقات الشركة بالدولة الروسية، لكن خارج روسيا فإن الأمر مختلف.

تهديدات قائد المجموعة المصنفة “إجرامية” بسحب قواته من باخموت يعد أمرا غير مسبوق وتمرد كبير لأوامر القيادة الروسية بمقتضى حديث ماتوزوف، خصوصا أن العقلية الروسية لا تسمح بظهور الخلافات على الإعلام، وأيضا لأنه يكشف عن نفوذ الشركة على القيادة العسكرية الروسية ويسلط الضوء على احتمال نشوب صراع داخلي داخل المؤسسة العسكرية والسياسية الروسية.

بتقدير المحلل الروسي، إذا ما انسحبت فعليا “فاغنر” من أرض المعركة يمكن أن يؤثر على الصراع في أوكرانيا، حيث انخرطت المجموعة في القتال إلى جانب الانفصاليين الموالين لروسيا في المنطقة، وحققت تقدما غير مسبوق نظرا لتمرس أعضائها في حروب خارج البلاد، على عكس الجنود الروس الذين فشلوا في المعركة.

من غير الواضح كيف ستستجيب القيادة العسكرية الروسية لتحذير بريغوجين، لأن الوضع معقد وينطوي على جهات فاعلة متعددة ذات مصالح متضاربة. وتبعا للمحلل السياسي الروسي، فإنه يصعب التنبؤ بالعواقب المحتملة لانتفاضة عسكرية ضد حكومة بوتين، لكنها قد تؤدي إلى صراع كبير على السلطة وربما نشوب حرب أهلية.

باخموت تكشف الصدع في القوات الروسية

في شهر شباط/فبراير الماضي، اتهم رئيس “فاغنر” هيئة الأركان العامة لبلاده بـ”الخيانة” برفضها على حد قوله، تسليم معدات لرجاله الذين هم في الخطوط الأمامية في شرق أوكرانيا.

جنود أوكرانيون خلال قتال مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك، أوكرانيا، 9 كانون الأول/ديسمبر 2022. © رويترز
جنود أوكرانيون خلال قتال مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك، أوكرانيا، 9 كانون الأول/ديسمبر 2022. © رويترز

بريغوجين قال في تسجيل صوتي نشره مكتبه الإعلامي على تطبيق “تلغرام”، إن “رئيس الأركان ووزير الدفاع يصدران الأوامر، ويطلبان ليس فقط عدم تسليم الذخيرة لمجموعة فاغنر، ولكن أيضا عدم مساعدتها في مجال النقل الجوي”. مضيفا أن “هناك مواجهة مباشرة لا تقل عن محاولة لتدمير فاغنر. وترقى إلى خيانة للوطن في حين تقاتل فاغنر من أجل باخموت وتتكبد خسائر بشرية بالمئات كل يوم”.

تحذيرات جيركين تسلط الضوء على الموقف المحفوف بالمخاطر الذي يجد بوتين نفسه فيه، حيث يكافح من أجل إدارة المصالح المتنافسة لجيشه وعدد متزايد من المتعاقدين العسكريين الخاصين. لا يزال الوضع في أوكرانيا متوترا، وليس من الواضح ما إذا كانت مجموعة “فاغنر” ستتابع تهديداتها. لكن مع استمرار تصاعد التوترات، لا يزال احتمال اندلاع تمرد عسكري روسي مصدر قلق حقيقي داخل “الكرملين”.

أوكرانيا أكدت أمس الأحد، أن قواتها تسيطر على أجزاء من مدينة باخموت، ومحور الهجوم الروسي مستمر منذ وقت طويل في شرق البلاد، بينما قال قائد قوة كبيرة موالية لموسكو إن رجاله يحرزون تقدما في المدينة.

نائبة وزير الدفاع الأوكراني، هانا ماليار، قالت إن “القتال العنيف مستمر في مدينة باخموت. العدو غير قادر على السيطرة على المدينة رغم إرسال كل قواته إلى المعركة وتحقيق بعض النجاح”. مضيفة أن “الدفاع في باخموت قادر على التعامل بفاعلية مع مهامه العسكرية”، ولا يكشف الجيش الأوكراني بالضبط عن المساحة التي يسيطر عليها الروس في المدينة.

موقف مجموعة “فاغنر” يكشف عن توترات خفية داخل المؤسسة العسكرية والسياسية الروسية، حيث يعتقد أن المجموعة المرتبطة بالاستخبارات وقائدها باتوا قادرين على ابتزاز القيادة العسكرية الروسية علنا، وهذا يعني بوجود انقسامات وصراعات على السلطة داخل أعلى مستويات الحكومة الروسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات