في سعي مستمر لتخفيف الضغوط الاقتصادية الحادة التي تواجهها، نتيجة الأزمة النقدية ومشاكل أخرى تتعلق بسداد الديون، تحاول مصر أن توسع علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع قوى كبرى مثل الهند ودول الخليج العربي ودول إفريقية أخرى، لزيادة تدفق النقد الأجنبي وتحسين عملتها المحلية، وإيجاد حلول لتجاوز كافة الأزمات.

مصر تدرك أن للتعاون الاقتصادي والتجاري مع دول مثل الهند أهمية كبيرة في تعزيز اقتصادها وتوسيع قاعدة الأسواق التي يمكنها التصدير إليها، وقد شهدت العلاقات الهندية المصرية تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للهند في كانون الثاني/يناير الماضي والتي حل فيها كضيف شرف لاحتفالات نيودلهي بيومها الوطني ” عيد الجمهورية ” وذلك للمرة الأولى في تاريخ علاقات البلدين.

إذ ترتكز الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة ونيودلهي على التجارة والاستثمار والتكنولوجيا إضافة للطاقة والسياحة، وتساعد الجهود المبذولة من الجانبين على تعزيز النمو الاقتصادي في كلا البلدين.

من جانبها نقلت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية، أمس الاثنين، عن وزير التموين المصري علي المصيلحي قوله، إن الهند ستقدم لمصر خط ائتمان بقيمة غير محددة، إذ يأتي ذلك في اتجاه انضمام الهند لقائمة مقرضي مصر.

تقارير إعلامية ذكرت بأنه من المقرر أن يزور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مصر هذا الشهر، لتكون أول زيارة يقوم بها للقاهرة منذ تقلده مهام منصبه في عام 2014، حيث يسعى البلدان إلى أن يصبحا “شريكين استراتيجيين”.

زيارة مودى لمصر، بحسب ما نقلته شبكة تليفزيون “وايون الإخبارية” الهندية، تأتي في إطار العلاقات المتميزة التي تربط البلدين، والعمل على زيادة تعزيزها على مختلف الأصعدة، و تأتي الزيارة ضمن نشاط خارجي لرئيس الوزراء الهندي يزور فيه الولايات المتحدة الأميركية هذا الشهر أيضا.

توجه لخطوط الائتمان

عادة ما تستخدم مصر خطوط الائتمان في عمليات استيراد السلع الأساسية، بما في ذلك المواد الغذائية، ويمكن أن يخفف هذا التسهيل من الضغوط على اقتصادها، حيث تسعى القاهرة إلى النهوض بعد موجة الصدمات التي تعرضت لها بدءا من تداعيات جائحة “كورونا”، مرورا باندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها السلبية على إمدادات الغذاء وقطاع السياحة وارتفاع أسعار الكثير من السلع الأساسية.

رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الرئاسة المصرية)
رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الرئاسة المصرية)

أيضا سجل التضخم ارتفاعا حادا في مصر بعد سلسلة تخفيضات لقيمة الجنيه، فضلا عن النقص الكبير الذي عرفته العملات الصعبة والتأخير الذي شهدته عملية الإفراج عن الواردات، ما أرخى بظلال سلبية على سلع حيوية ومعدات مستوردة ومن ثم على أسعارها والصناعات القائمة عليها، بحسب ما نقلته صحيفة “العرب” اللندنية.

دلالات عدة يتضمنها فتح خط ائتمان هندي بقيمة غير محددة مع مصر وخاصة أن نيودلهي تعتبر ثالث أكبر شريك تجاري للقاهرة، أبرزها زيادة التعاون والتنسيق الاستراتيجي بين البلدين، وأيضا تعكس هذه الخطوة الجهود الكبيرة التي تبذلها مصر في محاولة منها تحقيق استقرار لاقتصادها، هذا ولا تقتصر الجهود المصرية على فتح خط ائتمان مع الهند فحسب، بل تبحث عن خط ائتمان من دول أخرى، باعتبار ذلك أداة أفضل من القروض، لأنها تتسم بالمرونة في التعامل.

الباحثة في الشؤون الاقتصادية سنية عبد القادر ترى بأنه في ظل الضغوط الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد المصري، وتراجع الحصيلة الدولارية، تسعى القاهرة للحصول على خط ائتمان يمكنها من شراء السلع الأساسية من الهند مثل القمح على سبيل المثال.

عبد القادر تضيف خلال حديثها لـ”الحل نت” بأن خطوط الائتمان عادة ما تُستخدم لاستيراد السلع الأساسية، بما في ذلك الغذاء. كما يمكن أن يخفف التسهيل من الضغوط على الاقتصاد، ودفعت بوادر التقدم في خطة مصر لجذب الاستثمارات الأجنبية في الأصول وانتعاش السياحة، لا سيما في ظل توقعات “سيتي جروب” بأن الحكومة قد تتجنب خفض قيمة العملة حتى أيلول/سبتمبر المقبل على الأقل.

في سياق ذلك، تأتي الهند في المرتبة السابعة بين الشركاء التجاريين لمصر، البلد العربي الأكبر من حيث تعداد السكان مع 104 ملايين نسمة، وعلى مستوى الاستثمارات فإنّ الجانب المصري يدرس، إمكانية تخصيص مساحة أرض خاصة للصناعات الهندية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وذلك لتعزيز القيمة الحالية لاستثمارات الهند في مصر والبالغة 3.15 مليارات دولار، بحسب بيان نشرته الرئاسة المصرية في كانون الثاني/يناير الماضي، وذلك في ختام زيارة للرئيس المصري إلى الهند.

مجالات عدة

من المعروف أن مصر تعد من أكبر الدول المستوردة للقمح عالميا، لكن رجحت بعض التقارير الصحيفة والتحليلات، بأن خط الائتمان الهندي لمصر لن يقتصر على التعاملات المتعلقة بالقمح فقط، وإنما سيشمل أنواعا مختلفة من السلع فيما يتعلق بالتبادل التجاري بين البلدين، كما أن تكلفة العمليات التجارية ستكون بالعملة المحلية أو أي عملة أخرى خلاف الدولار.

في سياق ذلك، أوضح وزير التموين المصري خلال مشاركته في المؤتمر السنوي الثاني لغرفة الصناعات الغذائية تحت عنوان “الاستدامة وزيادة الاستثمار في التصنيع الزراعي” أمس الاثنين، أنه لم يُفتح خط ائتمان مع الهند حتى الآن، لكن المناقشات جارية فيما يتعلق بسداد أموال واردات القمح باستخدام عملات أخرى غير الدولار.

المصيلحي لفت إلى وجود مناقشات مماثلة تجرى حاليا مع دول أخرى للتوصل إلى صيغة للتبادل بالعملات المحلية بينها ومصر، وذكر أنه في أيار/مايو الماضي الحكومة أرجأت فتح خطابات ائتمان لسداد قيمة واردات القمح بهدف تخفيف الضغوط المالية الناجمة عن نقص العملات الأجنبية، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز”.

من جانبها تقول الباحثة الاقتصادية سنية عبد القادر بأنه عادة ما تستخدم خطوط الائتمان لاستيراد السلع الأساسية، ومعظمها من المواد الصالحة للأكل والمواد الخام ذات الصلة، وقد قدمت الهند خطوط ائتمان مماثلة لإنقاذ الاقتصاد المضطرب لجارتها الجنوبية سريلانكا، وبالنسبة لمصر، قد تخفف الخطوة الهندية الضغوط على الاقتصاد، وسط مؤشرات على التقدم في خطة مصر لبيع الأصول الحكومية.

عبد القادر تضيف بأن مصر بدأت التجارة مع الدول الأخرى باستخدام عملاتها الخاصة بدلا من الدولار الأميركي. يأتي ذلك في الوقت الذي وافقت فيه الدولة على استيراد منتجات من روسيا والهند باستخدام الروبل الروسي والروبية الهندية؛ فمنذ عام 2018، تم تنفيذ آلية التسوية بالعملة المحلية “أل سي أس” وتبنيها من قبل عدد من الدول، بما في ذلك ماليزيا واليابان وتايلاند، وعلاوة على ذلك، تبنت الهند سياسة تجارة خارجية جديدة للتجارة بالروبية مع الدول التي تواجه نقصا في الدولارات من أجل تعزيز صادراتها.

تتابع الباحثة الاقتصادية حديثها بأنه للاستيراد بالعملة المحلية للدولة المصدرة، تحتاج مصر إلى التوصل إلى اتفاق مع البنوك المركزية لهذه الدول للحصول على عملاتها للتجارة أو للسماح بالدفع بالجنيه المصري لها.

فوائد متبادلة

خلال العشرة أشهر الأولى من العام 2022، ارتفع حجم التجاري بين مصر والهندي بنسبة 20.8 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2021، ومن بين أهم السلع التي صدّرتها مصر إلى الهند خلال هذه الفترة كانت الوقود والزيوت المعدنية ومنتجات تقطيرها بقيمة 878 مليون دولار ومنتجات كيميائية غير عضوية بقيمة 199.7 مليون دولار، إضافة لأسمدة بقيمة 185.7 مليون دولار، وملح وكبريت وأحجار بقيمة 68.4 مليون دولار، وأيضا القطن بقيمة 61.9 مليون دولار، وفقا لموقع “سكاي نيوز عربية”.

الرئيس المصري في الهند/وكالات
الرئيس المصري في الهند/وكالات

كما أن قيمة الاستثمارات الهندية في مصر، وفقا لتصريح صحفي لوزير الصناعة والتجارة المصري أحمد سمير، بلغت حوالي 3.2 مليار دولار في 52 مشروعا في مجالات الكيماويات وأسود الكربون والتعبئة والتغليف والمنتجات الغذائية والسياحة.

بشكل عام، تعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر والهند يعود بالنفع على الاقتصاد المصري، وفق عبد القادر، للاستفادة من استيراد القمح من الهند؛ حيث أنه في أعقاب الأزمة الروسية الأوكرانية اعتمدت الحكومة المصرية الهند كدولة منشأ لاستيراد القمح، إلى جانب مساعدة توطيد العلاقات المصرية الهندية مساعدة مصر على فتح آفاق استثمارية مشتركة؛ نظرا لحاجة مصر الملحة للاستثمار الأجنبي المباشر، ويمكن أن يكون جذب الاستثمارات الهندية المباشرة من خلال تقديم بعض الامتيازات عن الدول الأخرى، ويمكن أن تصبح مصر شريكا للهند في مشروعاتها في إفريقيا.

كما يسهم خط الائتمان بتوفير المزيد من السلع الأساسية لمصر، كما يعتبر خط الائتمان المرن الجديد المُرتقب صمام أمان للتعامل مع أي من الصدمات المفاجئة، وضمن الإجراءات الاحترازية في سبيل مواجهتها، ومن شأنه دعم صلابة الاقتصاد المصري وثقة المؤسسات الدولية والمستثمرين الأجانب في الاقتصاد الوطني.

أخيرا، إن ما تتمتع به مصر من موقع استراتيجي واتفاقات للتجارة الحرة مع الهند، ذلك يتيح لها أن تكون قبلة للمستثمرين الهنود وبوابة عبور لهم للاستثمار والعمل في بلدان إفريقيا ووسط آسيا، في موازاة ذلك تسير القاهرة على طريق تكوين علاقات تجارية مماثلة مع دول عدة، بما يخلق ظروف ملائمة تساعد الحكومة المصرية على تجاوز صعوبات توفير الدولار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات