في سياق حراك مصر الدبلوماسي لتوسعة علاقاتها بمحيطها الإقليمي والدولي أملا في النهوض بواقع حال البلاد، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أمس الأحد، في القاهرة، حيث وقّع الجانبان إعلان رفع علاقات بلادهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، الأمر الذي فتح باب التساؤل حول مدى أهمية ذلك ومكاسبه.

ذلك جاء خلال لقاء جمع الرئيسين في قصر الاتحادية شرق العاصمة المصرية القاهرة، في أول زيارة من نوعها يقوم بها رئيس الوزراء المصري؛ عقد أثناءها الجانبان مباحثات على مستوى القمة بشأن سبل تعزيز العلاقات في كافة المجالات في المرحلة المقبلة، وأكدا خلالها الالتزام المتبادل بالوصول بها إلى آفاق أرحب في مختلف المجالات.

الاجتماع شهد أيضا تبادل وجهات النظر بشأن تطورات عدد من الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، في حين وجه رئيس الوزراء الهندي دعوة للرئيس المصري للمشاركة في أعمال القمة المقبلة لمجموعة العشرين بنيودلهي تحت الرئاسة الهندية.

اعتبارات الهند ومصر

من جانبه، أعرب السيسي عن ثقة مصر في رئاسة هند النشطة لمجموعة العشرين ستُسهم في احتواء التداعيات السلبية للتحديات الدولية على الاقتصاد العالمي، وأكد استعداد مصر الكامل للتعاون مع الرئاسة الهندية لدفع المحادثات في الاتجاه البناء، وبما يتيح التوصل للطرق المثلى في التعامل مع أزمات الطاقة، وتغير المناخ، ونقص الغذاء، والحصول على التمويل للدول النامية.

زيارة مودي هذه تأتي في أعقاب زيارة قام بها السيسي إلى نيودلهي في كانون الثاني/يناير الماضي، وقرر الجانبان آنذاك أيضا رفع العلاقات لمستوى الشراكة الاستراتيجية، كما تزامنت مع مرور 75 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، في حين قلّد السيسي، رئيس الوزراء الهندي بقلادة النيل، التي تمثل أرفع الأوسمة المصرية.

فيما ستستمر زيارة رئيس الوزراء الهندي ليومين، حسبما صرح به سفير الهند بالقاهرة أجيت جوبتيه، للإعلام المصري، لافتا إلى أن آخر زيارة لرئيس وزراء هندي إلى القاهرة تعود إلى عام 1997، في حين زار مودي خلال زيارته مسجد الحاكم بأمر الله الذي يعود تاريخه إلى القرن الحادي عشر، والذي جددته طائفة البهرة، وهي فرع شيعي له وجود كبير في ولاية جوجارات مسقط رأس مودي.

في هذا السياق، يقول المحلل السياسي المصري محمود أبو حوش، في حديث مع موقع “الحل نت”، إن رفع مصر والهند العلاقة الاستراتيجية بينهما إلى هذا المستوى، يعود لعدة اعتبارات مهمة.

أول تلك الاعتبارات بحسب أبو حوش، أن مصر مؤخرا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حاولت زيادة وتنويع مصادر اعتمادها على القمح، وكانت الهند من ضمن هذه المصادر، باعتبارها دولة رائدة في مجال تصدير القمح، لذا كان من باب أولى أن القاهرة تقوم بتعزيز علاقتها الاستراتيجية مع الهند.

أبو حوش يوضح، أنه خلاف ذلك هناك تعاون استراتيجي اقتصادي ما بين مصر وما بين الهند، باعتبار أن القاهرة مستورد أساسي للعديد من السلع الهندية، وبالتالي فإن تعزيز العلاقات الاقتصادية ما بين البلدين، يصب في صالح الدولتين على المدى البعيد والمدى القريب، وفقا لأبو حوش.

التبادلات بين الهند ومصر

إلى ذلك، قالت مصادر في هذا الشهر، إن الهند تدرس مقترحا يسمح لمصر، التي تواجه نقصا حادا في العملة الأجنبية وتبذل جهودا مضنية لجذب الاستثمار الأجنبي، بإجراء عمليات شراء بالروبية ومقايضة سلع مثل الأسمدة والغاز.

مصر والهند يعززان علاقاتهما/ إنترنت + وكالات

هذا وينظر إلى الهند على أنها حريصة على تعزيز العلاقات مع مصر لأسباب، منها تأمين التجارة عبر “قناة السويس”، حيث صدرت الهند بضائع بقيمة 4.11 مليار دولار إلى مصر في العام المالي الماضي، واستوردت ما بلغت قيمته 1.95 مليار دولار.

في حين بلغت قيمة التبادل التجارى خلال عام 2022 بين الهند ومصر نحو 7 مليارات دولار، كما سيتم رفعه بالسنوات الـ 5 القادمة لـ 12 مليار دولار، بينما بلغت الاستثمارات الهندية فى مصر نحو 3.5 مليار دولار، مقابل 1.9 مليار دولار قيمة الصادرات المصرية إلى الهند خلال 2022.

كما أن قيمة الواردات المصرية من الهند خلال 2022، بلغت 4.1 مليار دولار، وكان من أهم تلك الصادرات للهند؛ الوقود المعدني والزيوت المعدنية والأسمدة، وذلك مقابل استيراد مصر للحوم والحديد والصلب والوقود المعدني الهندي

يشار إلى أن الهند تأتي في المرتبة السابعة بين الشركاء التجاريين لمصر، البلد العربي الأكبر من حيث تعداد السكان بنحو 104 ملايين نسمة، والذي يسعى، بحسب إلى تنويع شركائه التجاريين، في ظل أزمة اقتصادية صعبة تشهدها البلاد يأتي على رأسها نقص العملة الأجنبية وارتفاع معدل التضخم بعد تخفيض “البنك المركزي” المصري قيمة العملة المحلية أمام الدولار.

إذ تتطلع مصر لإرساء علاقة استراتيجية بين البلدين في مجال تبادل السلع الاستراتيجية، ولاسيما ما يتعلق بأن تصبح الهند إحدى الدول الأساسية في توريد القمح إلى مصر.

العلاقات الهندية المصرية

تاريخ العلاقات المصرية الهندية يرجع منذ زمن الزعيم سعد زغلول الذي ربطته علاقة قوية بالمهاتما غاندي، وامتدت في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بجواهر لال نهرو، وأدت لتوقيع اتفاقية صداقة بين مصر والهند عام 1955، وكان للدولتين دور متميز في مؤتمر باندونج وفي إنشاء وإرساء جذور حركة عدم الانحياز.

الرئيس المصري أثناء زيارته إلى الهند/ إنترنت + وكالات

التعاون المصري الهندي امتد على مرّ السنين إلا أنه شهد موجات من الابتعاد والتقارب حتى تعززت العلاقات الأخوية والودية بين مصر والهند بشكل أكبر من خلال رحلات الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الهند في تشرين الأول/أكتوبر 2015 وأيلول/سبتمبر 2016.

العلاقات الثنائية بين القاهرة ونيودلهي، شهدت تطورا كبيرا أسهمت فيه الزيارتان اللتان قام بهما الرئيس عبدالفتاح السيسي للهند، فالعلاقات القوية الراسخة التي تضرب بجذورها في عمق التاريخ بين البلدين تتعزز يوما بعد يوم لتعكس الإرادة السياسية للجانبين لتعميقها من خلال الزيارات المتبادلة على كافة المستويات والتي زادت وتيرتها خاصة منذ العام الماضي 2022 حيث قام وزيرا الخارجية والدفاع الهنديين بزيارة إلى القاهرة كما شارك وفد رفيع المستوى في فعاليات مؤتمر المناخ الذي عُقد في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بشرم الشيخ.

تاريخ العلاقات العريق ساهم بتوقيع البلدين عدة اتفاقيات استراتيجية، خاصة الاقتصادية منها، من بينها، اتفاق 15 نيسان/أبريل 2022، عندما وافقت مصر على الهند كمورد معتمد للقمح وتم شحن الشحنة الأولى من القمح الهندي إلى مصر في أيار/مايو 2022.

كما زادت التجارة الثنائية والاستثمارات المشتركة بين مصر والهند إلى مستويات غير مسبوقة، إذ إنه على مدى السنوات الأخيرة رحّبت السوق المصرية بالشركات الهندية وحلول التكنولوجيا المبتكرة في جميع المجالات بما في ذلك الطاقة المتجددة والأدوية وإنتاج الأغذية والخدمات اللوجيستية والهندسة والنقل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات