بعد أن زار مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان، المملكة العربية السعودية وأجرى محادثات مع المسؤولين السعوديين والتقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جدة، مؤخرا، تحدّث الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم الجمعة الماضي، أن اتفاقا قد يكون وشيكا مع المملكة بهدف الوصول إلى اتفاق سلام بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل.

الرئيس بايدن أردف للمساهمين في حملة إعادة انتخابه لعام 2024 في لقاء أُقيم في فريبورت بولاية مين، أن هناك تقارب ربما يكون جاريا، إلا أنه لم يذكر أي تفاصيل عن الاتفاق المحتمل. ويسعى المسؤولون الأميركيون منذ شهور للتوصل إلى ما قد يكون اتفاقا تاريخيا بين السعودية وإسرائيل، وفق العديد من التحليلات.

كان من بينهم، أبرز الكتّاب في صحيفة “نيويورك تايمز“، توماس فريدمان الذي كتب في مقالته، أن بايدن يدرس ما إذا كان سيمضي قُدما في اتفاق أمني بين الولايات المتحدة والسعودية يتضمن إقامة علاقات سلام بين المملكة وإسرائيل.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول دلالات حديث الرئيس بايدن، عن اتفاق وشيك مع السعودية، واحتمالات نجاح هذه الخطوة، وما إذا كانت الولايات المتحدة والسعودية ستتوصّلان إلى اتفاق يتضمن اتفاقيات عسكرية ونووية، وانعكاسات ذلك على مكانة السعودية في المنطقة والشرق الأوسط ككل، وعلى نفوذ الصين في المنطقة أيضا، فضلا عن التوسعات العدائية لوكلاء إيران.

رغبة الأطراف بالاتفاق

فريدمان، قال أيضا في مقالته المنشورة يوم الخميس الماضي، إن الرئيس بايدن قرر إرسال مستشاره للأمن القومي إلى السعودية لبحث تفاهمات من شأنها دفع عملية السلام في الشرق الأوسط، معتبرا أن الاتفاق في حال حدوثه سيغيّر قواعد اللعبة في المنطقة.

الرئيس الأميركي جو بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان- “سي إن إن”

فريدمان، لفت في الوقت ذاته في مقالته إلى أن الرئيس بايدن، يتصارع مع فكرة دعم اتفاقية أمنية أميركية سعودية تمهّد الطريق إلى “تطبيع” العلاقات بين السعودية وإسرائيل، شريطة أن تقدم تل أبيب تنازلات للفلسطينيين تحافظ على إمكانية حلّ الدولتين، مؤكدا أن قرار إرسال سوليفان للسعودية جاء بعد نقاشات بين بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومنسّق شؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك.

في سياق متّصل، قال مسؤولون في “البيت الأبيض” إن سوليفان، أحد أكثر مساعدي بايدن الموثوق بهم، كان في جدة هذا الأسبوع مع ماكغورك لمناقشة إمكانية التوصل إلى اتفاق للسلام. ويرى المسؤولون الأميركيون أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والسعودية بعد أن توصّلت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى اتفاقات مماثلة بين إسرائيل وكلٍّ من المغرب والسودان والبحرين والإمارات.

في هذا الصدد، يقول الكاتب والمحلل السياسي ميّار شحادة لموقع “الحل نت”، إن العلاقات بين السعودية وإسرائيل كان يتم الحديث عنها على الأقل منذ التسعينيات، وترى الولايات المتحدة نفسها راعية لهذه الاتفاقية أكثر من كونها منخرطة فيها، على الرغم من إمكانية توطيد وإقامة علاقات اقتصادية يمكن الاستفادة منها عبر إتمام هذه الاتفاقية.

بالنظر إلى أن الولايات المتحدة تعتبر نفسها راعية لهذه الاتفاقية، فإن “الجانب الإسرائيلي يعرف جيدا أن الاتفاقية مع السعودية تعني إنهاء العداء الإسلامي تجاه دولة إسرائيل، وسيكون هناك انفتاح اقتصادي وربما اجتماعي لاحقا، وبالتالي تل أبيب تتوق إلى أن يحدث هذا الاتفاق”، وفق ما يحلله شحادة.

لا تريد إسرائيل تقديم تنازلات كما تريد دول الخليج بشكل عام والسعودية تحديدا من حيث الاستثمار والتصنيع العسكري وتكنولوجيا نوعية. ومع ذلك، كان للسعودية نفس الموقف منذ نشأتها، بل إنها كانت تتحدث عن موقفها علانية، وهو أنها تريد وجود دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. بمعنى آخر، لا تعارض المملكة وجود دولة إسرائيل، بل تعارض عدم وجود حقوق للفلسطينيين، حسب ما يوضّحه شحادة.

لذلك سعت إلى اجتماع مدريد للسلام، وحضرت السعودية هذا الاجتماع بشكل جيد لدرجة أنها دعت إليه القوى الكبرى لنجاح هذا الاجتماع، وأسفر هذا الاجتماع عن اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حتى لو كانت هذه الاتفاقية معروفة للحدود الدنيا في المملكة وبعض دول الجوار مثل مصر والأردن، المهتمين بالجغرافيا الفلسطينية، وفق تعبير شحادة.

السعودية تريد من واشنطن أن تكون شريكا في برنامجها النووي المدني، شريطة أن تسمح بنقل التكنولوجيا اللازمة لتخصيب اليورانيوم داخل أراضيها، وهو المطلب الذي لطالما كان عقبة أمام التعاون ابين الجانبين في مجال الطاقة النووية.

بالعودة إلى خطاب بايدن، فإنه وفق تقدير شحادة يشير إلى أنه يسعى لاستقطاب التأييد له، وتبدو الحملة الانتخابية وفرصه الانتخابية ضعيفة، وسينشط هذا الملف مع السعودية ولهذا بعث بمستشاره إلى المملكة.

وقف ابتزاز إيران

شحادة يقول إنه بعد الانتفاضة الثانية عام 2000 كانت هناك دعوات لضرورة إنهاء الملف الفلسطيني، ومع تعميق المشكلات في المنطقة بشكل عام سواء في العراق أو سوريا والسودان مؤخرا، وظهور الإرهاب وبعض المشاريع المعادية في المنطقة، وتفاقم ملفات المنطقة يوما بعد الآخر، بدأت المملكة تنظر إلى القضية الفلسطينية من واقع مختلف على أن تحريك الملف وحلّه يبدو أفضل من البقاء في حالة الجمود.

من جهة أخرى، عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة منذ الاتفاق النووي الإيراني، وعادت طهران باستغلال القضية الفلسطينية بشعارات وطنية رنانة، ويبدو أن المملكة التقطت هذا الأمر، فكان من الضروري حلّ القضية من جذورها، وعدم السماح لبعض الأطراف التلاعب بمستقبل القضية واللعب على وتر العاطفة الوطنية كما تفعل إيران، حسبما يراه شحادة.

مشروع السلام في الشرق الأوسط مع إسرائيل هو مشروع قديم يعود إلى عهد الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، ولكن بدأ فعليا بالتخطيط به في أوائل التسعينيات، على أساس أن اتفاقيات “أبراهام” يمكن أن تنهي الخلافات الدينية بين اليهودية والمسيحية والإسلام، ويمكن حلّها ضمن هذه الاتفاقيات، ولذلك سميت الاتفاقيات بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب بـ “اتفاقيات أبراهام”.

إدارة الرئيس بايدن تبذل جهودا كبيرة لتوسيع “اتفاقيات أبراهام” من خلال التوسط في اتفاق بشأن تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب. من جانبهم، حدد السعوديون أهدافهم، بحسب “نيويورك تايمز” الأميركية، والتي تشمل، إلى جانب رغبتهم في إحراز تقدم في القضية الفلسطينية، فضلا عن معاهدة دفاع مشترك على غرار “الناتو”، تضع الولايات المتحدة في خط المواجهة مع أي تهديد أمني ضد السعودية، تاليا، دعم واشنطن لبرنامج السعودية النووي المدني، وأخيرا، بيع أسلحة متقدمة مثل منظومات “ثاد” المضادة للصواريخ البالستية والمفيدة للسعودية لتحييد تهديد صواريخ إيران الباليستية المتوسطة وطويلة المدى.

في المقابل، تريد واشنطن من السعودية حلّ الملف اليمني، وتقديم حزمة مساعدات كبيرة للفلسطينيين في الضفة الغربية، ووضع حدود أمام العلاقة السعودية الصينية المتنامية بما يشمل تقليص التعامل مع الشركات الصينية العملاقة مثل “هواوي”.

احتمالات النجاح

الكاتب والمحلل السياسي، ميّار شحادة، يقول إن الجانب الإسرائيلي كان ولا يزال يأمل في إقامة علاقات مع المملكة، باعتبار أن المملكة مؤثر حقيقي في “جامعة الدول العربية” ودول العالم الإسلامي الممتد لأكثر من 3 قارات.

تاريخيا، تدرس الولايات المتحدة مثل هذه الأمور لفترة طويلة، من 8 أشهر إلى عدة سنوات، ثم يتم التوصل إلى اتفاق. وهكذا تجري المباحثات مع أميركا، حيث توجد رؤية أميركية لاتفاق ما، ثم يتم مناقشة هذا التصور، وتاليا يتم تعديله حسب متطلبات كل طرف حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائي.

حتى الآن، وما يُرى في الإعلام السعودي، يبدو أن هناك خطوات سعودية جادة نحو التطبيع مع إسرائيل، حيث أزالت من المناهج التعليمية فكرة العداء لإسرائيل، وكذلك حذف بعض المصطلحات في إعلامها. والتحديث بلهجة مخففة تجاه إسرائيل، لكن المملكة العربية السعودية سياسيا تدعو إلى حلّ الدولتين، وفق اعتقاد شحادة.

كما أن السعودية حاولت الاعتماد على الأسلحة الصينية والروسية، إلا أن كلها فشلت، لا سيما أن جماعة “الحوثي” الموالية لإيران لا تريد الاستسلام في اليمن، وبالتالي فإن المملكة تتطلع إلى وجود أسلحة نوعية في بلادها حتى تتمكن من تأمين أمنها، وأن لا تتكرر حوادث شبيهة باستهدافات “أرامكو”، وأن هذه الاتفاقيات ستكون بديلا عن الحماية الأميركية للمنطقة، وفق ما يراه شحادة.

الاتفاق بين السعودية وإسرائيل لا يعني تنازلا سعوديا عن القضية الفلسطينية وعن حق إقامة دولة فلسطينية، والأحاديث من هذا النوع ليست صحيحة ولن تكون صحيحة. لكن يبدو أن الأميركيين وجدوا صيغة محددة في هذه الاتفاقية المحتملة، وهي أنه سيكون هناك تنازل إسرائيلي من أجل أن يكون هناك حل معتدل فيما يتعلق بالدولتين.

الكاتب والمحلل السياسي، ميّار شحادة لـ”الحل نت”

الاتفاق المرتقب بين السعودية وإسرائيل، هو أنه سيكون هناك تنازل لحل الدولتين، وبالتالي لا يستبعد أن يكون هناك اتفاق سعودي أميركي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، خاصة وأن بايدن حسم العديد من الملفات في الولايات المتحدة، بما في ذلك اقتصاد واشنطن ما بعد “كورونا”، وظلت بعض القضايا الخارجية عالقة، خاصة مع السعودية، وبالتالي سيحتاج إلى تنشيط هذه العلاقات بقوة أكبر، ومن خلال تحقيق هذا الاتفاق، قد يحقق نتائج عظيمة، وفق شحادة.

بحسب شحادة أيضا، فإن السعودية بحاجة إلى تكنولوجيا نوعية من إسرائيل، وهي بحاجة إلى طرف قوي، خاصة وأن الجانب الإيراني أو حتى التركي لا يمكن الاعتماد عليهما بشكل كبير، والسعودية لا تريد تنازلات سياسية بقدر ما تريد تقديم عروض اقتصادية مع إيران وتركيا أو أي أطراف أخرى.

لا يمكن للمملكة العربية السعودية، إلا الاعتماد على الطريقة الغربية في نمو اقتصادها، وتشكّل إسرائيل منفذا هاما، فضلا عن القرب الجغرافي مع الأردن مثلا، إلى جانب المشاريع الواعدة، وبالنسبة لإسرائيل فهذه الاتفاقية ستمنحها مكاسب اقتصادية وسياسية. أما ردة الفعل وشكل العلاقات مع إيران ستكون هي الخاسر الأكبر من هذه المعادلة. فضلا عن النفوذ الصيني التي حتما ستقلّص السعودية علاقاتها معها، وفق شروط واشنطن، بحسب وجهة نظر شحادة.

وزير الخارجية الأميركية مع نظيره السعودية- “إنترنت”

يرى فريدمان أن إتمام مثل هذا الاتفاق معقّد لأنه يشمل أطرافا عدة وبه العديد من العقبات وخاصة مسألة دعم برنامج السعودية النووي المدني، لافتا في الوقت نفسه إلى أن المحادثات الاستكشافية تمضي قدما بوتيرة أسرع من المتصور.

صحيح أنه لا يمكن التكهن بتفاصيل وشروط هذه الاتفاقية التي ستُعتبر تاريخية إن حصلت، لكن يبدو أن اتفاقا وشيكا بين السعودية والولايات المتحدة مرجحا أكثر من أي وقت مضى بأنه سيتم، خاصة وأن مسألة التطبيع مع إسرائيل باتت حديثا متداولا بين المسؤولين السعوديين، ولم يعد محل حرج لهم. محمد بن سلمان وصف في مقابلة مع مجلة ” أتلانتيك مغازين” الأميركية، إسرائيل بأنه حليف ونفى تصنيفها باعتبارها عدوا. مشترطا بحلل بعض الملفات قبل أي عملية تطبيع. إلى جانب تأكيد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان قبل عدة أشهر، بأن التطبيع مع إسرائيل يصبّ في مصلحة المنطقة وستنعكس آثاره على النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لكن يجب معالجة القضية الفلسطينية أولا، وذلك في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الأميركي.

مما لا شك فيه أنه في حال تم التوصل إلى اتفاق بين واشنطن والسعودية، فإن ذلك سيعزز العلاقات بين البلدين بشكل أكبر مما هو عليه الآن، بالإضافة إلى تعزيز الوجود الأميركي في المنطقة على حساب تنامي النفوذ الصيني المعادي لدول المنطقة. وسيتم تعزيز حضور ودور المملكة بشكل أكبر، كما وسيتم دعم استراتيجيتها حول إرساء الاستقرار بعموم المنطقة، مما سيحد من التوسع الإيراني العدائي في دول المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات