في خطوة تهدف من خلالها المملكة الأردنية إلى معالجة بعض الاختلالات الموجودة في واقع الهيكل الإداري والاقتصادي، وإعادة هيكلة الوحدات الإدارية للدائرة وفق أفضل الممارسات، تعمل الحكومة الأردنية على التفاوض مع “ًصندوق النقد” الدولي، بشأن برنامج إصلاح وطني جديد، الغاية منه، دعم الجهاز الاقتصادي بما يسهم في الحدّ من تباطؤ النمو وتحسين معدلات اقتصادية ذات صلة بحياة المواطن.

توجه الأردن نحو برنامج إصلاح جديد، يأتي بعد أن عجز البرنامج السابق الذي باشرت البلاد العمل به مع “ًصندوق النقد” الدولي منذ العام 2012 دون جدوى، حيث استمر تباطؤ النمو الاقتصادي وركوده عند مستويات تتراوح بين اثنين و2.5 بالمئة بالمتوسط، فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة من 13 بالمئة عام 2012 إلى متوسط وصل إلى 23 بالمئة خلال العام الماضي.

هذه الأرقام، كانت أكبر مشكلاتها هي أن نسبة النمو تقل عن معدل النمو السكاني ومعدل نمو الدين العام الحكومي، فمشكلة الدين وخدمة أعبائه، ارتفعت من نحو 75 بالمئة عام 2012، إلى مستويات تجاوزت 114 بالمئة العام الماضي، الأمر الذي دلّ على خلل في البرنامج الاقتصادي، الذي لم يتمكن من إحداث تنمية فعلية ملموسة؛ لا على مستوى الاقتصاد الكلي، ولا على مستوى القطاعات الاقتصادية بشكل فردي.

لذلك لجأت البلاد إلى برنامج جديد يسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وتحقيق المتطلبات التمويلية وتعزيز النمو، وفقا لتوجيه رئيس الحكومة الأردني بشر الخصاونة، الذي جاء خلال جلسة عقدتها الحكومة، للاستماع إلى عرض قدّمه الوفد المكون من وزير المالية، وزير التخطيط والتعاون الدولي، محافظ “البنك المركزي” الأردني.

كل ذلك في أعقاب زيارة أجراها محافظ “المركزي” عادل شركس، إلى الولايات المتحدة الأميركية، كان قد التقى خلالها بوزيرة الخزانة الأميركية، ورئيس “مجلس الاحتياطي الفيدرالي”، ومسؤولين في “الكونغرس” الأميركي والمدير التَنفيذي لـ “صندوق النقد” الدولي.

مؤشرات اقتصادية وراء برنامج الأردن الجديد

التحليلات بشأن لجوء الأردن إلى برنامج إصلاح جديد، شرحت مفاد هذه الخطوة المتخذة من قبل الحكومة الأردنية، على أساس أن مؤشرات الوضع الاقتصادي بيّنت أن النجاح الذي تحقّق في البرنامج الذي عقب تفشي وباء “كورونا” تآكلت نتائجه، بعث بدلالات على أن الأساسيات الاقتصادية في الأردن لا تزال تواجه أخطارا اجتماعية جسيمة، لاسيما في ظل المعدل العالي للبطالة.

بشر الخصاونة رئيس الحكومة الأردنية/ إنترنت + وكالات

على هذا الأساس، دعا رئيس الوزراء الأردني إلى إجراء مفاوضات مع “صندوق النقد”، معتبرا أن برنامج التسهيل الممتد الحالي مع الصندوق، والذي ينتهي في آذار/مارس المقبل، عزز الاستقرار المالي والنقدي للمملكة، وجنّب اقتصادها الضغوطات التضخمية التي تعرضت لها أسواق مجاورة مماثلة مستوردة للنفط.

الرؤية الأردنية، عززها موقف “صندوق النقد”، الذي رأى أن معدل البطالة الحالي عند 22.9 بالمئة، ولاسيما بين الشباب والنساء، يستلزم إصلاحات هيكلية لتحقيق نمو قوي وشامل وغني بفرص العمل عبر تعزيز سهولة ممارسة الأعمال وتقليل كلفتها، وتقوية المنافسة، وزيادة مرونة سوق العمل، وتعزيز الحوكمة والشفافية، وذلك بالرغم من توقعه بارتفاع معدل النمو في المدى المتوسط إلى 3 بالمئة.

فـ “صندوق النقد” أكد في بيان، على أهمية مواصلة الدول المانحة وشركاء التنمية مساندة الأردن عبر تقديم دعم مالي ميسّر لمساعدته على تحمل عبء دعم اللاجئين واستضافتهم، وذلك بعد أن كان فريقٌ من الصندوق والسلطات الأردنية، توصّل إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن المراجعة السادسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من الصندوق عبر برنامج التمويل الممدد، وهو ما سيرفع إجمالي دفعات التمويل منذ بدء البرنامج في عام 2020 إلى 1300 مليون وحدة حقوق سحب خاصة حوالي 1.75 مليار دولار.

في ضوء هذه التحديات، وتطلعات الحكومة بالتعاون مع “صندوق النقد”، يرى خبير الاقتصاد الأردني، هاشم عقل، أن الفائدة الحقيقية من القروض الخارجية وخاصة “صندوق النقد” و”البنك الدولي”، تكمن في أن يتم توجيه هذه المشاريع إلى استثمارات منتجة، بحيث يكون المردود المالي أعلى من كلفة الاقتراض، والتي تسهم في زيادة الصادرات وتشغيل العمالة.

هكذا تساعد قروض “صندوق النقد” الدولي الأردن

بالتالي، وفق عقل الذي تحدث مع موقع “الحل نت”، هكذا تكون مثل هذه القروض مفيدة، أما الاقتراض لسداد نفقات جارية فهي تؤدي إلى الإفلاس في النهاية، وفي ذلك عبر كثيرة، لافتا إلى أن الجزء الأهم من المشكلة الاقتصادية في الأردن، أن برامج الصندوق لا يركزّ على الصناعة، ويمرُّ سريعا وبخجل على القطاع الزراعي.

الأردن يضع برنامج إصلاح جديد مع “صندوق النقد” االدولي/ إنترنت + وكالات

لذلك، من دون وجود دعم حقيقي للقطاعين الصناعي والزراعي لمعالجة هيكلة الاقتصاد الأردني الذي تغلب عليه التجارة والخدمات وتشكل 70 بالمئة من الناتج الإجمالي، لا يمكن الحديث عن نمو حقيقي أو معالجة للعجز في الميزان التجاري، كذلك لا يمكن الحديث عن تخفيض نسبة البطالة.

بناء على ذلك، أنه في سبيل نجاح رؤية التحديث الاقتصادي في الأردن، يجب أن يكون هناك نموّا يزيد على 5 بالمئة، حتى يمكن استحداث وظائف جديدة، واستقطاب المزيد من الاستثمار، وفي ظل النمو الحالي لا يمكن تجاوز التحديات، بحسب خبير الاقتصاد الأردني، الذي أشار إلى أن الحكومة بلا خيارات.

فعجز الموازنة يفرض على الحكومة المزيد من التعاون مع “صندوق النقد”، للحصول على قروض جديدة، باعتبار أن موارد الخزينة بموجب السياسات الاقتصادية المتّبعة من الحكومة والحكومات السابقة، تفرض على الحكومات أن تبقى في مفاوضات مع الصندوق للحصول على قروض، بسبب الأعباء الكبيرة التي ترزح تحتها المالية العامة، ولا وسيلة ولا طريقة لتغذيتها إلا بالقروض.

يتفق مع ذلك بالرأي، عضو “غرفة صناعة عمان” والكاتب الاقتصادي، موسى الساكت، الذي أشار إلى أنه بسبب خطة تخفيف الديون الخارجية وفوائدها التي اصطدمت بتداعيات الأزمات المتتالية، التي ضربت الاقتصاد الوطني، بدءا من “كورونا” وأزمة الغزو الروسي لأوكرانيا وارتفاع الأسعار العالمية الذي أثّر بشكل كبير على الأردن الذي يعتمد بنسبة 80 بالمئة على الاستيرادات الخارجية، ما سبب عبئا كبيرا على الاقتصاد، لجأت الحكومة إلى “صندوق النقد” الدولي.

الساكت وفي حديث مع موقع “الحل نت”، قال إن الحكومة الأردنية أمام رؤية تحديد اقتصادي، وتحديدا برنامج تنفيذ 2023-2025، حيث أن هناك استهدافات معينة دفعت بالحكومة للتوجه لـ “صندوق النقد” وعمل برنامج إصلاح وطني جديد، وهو ما نأمل أن يستثمر في استحداث وظائف جديدة وتعزيز النمو الاقتصادي.

الأردن وتحدي العودة لـ “المربع الأول”

 الساكت، نوه إلى أنه إذا ما ذهبت هذه القروض التي ستحصل عليها الحكومة الأردنية من “صندوق النقد” لتسديد قروض أخرى، فذلك سيعود بالبلاد إلى ما وصفه بـ “المربع الأول”، لذا الأهم أن يكون هناك ضخٌّ للأموال في الاقتصاد الوطن، إلى جانب تعزيز ما يتعلق بالنفقات الرأس مالية، والأخيرة تمثل أهم عوامل تطور النمو وتحفيزه، بخاصة أنه خلال السنوات الماضية لم يتم الوصول إلى أرقام النمو المحددة في الموازنة.

خطة جديدة لإنعاش الوضع الاقتصادي في الأردن/ إنترنت + وكالات

ذلك يأتي، بعد أن ارتفع رصيد الدين العام المستحق على الأردن خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الحالي بنسبة 2.6 بالمئة إلى 31.46 مليار دينار ما يعادل 44.3 مليار دولار، مقارنة مع 30.66 مليار دينار في نهاية 2022، حيث أظهرت إحصاءات وزارة المالية، في تموز/يوليو الماضي، أن الدين الداخلي للأردن بلغ 13.97 مليار دينار في نهاية نيسان/أبريل، بينما سجل الدين الخارجي نحو 17.49 مليار دينار، فيما يعادل الدين الأردني العام 91.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.

الأردن يعتمد بشكل كبير على المساعدات السنوية من الخارج، التي تتراوح قيمتها بين 3.5 و4 مليارات دولار، وتشمل هذه المساعدات مِنحا وقروضا ميسّرة من الولايات المتحدة والدول العربية و”الاتحاد الأوروبي” والمؤسسات الدولية، ففي عام 2022، بلغت قيمة المساعدات الخارجية للأردن 4.4 مليار دولار أميركي، منها 2.43 مليار دولار في شكل منحة و1.97 مليار دولار كقروض ميسّرة، وشكّلت المساعدات الموجّهة لدعم الموازنة العامة 53 بالمئة من إجمالي المساعدات الخارجية.

الأردن تستخدم المساعدات الخارجية في تمويل مشاريع وبرامج تنموية في قطاعات مختلفة، مثل المياه والصرف الصحي والصحة والتعليم والبنية التحتية واللاجئين، لذا في حال تم التعامل بحكمة اقتصادية مع البرنامج الإصلاحي الجديد، فمن المتوقع أن تكون هناك انعكاسات إيجابية وواسعة النطاق، لاسيما إذا ما تمّ الاستثمار في ملف المياه وقطاعات الزراعة والصناعة.

على هذا النحو ، وافق “البنك الدولي” مؤخرا على تمويلٍ بقيمة 250 مليون دولار لتحسين كفاءة الخدمات المائية في الأردن، من خلال إعادة تأهيل شبكات توزيع المياه، وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة، وتعزيز منظومة إدارة الجفاف في المملكة، وهو ما يتوقع أن تكون له أثار إيجابية على مستوى تخفيض هدر المياه، وخفض استهلاك الكهرباء وتحسين أنظمة إدارة المياه، والإصلاحات في الملف الأخيرة يُقدّر أن يستفيد منها حوالي 1.6 مليون فرد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات