بينما تشهد العلاقات العراقية الكويتية نوعا من الهدوء منذ إعلان بغداد تسديد كافة الديون الخارجية المفروضة عليه ضمن قرار “مجلس الأمن” نتيجة احتلال الكويت عام 1990، يبدو أنها تسير مجددا نحو عدم الاستقرار، على إثر قرار المحكمة الاتحادية العراقية (أعلى سلطة قضائية في البلاد)، بعدم دستورية “اتفاقية خور عبدالله” الخاصة بتنظيم الملاحة البحرية بمياه الخليج العربي بين البلدين.

بين العراق والكويت العديد من الملفات العالقة منذ عقود، لا سيما ملفات مصيرية من شأنها أن تدخل البلدين في صراعات جديدة تؤثر على العلاقات الثنائية التي شهدت تحسّنا حتى على المستوى الرسمي بين البلدين، ومن بين تلك الملفات “اتفاقية خور عبدالله”، التي وقّعت بين الجانبين عام 2013 إبان حكم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، والتي قضت المحكمة الاتحادية، ببطلانها لمخالفتها أحكام المادة 61 من الدستور العراقي.

إذ تنص المادة الدستورية على أن تنظّم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسنّ بأغلبية ثلثي أعضاء “البرلمان”، وهو ما لم يتحقق في توقيع “اتفاقية خور عبدالله”، الأمر الذي ربما سيخلق أزمة وتوترا جديدا ما بين العراق والكويت، خصوصا أن هذا الإلغاء تمّ من طرف واحد فقط خلافا لما تنصّ عليه الاتفاقية بأن يكون الانسحاب بموافقة الطرفين.

ما مضمون “اتفاقية خور عبدالله”؟

“اتفاقية خور عبدالله” التي تنظّم الملاحة البحرية في “خور عبدالله”؛ هي اتفاقية دولية حدودية بين العراق والكويت، تم التصديق عليها في العراق، تنفيذا لقرار “مجلس الأمن” الدولي رقم 833 لعام 1993 بعد الغزو العراقي للكويت سنة 1990، واستكمالا لإجراءات ترسيم الحدود بين البلدين، ووضع تحديد دقيق لإحداثياتها على أساس الاتفاق المبرم بين البلدين بعد استقلال الكويت عام 1961.

مقر المحكمة الاتحادية العراقية/ إنترنت + وكالات

هذه الاتفاقية قد أدت إلى تقسيم “ميناء خور عبد الله” الواقع في أقصى شمال الخليج العربي بين شبه جزيرة الفاو العراقية، وكل من جزيرتي بوبيان، ووربة، الكويتيين بين البلدين، كما تنصّ أيضا على عدم رفع أي علم آخر على السفن التي تحمل جنسية أحد الطرفين المتعاقدين غير علم جنسيتها خلال مرورها في المياه الإقليمية للطرف الآخر عند استخدامها القناة. 

أما السفن الأجنبية فملزمة برفع علم بلدها فقط، على أن تنطبق أحكام هذا الاتفاق على السفن الحربية وخفر السواحل لكلا الطرفين، وأن يعمل كل طرف على منع الصيادين من العمل في جزء الآخر للممر الملاحي، كما يفرض تعاون الطرفين للمحافظة على البيئة البحرية من مخاطر التلوث مهما كان نوعه والعمل على مكافحته والتخلص من آثاره.

كما أن الاتفاقية تنصّ على أنها تبقى سارية المفعول لمدة غير محددة ويجوز لكل طرف إنهائها بإشعار كتابي من الطرف الآخر لمدة ستة أشهر، على أن يتم الانهاء “بموافقة الطرفين، وكذلك يجوز تعديلها باتفاق الطرفين أيضا، غير أن القرار القضائي الصادر عن المحكمة الاتحادية العراقية، يعني ضمنيا انسحابا من الاتفاقية من طرف واحد، بما يمنع الحكومة العراقية و”البرلمان” من الاستناد إلى الاتفاقية في أي إجراء تتخذه بغداد مع دولة الكويت.

في السياق، انقسمت المواقف حول قرار المحكمة الاتحادية بشأن إلغاء الاتفاقية، فالأوساط السياسية العراقية تعتبر أن هذه الاتفاقية لم تعتبر “خور عبد الله” الممتد من بين جزيرة بوبيان الكويتية، وشبه جزيرة الفاو العراقية، إلى داخل الأراضي العراقية، مشكلا خور الزبير الذي يقع فيه ميناء “أم قصر” العراقي؛ ميناء عراقيا خالصا بقدر ما هو حالة مشتركة مع الكويت، في حين تعتبر الأخيرة أن لها الحق في “خور عبدالله”، وأن الاتفاقيات التاريخية بين البلدين تؤكد ذلك.

وسط ذلك، وتعليقا عن ما يمكن أن يتسبب به قرار المحكمة الاتحادية من تداعيات على مستوى علاقات البلدين، يقول الخبير في الشأن السياسي العراقي، علي البيدر، إن القرار يمكن أن يحدث ردة فعل كويتية، بيد أنها لن تكون مؤثرة على مستوى العراق، على اعتبار أن الكويت لا تمتلك أي ورقة ضغط على بغداد، سوى المحافل الدولية والإقليمية، التي قد تعمد الكويت للوقوف ضد العراق من خلالها، في حين أن العراق يمتلك الكثير من أوراق الضغط التي يمكنه أن يستخدمها.  

إعادة تقييم لاتفاق وقع أثناء الفوضى

البيدر، وفي حديث لموقع “الحل نت”، أشار إلى أن “اتفاقية خور عبدالله” تمت في وقت يعاني فيه العراق من عدم الاستقرار ويعيش حالة من الفوضى، التي سمحت للكويت باستثمار الفرصة وتوقيعها، بالتالي أن القرار الذي اتخذته المحكمة الاتحادية سليم، بعيدا عن كل التفسيرات والتحليلات الأخرى، فإن الاتفاقية جاءت مخالفة للدستور، ودور القضاء البتّ فيها.

خور عبدالله/ إنترنت + وكالات

في حين، قد لا يكون أمام الكويت خيارا سوى التعامل مع الأمر كواقع حال، بعد أن يتأكد من انعدام الخيارات، بحسب البيدر، الذي أستبعد تأزم الوضع إلى مستويات غير متوقعة، وأنه قد ينحصر في حدود التراشق الإعلامي، مبينا أن القرار لا يحمل أي دوافع أو أجندات خارجية، بقدر ما أنه يعيد النظر في حالة من الواضح أنها كانت غير صائبة وجاءت على مصلحة العراق، وفق البيدر.

من جانبه، انتقد النائب في “مجلس الأمة” الكويتي عبد الكريم الكندري، قرار المحكمة الاتحادية العراقية، قائلا إن القرار “ليست له قيمة على المستوى الدولي، فقرارات مجلس الأمن حاسمة بهذا الشأن بالنسبة لحدودنا، لكنه سيؤثر على ما تبقى من حدود غير مرسّمة، وتحديدا ما يتعلق بالعلامة البحرية 162”.

الكندري، أضاف في تصريحات نقلتها وسائل إعلام كويتية، أن “التنصل من الاتفاقية الحدودية التي جاءت نتيجة لقرار مجلس الأمن بعد غزو العراق للكويت، يشير لنوايا سيئة من الطرف العراقي، ويجب أن يواجه بحزم من الحكومة الكويتية والخارجية والبرلمان الكويتي”.

فيما طالب النائب “الخارجية الكويتية بإعلان موقفها تجاه حكم المحكمة الاتحادية العراقية بإلغاء تصديق اتفاقية الملاحة البحرية في خور عبد الله بين العراق والكويت، التي صودق عليها ببغداد في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2013، تنفيذاً للقرار رقم 833 الذي أصدره مجلس الأمن سنة 1993”.

هذا وتعتبر مسائل ترسيم الحدود بين الكويت والعراق مسائل مصيرية عبر التاريخ بالنسبة لكلا الطرفين، نظرا لما تكتنفها من تطورات تاريخية نالت طابع الشّد والجذب، وساهمت فيها التجاذبات التي سادت علاقات البلدين الجارين، ووصلت هذه التجاذبات ذروتها في آب/أغسطس 1990 بالغزو العراقي للكويت، واستمرار آثاره من القضايا الثنائية العالقة حتى اليوم.

الاتفاقيات العراقية الكويتية

بحسب المراسلات الرسمية بين البلدين فإن أول اتفاق ثنائي بشأن الحدود بين البلدين جاء في إطار تبادل رسمي للرسائل في عام 1932، عندما طالبت بريطانيا العراقيين ترسيم الحدود مع الكويت في إطار التمهيد لحصول العراق على استقلاله من الاحتلال البريطاني والانضمام إلى “عصبة الأمم” آنذاك.

“اتفاقية خور عبدالله” تنذر بخلاف عراقي كويتي/ إنترنت + وكالات

لكن بعد ذلك عاد العراق في عام 1961 عن الاتفاق مطالبا بضم الكويت دفعة واحدة واعتبارها أرضا عراقية، ثم تبدل الموقف مجددا بحلول عام 1963 بُعيد اعتراف العراق بالكويت دولة مستقلة، وإعادة التأكيد على اتفاق الحدود في مراسلات عام 1932 بين البلدين.

لكن ومع صبيحة الثامن من آب/أغسطس من عام 1990، عقب أسبوع من اندلاع الغزو العراقي للكويت، أعلن “مجلس قيادة الثورة” العراقي اندماجا كاملا وأبديا بين العراق والكويت، كما أعلن العراق من طرف واحد ضم الكويت وأنها أصبحت المحافظة العراقية التاسعة عشرة، لتذوب مسائل الحدود بكل أشكالها في غياهب الغزو.

غير أنه وبعد انسحاب القوات العراقية من الكويت نتيجة العملية العسكرية التي قادها التحالف الدولي ضد القوات العراقية، لعبت “الأمم المتحدة” دور الوسيط الأساسي في العلاقات بين البلدَين، وطُلب منها في عام 1991، ترسيم الحدود رسميا بين البلدين.

في 1993، أكدت “الأمم المتحدة” ترسيم الحدود بموجب قرار “مجلس الأمن” رقم 833، بيد أن ذلك الترسيم للحدود البحرية توقف عند النقطة المعروفة بـ “العلامة 162″، أي النقطة الأخيرة التي عيّن الكويتيون والعراقيون حدودها في المراسلات البينية التي سبقت مرحلة الغزو العراقي للكويت.

بعد ذلك، وفي أعقاب إخراج قوات التحالف الدولي القوات العراقية من الكويت وترسيم “الأمم المتحدة” للحدود، خضع العراق لحصار اقتصادي استمر 13 عاما، واضطر  بعد 2003 الى دفع تعويضات حرب كبيرة للكويت، عبر “الأمم المتحدة”، أنهت بغداد تسديدها بحلول عام 2021، حيث تم دفع كامل التعويضات التي بلغت أكثر من 52 مليار دولار بعد أكثر من 30 عاما على الغزو، لكن خلاف الحدود لا يزال قائما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات