اجتماع وصف بـ”التاريخي” لجميع وزراء خارجية التكتل الأوروبي المجتمعين لأول مرة خارج حدودها، في العاصمة الأوكرانية كييف. ومن خلال كلمات مسؤولي الاتحاد يأتي هذا الاجتماع للتعبير عن تضامن “الاتحاد الأوروبي” ودعمه للشعب الأوكراني، وكذلك لزيادة الدعم العسكري.

اجتماع وزراء خارجية دول “الاتحاد الأوروبي” في كييف لم يتم الإعلان عنه مسبقا، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول ماهيته ودلالاته وما إذا كان سيكون هناك دعم آخر إضافة إلى الدعم العسكري الذي أعلن عنه المسؤولون الأوروبيون، فضلا عن تأثير هذا الاجتماع على مسار الحرب الأوكرانية الروسية، فيما إذا كان هذا الدعم الغربي الجديد لأوكرانيا سيجعل روسيا أكثر إنهاكا مما هي عليه بالفعل.

هذا الاجتماع يتزامن مع تعهّد الرئيس الأميركي جو بايدن، بمواصلة الدعم لأوكرانيا، وأن الأخيرة يمكن أن تعتمد على الدعم الأميركي، مشددا على أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن دعم أوكرانيا، رغم استثناء تقديم المساعدات من اتفاق لتجنب الإغلاق الحكومي. وهذا الاتفاق مؤقت مدته 45 يوما فقط. وقال بايدن في مؤتمر صحافي، إن الديمقراطيين توصلوا إلى اتفاق مع الجمهوريين حول دعم أوكرانيا بعيدا عن مشروع قانون الإنفاق الحكومي المؤقت.

اجتماع تاريخي في أوكرانيا

وزراء خارجية دول الاتحاد القاري، وصلوا اليوم الإثنين، إلى كييف، حيث يُرتقب أن يعقدوا اجتماعا يهدف إلى تأكيد دعم دول التكتل لأوكرانيا. وأعلن مسؤول الشؤون الخارجية في “الاتحاد الأوروبي” جوزيب بوريل، اليوم الإثنين، أن جميع وزراء خارجية التكتل يجتمعون لأول مرة خارج حدوده، في كييف.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومنسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل. كييف في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2023- رويترز

بوريل، أردف في بيان على وسائل التواصل الاجتماعي، “نعقد اجتماعا تاريخيا لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي هنا في أوكرانيا، الدولة المرشحة والعضو المقبل في الاتحاد الأوروبي، نحن هنا للتعبير عن تضامننا ودعمنا للشعب الأوكراني”، مشددا على أن مستقبل أوكرانيا هو ضمن “الاتحاد الأوروبي”، وفق وكالة “فرانس برس“.

بينما قالت، وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا على منصة “إكس” (تويتر سابقا)، إن وزراء خارجية الدول الأوروبية الـ27 وصلوا إلى كييف، في اجتماع هو الأول من نوعه، مشيرة إلى أنه  “يجتمع مجلسنا الأوروبي هناك بشكل استثنائي اليوم، للتعبير عن دعمنا القوي لأوكرانيا”، ورأت كولونا أن هذا الاجتماع رسالة إلى موسكو وهو يعكس عزم التكتل على الوقوف إلى جانب أوكرانيا.

بدوره، أكد وزير الخارجية الهولندي هانكي بروينز سلوت، أنه “من المهم حقا بأن نجتمع هنا اليوم للتعبير عن تضامننا مع أوكرانيا”. وفي المقابل، رحّبت كييف بالاجتماع، وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، للصحافيين إلى جانب بوريل، “هذا حدث تاريخي لأنها المرة الأولى التي يجتمع فيها مجلس الشؤون الخارجية خارج حدوده الراهنة، خارج حدود الاتحاد الأوروبي، لكن ضمن الحدود المستقبلية للاتحاد الأوروبي”.

الباحث في الشؤون الروسية طه عبد الواحد، يرى في هذا الصدد، أن وزراء خارجية “الاتحاد الأوروبي”، من خلال عقد اجتماعهم لأول مرة خارج أراضي الاتحاد، في مدينة أوديسا جنوب أوكرانيا، يريدون إرسال رسالة واحدة إلى كافة الأطراف، وتعني تلك الرسالة أن “الاتحاد الأوروبي” ثابت على موقفه الداعم لأوكرانيا.

كما أن دول التكتل القاري لن يتراجع عن موقفه الثابت تجاه الحرب الدائرة في أوكرانيا، وستستمر في تقديم الدعم لكييف طالما تطلّب الأمر وكان ذلك ضروريا، بحسب ما أضافه الباحث في الشأن الروسي في حديثه لموقع “الحل نت”.

رسائل متعددة وموسكو متخوفة

في ظل تكثيف القوات الروسية استهدافها العسكري لأغلب مناطق شرق وجنوب أوكرانيا خلال الساعات الماضية، يشير الباحث في الشأن الروسي إلى أن اجتماع وزراء خارجية دول “الاتحاد الأوروبي” اليوم ولأول مرة في أوكرانيا، هو رسالة موجّهة لطمأنة النُّخب السياسية الأوكرانية، وكذلك الرأي العام الأوكراني.

وهي في الوقت نفسه رسالة لروسيا التي يبدو أنها تراهن على التحولات المتوقعة في الموقف الأوروبي مع بدء موجة الانتخابات في عدد من دول الاتحاد القاري، وسط توقعات بصعود قوى يمينية إلى السلطة. والتي قد لا ترغب في مواصلة تقديم الدعم لأوكرانيا، وستعمل على اعتماد نهج مختلف في العلاقات مع روسيا، وفق ما يحلله الباحث في الشأن الروسي.

الباحث في الشؤون الروسية طه عبد الواحد لموقع “الحل نت”

ثالثا، هذا اللقاء الذي وصِف بـ”التاريخي”، هو رسالة موجّهة بالطبع إلى روسيا، يؤكد من خلالها “الاتحاد الأوروبي” أنه سيواصل تقديم كافة أشكال الدعم لأوكرانيا، ولن يسمح بأن تستنفذ قوتها في الحرب المستمرة، التي أصبحت تكاد تكون “حرب استنزاف” للقدرات العسكرية والاقتصادية، من وجهة نظر المحلل السياسي، طه عبد الواحد.

في الأثناء، بدأت القوات الروسية تنفيذ عملية انتشار واسعة في الجبهة الشرقية بأوكرانيا، حيث أعلنت “وزارة الدفاع الأوكرانية” رصد تحركات وحشد أكثر من 10 آلاف جندي بالقرب من المدن المؤدية إلى محور باخموت من اتجاه الشمال، ومحاولة إعادة انتشار في عمق المدينة الخاوية من السكان.

هذا ويُعد عملية الحشد والتحرك العسكري في محور باخموت الأكثر تعقيدا في الحرب الروسية الأوكرانية، بداية عودة لمجموعة “فاغنر” المسلحة إلى القتال مرة أخرى، وذلك بعد أيام من لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالمساعد السابق لقائد المجموعة المسلحة يفغيني بريغوجين الذي لقي مصرعه في تحطم طائرة نهاية آب/أغسطس الماضي، وذلك بحسب تقرير لموقع “سكاي نيوز عربية”.

المدفعية الأوكرانية تفتح نيرانها على القوات الروسية

المتحدث باسم “الكرملين” دميتري بيسكوف، أكد أن أندريه تروشيف القيادي السابق في مجموعة “فاغنر” العسكرية الخاصة الذي يعمل حاليا لصالح “وزارة الدفاع الروسية”، ناقش مع بوتين سُبل استخدام وحدات القتال التطوعية والإشراف على تدريبهم في حرب أوكرانيا.

الخبراء يرون أن هذا اللقاء وما رصدته عناصر الاستطلاع الأوكرانية على الجبهة الشرقية يؤكد أن الجيش الروسي في مأزق حقيقي من دون “فاغنر”، وبالتالي فإن الاستعانة مجددا بهذه الميليشيات من قبل الرئيس الروسي يُعتبر ضروريا، خاصة على الجبهات العسكرية والقتالية، وسط تقدم أوكرانيا على بعض المحاور.

إضافة إلى تخوّف بوتين، من تطوير جبهات القتال، خاصة مع العتاد الغربي والأميركي الجديد لأوكرانيا، ما يدل على أن القوات العسكرية الروسية أصبحت منهكة للغاية وستفقد توازنها من دون مجموعة “فاغنر”، بل قد تكون في أوضاع سيئة جدا.

مسار الحرب الأوكرانية الروسية

وسط الاشتباكات المستمرة بين الأوكرانيين والروس على أرض المعركة وسعيهم لزيادة التعزيزات والخطط العسكرية، مع تأكيد الغرب دعمهم لأوكرانيا، يبدو أن مسار الحرب سوف يمتد لفترات أطول، إضافة إلى حقيقة أن ميزان الحرب لن يميل أبدا لصالح موسكو، بل قد تكبدها خسائر إضافية، وإن كان على سبيل استنزافها عسكريا وسياسيا واقتصاديا، خاصة بعد انعقاد كييف فعاليات “منتدى كييف الأول للصناعات الدفاعية”، بتشكيل تحالف صناعي لتصنيع الأسلحة في البلاد يضم 38 شركة من 19 دولة، وتأسيس “صندوق دفاعي” من الأموال الروسية المصادرة في أوروبا والداخل.

هذا المنتدى شارك فيه مسؤولون من أكثر من 30 دولة و250 شركة للتصنيع العسكري، مع توقيع كييف 20 اتفاقية ومذكرة مع شركاء أجانب، تهدف لإنتاج الطائرات المسيّرة والذخائر داخل الأراضي الأوكرانية.

“منتدى كييف الأول للصناعات الدفاعية” يُعتبرالأول من نوعه لأوكرانيا ويأتي في وقت يدفع فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، للحصول على مزيد من الأسلحة الغربية لدعم هجومه المضاد الذي بدأ في حزيران/يونيو 2023 لاستعادة مناطق تسيطر عليها القوات الروسية شرق البلاد وجنوبها، وهو ما يستجيب له الغرب حاليا عبر اجتماعهم “التاريخي”.

بالعودة إلى الباحث في الشأن الروسي، فهو يقلل من أن هذا الاجتماع سيحمل أي تطورات فيما يتعلق بزيادة أو تغيير طبيعة أو مستوى الدعم الأوروبي لأوكرانيا. وهو اجتماع لتأكيد الموقف الأوروبي في استمرار دعمه لكييف ضد الجانب الروسي، وقد لا يكون لهذا الاجتماع تأثير مباشر على سير العمليات العسكرية.

لكن في المقابل، زيادة واستمرار الدعم الغربي لأوكرانيا يعني أن الجانب الروسي لن يتقدم في المزيد من الأراضي الأوكرانية. بل إن ذلك سيثقل كاهل موسكو بمزيد من الأعباء، سواء على أرض المعركة أو على المستوى السياسي والاقتصادي، خاصة مع تشديد العقوبات الغربية وتكبّد الاقتصاد الروسي خسائر كبيرة.

اجتماع وزراء خارجية دول “الاتحاد الأوروبي”  في أوكرانيا، يبدو أنه تمهيدٌ للمزيد من الدعم العسكري لكييف، بل ودعم من نوع آخر، وهو ما أكده بوريل، حين قال، “الأوكرانيون يقاتلون بكل ما أوتوا من شجاعة وقدرة، وإذا كان الاتحاد الأوروبي يريد لهم أن يكونوا أكثر نجاحا، علينا أن نزوّدهم بأسلحة أفضل وأكبر”.

بالتالي، فإن تقديم الغرب دعما أكبر للجانب الأوكراني في الوقت الراهن سوف يرهق روسيا أكثر، مما قد يضعها في زوايا ضيقة، وبالتالي يجعلها تخسر المزيد وتضعف على مستويات عديدة. وتدعيمُ هذه الفرضية، هو حديث نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف، يوم أمس الأحد، حين حذّر من أن روسيا ستُعتبر المدربين البريطانيين والمصانع الألمانية أهدافا مشروعة إذا استمرت برلين ولندن في تقديم الدعم لأوكرانيا، خاصة بعد إمداد كييف بصواريخ “توروس”.

من خلال هذا الاجتماع أيضا يمكن للغرب أن يقدم الدعم على مستوى آخر لكييف، بحيث تتم محاصرة القوات الروسية في عدة جبهات، وتكون أوكرانيا قادرة على حماية نفسها من الجو بشكل أكبر، ومواجهة الهجمات الروسية ومنعها من التقدم، مثلما تمكنت من تجريد الأسطول الروسي من الهيمنة في البحر الأسود من خلال استخدام كييف للمسيّرات وأصبح هذا الأسطول محاصرا في موانئه.

لذلك لم يبقَ سوى المجال الجوي الذي اعتمدت عليه روسيا كثيرا ولا تزال متفوقة فيه. ولهذا قد يشمل الدعم الغربي هذه المرة أسلحة ومعدات دفاعية في المجال الجوي. وهو ما سيغير حتما قواعد اللعبة، أي محاصرة موسكو، وهو ما سيدخل الحرب الدائرة هناك إلى مراحل أخرى، وهو ما لن يكون في صالح روسيا بالتأكيد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات