في الواقع، تعد السياجات الحديدية التي تحيط بمدينتي سبتة ومليلية الواقعتين بين المغرب وإسبانيا وتسيطر عليهما الآخيرة، وتطالب الرباط باسترجاعهما، حاجز صد لحلم المهاحرين الأفارقة بالهجرة من إفريقيا إلى أوروبا.

مؤخرا، حاول قرابة ألفي مهاجر، أغلبهم من إفريقيا جنوب الصحراء والسودان، عبور السياج الحدودي العسكري الذي يعد خطوة واحدة فقط تفصلهم عن دخول أوروبا، لكن تم ردعهم من قبل السلطات المغربية والإسبانية.

بحسب الرباط، تسببت عملية الردع التي جرت في 26 حزيران/ يونيو الماضي، بمقتل 23 مهاجرا وإصابة العشرات من المهاجرين الأفارقة ومن أفراد الأمن، وفقا لموقع “القناة الأولى” المغربية.

رئيس “مفوضية الاتحاد الإفريقي”، موسى فقي محمد، استنكر “المعاملة العنيفة والمهينة للمهاجرين الأفارقة”، وطالب بفتح تحقيق في تلك المأساة، بحسب تعبيره.

قلق

“مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان”، أعربت عن شعورها بالقلق العميق “إزاء وفاة ما لا يقل عن 23 مهاجرا إفريقيا، وإصابة 76 آخرين على الأقل بجراح”.

المفوضية أشارت في بيانها، إلى أن هذا “هو أعلى رقم مسجل للوفيات في حادثة واحدة على مدى سنوات عديدة” لمهاجرين أفارقة يحاولون العبور إلى أوروبا عبر سبتة ومليلية.

منظمات حقوقية متعددة، أصدرت بيانا مشتركا، طالبت فيه بإجراء تحقيق حول طريقة معاملة المهاجرين أثناء محاولتهم عبور الحدود من المغرب إلى إسبانيا وأوروبا.

قبل الوصول إلى محاذاة مدينتي الناظور والمضيق المغربيتين المحاذيتين لكل من سبتة ومليلية، يقطع المهاجرون مسافات طويلة جدا عبر الصحراء للوصول إلى دول شمال إفريقيا، منها المغرب، وفق موقع قناة “الرافدين”.

رغم قلة الإحصاءات الرسمية حول عدد المهاجرين الأفارقة، إلا أنهم يتواجدون بمختلف المدن المغربية، وتشكل الرحلات التي يقومون بها خطورة عليهم، خصوصا في ظل ارتفاع درجات الحرارة وبعد المسافات.

في السياق، قال رئيس “الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان”، إدريس السدراوي، إن الرباط تعرف تواجدا كبيرا للمهاجرين غير النظاميين.

السدراوي اعتبر في تصريح لوكالة “الأناضول”، أن الشعب المغربي يتعامل بترحيب وتضامن مع المهاجرين، ولا تثار قضايا العنصرية تجاههم، إلا في استثناءات معدودة.

ولفت، إلى أنه بحكم الموقع الجغرافي للمغرب، القريب من أوروبا، جعل البلاد مقصدا للمهاجرين من دول إفريقية متعددة، خاصة في جنوب الصحراء.

انتقاد لسياسة الاتحاد الأوروبي

جزء من المهاجرين اختاروا المكوث والعمل في المغرب، خصوصا بعد عملية تسوية وضعية الكثير منهم، وجزء آخر يتحين الفرصة للعبور إلى أوروبا عبر سبتة ومليلية.

يمتهن عدد من المهاجرين أعمالا في المغرب بمختلف المجالات، كما تنشط عدد من الجمعيات التي تهدف إلى إدماجهم ومساعدتهم في إيجاد فرص عمل لهم.

وكان المغرب، أطلق المرحلة الأولى والثانية من عملية تسوية الوضعية الإدارية للأجانب في 2013 و2016، وتمت تسوية وضعية ما يزيد عن 50 ألف أجنبي.

وفق السدراوي، فإن “عددا من المهاجرين يعملون في مهن موسمية، خصوصا غير المتوفرين على بطاقات الإقامة، بينما الحاصلين عليها يعملون بشكل عادي”.

وانتقد السدراوي، سياسات الهجرة بالاتحاد الأوروبي المعتمدة على المقاربة الأمنية، بقوله: “ما وقع في مليلية، يتحمل الاتحاد الأوروبي جزءا كبيرا من المسؤولية عنه، لأنه في الوقت الذي تستنزف دوله خيرات إفريقيا، فإنها تساهم في ارتفاع نسب الفقر والبطالة في القارة السمراء”.

وأضاف بالمقابل: “لا تسمح الدول الأوروبية للمهاجرين بالعبور، عكس ما وقع للمهاجرين الأوكرانيين، الذين وفرت لهم جميع الظروف للانتقال والهجرة”.

دعوة لمقاربة إنسانية

السدراوي رفض المقاربة الأمنية للاتحاد الأوروبي، داعيا إياه إلى مقاربة إنسانية وحقوقية، وعدم التملص من المسؤولية، على حد تعبيره.

من جهتها، دعت “المنظمة المغربية لحقوق الإنسان”، إلى تسريع وتيرة تنفيذ السياسة الجديدة في مجال الهجرة واللجوء، بأبعادها الإنسانية الحقوقية، والإسراع في اعتماد مشروعي القانون المتعلقين بالهجرة وباللجوء، “قيدا الدراسة بالبرلمان المغربي”.

المنظمة، أعلنت رفضها التام لكل أشكال العنف الحاصل، ومن أي جهة كانت، وأدانت أفعال ومناورات شبكات التهريب والإتجار بالبشر، داعية السلطات المغربية لتكثيف جهود محاربتها وتفكيكها.

السدراوي بدوره، دعا حكومة بلاده إلى اعتماد سياسة هجرة مبنية على المقاربة الحقوقية، كما كان إبان 2013 و2016، مع ضرورة توفير فرص عمل للمهاجرين.

كما طالب الاتحاد الأوروبي، بدعم الرباط من أجل إطلاق خطة جديدة لإدماج المهاجرين غير النظاميين. “الاتحاد الأوروبي مطالب بدعم المغرب من أجل إدماج المهاجرين، وعدم تركهم عرضة وهدفا لشبكات الإتجار بالبشر”.

عندما يصل المهاجرون إلى شمالي المغرب، يتخذون من بعض الغابات مخيمات، في انتظار لحظة الهجرة غير القانونية أو اقتحام السياجات الحديدية لسبتة ومليلية.

نقابة “المنظمة الديمقراطية للشغل”، دعت “الجهات الحكومية المختصة إلى التعاطي الميداني والعملي مع الهجرة بمقاربة إنسانية واجتماعية، والعمل على إدماج المهاجرين، وعدم السماح مستقبلا بخلق تجمعات معزولة في الغابات المجاورة لسبتة ومليلية المحتلتين”.

تفاصيل الحادثة

في سياق متصل، قالت الحكومة المغربية، الأسبوع المنصرم، إن المهاجرين الذين حاولوا الوصول إلى مدينة مليلية مؤخرا، استعملوا أساليب تنطوي على عنف كبير تجاه أفراد القوات الأمنية.

المتحدث باسم الحكومة المغربية، مصطفى بايتاس، أوضح في مؤتمر صحفي، أن “عملية اقتحام السياج الحديدي ما بين الناظور ومليلية نهاية حزيران/ يونيو الماضي، شهدت بشكل غير مسبوق انتهاج المهاجرين لأساليب تنطوي على عنف كبير تجاه أفراد القوات الأمنية”.

وأضاف، أن “المعطيات المتوفرة تشير إلى أن هذه العملية كانت نتاج مخطط مدبر بشكل مدروس، وخارج عن الأساليب المألوفة لمحاولة عبور المهاجرين”.

وأشار بايتاس، إلى أن “المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بادر بإيفاد وفد عنه للقيام بمهمة استطلاعية بالناظور ونواحيها”، مبيّنا أن الأبحاث والتحقيقات القضائية لا زالت سارية بخصوص تلك الأحداث.

نواب مغاربة – أعضاء في اللجنة البرلمانية المشتركة بين الرباط والاتحاد الأوروبي – أوضحوا، أن بلادهم كانت على الدوام “حصنا” ضد تدفقات الهجرة غير الشرعية نحو القارة العجوز.

وبيّن النواب المغاربة، إلى نظرائهم بالبرلمان الأوروبي، أن المغرب ينفق نصف مليار يورو سنويا لمكافحة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، بينما لا تتجاوز مساعدة الاتحاد الأوروبي للمغرب ما مجموعه 270 مليون يورو، لفترة إجمالية مدتها 15 سنة، أي بمتوسط لا يتعدى 15 مليون يورو في السنة.

في النهاية، شدّد النواب المغاربة، على أن مكافحة الهجرة غير الشرعية للمهاجرين الأفارقة من خلال سياجات سبتة ومليلية، تتطلب موارد وشراكة حقيقية بين الرباط والاتحاد الأوروبي من أجل مواجهتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.