في خطوة شغلت الرأي العام العراقي، أنهى “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، الصلاة الموحدة اليوم الجمعة، بعد أيام من التحشيد، لتبقى الأهداف التي يرجى تحقيقها من ذلك غامضة حتى اللحظة. 

الصلاة التي احتشد فيها الآلاف من أتباع الزعيم الشيعي، بمدينة الصدر وسط العاصمة العراقية بغداد، جاءت بعد أشهر من الشد والجذب بين القوى السياسية حول تشكيل الحكومة، والتي دفعت بالصدر إلى الانسحاب من العملية السياسية.

انسحاب الصدر لم ينهي مرحلة “الانسداد السياسي” كما يسميها خصومه في ائتلاف “الإطار التنسيقي”، الذي يضم مجموعة قوى سياسية شيعية وكردية وسنية مقربة من إيران، ليترك المشهد السياسي منفتحا على جملة احتمالات ربما تفاقم من حجم الأزمة. 

وعلى الرغم من محاولات “الإطار” إظهار عدم الاكتراث لانسحاب الصدر، مع قليلة من الود مقارنة بتلويحاتهم المستمرة بالذهاب نحو تشكيل حكومة جديدة وإن لم يكن للصدر حضورا فيها، إلا أن دعوة الأخير المفاجئة لصلاة “مليونية”، يبدوا أنها أربكت حسابات غرماؤه. 

حالة الترقب والحذر التي خلفتها صلاة الجمعة الموحدة، يبدو أنها لم تكن مبالغة، لاسيما مع السمة التي يتصف بها الصدر في مقدرته على تحريك جماهيره كيف ووقت ما يريد، والتي جدد من خلالها رسالته إلى خصومه بأن الطريق إلى حكومة من دونه قد لا يكون سالكا، بحسب مراقبين. 

بدوره، تحدث موقع “الحل نت”، لخبراء ومهتمين في الشأن السياسي العراقي، بمحاولة للوقوف على أبعاد تلك الخطوة وما يمكن أن يكون من ورائها من أهداف، وقال الباحث السياسي والأكاديمي، حيدر الجوراني، إنه “على ما يبدوا أن الصدر يحاول تنظيم الصفوف من خلال عصف ذهن التيار الصدري “بصلاة الجمعة” التي هي نقطة تحول في تأريخ والده السياسي”.

اقرأ/ي أيضا: اختلاف داخل “الإطار التنسيقي” حول الحكومة

محاولات لتعويض الخسارة

بحيث أن “ما يحاول فعله الصدر هو الحفاظ على تماسك تياره، وتعويض خساراته بين أنصاره، التي اتضحت جليا بعد نتائج الانتخابات المبكرة الأخيرة، بأن الأصوات التي حصل عليها هي، أقل عنما سبقها في الانتخابات السابقة، بالرغم من أنه حصد أعلى عدد من المقاعد”، بحسب الجوراني. 

كما أشار إلى أن “الهدف من الصلاة الموحدة وخطبتها “الدينية السياسية” هو تعزيز الصدر لتموضعه بعد انسحابه من المشاركة في عملية تشكل الحكومة، واستقالة أعضاه من البرلمان، التي كان من المفترضة عدم استقالتهم والبقاء كمعارضة نيابية، بما يحتمه عليهم الواجب الوطني وإدارة ناخبيهم”، مبينا أن “هذا التموضع يحاول الصدر من خلاله جر خصومه إلى حالة سخط الشارع ونقمته على النظام السياسي”.

أستاذ علم النفس السياسي والاجتماعي، يرى أيضا، أن “تحشيد الصدر لأنصاره من خلال صلاة الجمعة، هو محاولة لاستباق أي حركة احتجاجية محتملة كالتي حصلت في تشرين 2019، وهو ما قد يمنحه صبغة الاحتجاجات أكثر من التظاهرات المعد لها مسبقا من خلال التحشيد”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه “من الخطأ اعتبار دعوة الصدر لاتباعه إلى صلاة الجمعة حركة احتجاجية، بالتالي من المهم جدا التمييز وتوصيف الحدث بدقة، إذ أن ما يفعله الصدر قد يحتمل أن ينطبق عليه مفهوم التظاهر من خلال التحشيد السياسي المسبق”.

بالمقابل، أن “الصدر ومن خلال صلاة الجمعة، يسعى إلى تطبيع تياره مع نقمة الشارع، واستباقه إلى أي حراك احتجاجي، كون يعلم جيدا أن الاحتجاجات ذات البعد التشريني لا ترغب في مشاركه تياره أصلا ضمن حركتها الاحتجاجية كردة فعل اجتماعية”، لافتا إلى أن “مضمون خطابه ذو البعد السياسي في الصلاة حمل رسائل تحدد مطالبه شخصيا بما ينسجم مع التطورات على المستوى الداخلي في العراق والإقليمي والدولي، وهنا جدير بالذكر أن دعوته للصلاة وخطبته هي إثبات وجود يتزامن مع قمة السعودية والتي يترقب الجميع لمخرجاتها”.

من جهة أخرى، فأن “الصدر اعتاد على استخدام ورقة الشارع كلما شعر بالانزعاج من عدم إعطائه مكانته السياسية أو استحقاقه في الحكومات المتعاقبة، وهذه المرة لن تكون مختلفة عما سبقها”، يقول رئيس حراك “البيت العراقي”، محي الأنصاري، في حديث خاص لموقع “الحل نت”. 

ويضيف أن “الامور تسير باتجاه مغلق ولا أمل حتى الآن من تشكيل حكومة جديدة، وإن تم تشكيلها فإنها ستكون الأقل عمرا والأكثر مشاكلا، في حين أن الجبهة المدنية في البلاد ورغم كل ما حدث من ضغط ضدها فما زالت صوتا وفعلا جماهيريا لا يستهان به، وستكون على مقربة من أي سلوك من شأنه إحداث فارق في المشهد الفوضوي للبلاد”.

اقرأ/ي أيضا: العراق.. المالكي يهاجم الصدر في تسريب صوتي ويتبرأ منه!

استئثار بالتغيير

الأنصاري يرى أيضا، أن “ما يفعله الصدر اليوم، يأتي في إطار محاولات نسف فكرة الاحتجاج، وإيصال رسالة مفادها أن، التغيير لن يأتي إلا عن طريقه وهذا بات واضحا للجميع”، مبينا أن “الصدر لم يتوقف يوما عن احتكار الفعل الاحتجاجي لغاياته السياسية دون غيره ما أنه اليوم يلوح بطريقة أو بأخرى بأنه مازال ماسكا بهذه الأداة”. 

من جانبه، عد الصحافي والمهتم في الشأن السياسي، عمر الجنابي، أن “خطاب الصدر اليوم في صلاة الجمعة لم يأتي بجديد، خصوصا وأن الصدر بات يردده بشكل متواتر طوال الفترة السابقة”، مشيرا إلى إنه “كنا بانتظار شيء أكبر مما تم طرحه”.

الجنابي قال في حديث لموقع “الحل نت”، إن “الجديد الذي حمله خطاب الصدر، هو قطع الطريق أمام رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بالترشح إلى رئاسة الحكومة الجديدة”، مبينا أن “ذلك في الأساس كان واضحا داخل قوى الإطار نفسها”، لافتا إلى أنه “قطع الطريق أيضا أمام رئيس الحكومة الحالية مصطفى الكاظمي”.

وبين أن “الشروط التي طرحها الصدر لتشكيل حكومة جديدة هي شبه تعجيزية، مثل محاسبة الفاسدين، الذي لا شك يشمل شخصيات من الخط الأول والثاني متورطة بالفساد، ومؤكد من تلك الشخصيات رؤساء حكومات سابقة ومن بينهم المالكي، بالتالي هذه قضية صعبة، فضلا عن حل الفصائل المسلحة والمليشيات وغيرها من شروط تعتبر كلها صعبة”.

كما أشار إلى أن “خطاب الصدر كان واضحا، أن الأمور ذاهبة باتجاه التهدئة، وأن حكومة الكاظمي الحالية ستبقى مستمرة في عملها، كما أن الصدر ليس لديه مشكلة مع الإطار بالذهاب نحو تشكل حكومة جديدة، لكن ضمن شروطه، بالمقابل هو يعي جيدا أن حكومة ضمن تلك الشروط غير ممكن، لذلك ستستمر حكومة الكاظمي التي هي في الأساس مدعومة من قبل الصدر، إلى حين إجراء انتخابات مقبلة”.

اقرأ/ي أيضا: العراق.. الصدر “لا يقيم وزنا” لتسجيلات المالكي الصوتية

أهم ما جاء في جمعة الصدر

الجنابي لفت إلى أن “أهم ما ورد اليوم في الصلاة، أن الصدرين ليسوا عازمين على الخروج بتظاهرات، وأنه لا تجديد للحكومة الحالية في حال انتهاء مدتها، وأن الانتخابات المبكرة التي أجريت لا قيمة لها، لا على الأرض ولا على مستوى المستقبل، وحتى استقالة النواب الصدرين لن يكون لها وقع في حال لم تتشكل حكومة جديدة، إذ ستبقى الحكومة تحت تأثير الصدر، والبرلمان إلى الإطار وحلفاء الصدر أيضا، وكل الأمور على ما هي عليه”.

يشار إلى أن، أن المالكي يصر على ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة المقبلة، فيما ترفض أغلب قيادات “الإطار التنسيقي” تلك الخطوة، لتجنب حدوث صدام بينه وبين الصدر؛ لأن الأخير قد يخرج بتظاهرات واسعة في حال وصول نده إلى رئاسة الحكومة.

وكان الصدر فاز أولا في الانتخابات العراقية المبكرة الأخيرة التي جرت في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بحصول حزبه على 73 مقعدا نيابيا، قبل أن ينسحب من البرلمان ومن العملية السياسية برمتها.

بعد الفوز في الانتخابات المبكرة، شكّل الصدر تحالفا ثلاثيا مع “الحزب الديمقراطي” الكردستاني بزعامة رئيس إقليم كردستان سابقا، مسعود بارزاني، و”السيادة” بقيادة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي.

“التحالف الثلاثي” سُمّي بتحالف “إنقاذ وطن”، وبلغ عدد أعضائه قرابة 180 نائبا، وكان يسعى الصدر من خلاله لتشكيل حكومة “أغلبية”، لكنه لم ينجح في ذلك بسبب “الإطار التنسيقي”.

صراع نيابي

إذ أنه فشل في عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي تمهد لتشكيل الحكومة المقبلة 3 مرات متتالية، بسبب عدم حضور الأغلبية المطلقة من النواب لجلسة انتخاب الرئيس العراقي، التي يفرضها الدستور لعقد الجلسة.

فشل كان بسبب أن تحالف “إنقاذ وطن” الذي يمتلك الأغلبية البرلمانية لم يتمكن من تحقيق الأغلبية المطلقة وهي حضور 220 نائبا من مجموع 329 نائبا.

ذلك الفشل، سببه سياسة الترغيب التي مارسها “الإطار” الذي يمتلك 83 مقعدا فقط، مع النواب المستقلين وغيرهم من أجل الوصول لنحو 110 نواب وبالتالي تشكيل الثلث المعطل، الذي لا يسمح بحصول الأغلبية المطلقة، وهو ما حدث بالفعل.

نتيجة ذلك، عاش العراق في انسداد سياسي، لعدم امتلاك الصدر الأغلبية المطلقة التي تؤهله لتشكيل الحكومة، وعدم قبول “الإطار” بالذهاب إلى المعارضة، ورغم انسحاب الصدر فإن الانسداد لم ينته بعد.

ويسعى “الإطار التنسيقي”، إلى تشكيل حكومة توافقية، بعد استقالة “التيار الصدري” من البرلمان بتوجيه مباشر من زعيم التيار، مقتدى الصدر، الذي وصف مؤخرا قوى “الإطار” بأنها “أذرع إيران” لأول مرة في تاريخه السياسي.

جدير بالذكر، أن زعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر، قدد جدد اليوم الجمعة، دعوته إلى حل جميع الفصائل خلال خطبة صلاة الجمعة الموحدة في مدينة الصدر، مؤكدا على عدم إمكانية تشكيل حكومة قوية بـ”وجود ميليشيات منفلتة وسلاح منفلت”. 

وقال الصدر في خطبة صلاة الجمعة الموحدة والتي جاءت بـ10 نقاط على لسان الخطيب محمود الجياشي، “إننا في مفترق طريق صعب ووعر حيث هناك إقبال على تشكيل الحكومة من قبل البعض ممن لا نحسن الظن بهم والذين جربناهم سابقا”، داعيا المتصدين لتشكيل الحكومة إلى “إخراج ما تبقى من الاحتلال بالطرق الدبلوماسية والبرلمانية، مؤكدا أن “هذه من حقوق الشعب بعيدا عن الاحتلال وبنود الاتفاق معه”.

ودعا الصدر الكتل السياسية الشيعية إلى “التوبة إلى الله ومحاكمة الفاسدين التابعين لهم أمام قضاء غير مفصل على مقاس الفاسدين”. 

وأضاف زعيم التيار الصدري: “لست ناطقا باسم المرجعية، و الكل يعلم أن المرجعية قد أغلقت أبوابها أمام جميع السياسيين بلا استثناء، وهذه بحد ذاتها سبة بالنسبة لسياسيي الشيعة بالخصوص، لذا أطالبهم بطلب العفو من الله أولا، وأمام المرجعية ثانيا”.

اقرأ/ي أيضا: أسباب انسحاب العامري وشكل رئاسة الحكومة العراقية المقبلة

وخلال حديثه عن القوى التي ستقوم بتشكيل الحكومة قال الصدر إن “أغلبهم غير مقتنع بأن حب الوطن من الإيمان، وصارت توجهاتهم خارجية وأطلب منهم بتقديم حب الوطن على أي شي آخر ومعاملة الدول الأخرى بالمثل دبلوماسيًا واجتماعيا واقتصاديا”.

وأكد الصدر على أنه “لا يمكن تشكيل حكومة عراقية قوية مع وجود سلاح منفلت وميليشيات منفلتة لذا عليهم حل جميع الفصائل، وإن عاد المحتل عدنا أجمع”.

ووجه الصدر باسمه وباسم “الحشد الشعبي” شكره إلى أهالي المناطق المحررة من “داعش”، قائلا إنهم “رضوا بنا محررين ولولا تعاونهم لما حررت الأراضي المغتصبة فلا مَنّة للحشد عليهم، مطالبًا بـ”إعادة تنظيم الحشد وترتيبه وتصفية جسده من العناصر غير المنضبطة والاعتناء بالمجاهدين منهم وترك المحسوبيات وإبعاد الحشد عن التدخلات الخارجية وعدم زجه بالحروب الطائفية والخارجية وإبعاده عن السياسة والتجارة”.

ولفت الصدر إلى أنه “سابقا كلنا سمعنا أن المجرب لا يجرب و اردفناها بـ(الشلع قلع)، فلا تعيدوا المجرب فأنه يستمر بغيه فلا نريد أن تعاد المأساة القديمة ويضاع الوطن وتتكرر جريمة سبايكر والصقلاوية وغيرها الكثير من الصفقات المشبوهة واستمرار معاناة الشعب”.

وشدد زعيم التيار الصدري كذلك على أن “جيش العراق وشرطته يجب أن تحترم ويجب إيقاف الاعتداء عليها من الميليشيات، ويجب أن يكون المقدم على باقي التشكيلات وإبعاده عن المحتل والتدخلات الخارجية”.

كما دعا الصدر إلى “الاعتناء بأهالي المناطق المحررة وإبعاد الميليشيات عنها والتجار الفاسدين وأن تُبنى بأيادي أهلها، وعدم التغافل عن مناطق الوسط والجنوب التي عانت الأمرين من نقص الخدمات”.

وفي نقطته الأخيرة طالب الصدر بتعويض “شهداء العراق لا سيما شهداء الاحتلال والاحتجاج ومعتقليهم عدا من تلطخت أيديهم بالدماء”. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.